فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}.
الذين وصل {لهم القول} هم قريش قاله مجاهد وغيره، وقال أبو رفاعة القرظي: نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم ذكره الطبري، وقال الجمهور: معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولًا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام، قال الحسن وفي ذكر الأمم المهلكة وصلت لهم قصة بقصة حسب مرور الأيام، وذهب مجاهد أن معنى {وصلنا} فصلنا أي جعلناه أوصالًا من حيث كان أنواعًا من القول في معان مختلفة، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى لكن إنما عدد عليهم هاهنا تقسيمه في أنواع من القول، وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصيل الذي وصل لهم القول معناه وصل المعاني من الوعظ والزجر وذكر الآخرة وغير ذلك، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ أي إلى الإعجاز، فالمعنى {ولقد وصلنا لهم} قولًا معجزًا على نبوتك.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى الأول تقديره {ولقد وصلنا لهم} قولًا تضمن معاني من تدبرها اهتدى، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {ولقد وصَلنا} بتخفيف الصاد، وقوله: {لعلهم يتذكرون} أي في طمع البشر، وظاهر الأمر عندهم وبحسبهم، ثم ذكر تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيًا بهم قريشًا، واختلف إلى من الإشارة، فقيل إلى جماعة من اليهود أسلمت وكانت تلقى من الكفار أذى، وقيل إلى بحيرا الراهب، وقال الزهراوي: إلى النجاشي: وقيل: إلى سلمان وابن سلام، وأسند الطبري عن علي بن أبي رفاعة قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب فيهم أبو رفاعة يعني أباه فأسلموا فأوذوا فنزلت فيهم هذه الآية، والضمير في {قبله} يحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على القرآن، وما بعد يؤيد هذا، قوله: {وإذا يتلى عليهم} وقولهم {إنا كنا من قبله مسلمين} يريدون الإسلام المتحصل لهم من شريعة موسى وعيسى عليهما السلام، و{أجرهم مرتين} معناه على ملتين وبحظوة شريعتين، وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتيهم أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، والعبد الناصح في عبادة ربه وخدمة سيده، ورجل كانت له أمة فأدبها وعلمها ثم أعتقها وتزوجها» وقوله تعالى: {بما صبروا} عام في صبرهم على ملتهم ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك من أنوع الصبر، وقوله تعالى: {ويدرؤون} معناه يدفعون هذا وصف لمكارم الأخلاق أي يتعاقبون ومن قال لهم سوءًا لا ينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه، وهذه آية مهادنة وهي في صدر الإسلام وهي مما نسخته آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاها أمة محمد إلى يوم القيامة، وقوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} مدح لهم بالنفقة في الطاعات وعلى رسم الشرع، وفي ذلك حض على الصدقات ونحوها، و{اللغو} سقط القول، والقول يسقط لوجوه يعز حصرها، فالفحش لغو، والسب لغو، واليمين لغو حسب الخلاف فيها، وكلام مستمع الخطبة لغو، والمراد من هذا في هذه الآية ما كان سبًا وأذى فأدب أهل الإسلام الإعراض عنه، والقول على جهة التبري {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} وقال ابن زيد {اللغو} ها هنا ما كان بنو أسرائيل كتبوه في التوراة مما ليس من عند الله.
قال القاضي أبو محمد: فهذه المهادنة هي لبني إسرائيل الكفار منهم، و{سلام عليكم} في هذا الموضع ليس المقصود بها التحية، لكنه لفظ التحية قصد به المتاركة، وهو لفظ مؤنس مستنزل لسامعه إذ هو في عرف استعماله تحية.
قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بقتال، و{لا نبتغي الجاهلين} معناه لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{ولقد وصَّلْنَا لهم القَولَ}.
وقرأ الحسن، وأبو المتوكل، وابن يعمر: {وصَلْنَا} بتخفيف الصاد.
وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم قريش، قاله الأكثرون، منهم مجاهد.
والثاني: اليهود، قاله رفاعة القرظي.
والمعنى: أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضًا، ويُخْبِر عن الأمم الخالية كيف عُذِّبِوا لعلَّهم يتَّعظون.
{الذين آتيناهم الكتاب} وفيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم مؤمنو أهل الكتاب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: مسلمو أهل الإِنجيل، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أُحُدًا، فنزلت فيهم هذه الآية.
والثالث: مسلمو اليهود، كعبد الله بن سلام وغيره، قاله السدي.
قوله تعالى: {مِنْ قَبْله} أي: من قبل القرآن، {هُمْ به} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأن ذِكْره كان مكتوبًا عندهم في كتبهم، فآمنوا به.
والثاني: إِلى القرآن.
