فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
لولا الأولى امتناعية وجوابها محذوف تقديره كما قال الزجاج ما أرسلنا إليهم رسولًا يعني أنّ الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول فهو كقوله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
والثانية: تحضيضية ونتبع جوابها كما مرّ فلذلك أضمر أن، فإن قيل: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟.
أجيب: بأنّ القول هو المقصود بأن يكون سببًا للإرسال ولكنّ العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها لولا وجيء بالقول معطوفًا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويئول معناه إلى قولك ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلًا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجؤا به إلى العلم اليقيني ببطلان دينهم لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولًا بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم عز وجل وفي هذا من الشهادة القوية على استحاكم كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفي وهو كقوله تعالى: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}.
ولما كان التقدير ولكنا أرسلناك بالحق لقطع حجتهم هذه بنى عليه.
{فلما جاءهم} أي: أهل مكة {الحق} أي: الذي هو أعم من الكتاب والسنة وما يقاس عليهما وهو في نفسه جدير بأن يقبل لكونه في الذروة العليا من الثبات فكيف وهو {من عندنا} على مالنا من العظمة وهو على لسانك وأنت أعظم الخلق {قالوا} أي: أهل الدعوة من العرب وغيرهم تعنتا وكفرًا به {لولا} أي: هلا ولم لا {أوتي} أي: هذا الآتي بما يزعم أنه الحق من الآيات {مثل ما أوتي موسى} من الآيات كاليد البيضاء والعصا وغيرهما من كون الكتاب أنزل عليه جملة واحدة قال الله تعالى: {أو لم يكفروا} أي: العرب ومن بلغته الدعوة من بني إسرائيل ومن كان مثلهم في البشرية والعقل في زمن موسى {بما أوتي موسى} عليه السلام من قبل أي: من قبل مجئ الحق على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ولما كان كأنه قد قيل ما كان كفرهم به قيل {قالوا} أي: فرعون وقومه ومن كفر من بني إسرائيل {ساحران} أي: موسى وأخوه عليهما السلام {تظاهرا} أي: أعان كل منهما صاحبه على سحره حتى صار سحرهما معجزًا فغلبا جميع السحرة وتظاهر الساحرين من تظاهر السحرين على قراءة الكوفيين بكسر السين وسكون الحاء، وقرأ الباقون بفتح السين وكسر الحاء وألف بينهما.
تنبيه:
يجوز أن يكون الضمير لمحمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، قال البقاعي: وهو أقرب وذلك لأنه روي أن قريشًا جاءت إلى اليهود فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أنّ نعته في كتابهم فقالوا هذه المقالة فيكون الكلام استئنافًا لجواب من كأنه قال: ما كان كفرهم بهما؟ فقيل قالوا أي: العرب: الرجلان ساحران أو الكتابان ساحران ظاهر أحدهما الآخر مع علم كل ذي لب أنّ هذا القول زيف لأنه لو كان شرط إعجاز السحر التظاهر لكان سحر فرعون أعجز إعجازًا لأنه تظاهر عليه جميع سحرة بلاد مصر وعجزوا عن معارضة ما أظهر موسى عليه السلام من آياته كالعصا، وأمّا محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا أهل الأرض من الجنّ والأنس إلى معارضة كتابه وأخبرهم أنهم عاجزون ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا فعجزوا عن آخرهم، ولما تضمن قولهم ذلك الكفر صرّحوا به {وقالوا} أي: كفار قريش {إنا بكل} أي: من الساحرين أو السحرين اللذين تظاهرا بهما وهما ما أتيا به من عند الله {كافرون} جراءة على الله تعالى وتكبرًا على الحق ثم قال الله تعالى: {قل} أي: لهم إلزامًا إن كنتم صادقين في أني ساحر وكتابي سحر وكذلك موسى عليه السلام {فأتوا بكتاب من عند الله} أي: الملك العلي الأعلى {هو} أي: الذي تأتون به {أهدى منهما} أي: من الكتابين وقوله: {أتبعه} أي: وأتركهما جواب الأمر وهو فأتوا {إن كنتم} أي: أيها الكفار {صادقين} أي: في أنا ساحران فأتوا بما ألزمتكم به، قال البيضاوي: وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم.
