فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} بمقابلتِها {وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءًا} أي مُعينًا وهو في الأصلِ اسمُ ما يُعان به كالدِّفءِ، وقُرىء {رِدًَا} بالتخفيف {يُصَدّقُنِى} بتلخيصِ الحقِّ وتقريرِ الحجَّةِ بتوضيحِها وتزييفِ الشُّبهةِ {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} ولسانِي لا يُطاوعني عند المُحاجةِ. وقيل المرادُ تصديقُ القومِ لتقريرِه وتوضيحِه لكنَّه أسندَ إليه إسناد الفعلِ إلى السببِ. وقُرىء يصدقْني بالجزمِ على أنَّه جوابُ الأمرِ {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي سنقويكَ به فإنَّ قوَّةَ الشَّخصِ بشدة اليدِ على مُزاولةِ الأمورِ ولذلكَ يعبّرُ عنه باليدِ وشدَّتِها بشدَّة العضدِ {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} أي تسلطًا وغلبةً وقيل حجَّةً وليس بذاكَ {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} باستيلاءٍ أو محاجة {بآياتنا} متعلقٌ بمحذوفٍ قد صُرِّح به في مواضعَ أُخَر أي اذهَبا بآياتِنا، أو بنجعل أي تسلطكما بآياتِنا أو بمعنى لا يصَلون أي تمتنعونَ منهم بها، وقيل هو قسمٌ وجوابُه لا يصلونَ وقيلَ هو بيانٌ للغالبونَ في قولِه تعالى: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} بمعنى أنَّه صلةٌ لِمَا يبينُه أو صلةٌ له على أنَّ اللامَ للتعريفِ لا بمعنى الذي. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ}.
لذلك {أَن يَقْتُلُونِ} بمقابلتها، والمراد بهذا الخبر طلب الحفظ والتأييد لإبلاغ الرسالة على أكمل وجه لا الاستعفاء من الإرسال، وزعمت اليهود أنه عليه السلام استعفى ربه سبحانه من ذلك.
وفي التوراة التي بأيديهم اليوم أنه قال يا رب ابعث من أنت باعثه وأكد طلب التأييد بقوله: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا}.
أي عونًا كما روي عن قتادة وإليه ذهب أبو عبيدة وقال: يقال ردأته على عدوه أعنت.
قال أبو حيان: الردء المعين الذي يشتد به الأمر فعل بمعنى مفعول فهو اسم لما يعان به كما أن الدفء اسم لما يتدفأ به قال سلامة بن جندل:
وردئي كل أبيض مشرفي ** شديد الحد عضب ذي فلول

ويقال: ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشبة لئلا يسقط.
وفي قوله: {أَفْصَحُ مِنّى} دلالة على أن فيه عليه السلام فصاحة ولكن فصاحة أخيه أزيد من فصاحته، وقرأ أبو جعفر ونافع والمدنيان ردًا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الدال.
والمشهور عن أبي جعفر أنه قرأ بالنقل ولا همز ولا تنوين.
ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وجوز في ردًا على قراءة التخفيف كونه منقوصًا بمعنى زيادة من رديت عليه إذا زدت {يُصَدّقُنِى} أي يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار، فالتصديق مجاز عن التلخيص المذكور الجالب للتصديق لأنه كالشاهد لقوله، وإسناده إلى هارون حقيقة، ويرشد إلى ذلك وأخي هارون الخ لأن فضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لمثل ما ذكر لا لقوله صدقت أو أخي موسى صادق فإن سحبان وباقلا فيه سواء، أو يصل جناح كلامي بالبيان حتى يصدقني القوم الذين أخاف تكذيبهم فالتصديق على حقيقته وإنما أسند إلى هارون عليه السلام لأنه ببيانه جلب تصديق القوم، ويؤيد هذا قوله: {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} لدلالته على أن التصديق على الحقيقة.
وقيل: تصديق الغير بمعنى إظهار صدقه، وهو كما يكون بقول هو صادق يكون بتأييده بالحجج ونحوها كتصديق الله تعالى للأنبياء عليهم السلام بالمعجزات.
والمراد به هنا ما يكون بالتأييد بالحجج، فالمعنى يظهر صدقي بتقرير الحجج وتزييف الشبه إني أخاف أن يكذبون ولساني لا يطاوعني عند المحاجة.
وعليه لا حاجة إلى ادعاء التجوز في الطرف أو في الإسناد.
وتعقب بأنه لا يخفى أن صدقه معناه إما قال: إنه صادق أو قال له: صدقت، فإطلاقه على غيره الظاهر أنه مجاز، وجملة يصدقني تحتمل أن تكون صفة لردءًا، وأن تكون حالًا، وأن تكون استئنافًا.
وقرأ أكثر السبعة {يُصَدّقُنِى} بالجزم على أنه جواب الأمر.
وزعم بعضهم أن الجواب على قراءة الرفع محذوف.
ويرد عليه أن الأمر لا يلزم أن يكون له جواب فلا حاجة إلى دعوى الحذف، وقرأ أبي وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم {يصدقوني} بضمير الجمع وهو عائد على {فرعون وملئه} [القصص: 32] لا على هارون والجمع للتعظيم كما قيل، والفعل على ما نقل عن ابن خالويه مجزوم فقد جعل هذه القراءة شاهدًا لمن جزم من السبعة يصدقني وقال لأنه لو كان رفعًا لقيل يصدقونني، وذكر أبو حيان بعد نقله أن الجزم على جواب الأمر والمعنى في يصدقون أرج تصديقهم إياي فتأمل.
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}.
إجابة لمطلوبه وهو على ما قيل راجع لقوله: {أُرْسِلَهُ مَعِىَ} [القصص: 34] الخ والمعنى سنقويك به ونعينك على أن شد عضده كناية تلويحية عن تقويته لأن اليد تشتد بشدة العضد وهو ما بين المرفق إلى الكتف والجملة تشتد بشدة اليد ولا مانع من الحقيقة لعدم دخول بأخيك فيما جعل كناية أو على أن ذلك خارج مخرج الاستعارة التمثيلية شبه حال موسى عليه السلام في تقويته بأخيه بحال اليد في تقويتها بعضد شديد، وجوز أن يكون هناك مجاز مرسل من باب إطلاق السبب على المسبب بمرتبتين بأن يكون الأصل سنقويك به ثم سنؤيدك ثم سنشد عضدك به، وقرأ زيد بن علي، والحسن عضدك بضمتين، وعن الحسن أنه قرأ بضم العين وإسكان الضاد، وقرأ عيسى بفتحهما، وبعضهم بفتح العين وكسر الضاد، ويقال فيه عضد بفتح العين وسكون الضاد ولم أعلم أحدًا قرأ بذلك، وقوله تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} أي تسلطًا عظيمًا وغلبة راجع على ما قيل أيضًا لقوله: {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} [القصص: 34] وقوله سبحانه: {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} تفريع على ما حصل من مراده أي لا يصلون إليكما باستيلاء أو محاجة {بِآَيَاتِنَا} متعلق بمحذوف قد صرح به في مواضع أخر أي اذهبا بآياتنا أو بنجعل أي نسلطكما بآياتنا أو بسلطانًا لما فيه من معنى التسلط والغلبة أو بمعنى لا يصلون أي تمتنعون منهم بها أو بحرف النفي على قول بعضهم بجواز تعلق الجار به، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون قسمًا جوابه لا يصلون مقدمًا عليه أو هو من القسم الذي يتوسط الكلام ويقحم فيه لمجرد التأكيد فلا يحتاج إلى جواب أصلًا، ويرد على الأول أن جواب القسم لا يتقدمه ولا يقترن بالفاء أيضًا فلعله أراد أن ذلك دال على الجواب وأما هو فمحذوف إلا أنه تساهل في التعبير، وجوز أن يكون صلة لمحذوف يفسره الغالبون في قوله سبحانه: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} أو صلة له واللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي أو بمعناه على رأي من يجوز تقديم ما في حيز الصلة على الموصول إما مطلقًا أو إذا كان المقدم ظرفًا وتقديمه إما للفاصلة أو للحصر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)}.
جرى التأكيد على الغالب في استعمال أمثاله من الأخبار الغريبة ليتحقق السامع وقوعها وإلا فإن الله قد علم ذلك لما قال له {اضمم إليك جناحك من الرهب} [القصص: 32].
والمعنى: فأخاف أن يذكروا قتلي القبطي فيقتلوني.
فهذا كالاعتذار وهو يعلم أن رسالة الله لا يتخلص منها بعذر، ولكنه أراد أن يكون في أمن إلهي من أعدائه.
فهذا تعريض بالدعاء، ومقدمة لطلب تأييده بهارون أخيه.
{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)}.
هذا سؤال صريح يدل على أن موسى لا يريد بالأول التنصل من التبليغ ولكنه أراد تأييده بأخيه.
وإنما عيّنه ولم يسأل مؤيدًا ما لعلمه بأمانته وإخلاصه لله ولأخيه وعلمه بفصاحة لسانه.
وردى بالتخفيف مثل ردء بالهمز في آخره: العون.
قرأه نافع وأبو جعفر {ردى} مخففًا.
وقرأه الباقون {ردءًا} بالهمز على الأصل.
و{يصدقني} قرأه الجمهور مجزومًا في جواب الطلب بقوله: {فأرسله معي}.
وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أن الجملة حال من الهاء من {أرسله}.
ومعنى تصديقه إياه أن يكون سببًا في تصديق فرعون وملئه إياه بإبانته عن الأدلة التي يلقيها موسى في مقام مجادلة فرعون كما يقتضيه قوله: {هو أفصح مني لسانًا فأرسله معي ردى يصدقني}.
فإنه فرع طلب إرساله معه على كونه أفصح لسانًا وجعل تصديقه جواب ذلك الطلب أو حالًا من المطلوب فهو تفريع على تفريع، فلا جرم أن يكون معناه مناسبًا لمعنى المفرع عنه وهو أنه أفصح لسانًا.
وليس للفصاحة أثر في التصديق إلا بهذا المعنى.
وليس التصديق أن يقول لهم: صدق موسى، لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة.
فإسناد التصديق إلى هارون مجاز عقلي لأنه سببه، والمصدقون حقيقة هم الذين يحصل لهم العلم بأن موسى صادق فيما جاء به.
وجملة {إني أخاف أن يكذبون} تعليل لسؤال تأييده بهارون، فهذه مخافة ثانية من التكذيب، والأولى مخافة من القتل.
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}.
استجاب الله له دعوتيه وزاده تفضلًا بما لم يسأله فاستجابة الدعوة الثانية بقوله: {سنشد عضدك بأخيك} واستجابة الأولى بقوله: {فلا يصلون إليكما} والتفضل بقوله: {ونجعل لكما سلطانًا} فأعطى موسى ما يماثل ما لهارون من المقدرة على إقامة الحجة إذ قال: {ونجعل لكما سلطانًا}.
وقد دل على ذلك ما تكلم به موسى عليه السلام من حجج في مجادلة فرعون كما في سورة الشعراء، وهنا وما خاطب به بني إسرائيل مما حكي في سورة الأعراف.