فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {اسلك يدك} يعني أدخل يدك {في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} يعني برص والمعنى أنه أدخل يده فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس {واضمم إليك جناحك من الرهب} يعني من الخوف والمعنى إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى وقال ابن عباس: أمر الله موسى أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده صدره زال خوفه.
وقيل المراد من ضم الجناح السكون أي سكن روعك واخفض عليك جناحك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه.
وقيل الرهب الكم بلغة حمير ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من كمك لأنه تناول العصا ويده في كمه {فذانك} يعني العصا واليد البيضاء {برهانان} يعني آيتان {من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قومًا فاسقين} يعني خارجين عن الحق {قال رب إني قتلت منهم نفسًا} يعني القبطي {فأخاف أن يقتلون} يعني به {وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا} يعني بيانًا وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه {فأرسله معي ردءًا} يعني عونًا {يصدقني} يعني فرعون وقيل تصديق هارون هو أن يخلص الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل الكفار فهذا هو التصديق المفيد {إني أخاف أن يكذبون} يعني فرعون وقومه {قال سنشد عضدك بأخيك} يعني سنقويك به وكان هارون بمصر {ونجعل لكما سلطانًا} يعني حجة وبرهانًا {فلا يصلان إليكما} أي بقتل ولا سوء {بآياتنا} قيل معناه نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما {أنتما ومن اتبعكما الغالبون} يعني لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} يعني واضحات {قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} يعني مختلق {وما سمعنا بهذا} يعني بالذي تدعونا إليه {في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} يعني أنه يعلم المحق من المبطل {ومن تكون له عاقبة الدار} يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة {إنه لا يفلح الظالمون} يعني الكافرون {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} فيه إنكار لما جاء به موسى من توحيد الله وعبادته {فأوقد لي يا هامان على الطين} يعني اطبخ لي الآجر قيل إنه أول من اتخذ آجرًا وبنى به {فاجعل لي صرحًا} أي قصرًا عاليًا وقيل منارة.
قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان المال والفعلة حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء وطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء فبنوه ورفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعًا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر نشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دمًا فقال: قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده راكبًا على البراذين فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعه منه على عسكره فقتلت منه ألف رجل ووقعت قطعه منه في البحر وقطعة في المغرب فلم يبق أحد عمل شيئًا فيه إلا هلك فذلك قوله: {لعلي أطلع إلى إله موسى} يعني أنظر إليه وأقف على حاله {وإني لأظنه} يعني موسى {من الكاذبين} يعني في زعمه أن للأرض والخلق إلهًا غيري وأنه أرسله {واستكبر هو وجنوده في الأرض} يعني تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق بالباطل والظلم {بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} يعني للحساب والجزاء {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} يعني فألقيناهم في البحر وهو القلزم {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} يعني حين صاروا إلى الهلاك {وجعلناهم أئمة} يعني قادة ورؤساء {يدعون إلى النار} أي الكفر والمعاصي التي يستحقون به النار لأن من أطاعهم ضل ودخل النار {ويوم القيامة لا ينصرون} يعني لا يمنعون من العذاب {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} يعني خزيًا وبعدًا وعذابًا {ويوم القيامة هم من المقبوحين} يعني المبعدين وقيل المهلكين.
قال ابن عباس من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون.
وقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا قبل موسى ليبصروا ذلك فيهتدوا به {وهدى} يعني من الضلالة لمن عمل به {ورحمة} يعني لمن آمن به {لعلهم يتذكرون} يعني بما فيه من المواعظ {وما كنت} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وما كنت يا محمد {بجانب الغربي} يعني بجانب الجبل الغربي قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه {إذ قضينا إلى موسى الأمر} يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون {وما كنت من الشاهدين} يعني الحاضرين ذلك المقام الذي أوحينا إلى موسى فيه فتذكره من ذات نفسك {ولكنا أنشأنا قرونًا} يعني خلقنا بعد موسى أممًا {فتطاول عليهم العمر} يعني طالت عليهم المدة فنسوا عهد الله وتركوا أمره وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهودًا في محمد والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها {وما كنت ثاويًا} أي مقيمًا {في أهل مدين} أي كمقام موسى وشعيب فيهم {تتلوا عليهم آياتنا} يعني تذكرهم بالوعد والوعيد وقيل معناه لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم {ولكنا كنا مرسلين} أي أرسلناك رسولًا وأنزلنا إليك كتابًا فيه هذه الأخبار لتتلوها عليه ولولا ذلك لما علمتها أنت ولم تخبرهم بها.
{وما كنت بجانب الطور} أي بناحية الجبل الذي كلم الله موسى عليه {إذ نادينا} أي موسى خذ الكتاب بقوة وقال وهب قال موسى: يا رب أرني محمدًا وأمته قال إنك لن تصل إلى ذلك ولكن إن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم قال بلى يا رب قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم.
