فصل: (سورة القصص: آية 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة القصص: آية 47]:

{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)}.
لَوْلا الأولى امتناعية وجوابها محذوف، والثانية تحضيضية، وإحدى الفاءين للعطف، والأخرى جواب لولا، لكونها في حكم الأمر، من قبل أن الأمر باعث على الفعل، والباعث والمحضض من واد واحد. والمعنى: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدّموا من الشرك والمعاصي: هلا أرسلت إلينا رسولا، محتجين علينا بذلك: لما أرسلنا إليهم، يعنى: أن إرسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} {أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ} فإن قلت: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول، لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلت: القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول، فأدخلت عليها لولا، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويئول معناه إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة: وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين: لم يقولوا {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا} وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم. وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفى، كقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدى: جعل كل عمل معبرا عنه باجتراح الأيدى وتقديم الأيدى وإن كان من أعمال القلوب، وهذا من الاتساع في الكلام وتصيير الأقل تابعا للأكثر وتغليب الأكثر على الأقل.

.[سورة القصص: آية 48]:

{فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48)}.
{فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ} وهو الرسول المصدق بالكتاب المعجز مع سائر المعجزات وقطعت معاذيرهم وسدّ طريق احتجاجهم {قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى} من الكتاب المنزل جملة واحدة، ومن قلب العصاحية وفلق البحر وغيرهما من الآيات، فجاءوا بالاقتراحات المبنية على التعنت والعناد، كما قالوا: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك، وما أشبه ذلك {أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا} يعنى أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم، وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام بِما أُوتِيَ مُوسى وعن الحسن رحمه اللّه: قد كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام، فمعناه على هذا: أو لم يكفر آباؤهم قالُوا في موسى وهرون سِحْرانِ تَظاهَرا أى تعاونا. وقرئ إظهارا على الإدغام. وسحران، بمعنى: ذوا سحر. أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر. أو أرادوا نوعان من السحر بِكُلٍّ بكل واحد منهما.
فإن قلت: بم علقت قوله من قبل في هذا التفسير؟ قلت: بأ ولم يكفروا، ولي أن أعلقه بأوتي، فينقلب المعنى إلى أن أهل مكة الذين قالوا هذه المقالة كما كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن فقد كفروا بموسى عليه السلام وبالتوراة، وقالوا في موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام: ساحران تظاهرا. أو في الكتابين: سحران تظاهرا، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى اللّه عليه وسلم، فأخبروهم أنه نعته وصفته، وأنه في كتابهم، فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك: ساحران تظاهرا.

.[سورة القصص: آية 49]:

{قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49)}.
{هُوَ أَهْدى مِنْهُما} مما أنزل على موسى عليه السلام ومما أنزل علىّ. هذا الشرط من نحو ما ذكرت أنه شرط المدل بالأمر المتحقق لصحته، لأنّ امتناع الإتيان بكتاب أهدى من الكتابين أمر معلوم متحقق لا مجال فيه للشكّ. ويجوز أن يقصد بحرف الشكّ: التهكم بهم.

.[سورة القصص: آية 50]:

{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}.
فإن قلت: ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية، وبينه في قوله: فلم يستجبه عند ذاك مجيب حيث عدّى بغير اللام؟ قلت: هذا الفعل يتعدّى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام، ويحذف الدعاء إذا عدّى إلى الداعي في الغالب، فيقال، استجاب اللّه دعاءه أو استجابة له، ولا يكاد يقال: استجاب له دعاءه. وأما البيت فمعناه: فلم يستجب دعاءه، على حذف المضاف. فإن قلت: فالاستجابة تقتضي دعاء ولا دعاء هاهنا. قلت: قوله فأتوا بكتاب أمر بالإتيان والأمر بعث على الفعل ودعاء إليه، فكأنه قال: فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، فاعلم أنهم قد ألزموا ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى، ثم قال وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ لا يتبع في دينه إلا هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ أى مطبوعا على قلبه ممنوع الألطاف إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أى لا يلطف بالقوم الثابتين على الظلم الذين اللاطف بهم عابث. وقوله بغير هدى في موضع الحال، يعنى: مخذولا مخلى بينه وبين هواه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل}.
أي الأجل المذكور {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} الأهل هنا الزوجة مشى بها إلى مصر {جَذْوَةٍ} أي قطعة، ويجوز كسر الجيم وضمها، وقد ذكر آنس، والطور، وتصطلون.
{شَاطِىءِ الوادي} جانبه والأيمن صفة للشاطئ اليمين، ويحتمل أن يكون من اليمن فيكون صفة للوادي {مِنَ الشجرة} روي: أنها كانت عوسجة {جَآنٌّ} ذكر من النمل {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي أدخلها فيه، والجيب هو فتح الجبة من يحث يخرج الإنسان رأسه {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} الجناح اليد أو الإبط أو العضد، أمره الله لما خاف من الحية أن يضمه إلى جنبه ليخفَّ بذلك خوفه، فإن من شاء الإنسان إذا فعل ذلك في وقت فزعه أن يخف خوفه، وقيل: ذلك على وجه المجاز، والمعنى أنه أمر بالعزم على ما أمر به: كقوله اشدد حيازيمك واربط جأشك.
{مِنَ الرهب} أي من أجل الرَّهْب، وهو الخوف، وفيه ثلاثة لغات: فتح الراء والهاء، وفتح الراء وإسكان الهاء، وضم الراء وإسكان الهاء {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} أي حجتان والإشارة إلى العصا واليد {إلى فِرْعَوْنَ} يتعلق بفعل محذوف يقتضيه الكلام.
{رِدْءًا} أي معينًا، وقرئ بالهمز وبغير همز على التسهيل من المهموز أو يكون من: أرديت أي زدت {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} استعارة في المعونة {بِآيَاتِنَآ} يحتمل أن يتعلق بقوله: نجعل أو يصلون أو بالغالبون.
{فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} أي اصنع الآجر لبنيان الصرح الذي رام أن يصعد منه إلى السماء، ورُوي أنه أول من عمل الآجر، وكان هامان وزير فرعون وانظر ضعف عقولهما وعقول قومهما، وجهلهم بالله تعالى في كونهم طمعوا أن يصلوا إلى السماء ببنيان الصرح، وقد روي أنه عمله وصعد عليه ورمى بسهم إلى السماء فرجع مخضوبًا بدم، وذلك فتنة له ولقومه وتهكم بهم، ثم قال: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} يعني في دعوة الرسالة، والظن هنا يحتمل أن يكون على بابه أو بمعنى اليقين.
{أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} أي كانوا يدعون الناس إلى الكفر المودجب للنار {مِّنَ المقبوحين} من المطرودين المبعدين، وقيل: قبحت وجوههم، وقيل: قبح ما فعل بهم وما يقال لهم.
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي} خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمراد به إقامة حجة لإخباره بحال موسى، وهو لم يحضره والغربي المكان الذي في غربي الطور، وهو المكان الذي كلم الله فيه موسى، والأمر المقضي إلى موسى هو النبوة. ومن الشاهدين: معناه من الحاضرين هناك.
{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} المعنى لم تحضر يا محمد للاطلاع على هذه الغيوب التي تخبر بها، ولكنها صارت إليك بوحينا فكان الواجب على الناس المسارعة إلى الإيمان بك، ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها، فغابت عقولهم واستحكمت جهالتهم، فكفروا بك، وقيل: المعنى لكنا أنشأنا قرونًا بعد زمان موسى فتطاول عليهم العمر، وطالت الفترة فأرسلناك على فترة من الرسل {ثَاوِيًا} أي مقيمًا.
{إِذْ نَادَيْنَا} يعني تكليم موسى، والمراد بذلك إقامة حجة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لإخباره بهذه الأمور مع أنه لم يكن حاضرًا حينئذ {ولكن رَّحْمَةً} انتصب على المصدر، أو على أنه مفعول من أجله والتقدير: ولكن أرسلناك رحمة منا لك ورحمة للخلق بك.
{ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} لو هنا حرف امتناع ولولا الثانية عرض وتحضيض، والمعنى لولا أن تصيبهم مصيبة بكفرهم لم نرسل الرسل، وإنما أرسلناهم على وجه الإعذار وإقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا: {رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الحق} يعني القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {قَالُواْ لولا أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ موسى} يعنون إنزال الكتاب عليه من السماء جملة واحدة، وقلب العصا حية وفلق البحر وشبه ذلك {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ موسى مِن قَبْلُ} هذا ردّ عليهم فيما طلبوه، والمعنى أنهم كفروا بما أوتي موسى فلما آتينا محمدًا مثل ذلك لكفروا به، {مِن قَبْلُ} على هذا يتعلق بقوله: {أُوتِيَ موسى} ويحتمل أن يتعلق بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ} إن كانت الآية في بني إسرائيل، والأول أحسن {قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} يعنون موسى وهارون، أو موسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم والضمير في {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ} وفي {قَالُواْ} لكفار قريش وقيل: لآبائهم، وقيل لليهود والأول أظهر وأصح لأنهم المقصودون بالرد عليهم.
{فَأْتُواْ بِكِتَابٍ} أمر على وجه التعجيز لهم {أهدى مِنْهُمَآ} الضمير يعود على كتاب موسى وكتاب سيدنا محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ} قد علم أنهم لا يستجيبون للاتيان بكتاب هو أهدى منهما أبدًا، ولكنه ذكره بحرف إن مبالغة في إقامة الحجة عليهم: كقوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [البقرة: 24]، فاعلم أنما يتبعون أهواهم: المعنى إن لم يأتوا بكتاب فاعلم أن كفرهم عناد واتباع أهوائهم، لا بحجة وبرهان. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {فلما قضى موسى الأجل}.
أي أتمه وفرغ منه {وسار بأهله} قيل مكث موسى بعد الأجل عند شعيب عشر سنين أخرى ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فسار بأهله أي زوجته قاصدًا إلى مصر {آنس} أي أبصر {من جانب الطور نارًا} وذلك أنه كان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق {قال لأهله امكثوا إني آنست نارًا لعلي آتيكم منها بخبر} أي عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق {أو جذوة من النار} أي قطعة وشعلة من النار وقيل: الجذوة العود الذي اشتعل بعضه {لعلكم تصطلون} أي تستدفئون {فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن} يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى {في البقعة المباركة} جعلها الله مباركة لأن الله تعالى كلم موسى هناك وبعثه نبيًا وقيل يريد البقعة المقدسة {من الشجرة} يعني من ناحية الشجرة قال ابن مسعود: كانت سمرة خضراء تبرق وقيل كانت غوسجة وقيل كانت من العليق وعن ابن عباس إنها العناب {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} قيل إن موسى لم رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدرعلى الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله تعالى فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى.
وقيل: إن الله تعالى خلق في نفس موسى علمًا ضروريًا بأن المتكلم هو الله وأن ذلك الكلام كلام الله تعالى.
وقيل: إنه قيل لموسى كيف عرفت أنه نداء الله قال إني سمعته بجميع أجزائي فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم بذلك أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى: {وأن ألق عصاك} يعني فألقاها {فلما رآها تهتز} يعني تتحرك {كأنها جان} هي الحية الصغيرة والمعنى أنها في سرعة حركتها كالحية السريعة الحركة {ولى مدبرًا} يعني هاربًا منها {ولم يعقب} يعني ولم يرجع قال وهب إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها حتى إن موسى سمع صرير أسنانها وقعقعة الشجر والصخر في جوفها فحينئذ ولى مدبرًا ولم يعقب فنودي عند ذلك {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}.