فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال عبد الكريم الخطيب:

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} السرمد: الدائم، والنسبة إليه سرمدي.
والآية وما بعدها، استعراض لقدرة اللّه سبحانه وتعالى، وإحسانه إلى خلقه، وفضله عليهم، ورحمته بهم، فلو شاء سبحانه أن يجعل الليل قائما على هذه الأرض، لا يعقبه نهار أبدا، لاستولى الظلام على هذا الكوكب، وعلى من فيه وما فيه، ولما كان لأحد أن يغير هذا الوضع القائم أبدا.
وفي قوله تعالى: {أَفَلا تَسْمَعُونَ} إشارة إلى أن الحاسة العاملة في الإنسان، عند الظلام، هي حاسة السمع، حيث يبطل عمل البصر، ويتحول المجال الحسى للإنسان كله، إلى أذن تسمع!.. فالناس في عالم الظلام، تتجمع حواسهم في سمعهم، ومع هذا، فإن هؤلاء المشركين لا يسمعون، حتى حين يكون السمع هو الوسيلة الوحيدة للإنسان في اتصاله بالحياة..!
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ}.
وكما في قدرة اللّه سبحانه، أن يحبس الليل، فلا يتحول عن مكانه من الأرض، كذلك في قدرته جل شأنه أن يجعل من النهار سلطانا قائما على الأرض لا يتحول عنها أبدا، ولا يجد الناس- ولا الكائنات الحية- هذا الليل الذي يلف الوجود بردائه، ويريح الكائنات على صدره.
وقوله تعالى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} إشارة إلى أن حاسة البصر في هذا النور الدائم الذي لا ينقطع أبدا، تكون هي الأداة العاملة في الإنسان، ومع هذا، فإن المشركين، لا يبصرون في هذا النور الغامر، الساطع، الدائم.
قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} هو تعقيب على الآيتين السابقتين، ورد على ما سئل عنه المشركون، وأعياهم الجواب عنه.
فاللّه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يجعل الليل سرمدا، أو النهار سرمدا، بل جعل الليل والنهار، ووصل بعضهما ببعض، ولم يجعل لأحدهما وجودا بغير الآخر، وجعل ذلك رحمة منه سبحانه، بعباده، وإحسانا إليهم.
وقوله تعالى: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} الضمير في {فيه} يعود إلى الليل. وفي ذلك إشارة إلى أن الليل- وإن كان ظلاما- فإنه يحمل معه السكن، والهدوء والاستقرار، ولراحة، بعد عمل النهار.
والضمير في قوله تعالى: {مِنْ فَضْلِهِ} يعود إلى لفظ الجلالة، أي من فضل اللّه.
والابتغاء من فضل اللّه، يكون في كل وقت، في النهار، وفي الليل. ولهذا لم يقيّد بظرف، كما قيّد السّكن.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} هو تذكير بقوله تعالى في مطلع الآيات السابقة: {وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} (الآية: 62) وبهذا يكون ما بين هاتين الآيتين واقعا في حيز التهديد للمشركين، وسؤالهم يوم القيامة عن آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون اللّه، وهو سؤال تعجيز، يراد به وضعهم موضع الاتهام، وما يلقون فيه من تعنيف وتأنيب.
وفي تصدير الآيات بهذا السؤال التعجيزي، ثم ختامها به- في هذا ما يشير إلى أهمية هذه القضية، التي جاءت الآيات للفصل فيها، وهي قضية التوحيد باللّه! قوله تعالى: {وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} نزعنا: أي أخرجنا من كل أمة شهيدا، وهو الرسول المرسل إليهم.
كما يقول سبحانه: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41].
وقوله تعالى: {فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ} أي هاتوا حجتكم، ودليكم على دينكم الذي تدينون به.
وقوله تعالى: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} أي فجاء كل إنسان ببرهانه وحجته، على دينه الذي يدين به، والإله الذي يعبده،:
وهنا ظهر الحق، وزهق الباطل، فأما من كانوا يعبدون اللّه، ويؤمنون برسل اللّه وكتبه، فقد جاءوا بالبرهان المبين، على أنهم على الدين الحق، فقبلهم اللّه سبحانه في ملكوته، وتقبل أعمالهم الطيبة، وتجاوز عن سيئاتهم. وأما من كانوا يعبدون غير اللّه، فقد ضل عنهم آلهتهم، وتركوهم ليلقوا مصيرهم الشئوم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ}.