قال ابن عباس قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء والأرحام أي أرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي قد أعطيتكم قبل أن تسألوني وقد أجبتكم قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تستغفروني ومن جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر {ولكن رحمة من ربك} أي رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك {لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك} يعني أهل مكة {لعلهم يتذكرون} اعلم أن الله تعالى لما بين قصة موسى لرسوله صلى الله عليه وسلم فجمع بين هذه الأحوال الثلاثة العظيمة التي اتفقت لموسى؛ فالمراد بقوله: {إذ قضينا إلى موسى الأمر} هو إنزال التوراة عليه حتى تكامل دينه واستقر شرعه والمراد بقوله: {وما كنت ثاويًا في أهل مدين} أول أمر موسى والمراد بقوله إذ نادينا ليلة المناجاة فهذه أعظم أحوال موسى ولما بينها لرسوله ولم يكن في هذه الأحوال حاضرًا بين الله أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزته كأنه قال في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة دلالة ظاهرة على نبوتك.
قوله تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبة} أي عقوبة ونقمة {بما قدمت أيديهم} يعني من الكفر والمعاصي {فيقولوا ربنا لولا} أي هلاّ {أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} ومعنى الآية لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم وقيل معناه لما بعثناك إليهم رسولًا ولكنا بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل {فلما جاءهم الحق من عندنا} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم {قالوا} يعني كفار مكة {لولا} أي هلا {أوتي} محمد {مثل ما أوتي موسى} يعني من الآيات كالعصا واليد البيضاء.
وقيل: أوتي كتابًا جملة واحدة كما أوتي موسى التوراة قال الله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} قيل إن اليهود أرسلوا إلى قريش أن يسألوا محمدًا مثل ما أوتي موسى فقال الله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} يعني اليهود الذي استخرجوا هذا السؤال {قالوا سحران تظاهرا} يعني التوراة والقرآن يقوي كل واحد منهما الآخر وقيل ساحران يعني محمدًا وموسى.
وقيل إن مشركي مكة بعثوا على رءوس اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فقالوا ساحران تظاهرا {وقالوا إنا بكل كافرون} يعني بالتوراة والقرآن وقيل بمحمد وموسى {قال} يا محمد {فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} يعني من التوراة والقرآن {أتبعه} يعني الكتاب الذي تأتون به من عند الله وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله {إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك} أي فإن لم يأتوا بما طلبت {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} يعني أن ما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه وإنما آثروا أتباعهم ما هم عليه من الهوى {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. اهـ.

.قال النسفي:

{فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل}.
قال عليه السلام «قضى أوفاهما وتزوج صغراهما» وهذا بخلاف الرواية التي مرت {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} بامرأته نحو مصر.
قال ابن عطاء: لما تم أجل المحنة ودنا أيام الزلفة وظهرت أنوار النبوة سار بأهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه {ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطور نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إِنّى ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِي ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} عن الطريق لأنه قد ضل الطريق {أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أتاها نُودِىَ مِن شَاطِىء الواد الأيمن} بالنسبة إلى موسى {فِى البقعة المباركة} بتكليم الله تعالى فيها {مِنَ الشجرة} العناب أو العوسج {أَن يا موسى} {أن} مفسرة أو مخففة من الثقيلة {إِنّى أَنَا الله رَبُّ العالمين} قال جعفر: أبصر نارًا دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار، فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلمًا شريفًا أعطى ما سأل وأمن مما خاف، والجذوة باللغات الثلاث وقريء بهن، فعاصم بفتح الجيم، وحمزة وخلف بضمها، وغيرهم بكسرها.
العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن، و{من} الأولى والثانية لابتداء الغاية أي أتاه النداء من شاطيء الوادي من قبل الشجرة.
و{من الشجرة} بدل {من شاطىء الواد} بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء أي الجانب.
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ونودي أن ألق عصاك فألقاها فقلبها الله ثعبانًا {فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية في سعيها وهي ثعبان في جثتها {ولى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقّبْ} يرجع فقيل له {ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين} أي أمنت من أن ينالك مكروه من الحية {اسلك} أدخل {يَدَكَ في جَيْبِكَ} جيب قميصك {تَخْرُجْ بَيْضَاء} لها شعاع كشعاع الشمس {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص.
{واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} حجازي بفتحتين وبصري.
{الرَّهب} حفص {الرُّهب} غيرهم ومعنى الكل الخوف والمعنى: واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقيل: معنى ضم الجناح أن الله تعالى لما قلب العصا حية فزع موسى واتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له: إن اتقاءك بيدك غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى.
والمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه، أو أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران.
ومعنى {من الرهب} من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك، جعل الرهب الذي كان يصيبه سببًا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه.