فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاَقِيهِ} فيه قولان:
أحدهما: هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و{لاَقِيهِ} دخولها، قاله السدي.
الثاني: هو النبي صلى الله عليه وسلم والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قاله الضحاك.
{كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال السدي والضحاك: هو أبو جهل.
{ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من المحضرين للجزاء، قاله ابن عباس.
الثاني: من المحضرين في النار، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: من المحضرين: المحمولين، قاله الكلبي.
قوله: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} فيه وجهان:
أحدهما: الحجج، قاله مجاهد.
الثاني: الأخبار، قاله السدي.
{فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: لا يسألون بالأنساب، قاله مجاهد.
الثاني: لا يسأل بعضهم بعضًا أن يحتمل من ذنوبه، حكاه ابن عيسى.
الثالث: لا يسأل بعضهم بعضًا عن حاله، حكاه ابن شجرة.
الرابع: لا يسأل بعضهم بعضًا عن الحجة، وهذا قول الضحاك. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم خاطب تعالى قريشًا محقرًا لما كانوا يفخرون به من مال وبنين وغير ذلك من قوة لم تكن عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا عند من آمن به فأخبر تعالى قريشًا أن ذلك متاع الدنيا الفاني وأن الآخرة وما فيها من النعم التي أعدها الله لهؤلاء المؤمنين {خير وأبقى} ثم وبخهم بقوله تعالى: {أفلا تعقلون} وقرأ الجمهور {أفلا يعقلون} بالياء، وقرأ أبو عمرو وحده بالتاء من فوق، وروي عنه بالياء، كذا قال أبو علي في الحجة، وذلك خلاف ما حكى أبو حاتم والناس، فإن نافعًا يقرأ بالتاء من فوق وهي قراءة الأعرج والحسن وعيسى، ثم زادهم توبيخًا بقوله: {أفمن وعدناه وعدًا حسنًا} الآية، وقوله: {أفمن وعدناه} يعم معناها جميع العالم لكن اختلف الناس فيمن نزلت، فقال مجاهد: الذي وعد الوعد الحسن هو محمد عليه السلام وضده أبو جهل، وقال مجاهد أيضًا: نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل في علي وأبي جهل، وقال قتادة: نزلت عامة في المؤمن والكافر كما معناها عام.
قال القاضي أبو محمد: ونزولها عام بين الاتساق بما قبله من توبيخ قريش، و{من المحضرين} معناه في عذاب الله قاله مجاهد وقتادة، ولفظة {محضرين} مشيرة إلى سوق بجبر، وقرأ طلحة {أمن وعدناه} بغير فاء، وقرأ مسروق {أفمن وعدناه نعمة منا فهو لاقيها}.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)}.
التقدير واذكر يوم، وهذا النداء يحتمل أن يكون بواسطة، ويحتمل بغير ذلك، والضمير المتصل ب {ينادي} لعبدة الأصنام والإشارة إلى قريش وكفار العرب وقوله: {أين} على جهة التقريع والتوبيخ وقوله: {شركائي} أي على قولكم وزعمكم.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان هذا السؤال مسكتًا له مبهتًا فكأنه لا متعلق لجمهور الكفرة إلا ب المغوين لهم والأعيان، والرءوس منهم وبالشياطين المغوين فكأن هذه الصنيفة المغوية إنما أتت الكفرة على علم فالقول عليها متحقق وكلمة العذاب ماضية لكنهم طمعوا في التبري من كل أولئك الكفرة الأتباع فقالوا {ربنا هؤلاء} إنما أضللناهم كما ضللنا نحن باجتهاد لنا ولهم وأرادوا هم اتباعنا وأحبوا الكفر كما أحببناه.
فنحن نتبرأ إليك منهم وهم لم يعبدونا إنما عبدوا غيرنا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا التوقيف يعم جميع الكفرة، والمجيبون هم كل مغو داع إلى الكفر من الشياطين ومن الإنس الرؤساء، والعرفاء والسادة في الكفر، وقرأ الجمهور {غوَينا} بفتح الواو، يقال غوى الرجل يغوى بكسر الواو، وروي عن ابن عامر وعاصم {غوِينا} بكسر الواو، ثم أخبر تعالى أنه يقال للكفرة العابدين للأصنام الذين اعتقدوهم آلهة {ادعوا شركاءكم} أي الأصنام التي كنتم تزعمون أنهم شركاء الله، وأضاف الشركاء إليهم لما كان ذلك الاسم بزعمهم ودعواهم، فيهذا القول من الاختصاص أضاف الشركاء إليهم، ثم أخبر أنهم دعوهم فلم يكن في الجمادات ما يجيب ورأى الكفار العذاب، وقوله تعالى: {لو أنهم كانوا يهتدون} ذهب الزجاج وغيره من المفسرين إلى أن جواب {لو} محذوف تقديره لما نالهم العذاب ولما كانوا في الدنيا عابدين للأصنام ففي الكلام على هذا التأويل تأسف عليهم، وذلك محتمل مع تقديرنا الجواب لما كانوا عابدين للأصنام وفي مع تقديرنا الجواب لما نالهم العذاب نعمة منا، وقالت فرقة {لو} متعلقة بما قبلها تقديره فودّوا {لو أنهم كانوا يهتدون}.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)}.
هذا النداء أيضًا كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضًا للكفار يوقفهم على ما أجابوا به {المرسلين} الذين دعوهم إلى الله تعالى فتعمى {عليهم الأنباء} أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبرًا يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتقين وقوعه وصحته، و{عميت} معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش {فعُمّيت} بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث: كان الله في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، و{الأنباء} جمع نبأ، وقوله تعالى: {فهم لا يتساءلون} معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.
ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة {من تاب} من كفره {وآمن} بالله ورسوله {وعمل} بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء عسى من الله واجبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ظن حسن بالله تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من عسى أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب الله عز وجل: {عسى ربه إن طلقكن} [التحريم: 5]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وما أُوتيتم من شيء} أي: ما أُعطيتم من مال وخير {فمتاعُ الحياة الدُّنيا} تتمتَّعون به أيام حياتكم ثم يفنى وينقضي، {وما عند الله} من الثواب {خير وأبقى} أفضل وأَدْوَم لأهله {أفلا تَعْقِلون} أَنَّ الباقي أفضل مِنَ الفاني؟!
قوله تعالى: {أفَمَنْ وَعَدْناه وَعْدًا حَسَنًا} اختُلف فيمن نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.
والثاني: في عليّ وحمزة عليهما السلام، وأبي جهل.
والقولان مرويان عن مجاهد.
والثالث: في المؤمن والكافر، قاله قتادة.
والرابع: في عمَّار والوليد بن المغيرة، قاله السدي.
وفي الوعد الحسن قولان:
أحدهما: الجنة.
والثاني: النصر.
قوله تعالى: {فهو لاقِيه} أي: مُصيبه ومُدْرِكه {كَمَنْ مَتَّعْناه متاع الحياة الدنيا} أي: كمن هو ممتَّع بشيء يفنى ويزول عن قريب {ثُمَّ هو يومَ القيامة من المُحْضَرِين} فيه قولان:
أحدهما: من المُحْضَرِين في عذاب الله، قاله قتادة.
والثاني: من المُحْضَرِين للجزاء، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {ويوم يناديهم} أي: ينادي اللّهُ تعالى المشركين يومَ القيامة {فيقول أين شركائيَ} هذا على حكاية قولهم؛ والمعنى: أين شركائي في قولكم؟! {قال الذين حَقَّ عليهم القول} أي: وجب عليهم العذاب، وهم رؤساء الضلالة، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم رءوس المشركين.
والثاني: أنهم الشياطين {ربَّنا هؤلاء الذين أَغْوَينا} يعنون الأتباع {أَغْوَيناهم كما غَوَيْنا} أي: أضللناهم كما ضَلَلْنا {تبرَّأْنا إِليكَ} أي: تبرَّأنا منهم إِليك؛ والمعنى: أنهم يتبرَّأُ بعضهم من بعض ويصيرون أعداءًا.
{وقيل} لكُفَّار بني آدم {ادعوا شركاءكم} أي: استغيثوا بآلهتكم لتُخَلِّصكم من العذاب {فدعَوْهم فلم يستجيبوا لهم} أي: فلم يجيبوهم إِلى نصرهم {ورأَوُا العذاب لو أنَّهم كانوا يَهْتَدون} قال الزجّاج: جواب {لو} محذوف؛ والمعنى: لو أنهم كانوا يهتدون لَمَا اتبَّعوهم ولَمَا رأوُا العذاب.
قوله تعالى: {ويوم يناديهم} أي: ينادي اللّهُ الكفار ويسألهم {فيقولُ ماذا أجبتم المرسَلِين}.
{فَعَمِيَت عليهم الأنباءُ} وقرأ أبو رزين العقبلي، وقتادة، وأبو العالية، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري: {فَعُمِّيَتْ} برفع العين وتشديد الميم.
قال المفسرون: خفيت عليهم الحُجج، وسمِّيت أنباءً، لأنها أخبار يُخبرَ بها.
قال ابن قتيبة: والمعنى: عَمُوا عنها من شدة الهول فلم يُجيبوا، و{الأنباءُ} هاهنا: الحُجج.
قوله تعالى: {فهم لا يتساءلون} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يسأل بعضهم بعضًا عن الحُجَّة، قاله الضحاك.
والثاني: أن المعنى: سكتوا فلا يتساءلون في تلك الساعة، قاله الفراء.
والثالث: لا يسأل بعضهم بعضًا أن يحمل عنه شيئًا من ذنوبه، حكاه الماوردي.
{فأمَّا مَنْ تاب} من الشِّرك {وآمَنَ} أي: صدَّق بتوحيد الله {وعَمِل صالحًا} أدَّى الفرائض {فعسى أن يكون من المُفْلِحِين} و{عسى} من الله واجب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ}.
يا أهل مكة {فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} أي تتمتعون بها مدّة حياتكم، أو مدّة في حياتكم، فإما أن تزولوا عنها أو تزول عنكم.
{وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى} أي أفضل وأدوم، يريد الدار الآخرة وهي الجنة.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الباقي أفضل من الفاني.
قرأ أبو عمرو: {يَعْقِلُونَ} بالياء.
الباقون بالتاء على الخطاب وهو الاختيار لقوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم}.
قوله تعالى: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاَقِيهِ} يعني الجنة وما فيها من الثواب {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحياة الدنيا} فأعطي منها بعض ما أراد.
{ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} أي في النار.
ونظيره قوله: {وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ المحضرين} [الصافات: 57] قال ابن عباس: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وفي أبي جهل بن هشام.
وقال مجاهد: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.
وقال محمد بن كعب: نزلت في حمزة وعليّ، وفي أبي جهل وعمارة بن الوليد.
وقيل: في عمار والوليد بن المغيرة؛ قاله السدي.