{فإن لم يستجيبوا لك} أي: دعاءك إلى الكتاب الأهدى فحذف المفعول للعلم به ولأن فعل الاستجابة يتعدّى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالبًا كقول القائل:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وداعٍ أي: ورب داع.
الشاهد في يستجبه حيث عدّاه إلى الداعي وحذف الدعاء والتقدير فلم يستجب دعاءه {فاعلم} أنت {أنما يتبعون} أي: بغاية جهدهم فيما هم عليه من الكفر والتكذيب {أهواءَهم} أي: دائمًا وأكثر الهوى مخالف للهدى فهم ضالون غير مهتدين بل هم أضلّ الناس وذلك معنى قوله تعالى: {ومن أضلّ ممن اتبع} أي: بغاية جهده {هواه} أي: لا أحد أضل منه فهو استفهام بمعنى النفي وقوله تعالى: {بغير هدى من الله} في موضع الحال للتوكيد والتقييد فإن هوى النفس قد يوافق الهدى {إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين} أي: وإن كانوا أقوى الناس لاتباعهم أهواءهم. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَلَمَّا قَضَى} أي: أتم: {مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} أي: من الطريق، من ضوئها، أو ممن عندها: {أَوْ جَذْوَةٍ} مثلثة الجيم، وقد قرئ بها كلها، أي: عود فيه شيء: {مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي: تستدفئون: {فَلَمَّا أَتَاهَا} أي: قرب منها: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ} أي: جانب: {الْوَادِ الْأَيْمَنِ} أي: المبارك. يقال: يمن فهو ميمون وأيمن. وتفسيره بخلاف الأيسر بعيد، لأن ألفاظ التنزيل وآية يفسر بعضها بعضًا. وقد جاء في غير آية توصيف الوادي بالمقدس، وبقعته بالمباركة، والمعنى واحد. وإن أدهش التفنن في التعبير عنه ببديع تلك المباني: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} أي: التي بورك مكانها بالتجلي الإلهيّ: {مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} أي: تتحرك: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} أي: حية صغيرة، في سرعة الحركة: {وَلَّى مُدْبِرًا} أي: أعرض بوجهه عنها. جاعلًا ظهره إليها: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} أي: لم يرجع: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} أي: من المخاوف.
القول في تأويل قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [32- 35].
{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي: ادخلها فيه: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي: عيب: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أي: يدك: {مِنَ الرَّهْبِ} أي: الخوف. قرئ بفتحتين، وضمتين، وفتح وسكون، وضم وسكون. قال ابن أسلم وابن جرير: مما حصل لك من خوفك من الحية قال ابن كثير: والظاهر أن المراد أعم من هذا. وهو أنه أمر عليه السلام، إذا خاف من شيء، أن يضم إليه يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف. وربما استعمل أحد ذلك، على سبيل الاقتداء، فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجد أو يخفّ إن شاء الله تعالى. وبه الثقة {فَذَانِكَ} إشارة إلى العصا واليد: {بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} أي: فيكون أحسن بيانًا. ولا يتحمل ذلك ما لم يكلف بمثل ما كلفت به: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} أي: معينًا: {يُصَدِّقُنِي} أي: لنشاط قلبي: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} أي: يتفقوا على تكذيبي المؤدي إلى أنواع الأذيات.
قال الزمخشري: فإن قلت: تصديق أخيه، ما الفائدة فيه؟ قلت: ليس الغرض بتصديقه أن يقول له: صدقت، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة. فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدق القول بالبرهان. ألا ترى إلى قوله: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك. لا لقوله صدقت. فإن سحبان وباقلًا يستويان فيه. أو يصل جناح كلامه بالبيان حتى يصدقه الذي يخاف تكذيبه. فأسند التصديق إلى هارون لأنه السبب فيه، إسنادًا مجازيًا. انتهى {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي: سنقويك به ونعينك.
