فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَمَا أُوتِيتُم مّن شيء}.
من أمور الدُّنيا {فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} أي فهو شيءٌ شأنه أنْ يتمتَّعَ ويتزينَ به أيامًا قلائل {وَمَا عِندَ الله} وهو الثَّوابُ {خَيْرٌ} في نفسِه من ذلك لأنَّه لذَّةٌ خالصةٌ عن شوائبِ الألم وبهجةٌ كاملة عارية عن سِمةِ الهمِّ {وأبقى} لأنَّه أبديّ {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ألا تتفكرونَ فلا تعقلون هذا الأمرَ الواضحَ فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ. وقُرىء بالياءِ على الالتفات المبنيِّ على اقتضاء سوء صنيعهم الإعراضَ عن مخاطبتِهم.
{أَفَمَن وعدناه وَعْدًا حَسَنًا} أي وَعدًا بالجنَّة فإنَّ حسنَ الوعدِ بحسن الموعودِ {فَهُوَ لاَقِيهِ} أي مدركُه لا محالةَ لاستحالةِ الخُلفِ في وعدِه تعالى ولذلك جِيء بالجملة الاسميةِ المفيدة لتحققِه ألبتةَ وعُطفت بالفاء المنبئةِ عن معنى السببيةِ {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا} الذي هو مشوبٌ بالآلامِ منغصٌ بالأكدارِ مستتبع للتَّحسرِ على الانقطاعِ. ومعنى الفاءِ الأُولى ترتيبُ إنكارِ التَّشابهِ بين أهلِ الدُّنيا وأهلِ الآخرةِ على ما قبلها من ظهورِ التَّفاوتِ بين متاعِ الحياة الدُّنيا وبين ما عندَ الله تعالى، أي أبعدَ هذا التَّفاوت الظاهرِ يسوَّى بين الفريقينِ. وقولُه تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} عطفٌ على متَّعناه داخلٌ معه في حيِّز الصِّلةِ مؤكدٌ لإنكارِ التَّشابهِ مقررٌ له كأنَّه قيل: كمن متَّعناه متاعَ الحياةِ الدُّنيا ثم نحضرُه أو أحضرنَاه يومَ القيامةِ النَّارَ أو العذابَ. وإيثارُ الجملة الاسميَّةِ للدلالةِ على التحققِ حتمًا، وفي جعله من جُملة المحضرينَ من التَّهويلِ ما لا يخفى. وثمَّ للتَّراخي في الزَّمانِ أو في الرُّتبةِ. وقُرىء ثم هْو بسكونِ الهاءِ تشبيهًا للمنفصلِ بالمتَّصلِ.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} منصوبٌ بالعطفِ على يومَ القيامةِ لاختلافهما عُنوانًا وإنِ اتَّحدا ذاتًا أو بإضمارِ اذكُر {فَيَقُولُ} تفسيرٌ للنِّداءِ {أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي الذينَ كنتُم تزعمونَهم شركائي، فحُذف المفعولانِ معًا ثقةً بدلالةِ الكلامِ عليهما {قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على حكايةِ السُّؤالِ كأنَّه قيل: فماذا صدرَ عنهُم حينئذٍ؟ فقيل: قالَ: {الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} وهو شركاؤهم مِن الشَّياطينِ أو رؤساؤهم الذين اتَّخذوهم أربابًا من دونِ الله تعالى بأنْ أطاعوهم في كلِّ ما أمروهم به ونهَوا عنه، ومعنى حقَّ عليهم القول أنه ثبتَ مُقتضاه وتحقَّق مؤدَّاه وهو قوله تعالى: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} وغيره من آياتِ الوعيد. وتخصيصُهم بهذا الحكم مع شمولِه للأتباع أيضًا لأصالتِهم في الكفرِ واستحقاقِ العذابِ حسبما يشعرُ به قولُه تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} ومسارعتُهم إلى الجوابِ مع كون السؤال للعَبَدة إما لتفطُّنهم أنَّ السؤال عنهم لاستحضارِهم وتوبيخهم بالإضلال وجزمهم بأنَّ العَبَدةَ سيقولون: هؤلاءِ أضلُّونا وإمَّا لأنَّ العبَدَة قد قالوه اعتذارًا وهؤلاء إنَّما قالوا ما قالوا ردًّا لقولِهم إلا أنَّه لم يُحكَ قولُ العَبَدة إيجازًا لظهوره {رَبَّنَا هَؤُلاء الذين أَغْوَيْنَا} أي هم الذين أغويناهُم فحذف الرَّاجع إلى الموصولِ ومرادُهم بالإشارة بيانُ أنَّهم يقولون ما يقولون بمحضرٍ منهم وأنَّهم غيرُ قادرينَ على إنكارِه وردِّه وقوله تعالى: {أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا} هو الجوابُ حقيقةً وما قبله تمهيدٌ له أي ما أكرهناهم على الغيِّ وإنما أغويناهم بطريقِ الوسوسةِ والتَّسويل لا بالقسر والإلجاء فغَووا باختيارِهم غيًّا مثل غيِّنا باختيارِنا ويجوز أن يكون الذين صفةً لاسم الإشارة وأغويناهم الخبرَ {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} ومنهم وممَّا اختارُوه من الكفرِ والمَعَاصي هو منهم وهو تقريرٌ لما قبله ولذلك لم يعطف عليهِ وكذا قولُه تعالى: {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} أي ما كانُوا يعبدوننا وإنَّما كانوا يعبدون أهواءَهم، وقيل: ما مصدريةٌ متَّصلة بقوله تعالى: {تَبَرَّأْنَا} أي تبرأنا من عبادتِهم إيَّانا.
{وَقِيلَ ادعوا شُرَكَاءكُمْ} إما تهكُّمًا أو تبكيتًا لهم {فَدَعَوْهُمْ} لفرطِ الحيرةِ {فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} ضرورةَ عدمِ قُدرتهم على الاستجابةِ والنُّصرة {وَرَأَوُاْ العذاب} قد غشيهم {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} لوجهٍ من وجوهِ الحيلِ يدفعون به العذابَ أو إلى الحقِّ لما لقُوا ما لقُوا وقيل: {لو} للتَّمنِّي أي تمنَّوا لو أنَّهم كانُوا مهتدين.
{وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} عطفٌ على ما قبله سُئلوا أولًا عن إشراكِهم وثانيًا عن جوابِهم للرُّسلِ الذين نَهَوهم عن ذلك {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الانباء يَوْمَئِذٍ} أي صارتْ كالعَمَى عنهم لا تهتدي إليهم وأصله فعَمُوا عن الأنباءِ وقد عكس للمبالغةِ والتنبيهِ على أنَّ ما يحضر الذهن يفيضُ عليه ويصل إليه من خارجٍ فإذا أخطأ لم يكُن له حيلةٌ إلى استحضارِه. وتعديةُ الفعلِ بعلى لتضمنه معنى الخفاءِ والاشتباهِ، والمرادُ بالأنباءِ إمَّا ما طلب منهم ممَّا أجابُوا به الرُّسلَ أو جميعُ الأنباءِ وهي داخلةٌ فيه دخولًا أوليًا وإذا كانتِ الرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام يفوِّضون العلمَ في ذلك المقامِ الهائلِ إلى علاَّم الغُيوب مع نزاهتِهم عن غائلةِ المسئول فما ظنُّك بأولئكَ الضُّلاَّل من الأممِ {فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} لا يسألُ بعضُهم بعضًا عن الجوابِ لفرطِ الدَّهشة أو العلمِ بأنَّ الكلَّ سواءٌ في الجهل {فَأَمَّا مَن تَابَ} من الشركِ {وَامَنَ وَعَمِلَ صالحا} أي جمعَ بين الإيمانِ والعملِ الصَّالح {فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أي الفائزينَ بالمطلوبِ عنده تعالى النَّاجينَ عن المهروبِ، وعسى للتَّحقيقِ على عادةِ الكرامِ أو للترجِّي من قبلِ التَّائبِ بمعنى فليتوقعِ الإفلاحَ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا أُوتِيتُم مّن شيء} أي أي شيء أصبتموه من أمور الدنيا وأسبابها {فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} فهو شيء شأنه أن يتمتع به ويتزين به أيامًا قلائل ويشعر بالقلة لفظ المتاع وكذا ذكر {أبقى} في المقابل وفي لفظ الدنيا إشارة إلى القلة والخسة {وَمَا عِندَ الله} في الجنة وهو الثواب {خَيْرٌ} في نفسه من ذلك لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة {وأبقى} لأنه أبدى وأين المتناهي من غير المتناهي {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي ألا تتفكرون فلا تفعلون هذا الأمر الواضح فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وتخافون على ذهاب ما أصبتموه من متاع الحياة الدنيا وتمتنعون عن اتباع الهدى المفضي إلى ما عند الله تعالى لذلك فكأن هذا رد عليهم في منع خوف التخطف إياهم من اتباعه صلى الله عليه وسلم على تقدير تحقق وقوع ما يخافونه.
وقرأ أبو عمرو يعقلون بياء الغيبة على الالتفات وهو أبلغ في الموعظة لإشعاره بأنهم لعدم عقلهم لا يصلحون للخطاب، فالالتفات هنا لعدم الالتفات زجرًا لهم وقرىء {وأبقى قَالُواْ لَن} أي فتتمتعون به في الحياة الدنيا فنصب متاعًا على المصدرية والحياة على الظرفية.
{أَفَمَن وعدناه وَعْدًا حَسَنًا} أي وعدًا بالجنة وما فيها من النعيم الصرف الدائم فإن حسن الوعد بحسن الموعود {فَهُوَ} أي مدركًا لا محالة لاستحالة الخلف في وعده تعالى ولذلك جىء بالجملة الاسمية المفيدة لتحققه البتة وعطفت بالفاء المنبئة عن السببية {كَمَنْ مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا} الذي هو مشوب بالآلام منغص بالأكدار مستتبع بالتحسر على الانقطاع، ومعنى الفاء الأولى ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله تعالى أي أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين الفريقين وقوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} عطف على متعناه داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه مقوله كأنه قيل كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم نحضره أو أحضرناه يوم القيامة للنار أو العذاب وغلب لفظ المحضر في المحضر لذلك والعدول إلى الجملة الاسمية قيل للدلالة على التحقق حتمًا ولا يضر كون خبرها ظرفًا مع العدول وحصول الدلالة على التحقق لو قيل أحضرناه لا ينافي ذلك، وقد يقال: إن فيما ذكر في النظم الجليل شيء آخر غير الدلالة على التحقيق ليس في قولك ثم أحضرناه يوم القيامة كالدلالة على التقوى أو الحصر والدلالة على التهويل والإيقاع في حيرة، ولمجموع ذلك جىء بالجملة الاسمية، ويوم متعلق بالمحضرين المذكور، وقدم عليه للفاصلة أو هو متعلق بمحذوف وقد مر الكلام في مثل ذلك، وثم للتراخي في الرتبة دون الزمان وإن صح وكان فيه إبقاء اللفظ على حقيقته لأنه أنسب بالسياق وهو أبلغ وأكثر إفادة وأرباب البلاغة يعدلون إلى المجاز ما أمكن لتضمنه لطائف النكات.
وقرأ طلحة {مِن وعدناه} بغير فاء، وقرأ قالون والكسائي {ثُمَّ هُوَ} بسكون الهاء كما قيل: عضد وعضد تشبيهًا للمنفصل وهو الميم الأخير من ثم بالمتصل، والآية نزلت على ما أخرج ابن جرير عن مجاهد في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل.
وأخرج من وجه آخر عنه أنها نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل: نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وأبي جهل ونسب إلى محمد بن كعب والسدي، وقيل: في عمار رضي الله تعالى عنه والوليد بن المغيرة، وقيل: نزلت في المؤمن والكافر ملطقًا.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} عطف على {يوم القيامة} [القصص: 61] لاختلافهما عنوانًا وإن اتحدا ذاتًا أو منصوب بإضمار اذكر ونداؤه تعالى إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وأن يكون بدونها وهو نداء إهانة وتوبيخ {فَيَقُولُ} تفسير للنداء {أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي فإن زعم مما يتعدى إلى مفعولين كقوله:
وأن الذي قد عاش يا أم مالك ** يموت ولم أزعمك عن ذاك معزلًا

وحذف هنا المفعولان معًا ثقة بدلالة الكلام عليهما نحو من يسمع يخل.
وفي الكشاف يجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يصح الاقتصار على أحدهما، وادعى بعضهم أن عدم صحة الاقتصار هو الأصح وأنه الذي ذهب إليه الأكثرون.
وقال الأخفش: إذا دخلت هذه الأفعال ظن وأخواتها على أن نحو ظننت أنك قائم فالمفعول الثاني منهما محذوف والتقدير ظننت قيامك كائنًا لأن المفتوحة بتأويل المفرد.
