فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واطلع في معنى: اطلع، يقال: طلع إلى الجبل واطلع بمعنى واحد، أي صعد، فافتعل فيه بمعنى الفعل المجرد وبغير الحق، إذ ليس لهم ذلك، فهم مبطلون في استكبارهم، حيث ادعى الإلهية ووافقوه على ذلك؛ والكبرياء في الحقيقة إنما هو لله.
وقرأ حمزة، والكسائي، ونافع: لا يرجون، مبنيًا للفاعل؛ والجمهور: مبنيًا للمفعول.
والأرض هنا أرض مصر.
{فنبذناهم في اليم} كناية عن إدخالهم في البحر حتى غرقوا، شبهوا بحصيات.
قذفها الرامي من يده، ومنه نبذ النواة، وقول الشاعر:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ** كنبذك نعلًا من نعالك باليا

وقوم فرعون وفرعون، وإن ساروا إلى البحر باختيارهم في طلب بني إسرائيل، فإن ما ضمهم من القدر السابق، وإغراقهم في البحر، هو نبذ الله إياهم.
وجعل هنا بمعنى: صير، أي صيرناهم أئمة قدوة للكفار يقتدون بهم في ضلالتهم، كما أن للخير أئمة يقتدى بهم، اشتهروا بذلك وبقي حديثهم.
وقال الزمخشري: وجعلناهم: دعوناهم، أئمة: دعاة إلى النار، وقلنا: إنهم أئمة دعاة إلى النار، وهو من قولك: جعله بخيلًا وفاسقًا إذا دعاه فقال: إنه بخيل وفاسق.
ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله: جعله بخيلًا وفاسقًا، ومنه قوله عز وجل: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} ومعنى دعوتهم إلى النار: دعوتهم إلى موجباتها من الكفر. انتهى.
وإنما فسر جعلناهم بمعنى دعوناهم، لا بمعنى صيرناهم، جريًا على مذهبه من الاعتزال، لأن في تصييرهم أئمة، خلق ذلك لهم.
وعلى مذهب المعتزلة، لا يجوّزون ذلك من الله، ولا ينسبونه إليه، قال: ويجوز خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر، ومعنى الخذلان: منع الإلطاف، وإنما يمنعها من علم أنه لا ينفع فيه، وهو المصمم على الكفر، الذي لا تغني عنه الآيات والنذر. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال أيضًا.
{لعنة} أي طردًا وإبعادًا، وعطف يوم القيامة على: {في هذه الدنيا}.
{من المقبوحين} قال أبو عبيدة: من الهالكين.
قال ابن عباس: من المشوهين الخلقة، لسواد الوجوه وزرقة العيون.
وقيل: من المبعدين. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}.
التفسير: ذهب بعض المفسرين إلى أن موسى خرج وما قصد مدين ولكنه سلم نفسه إلى الله تعالى وأخذ يمشي من غير معرفة طريق فأوصله الله إلى مدين. وقد يؤيد هذا التفسير ما روي عن ابن عباس أنه خرج وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، ويحتمل أن يكون معنى قول ابن عباس أنه لما خرج قصد مدين لأنه وقع في نفسه أن بينه وبينهم قرابة لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم وهو كان من بني إسرائيل لكن لم يكن له علم بالطريق بل اعتمد على فضل الله تعالى. أما أنه قصد مدين فلقوله سبحانه: {ولما توجه تلقاء مدين} أي قصد نحو هذه القرية ولم تكن في سلطان فرعون وبينها وبين مصر مسيرة ثمان. وأما أنه اعتمد على فضل الله فلقوله. {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} أي وسطه وجادّته نظيره قول جده إبراهيم عليه السلام {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} [الصافات: 99] وكذا الخلف الصدق يقتدي بالسلف الصالح فيهتدي. قال السدي: لما أخذ في المسير جاءه ملك على فرس فسجد له موسى من الفرح فقال: لا تفعل واتبعني فاتبعه نحو مدين. عن ابن جريج أنه خرج بغير زاد ولا ظهر ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر. {ولما ورد ماء مدين} وكان بئرًا فيما روي وورود الماء مجيئه والوصول إليه ضدّ الصدور. {وجد عليه} أي على شفيره ومستقاه {أمة من الناس} جماعة كثيرة العدد أصنافًا {يسقون} مواشيهم {ووجد من دونهم} أي في مكان اسفل من مكانهم {امرأتين تذودان} أي تدفعان وتطردان أغنامهما لأن على الماء من هو أقوى منهما فلم يتمكنا من السقي، وكانتا تكرهان المزاحمة على الماء واختلاط أغنامهما بأغنامهم أو اختلاطهما بالرجال. وقيل: تذودان الناس عن غنمهما. وقيل: تذودان عن وجوههما نظر الناظر. وبالجملة حذف مفعول {تذودان} لأن الغرض تقرير الذود لا المذود. وكذا في {يسقون} و{لا نسقي} المقصود هو ذكر السقي لا المسقي، وكذا في قراءة من قرأ: {حتى يصدر} من لا إصدار أي حتى يصدر الرعاء مواشيهم الغرض بيان الإصدار. {قال ما خطبكما} هو مصدر بمعنى المفعول أي ما خطو بكما من الذياد {قالتا لا نسقي} الآية.
سألهما عن سبب الذود فذكرتا أنا ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم فلابد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا وما لنا رجل يقوم بذلك. {وابونا شيخ} قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به، وهذه الضرورة هي التي سوغت لنبي الله شعيب أن رضي لابنتيه بسقي الماشية على أن الأمر في نفسه ليس بمحظور، ولعل العرب وخصوصًا أهل البدو منهم لا يعدّونه قادحًا للمروءة. وزعم بعضهم أن أباهما هو ثيرون ابن أخي شعيب وشعيب مات بعدما عمي وهو اختيار أبي عبيد ينميه إلى ابن عباس. وعن الحسن أنه رجل مسلم قبل الدين من شعيب. أما قوله: {فسقى لهما} فمعناه فسقى غنمهما لأجلهما وفيه قولان: أحدهما أنه سأل القوم فسمحوا وكان لهم دلو يجتمع عليها أربعون رجلًا فيخرجونها من البئر فاستقى موسى بها وحده وصب الماء في الحوض ودعا بالبركة، ثم قرب غنمهما فشربت حتى رويت ثم سرحهما مع غنمهما. والثاني أنه عمد إلى البئر وعليها صخرة لا يقلها إلا سبعة رجال أو عشرة أو أربعون أو مائة- أقوال- فأقلها وحده وسقى أغنامهما، كل ذلك في شمس وحر. {ثم تولى إلى الظل} ظل شجرة {فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} ذهب أكثر المفسرين الظاهريين ومنهم ابن عباس إلى أنه طلب من الله طعامًا يأكله. وعدي {فقير} باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب. وعن الضحاك أنه مكث سبعة أيام لم يذق فيها طعامًا إلا بقل الأرض وإن خضرته تتراءى في بطنه من الهزال، ويه دليل على أنه نزع الدلو وأقل الصخرة بقوة ربانية. وقال بعض أهل التحقيق: أراد إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين، وذلك أنه كان عند فرعون في ملك وثروة فأظهر الرضا بهذا الذل شكرًا لله. يروى أنهما لما رجعتا إلى ابيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلًا صالحًا رحمنا فسقى لنا. فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي وذلك قوله سبحانه: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} قيل: من جملة حيائها أنها قد استترت بكم درعها ثم {قالت إن أبي يدعوك} عن عطاء بن السائب أنه حين قال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} رفع صوته بدعائه ليسمعهما فلذلك قيل له {ليجزيك أجر ما سقيت لنا} وضعفت الرواية بأن هذا نوع من الدناءة وضعف اليقين بالله فلا يليق بالنبي. وقد روي أنها حين قالت: ليجزيك كره ذلك. ولما قدم إليه الطعام امتنع وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بدنيانا ولا نأخذ على المعروف ثمنًا حتى قال شعيب هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا.
سؤال: كيف ساغ لموسى أن يعمل بقول امرأة وأن يمشي معها وهي أجنبية؟ الجواب: العمل بقول الواحد حرًا أو عبدًا ذكرًا كان أو أنثى سائغ في الأخبار، والمشي مع الأجنبية لا بأس به في حال الاضطرار مع التورع والعفاف، ويؤيده ما روي أن موسى تبعها فأزلقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لهاك امشي خلفي وانعتي لي الطريق.
قال الضحاك: لما دخل عليه قال له: من أنت يا عبد الله؟ قال: أنا موسى بن عمران بن يصهر ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب. {وقص عليه القصص} أي المقصوص من لدن ولادته إلى قتل القبطيّ وفراره خوفًا من فرعون وملئه ف {قال} له شعيب {لا تخف} من فرعون أو ضيمًا {نجوت من القوم الظالمين} فلا سلطان لفرعون بأرضنا {قالت إحداهما} وهي كبراهما اسمها صفراء وكانت الصغرى صفيراء {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القويّ الأمين} قال النحويون: جعل القوي الأمين اسمًا لكونه معرفة صريحة أولى من جعل أفعل التفضيل المضاف اسمًا لكونه قريبًا من المعرفة، ولكن كمال العناية صار سببًا للتقديم. وورود الفعل وهو {استأجرت} بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف. وقال المحققون: إن قولها هذا كلام حكيم جامع لا مزيد عليه لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان أعني الكفاية والأمانة اللتين هما ثمرتا الكياسة والديانة في الذين يقوم بأمرك، فقد حصل مرادك وكمل فراغك. عن ابن عباس أن شعيبًا أحفظته الغيرة فقال: وما علمك بقوّته وأمانته؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو وأنه صوّب راسه أي خفضه حين بلغته رسالته، وأنه أمرها بالمشي خلفه فلذلك قال: {أريد أن أنكحك إحدى ابنتي} وليس هذا عقدًا حتى تلزم الجهالة في المعقود عليها ولكنه حكاية عزم وتقرير وعد ولو كان عقدًا لقال أنكحتك ابنتي فلانة. وفي قوله: {هاتين} دليل على أنه كانت له غيرهما. قال أهل اللغة: {تأجرني} من أجرته إذا كنت له أجيرًا فيكون {ثماني} حجج ظرفه أو من اجرته كذا إذا أثبته إياه فيكون المثاني مفعولًا به ثانيًا ومعناه رعية ثماني حجج {فإن أتممت عشرًا} أي عمل عشر حجج {فمن عندك} أي فإتمامه من عندك لا من عندي إذ هو تفضل منك وتبرع {وما أريد أن أشق عليك} الزام أتم الأجلين أو بالتكاليف الشاقة في مدة الرعي، وإنما أعامل معك معاملة الأنبياء يأخذون بالأسمح- بالحاء لا بالجيم- قال أهل الاشتقاق: حقيقة قولهم شققت عليه وشق عليه الأمر أنه إذا صعب الأمر فكأنه شق عليه ظنه باثنين يقول تارة أطيقة وتارة لا أطيقه. ثم أكد وعد المسامحة بقوله: {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} عمومًا أو في باب حسن المعاملة. وقوله: {إن شاء الله} أدب جميل كقول إسماعيل {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102] أي على الذبح.
وفيه أن الاعتماد في جميع الأمور على معونة الله والأمر موكول إلى مشيئته. استدل الفقهاء بالآية على أن العمل قد يكون مهرًا كالمال، وعلى أن إلحاق الزيادة بالثمن والمثمن جائز، وعلى أن عقد النكاح لا يفسده الشروط التي لا يوجبها العقد. ويمكن أن يقال: إنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا. وجوّز في الكشاف أن يكون استأجره لرعية ثماني سنين بمبلغ معلوم ووفاه إياه ثم أنكحه ابنته. وجعل قوله: {على أن تأجرني} عبارة عما جرى بينهما {قال} موسى {ذلك} الذي شارطتني عليه قائم {بيني وبينك أيما الأجلين قضيت} وما مؤكدة لإبهام أيّ زائدة في شيوعها {فلا عدوان عليّ} أي لا يعتدي عليّ في طلب الزيادة فإن قضيت الثماني فلا أطالب بالزيادة وإن قضيت العشر باختياري فلم أطالب بالزيادة أيضًا. وقيل: أراد أيهما قضيت فلا أكون متعديًا. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوّج كبراهما وقيل صغراهما ولا خلاف في أنه قضى أوفى الأجلين.
قال القاضي في قوله: {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس} دليل على أنه لم يزد على العشرة وفيه نظر لأنه لا يفهم من هذا التركيب إلا أن الإيناس حاصل على عقيب مجموع الأمرين، ولا يدل على أن ذلك حصل عقيب أحدهما وهو قضاء الأجل ويؤيده ما روي عن مجاهد أنه بعد العشر المشروط مكث عشر سنين أخر. قال أهل اللغة: الجذوة بحركات الجم العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن، وشاطئ الوادي جانبه، و{من} الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة، فالثانية بدل من الأولى وبدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ، ووصفت البقعة بالمباركة لأن فيها ابتداء الرسالة والتكلم. احتجت المعتزلة على مذهبهم أن الله تعالى يتكلم بكلام يخلقه في جسم بقوله: {من شجرة} وقال أهل السنة: مما وراء النهران الكلام القديم القائم بذات الله غير مسموع والمسموع من الشجرة وهو الصوت والحرف دال على كلام الله. وذهب الأشعري إالى أن الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت يمكن أن يكون مسموعًا كما أن الذات التي ليست بجسم ولا عرض يمكن أن تكون مرئية. روي أن شعيبًا كانت عنده عصيّ الأنبياء فقال لموسى بالليل: ادخل البيت فخذ عصا من تلك العصيّ فأخذ عصًا هبد بها آدم من الجنة ولم تزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفًا فشعر بها فقال: غيرها، فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم أن له شأنًا. وعن الكلبي: الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج ومنها كانت عصاه، ولما أصبح قال له شعيب: إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك وإن كان الكلأ هناك أكثر لأن فيها تنينًا أخشاه عليك وعلى الغنم.