انتقال من الاستدلال على انفراده تعالى بالإلهية بصفات ذاته إلى الاستدلال على ذلك ببديع مصنوعاته، وفي ضمن هذا الاستدلال إدماج الامتنان على الناس وللتعريض بكفر المشركين جلائل نعمه.
ومن أبدع الاستدلال أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين، والذي يستوي في إدراكه كل مميز، والذي هو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم فهو دليل الحدوث وهو مما يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام فهي تظلم وتسود أجسامها بظلام الليل وتشرق وتضيء بضياء النهار، وكان الاستدلال بتعاقب الضياء والظلمة على الناس أقوى وأوضح من الاستدلال بتكوين أحدهما لو كان دائمًا، لأن قدرة خالق الضدين وجاعل أحدهما ينسخ الآخر كل يوم أظهر منها لو لم يخلق إلا أقواهما وأنفعهما، ولأن النعمة بتعاقبهما دومًا أشد من الأنعام بأفضلهما وأنفعهما لأنه لو كان دائمًا لكان مسؤومًا ولحصلت منه طائفة من المنافع، وفقدت منافع ضده.
فالتنقل في النعم مرغوب فيه ولو كان تنقلًا إلى ما هو دون.
وسيق إليهم هذا الاستدلال بأسلوب تلقين النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم اهتمامًا بهذا التذكير لهذا الاستدلال ولاشتماله على ضدين متعاقبين، حتى لو كانت عقولهم قاصرة عن إدراك دلالة أحد الضدين لكان في الضد الآخر تنبيه لهم، ولو قصروا عن حكمة كل واحد منهما كان في تعاقبهما ما يكفي للاستدلال.
وجيء في الشرطين بحرف {إن} لأن الشرط مفروض فرضًا مخالفًا للواقع.
وعلم أنه قصد الاستدلال بعبرة خلق النور، فلذلك فرض استمرار الليل، والمقصود ما بعده وهو قوله: {من إله غير الله يأتيكم بضياء}.
والسرمد: الدائم الذي لا ينقطع.
قال في الكشاف: من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحُرم: ثلاثة سرد وواحد فرد.
والميم مزيدة ووزنه فعمل، ونظيره دُلامص من الدلاص. اهـ.
دُلامص بضم الدال وكسر الميم من صفات الدرع وأصلها دِلاص بدال مكسورة أي براقة.
ونسب إلى صاحب القاموس وبعض النحاة أن ميم سرمد أصلية وأن وزنه فعلل.
والمراد بجعل الليل سرمدًا أن لا يكون الله خلق الشمس ويكون خلق الأرض فكانت الأرض مظلمة.
والرؤية قلبية.
والاستفهام في {أرأيتم} تقريري، والاستفهام في {من إله غير الله يأتيكم بضياء} إنكاري وهم معترفون بهذا الانتفاء وأن خالق الليل والنهار هو الله تعالى لا غيره.
والمراد بالغاية في قوله: {إلى يوم القيامة} إحاطة أزمنة الدنيا وليس المراد انتهاء جعله سرمدًا.
والإتيان بالضياء وبالليل مستعار للإيجاد؛ شبه إيجاد الشيء الذي لم يكن موجودًا بالإجاءة بشيء من مكان إلى مكان، ووجه الشبه المثول والظهور.
والضياء: النور.
وهو في هذا العالم من شعاع الشمس قال تعالى.
{هو الذي جعل الشمس ضياء} وتقدم في سورة يونس (5).
وعُبر بالضياء دون النهار لأن ظلمة الليل قد تخف قليلًا بنور القمر فكان ذكر الضياء إيماء إلى ذلك.
وفي تعدية فعل {يأتيكم} في الموضعين إلى ضمير المخاطبين إيماء إلى أن إيجاد الضياء وإيجاد الليل نعمة على الناس.