وسيبويه يرى في ذلك أن أن مع ما بعدها سدت مسد المفعولين، وأجاز الكوفيون الاقتصار على الأول إذا سد شيء مسد الثاني كما في باب المبتدأ نحو أقائم أخواك فيقولون هل ظننت قائمًا أخواك؟ وقال أبو حيان: إذا دل دليل على أحدهما جاز حذفه كقوله:
كأن لم يكن بين إذا كان بعده ** تلاق ولكن لا أخال تلاقيًا

أي لا أخال بعد البين تلاقيًا وقال صاحب التحفة: يجوز الاقتصار في باب كسوت على أحد المفعولين بدليل وبغير دليل لأن الأول فيهما غير الثاني وأجاز بعضهم حذف الأول إذا كان هو الفاعل معنى نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ} [النور: 57] أي ولا يحسبن الذين كفروا إياهم أي أنفسهم معجزين، وقال الطيبي: في عدم الحذف فيما عدا ما ذكر.
وجواز الحذف فيه لعل السر أن هذه الأفعال قيود للمضامين يتدخل على الجمل الاسمية لبيان ما هي عليه لأن النسبة قد تكون عن علم وقد تكون عن ظن فلو اقتصر على أحد طرفي الجملة لقيام قرينة توهم أن الذي سيق له الكلام والذي هو مهتم بشأنه الطرف المذكور وليس غير المذكور مما يعتني به، نعم إذا كان الفاعل والمفعول لشيء واحد يهون الخطب، وذكر عن صاحب الإقليد ما يؤيده وقد أطال طيب الله تعالى مرقده الكلام في هذا المقام، وادعى ابن هشام أن الأولى أن يقدر هنا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي لأنه لم يقع الزعم في التنزيل على المفعولين الصريحين بل على أن وصلتها كقوله تعالى: {الذين زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} [الأنعام: 94] وفيه نظر.
والظاهر أن المراد بالشركاء من عبد من دون الله تعالى من ملك أو جن أو إنس أو كوكب أو صنم أو غير ذلك.
{قَالَ} استئناف مبني على حكاية السؤال كأنه قيل: فماذا كان بعد هذا السؤال فقيل قال: {الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي ثبت عليهم مقتضى القول وتحقق مؤداه وهو قوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119] وغيره من آيات الوعيد، والمراد بالموصول الشركاء الذين كانوا يزعمونهم شركاء من الشياطين ورؤساء الكفر، وتخصيصهم بما في حيز الصلة مع شمول مضمونها الاتباع أيضًا لأصالتهم في الكفر واستحقاق العذاب، والتعبير عنهم بذلك دون الذين زعموهم شركاء لإخراج مثل عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام لشمول الشركاء على ما سمعت له، ومسارعتهم إلى الجواب مع كون السؤال للعبدة لتفطنهم إن السؤال منهم سؤال توبيخ وإهانة وهو يستدعي استحضارهم وتوبيخهم بالإضلال وجزمهم بأن العبدة سيقولون هؤلاء أضلونا، وقيل: يجوز أن يكون العبدة قد أجابوا معتذرين بقولهم هؤلاء أضلونا ثم قال الشركاء ما قص الله تعالى ردًا لقولهم ذلك إلا أنه لم يحك إيجازًا لظهوره {رَبَّنَا هَؤُلاء الذين أَغْوَيْنَا} تمهيد للجواب والإشارة إلى العبدة لبيان أنهم يقولون ما يقولون بمحضر منهم وأنهم غير قادرين على إنكاره ورده و{هَؤُلاء} مبتدأ خبره الموصول بعده، وجملة أغوينا صلة الموصول والعائد محذوف للتصريح به فيما بعد أي الذين أغويناهم، وقوله تعالى: {أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا} هو الجواب حقيقة أي ما أكرهناهم على الغي وإنما أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل لا بالقسر والإلجاء فغووا باختيارهم غيًا مثل غينا باختيارنا، ويجوز أن يكون الموصول صفة اسم الإشارة والخبر جملة أغويناهم كما غيونا ومنع ذلك أبو علي في التذكرة بأنه يؤدي إلى أن الخبر لا يكون فيه فائدة زائدة لأن إغواءهم إياهم قد علم من الوصف.