قوله تعالى: {وإِذا يُتْلى عليهم} يعني القرآن {قالوا آمَنَّا به} {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْله} أي: من قبل نزول القرآن {مُسْلِمِين} أي: مُخْلِصِين لله مصدِّقين بمحمد، وذلك لأن ذِكْره كان في كتبهم فآمنوا به {أولئك يؤتَوْن أجرهم مَرَّتين}.
في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنَّهم مؤمنو أهل الكتاب، وهذا قول الجمهور، وهو الظاهر، وفيما صبروا عليه قولان:
أحدهما: أنهم صبروا على الكتاب الأوَّل، وصبروا على اتِّباعم محمدًا، قاله قتادة، وابن زيد.
والثاني: أنهم صبروا على الإِيمان بمحمد قبل أن يُبْعَث، ثم على اتِّباعه حين بُعث، قاله الضحاك.
والقول الثاني: أنهم قوم من المشركين أسلموا، فكان قومهم يؤذونهم، فصبروا على الأذى، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {ويدرؤون بالحسنة السَّيئة} فيه أقوال قد شرحناها في [الرعد: 22].
قوله تعالى: {وإِذا سَمِعُوا اللَّغو} فيه ثلاث أقوال:
أحدها: الاذى والسَّبّ، قاله مجاهد.
والثاني: الشِّرك، قاله الضحاك.
والثالث: أنهم قوم من اليهود آمنوا، فكانوا يسمعون ما غيَّراليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَكرهون ذلك ويُعْرِضون عنه، قاله ابن زيد.
وهل هذا منسوخ، أم لا؟ فيه قولان.
وفي قوله: {وقالوا لنا أعمالُنا ولكم أعمالكم} قولان:
أحدهما: لنا دِيننا ولكم دِينكم.
والثاني: لنا حِلْمُنا ولكم سَفَهُكم.
{سلام عليكم} قال الزجاج: لم يريدوا التحيَّة، وإِنَّما أرادوا: بيننا وبينكم المُتَارَكة، وهذا قبل أن يؤمَر المسلمون بالقتال، وذكر المفسرون أنَّ هذا منسوخ بآية السيف.
وفي قوله: {لا نبتغي الجاهلين} ثلاثة أقوال:
أحدها: لا نبتغي دِين الجاهلين.
والثاني: لا نطلُب مجاورتهم.
والثالث: لا نريد أن نكون جُهَّالًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول}.
أي أتبعنا بعضه بعضًا، وبعثنا رسولًا بعد رسول.
وقرأ الحسن: {وَصَلْنَا} مخففًا.
وقال أبو عبيدة والأخفش: معنى {وصلنا} أتممنا كصلتك الشيء.
قال ابن عُيَيْنة والسدّي: بيّنا.
قال ابن عباس وقال مجاهد: فصلنا.
وكذلك كان يقرؤها.
قال ابن زيد: وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم في الآخرة في الدنيا.
وقال أهل المعاني: وَالَينا وتابعنا وأنزلنا القرآن تبِع بعضه بعضًا: وعدًا ووعيدًا وقصصًا وعبرًا ونصائح ومواعظ إرادة أن يتذكروا فيفلحوا.
وأصلها من وصل الحبال بعضها ببعض.
قال الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذِمّةٍ ** وحبلٍ ضعيفٍ ما يزال يُوَصَّلُ

وقال امرؤ القيس:
درِيرٍ كَخُذروفِ الوليدِ أَمَرَّهُ ** تَقَلُّبُ كفَّيه بخيطٍ مُوَصَّلِ

والضمير في {لهم} لقريش؛ عن مجاهد.
وقيل: هو لليهود.
وقيل: هو لهم جميعًا.
والآية رد على من قال هلا أوتي محمد القرآن جملة واحدة.
{لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} قال ابن عباس: يتذكرون محمدًا فيؤمنوا به.
وقيل: يتذكرون فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم؛ قاله علي بن عيسى.
وقيل: لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأصنام.
حكاه النقاش.
قوله تعالى: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ}.
أخبر أن قومًا ممن أوتوا الكتاب من بني إسرائيل من قبل القرآن يؤمنون بالقرآن؛ كعبد الله بن سَلام وسلمان.
ويدخل فيه من أسلم من علماء النصارى، وهم أربعون رجلًا، قدموا مع جعفر بن أبي طالب المدينة، اثنان وثلاثون رجلًا من الحبشة، وثمانية نفر أقبلوا من الشام وكانوا أئمة النصارى: منهم بحيراء الراهب وأبرهة والأشرف وعامر وأيمن وإدريس ونافع.
كذا سماهم الماوردي وأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية والتي بعدها {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ} قاله قتادة.