فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وربك يخلق ما يشاء ويختار} نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقول بعضهم: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}.
وقائل ذلك الوليد بن المغيرة.
قال القرطبي: هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء، لا إلى المشركين.
وقيل: هو جواب لليهود، إذ قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل، لأمنا به، ونص الزجاج، وعليّ بن سليمان، والنحاس: على أن الوقف على قوله: {ويختار} تام، والظاهر أن ما نافية، أي ليس لهم الخيرة، إنما هي لله تعالى، كقوله: {ما كان لهم الخيرة} من أمرهم.
وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم، ويفعلون ما لم يؤمروا به.
وأنكر أن تكون ما نافية، لئلا يكون المعنى: إنه لم تكن لهم الخير فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي.
وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول، وأجيب بأن التقدير: ما كان لهم فيه الخيرة، وحذف لدلالة المعنى.
قال الزمخشري: كما حذف من قوله: {إن ذلك لمن عزم الأمور} يعني: أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور.
وأنشد القاسم بن معن بيت عنترة:
أمن سمية دمع العين تذريف ** لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

وقرن الآية بهذا البيت.
والرواية في البيت: لو أن ذا، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن.
فأما في الآية، فقال ابن عطية: تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف.
قال ابن عطية: ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة، إذا قدرنا كان تامة، أي أن الله تعالى يختار كل كائن، ولا يكون شيء إلا بإذنه.
وقوله: {لهم الخيرة} جملة مستأنفة معناها: تعديد النعمة عليهم في اختيار الله لهم، لو قبلوا وفهموا. انتهى.
يعني: والله أعلم خيرة الله لهم، أي لمصلحتهم.
والخيرة من التخير، كالطيرة من التطير، يستعملان بمعنى المصدر؛ والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها.
والحمد في الآخرة قولهم: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} {الحمد لله الذي صدقنا وعده} {الحمد لله رب العالمين} والتحميد هنالك على سبيل اللذة، لا التكليف.
وفي الحديث: «يلهمون التسبيح والتقديس» وقرأ ابن محيصن: ما تكن، بفتح التاء وضم الكاف.
{وله الحكم} أي القضاء بين عباده والفصل. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء} أنْ يخلقَه {وَيَخْتَارُ} ما يشاءُ اختيارَه من غيرِ إيجابٍ عليه ولا منعٍ له أصلًا {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي التَّخيُّرُ كالطِّيرةِ بمعنى التَّطيرِ، والمرادُ نفيُ الاختيارِ المؤثرِ عنهم وذلك ممَّا لا ريبَ فيه. وقيل: المرادُ أنَّه ليس لأحدٍ من خلقِه أنْ يختارَ عليه ولذلك خَلا عن العاطفِ ويؤيدُه ما رُوي أنَّه نزل في قولِ الوليدِ بنِ المُغيرةِ {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} والمعنى لا يبعثُ الله تعالى الرُّسلَ باختيارِ المرسَلِ إليهم وقيل: معناه ويختار الذي كان لهم فيه الخيرُ والصَّلاحُ {سبحان الله} أي تنزَّه بذاتِه تنزُّهًا خاصًّا به من أنْ ينازعَه أحدٌ أو يزاحم اختيارَه اختيارٌ {وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن إشراكِهم أو عن مشاركةِ ما يشركونَه به.
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} كعداوة رسولِ للها صلى الله عليه وسلم وحقدِه {وَمَا يُعْلِنُونَ} كالطَّعنِ فيه {وَهُوَ الله} أي المستحقُّ للعبادة {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} لا أحدَ يستحقُّها إلا هو {لَهُ الحمد في الاولى والآخرة} لأنَّه المولى للنِّعم كلِّها عاجلِها وآجلِها على الخلق كافةً يحمَده المؤمنون في الآخرةِ كما حمِدُوه في الدُّنيا بقولِهم: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنَّا الحزنَ الحمدُ لله الذي صدقنا وعدَه ابتهاجًا بفضلِه والتذاذًا بحمدِه {وَلَهُ الحكم} أي القضاءُ النَّافذُ في كلِّ شيءٍ من غيرِ مشاركةٍ فيه لغيرِه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعثِ لا إلى غيرِه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء} خلقه من الأعيان والأعراض {وَيَخْتَارُ} عطف على يخلق، والمعنى على ما قيل يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئًا بلا اختيار، وهذا مما لم يفهم مما يشاء فليس في الآية شائبة تكرار، وقيل في دفع ما يتوهم من ذلك غير ما ذكر مما نقله ورده الخفاجي ولم يتعرض للقدح في هذا الوجه، وأراه لا يخلو عن بعد ولي وجه في الآية سأذكره بعد إن شاء الله تعالى.
{مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وهما والاختيار بمعنى، وظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسًا كما يقوله الجبرية، ومن أثبت للعبد اختيارًا قال: إنه لكونه بالدواعي التي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن كان في حيز العدم، وهذا مذهب الأشعري على ما حققه العلامة الدواني قال: الذي أثبته الأشعري هو تعلق قدرة لعبد وإرادته الذي هو سبب عادي لخلق الله تعالى الفعل فيه، وإذا فتشنا عن مبادىء الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له وتصور أنه ملائم وغير ذلك من أمور ليس شيء منها بقدرة العبد واختياره، وحقق العلامة الكوراني في بعض رسائله المؤلفة في هذه المسألة أن مذهب السلف أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى وأن له اختيارًا لكنه مجبور باختياره وأدعى أن ذلك هو مذهب الأشعري دون ما شاع من أن له قدرة غير مؤثرة أصلًا بل هي كاليد الشلاء ونفي الاختيار عنه على هذا نحوه على ما مر فإنه حيث كان مجبورًا به كان وجوده كالعدم، وقيل: إن الآية أفادت نفي ملكهم للاختيار ويصدق على المجبور باختياره بأنه غير مالك للاختيار إذ لا يتصرف فيه كما يشاء تصرف المالك في ملكه، وقيل: المراد لا يليق ولا ينبغي لهم أن يختاروا عليه تعالى أي لا ينبغي لهم التحكم عليه سبحانه بأن يقولوا لم لم يفعل الله تعالى كذا.
ويؤيده أن الآية نزلت حين قال الوليد بن المغيرة {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] أو حين قال اليهود لو كان الرسول إلى محمد صلى الله عليه وسلم غير جبريل عليه السلام لآمنا به على ما قيل، والجملة على هذا الوجه مؤكدة لما قبلها أو مفسرة له إذ معنى ذلك يخلق ما يشاء ويختار ما يشاء أن يختاره لا ما يختاره العباد عليه ولذا خلت عن العاطف وهي على ما تقدم مستأنفة في جواب سؤال تقديره فما حال العباد أو هل لهم اختيار أو نحوه؟ فقيل: إنهم ليس لهم اختيار، وضعف هذا الوجه بأنه لا دلالة على هذا المعنى في النظم الجليل وفيه حذف المتعلق وهو على الله تعالى من غير قرينة دالة عليه، وكون سبب النزول ما ذكر ممنوع، والقول الثاني فيه يستدعي بظاهره أن يكون ضمير لهم لليهود وفيه من البعد ما فيه، وقيل: {مَا} موصولة مفعول يختار والعائد محذوف، والوقف على يشاء لا نافية، والوقف على يختار كما نص عليه الزجاج.
وعلي بن سليمان والنحاس كما في الوجهين السابقين أي ويختار الذي كان لهم فيه الخير والصلاح، واختياره تعالى ذلك بطريق التفضل والكرم عندنا وبطريق الوجوب عند المعتزلة، وإلى موصولية ما وكونها مفعول يختار ذهب الطبري إلا أنه قال في بيان المعنى عليه: أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس، وأنكر أن تكون نافية لئلا يكون المعنى أنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل، وادعى أبو حيان أنه روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معنى ما ذهب إليه، واعترض بأن اللغة لا تساعده لأن المعروف فيها أن الخيرة بمعنى الاختيار لا بمعنى الخير وبأنه لا يناسب ما بعده من تعالى قوله: {سبحان الله} الخ، وكذا لا يناسب ما قبله من قوله سبحانه: {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} وضعفه بعضهم بأن فيه حذف العائد ولا يخفى أن حذفه كثير.
وأجيب عما اعترض به الطبري بأنه يجوز أن يكون المراد بمعونة المقام استمرار النفي؛ أو يكون المراد ما كان لهم في علم الله تعالى ذلك، وهذا بعد تسليم لزوم كون المعنى ما ذكره لو أبقى الكلام على ظاهره.
قال ابن عطية: يتجه عندي أن يكون ما مفعول يختار إذا قدرنا كان تامة أي إن الله تعالى يختار كل كائن ولا يكون شيء إلا بإذنه وقوله تعالى: {لَهُمُ الخيرة} جملة مستأنفة معناها تعديد النعمة عليهم في اختيار الله سبحانه لهم لو قبلوا وفهموا. اهـ.