وهذا إدماج للامتنان في أثناء الاستدلال على الانفراد بالإلهية.
وإذ قد استمر المشركون على عبادة الأصنام بعد سطوع هذا الدليل وقد علموا أن الأصنام لا تقدر على إيجاد الضياء جعلوا كأنهم لا يسمعون هذه الآيات التي أقامت الحجة الواضحة على فساد معتقدهم، ففرع على تلك الحجة الاستفهام الإنكاري عن انتفاء سماعهم بقوله: {أفلا تسمعون} أي أفلا تسمعون الكلام المشتمل على التذكير بأن الله هو خالق الليل والضياء ومنه هذه الآية.
وليس قوله: {أفلا تسمعون} تذييلًا.
وكرر الأمر بالقول في مقام التقرير لأن التقرير يناسبه التكرير مثل مقام التوبيخ ومقام التهويل.
وعُكس الاستدلال الثاني بفرض أن يكون النهار وهو انتشار نور الشمس، سرمدًا بأن خلق الله الأرض غير كروية الشكل بحيث يكون شعاع الشمس منتشرًا على جميع سطح الأرض دومًا.
ووصف الليل ب {تسكنون فيه} إدماج للمنة في أثناء الاستدلال للتذكير بالنعمة المشتملة على نعم كثيرة وتلك هي نعمة السكون فيه فإنها تشمل لذة الراحة، ولذة الخلاص من الحر، ولذة استعادة نشاط المجموع العصبي الذي به التفكير والعمل، ولذة الأمن من العدوّ.
ولم يوصف الضياء بشيء لكثرة منافعه واختلاف أنواعها.
وتفرع على هذا الاستدلال أيضًا تنزيلهم منزلة من لا يبصرون الأشياء الدالة على عظيم صنع الله وتفرده بصنعها وهي منهم بمرأى الأعين.
وناسب السمع دليل فرض سرمدة الليل لأن الليل لو كان دائمًا لم تكن للناس رؤية فإن رؤية الأشياء مشروطة بانتشار شيء من النور على سطح الجسم المرئي، فالظلمة الخالصة لا تُرى فيها المرئيات.
ولذلك جيء في جانب فرض دوام الليل بالإنكار على عدم سماعهم، وجيء في جانب فرض دوام النهار بالإنكار على عدم إبصارهم.
وليس قوله: {أفلا تبصرون} تذييلًا.
{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)}.
تصريح بنعمة تعاقب الليل والنهار على الناس بقوله: {لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} وذلك مما دلت عليه الآية السابقة بطريق الإدماج بقوله: {يأتيكم} [القصص: 71] وبقوله: {تسكنون فيه} [القصص: 72] كما تقدم آنفًا.
وجملة {جعل لكم الليل والنهار} الخ معطوفة على جملة {أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا} [القصص: 71].
و{من} تبعيضية فإن رحمة الله بالناس حقيقة كلية لها تحقق في وجود أنواعها وآحادها العديدة، والمجرور ب {من} يتعلق بفعل {جعل لكم الليل} وكذلك يتعلق به {لكم} والمقصود إظهار أن هذا رحمة من الله وأنه بعض من رحمته التي وسعت كل شيء ليتذكروا بهما نعمًا أخرى.
وقدم المجرور ب {من رحمته} على عامله للاهتمام بمنة الرحمة.
وقد سلك في قوله: {لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} طريقة اللف والنشر المعكوس فيعود {لتسكنوا فيه} إلى الليل، ويعود {ولتبتغوا من فضله} إلى النهار، والتقدير: ولتبتغوا من فضله فيه، فحذف الضمير وجاره إيجازًا اعتمادًا على المقابلة.
والابتغاء من فضل الله: كناية عن العمل والطلب لتحصيل الرزق قال تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: 20].
والرزق: فضل من الله.
وتقدم في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} في سورة البقرة (198).
ولام {لتسكنوا} ولام {ولتبتغوا} للتعليل، ومدخولاهما علتان للجعل المستفاد من فعل {جعل}.