قال الشهاب: والشد التقوية، والعضد من اليد معروف. فهو إما كناية تلويحية عن تقويته، لأن اليد تشد بشدة العضد، والجملة تشتد بشدة اليد، ولا مانع من الحقيقة كما توهم. أو استعارة تمثيلية. شبّه حال موسى في تقويته بأخيه عليهما السلام، بحال اليد في تقويتها بيد شديدة {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} أي: غلبة ومهابة في قلوبهم أو حجة: {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} أي: بإيذاء، فضلًا عن القتل: {بِآياتِنَا} متعلق بمحذوف أي: اذهبا بآياتنا. أو بنجعل أي: نسلطكما بها أو بمعنى: لا يصلون أي: تمتنعون منهم بها. أو قسم، جوابه لا يصلون مقدر. أو صلة للغالبون في قوله: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} وتقدمه، إما للفاصلة أو للحصر. أي: الغالبون عليهم، وإن غلبوكم وغلبوا العالمين قبلكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [36- 38].
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً} أي: مبتدع لم يسبق له نظير. أو تفتريه على الله بنسبته له، وأنت تعلمته من غيرك، فالافتراء بمعنى الاختلاق أو الكذب: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} أي: السحر أو ادعاء النبوة، أو بأن للعالم إلهًا يرسل الرسل بالآيات: {فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} أي: كائنًا في أيامهم. قال الشهاب: وهذا إما تعمد للكذب وعناد بإنكار النبوات، وإن كان عهد يوسف قريبًا منهم. أو لأنهم لم يؤمنوا به أيضًا: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} قال المهايميّ: معناه: كفى دليلًا على كونها آيات، أنها خوارق ولم يسبق لها نظير. مع أن ما جئت به هدى. والساحر لا يدعو في العموم إلى هدى. فإن لم تعترفوا بكونه هدى، فربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده، ويعلم ذلك بالعاقبة، فإن الله يحسن عاقبة أهل الهدى لا محالة. لأنه يعلم من تكون له عاقبة الدار. وهي العاقبة المحمودة. والمراد بالدار: الدنيا. وعاقبتها وعقباها: أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان. وتلقي الملائكة بالبشرى عند الموت. وهذه لا تكون للساحر إذا ادعى النبوة، لأنه ظالم، فلا يفلح بالعاقبة الحميدة كما قال: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: بالدار وإن وجدوا بعض مقاصدهم أولًا استدراجًا، فلا يفوزون بالعقبى الحميدة. وإنما غاية أمرهم انقطاع أثرهم وسوء ذكرهم. وقد حقق الله هذا الوعد فجعل عاقبة قوم موسى رفيعة. ونهاية أعدائه وضيعة: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} هذا حكاية لتمرده وعتوّه وطغيانه في تفوهه بتلك العظيمة. كما واجه موسى عليه السلام بها في قوله: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (29)، وكما قال تعالى عنه: {فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: 23- 26]، يعني أنه جمع قومه ونادى فيهم معلنًا بذلك. فانتقم منه بما جعله عبرة لمن اعتبر: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} أي: نارًا، فأتخذ منه آجرًّا.
قال الزمخشري: ولم يقل: اطبخ لي الآجرّ واتخذه، لأن هذه العبارة أحسن طباقًا لفصاحة القرآن وعلوّ طبقته، وأشبه بكلام الجبابرة. وهامان وزيره ومدبّر رعيته: {فَاجْعَلْ لِي} أي: من الآجرّ: {صَرْحًا} أي: قصرًا رفيعًا إلى السماء: {لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} يعني العليّ الأعلى، تبارك وتعالى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: في دعواه الألوهية، والعلوّ لباري الأرض والسموات.