فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)}.
قوله: {بِغَيْرِ الحق} حالٌ أي: استكبروا مُلتبسينَ بغيرِ الحقِّ.
قوله: {لاَ يُرْجَعُونَ} قرأ نافعٌ والأخوان مبنيًا للفاعل. والباقون للمفعول.
قوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ} أي: صَيَّرْناهم. وقال الزمخشري: دَعَوْناهم كأنه فرََّ مِنْ نسبةِ ذلك إلى الله تعالى، أعني التصييرَ؛ لأنه لا يوافِقُ مذهبَه. و{يَدْعُون} صفةٌ ل {أَئمةً}.
قوله: {وَيَوْمَ القِيَامَةِ} فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب {المقبوحين} على أنّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِع فيه، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ يُفَسِّره المقبوحين، كأنه قيل: وقُبِّحُوا يومَ القيامةِ نحو: {لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القالين} [الشعراء: 168] أو يُعْطَفَ على موضع {في الدنيا} أي: وأَتْبَعْناهم لعنةً يوم القيامة، أو معطوفةٌ على {لعنةً} على حذفِ مضافٍ أي: ولعنةَ يوم القيامة. والوجهُ الثاني أظهرُها.
والمقبوحُ: المطرودُ. قبَّحه الله: طرده. قال:
ألا قَبَّح اللهُ البراجِمَ كلِّها ** وجَدَّعَ يَرْبُوعًا وعَقَّر دارِما

وسُمِّيَ ضِدُّ الحُسْنِ قبيحًا؛ لأنَّ العينَ تَنْبُو عنه، فكأنها تطردُه يُقال: قَبُح قَباحةً. وقيل: من المقبوحينَ: من المَوْسومين بعلامةً مُنْكَرَةٍ كزُرْقة العيون وسوادِ الوجوهِ. والقبيحُ أيضًا: عَظْمُ الساعدِ ممَّا يلي النصفَ منه إلى المِرْفَقِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.
ادَّعى الانفرادَ بالإلهية فزاد في ضلالِه على عَبَدَةِ الأصنام الذين جعلوا أصنامَهم شركاءَ، ثم قال لهامان: {ابْن لي صَرْحًا لعلِّي أطلع إِلى إله موسى} وكان هذا من زيادة ضلاله، حيث تَوَهَّم أن المعبودَ من جهة فوق، وأنه يمكن الوصول إليه. ولعمري لو كان في جهةٍ لأمكن تقدير الوصول إليه وتجويزه!.
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}.
أبَى إِلا أنْ يدومَ جحودُه، وعُنوده، فأغرقه اللَّهُ في البحرِ، كما أغرق قلبَه في بحر الكُفْر.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)}.
لا لِشَرَفِهم جعلهم أئمة ولكن لسبب تَلَقِهم قَدَّمَهم في الخزي والهوان على كلِّ أمة، ولكن لم يُرْشدُوا إِلاَّ إلى الضلال. ولم يَدُلُّوا الخَلْقَ إِلاّ على المُحَال، وما حصلوا إلا على سوءِ الحال، وما ذاقوا إلا خِزْيَ الوبال. أفاضوا على مُتَّبِعهم من ظلمات قلوبهم فافتضحوا في خِسَّةِ مطلوبهم.
{وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)}.
كانوا في الدينا مُبْعَدين عن معرفته، وفي الآخرة مُبْعَدين عن مغفرته، فانقلبوا من طَرْدٍ إلى طرد، ومن هَجْرٍ إلى بُعْدٍ، ومن فراقٍ إلى احتراقٍ. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

الإشارة: الأرواح كلها برزت من عالم العز والكبرياء، وهو عالم الجبروت، فما هبطت إلى عالم الأشباح، وكلفت بالعبودية، وبالخضوع لقهرية الربوبية، شق عليها، ونفرت من التواضع والذل، وبطشت إلى أصلها؛ لأنها من عالم العز، فبعث الله الرسل ومشايخ التربية يدلونها على ما فيه سعادتها. من الذل والتواضع والخضوع للحق، حتى تصل إلى الحق، فمن سبق له الشقاء؛ أنف، وقال: ما هذا إلا سحر مفترى، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، واستكبر وطغى، فغرق في بحر الردى. ومن سبقت له السعادة؛ تواضع، وذل لعظمة مولاه، فوصله إلى العز الدائم، في حضرة جماله وسناه. ولذلك قيل: للنفس خاصية ما ظهرت إلا على فرعون، حيث قال: أنا ربكم الأعلى. وهذه الخاصية هي أصل نشأتها وبروزها، حيث برزت من عالم الجبروت؛ قال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} ولكن لم يفتح لها الباب إلا من جهة العبودية والذل والافتقار، كما قال الشاعر:
تَذَلَّلْ لِمَنْ تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزَّةً ** فَكَمْ عِزَّةٍ قَدْ نالَهَا المَرْءُ بِالذُّلِّ

إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوى عَزِيزًا وَلَمْ تَكُنْ ** ذَلِيلًا لَهُ فَاقْرَ السَّلامَ على الْوَصْلِ

ولا يرضى المحبوب من المحب إلا الأدب، وهو التذلل والخضوع، كما قائل القائل:
أدَبُ الْعَبْدِ تَذَلُّلٌ ** وَالْعَبْدُ لاَ يَدَعُ الأدَبْ

فَإذَا تَكَامَلَ ذُلّهُ ** نَالَ الْمَوَدَّةَ وَاقْتَرَبْ

اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: وحين توجه تلقاء مدين عالم الروحانية {وجد عليه أمة} من أوصاف الروح {يسقون} مواشي أخلاقهم من ماء فيض الإلهي.
{ووجد من دونهم امرأتين} السر والخفي ابنتا شعيب الروح يمنعان من استقاء ماء الفيض الإلهي. قال الشيخ الإمام الرباني نجم الدين المعروف بداية: وذلك لأن لمعان أنوار الفيض يرد على الروح في البداية بالتدريج فينشا منه الخفي، وهو لطيفه ربانية مودعة في الروح بالقوة فلا يحصل بالفعل إلا بعد غلبة الواردات الربانية ليكون واسطة بين الحضرة والروح في قبول تجليات صفات الربوبية والفيوض الإلهية، فيكون في هذه المدة بمعزل عن الاستقاء. وكذا السر وهو لطيفة روحانية متسوطة بين القلب والروح قابلة لفيض الروح، مؤدية غلى القلب وهو أيضًا بمعزل عن استقاء ماء فيض الروح عند اشتغال القلب بمعالجات النفس وإصلاح القالب إلى حين توجه موسى القلب إلى مدين عالم الروحانية وذلك قولهما {لا نسقي حتى يصدر الرعاء} وهم صفات الروح ويصرفوا مواشيهم وهي الصفات الإنسانية عن ماء الفيض الإِلهي، فإذا صدروا استقينا مواشينا من الأوصاف والأخلاق من أفضله مواشيهم في حوض القوى {وأبونا} وهو شعيب الروح لا يقدر على سقيه من الأوصاف الإنسانية إلا بالأجر والوسائط، وإنا لا نطيق أن نسقي لضعف حالنا، فسقي موسى القلب مواشيهما بقوّة استفادها من الجسد وقوّة استفادها من الروح لأنه متوسط بين العالمين ولهذا سمي قلبًا {ثم تولى إلى الظل} إلى العناية فطلب الفيض الإلهي بلا وساطة وهكذا ينبغي أن يكون السالك لا يقنع بما وجد من المعارف أبدًا.
{فجاءته إحداهما} فيه أن القلب يحتاج في الوصول إلى حضرة شعيب الروح أن يستمد من الخفي أو السر. {لا تخف نجوت} فيه أن القلب إذا وصل إلى مقام الروح نجا من ظلمات النفس وصفاتها {إن خير من استأجرت} من النفس والجسد {القوي الأمين} لأن القلب استفاد القوّة من الجسد والأمانة من الروح {ثماني حجج} فيه أن الروح في تبليغ القلب إلى مقام الخفي يحتاج إلى تسييره في مقامات صفاته الثمانية المخصوصة به في خلافة الحق وهي: الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والبقاء. وتمام ذلك إلى العشرة راجع إلى خصوصيته وهما المحبة والأنس مع الله {أيما الأجلين قضيت} في التخلق بأخلاقك اليمانية وفي المحبة والأنس مع الله {فلا عدوان عليّ} أي ليس لك أن تمنعني العبور عن المحبة لأنك من خصوصيتك بالخلافة مجبول على تلك الصفات الثمانية. وأما المحبة والأنس مع الله فصفتان مخصوصتان بالحضرة. {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} ولهذا كل إنسان من المؤمن والكافر فإنه مجبول على تلك الأوصاف وليس من زمرة {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] إلا مؤمن موحد. فلما اتصف مسى القلب بالأوصاف الثمانية وغلبت عليه محبة الله واستأنس به وصار بجميع صفاته متوجهًا إلى حضرة القدس {آنس} من طور الحضرة نار نور الإلوهية. وفي قوله: {لأهله امكثوا} إشارة إلى أن السالك لابد له من تجريد الظاهر عن الأهل والمال وتفريد الباطن عن تعلقات الكونين.
ويبدو وإذا بدا استمكن شمس طلعت ومن رآها آمن. وفي قوله: {لعلكم تصطلون} إشارة إلى أن الأوصاف الإنسانية جامدة من برودة الطبيعة لا تتسخن إلا بجذوة نار المحبة بل بنار الجذبة الإلهية {من شاطئ الواد الأيمن} وهو السر في بقعة البدن من شجرة وجود الإنسان {من الرهب} أي رهبة من فوات وصال الحضرة {وأخي هرون} هو العقل فمن خصوصيته تصديق الناطق بالحق {قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} لأن النفس خلقت من اسفل عالم الملكوت ومنكسة، والقلب خلق وسط عالم الملكوت متوجهًا إلى الحضرة فلهذا {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] وما صدقت النفس ما رأت {في آبائنا الأولين} أي في طبائع الكواكب فإنها آباء النفس وأمهاتها العناصر والطبائع منكوسة إلى عالم السفل لا يعرفون مقام الوحدة فلا يعرفون بالتوحيد. {فأوقد لي يا هامان} الشيطان {على الطين} البشرية بنفخ الوساوس والغرور {فاجعل لي صرحًا} من المقدمات الخيالية والوهمية {فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} أغرقوا في ماء شهوات الدنيا ويم هممها فأدخلوا نار الحسرة والندامة. اهـ.

.تفسير الآيات (43- 47):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وعد سبحانه بإمامة بني إسرائيل وقص القصص حتى ختم بإمامة آل فرعون في الدعاء إلى النار إعلامًا بأن ما كانوا عليه تجب مجانبته ومنابذته ومباعدته، وكان من المعلوم أنه لابد لكل إمامة من دعامة، تشوفت النفس إلى أساس إمامة بني إسرائيل التي يجب العكوف في ذلك الزمان عليها، والتمسك بها، والمبادرة إليها، فأخبر سبحانه عن ذلك مقسمًا عليه مع الافتتاح بحرف التوقع، لأن العرب وإن كانوا مصدقين لما وقع من المنة على بني إسرائيل بإنقاذهم من يد فرعون وتمكينهم بعده، وإنزال الكتاب عليهم، فحالهم بإنكار التمكين لأهل الإسلام والتكذيب بكتابهم حال المكذب بأمر بني إسرائيل، لأنه لا فرق بين نبي ونبي، وكتاب وكتاب، وناس وناس، لأن رب الكل واحد، فقال: {ولقد آتينا} أي بما لنا من الجلال والجمال والمجد والكمال {موسى الكتاب} أي التوراة الجامعة للهدى والخير في الدارين؛ قال أبو حيان: وهو أول كتاب أنزلت فيه الفرائض والأحكام.
ولما كان حكم التوراة لا يستغرق الزمان الآتي، أدخل الجار فقال: {من بعد ما} إشارة إلى أن إيتاءها إنما هو في مدة من الزمان، ثم ينسخها سبحانه بما يشاء من أمره {أهلكنا} أي بعظمتنا {القرون الأولى} أي من قوم نوح إلى قوم فرعون، ووقتها بالهلاك إشارة إلى أنه لا يعم أمة من الأمم بالهلاك بعد إنزالها تشريفًا لها ولمن أنزلت عليه وأوصلت إليه؛ ثم ذكر حالها بقوله: جمع بصيرة، وهي نور القلب، مصابيح وأنوارًا {للناس} أي يبصرون بها ما يعقل من أمر معاشهم ومعادهم، وأولاهم وأخراهم، كما أن نور العين يبصر به ما يحسن من أمور الدنيا.