وعُطف على العلتين رجاء شكرهم على هاتين النعمتين اللتين هما من جملة رحمته بالناس فالشأن أن يتذكروا بذلك مظاهر الرحمة الربانية وجلائل النعم فيشكروه بإفراده بالعبادة.
وهذا تعريض بأنهم كفروا فلم يشكروا.
وقرأ الجمهور {أرأيتم} [القصص: 71] بألف بعد الراء تخفيفًا لهمزة رأى.
وقرأ الكسائي بحذف الهمزة زيادة في التخفيف وهي لغة.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)}.
كررت جملة {يوم يناديهم} مرة ثانية لأن التكرير من مقتضيات مقام التوبيخ فلذلك لم يقل: ويوم ننزع من كل أمة شهيدًا، فأعيد ذكر أن الله يناديهم بهذا الاستفهام التقريعي وينزع من كل أمة شهيدًا، فظاهر الآية أن ذلك النداء يكرر يوم القيامة.
ويحتمل أنه إنما كررت حكايته وأنه نداء واحد يقع عقبه جواب الذين حق عليهم القول من مشركي العرب ويقع نزع شهيد من كل أمة عليهم فهو شامل لمشركي العرب وغيرهم من الأمم.
وجيء بفعل المضي في {نزعنا} إما للدلالة على تحقيق وقوعه حتى كأنه قد وقع، وإما لأن الواو للحال وهي يعقبها الماضي ب قد وبدون قد أي يوم يكون ذلك النداء وقد أخرجنا من كل أمة شهيدًا عليهم وأخرجنا من هؤلاء شهيدًا وهو محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} [النحل: 89].
وشهيد كل أمة رسولها.
والنزع: جذب شيء من بين ما هو مختلط به واستعير هنا لإخراج بعض من جماعة كما في قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمان عتيًا} في سورة مريم (69).
وذلك أن الأمم تأتي إلى المحشر تتبع أنبياءها، وهذا المجيء الأول، ثم تأتي الأنبياء مع كل واحد منهم من آمنوا به كما ورد في الحديث: «يأتي النبي معه الرهط والنبي وحده ما معه أحد».
والتُفت من الغيبة إلى التكلم في {ونزعنا} لإظهار عظمة التكلم، وعطف {فقلنا} على {ونزعنا} لأنه المقصود.
والمخاطب ب {هاتوا} هم المشركون، أي هاتوا برهانكم على إلهية أصنامكم.
و{هاتوا} اسم فعل معناه ناولوا، وهات مبني على الكسر.
وقد تقدم في قوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} في سورة البقرة (111)، واستعيرت المناولة للإظهار.
والأمر مستعمل في التعجيز فهو يقتضي أنهم على الباطل فيما زعموه من الشركاء، ولما علموا عجزهم من إظهار برهان لهم في جعل الشركاء لله أيقنوا أن الحق مستحق لله تعالى، أي علموا علم اليقين أنهم لا حق لهم في إثبات الشركاء وأن الحق لله إذ كان ينهاهم عن الشرك على لسان الرسول في الدنيا، وأن الحق لله إذ ناداهم بأمر التعجيز في قوله: {هاتوا برهانكم}.
و{ما كانوا يفترون} يشمل ما كانوا يكذبونه من المزاعم في إلهية الأصنام وما كانوا يفترون له الإلهية من الأصنام، كل ذلك كانوا يفترونه.
والضلال: أصله عدم الاهتداء إلى الطريق.
واستعير هنا لعدم خطور الشيء في البال ولعدم حضوره في المحضر من استعمال اللفظ في مجازيه.
و{عنهم} متعلق بفعل {ضل}.
والمراد: ضل عن عقولهم وعن مقامهم؛ مثلوا بالمقصود للسائر في طريق حين يخطىء الطريق فلا يبلغ المكان المقصود.
وعلق بالضلال ضمير ذواتهم ليشمل ضلال الأمرين فيفيد أنهم لم يجدوا حجة يروجون بها زعمهم إلهية الأصنام، ولم يجدوا الأصنام حاضرة للشفاعة فيهم فوجموا عن الجواب وأيقنوا بالمؤاخذة. اهـ.