فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

.[سورة القصص: آية 51]:

{وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}.
قرئ وَصَّلْنا بالتشديد والتخفيف. والمعنى: أن القرآن أتاهم متتابعا متواصلا، وعدا ووعيدا، وقصصا وعبرا، ومواعظ ونصائح: إرادة أن يتذكروا فيفلحوا. أو نزل عليهم نزولا متصلا بعضه في أثر بعض، كقوله وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.

.[سورة القصص: آية 52]:

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)}.
نزلت في مؤمنى أهل الكتاب وعن رفاعة بن قرظة: نزلت في عشرة أنا أحدهم. وقيل: في أربعين من مسلمي أهل الإنجيل: اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من أرض الحبشة، وثمانية من الشام.
والضمير في مِنْ قَبْلِهِ للقرآن.

.[سورة القصص: آية 53]:

{وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)}.
فإن قلت: أى فرق بين الاستئنافين إنه وإنا؟ قلت: الأوّل تعليل للإيمان به، لأن كونه حقا من اللّه حقيق بأن يؤمن به. والثاني: بيان لقوله آمَنَّا بِهِ لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده، فأخبروا أن إيمانهم به متقادم، لأنّ آباءهم القدماء قرءوا في الكتب الأول ذكره وأبناءهم من بعدهم مِنْ قَبْلِهِ من قبل وجوده ونزوله مُسْلِمِينَ كائنين على دين الإسلام، لأن الإسلام صفة كل موحد مصدّق للوحى.

.[سورة القصص: آية 54]:

{أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54)}.
بِما صَبَرُوا بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن. أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله. أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب. ونحوه يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ بالطاعة المعصية المتقدمة. أو بالحلم الأذى.

.[سورة القصص: آية 55]:

{وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55)}.
سَلامٌ عَلَيْكُمْ توديع ومتاركة. وعن الحسن رضى اللّه عنه: كلمة حلم من المؤمنين لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ لا نريد مخالطتهم وصحبتهم فإن قلت: من خاطبوا بقولهم وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ؟ قلت:
اللاغين الذين دل عليهم قوله وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ.

.[سورة القصص: آية 56]:

{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)}.
لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم، لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره وَلكِنَّ اللَّهَ يدخل في الإسلام مَنْ يَشاءُ وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه، وأن الألطاف ننفع فيه، فيقرن به ألطافه حتى تدعوه إلى القبول وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بالقابلين من الذين لا يقبلون. قال الزجاج:
أجمع المسلمون أنها نزلت في أبى طالب، وذلك أن أبا طالب قال عند موته: يا معشر بنى هاشم، أطيعوا محمدا وصدّقوه تفلحوا وترشدوا، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك؟ قال: فما تريد يا ابن أخى؟ قال: أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا: أن تقول لا إله إلا اللّه، أشهد لك بها عند اللّه. قال: يا ابن أخى، قد علمت إنك لصادق، ولكنى أكره أن يقال: خرع عند الموت، ولولا أن تكون عليك وعلى بنى أبيك غضاضة ومسبة بعدي، لقلتها، ولأقررت بها عينك عند الفراق، لما أرى من شدّة وجدك ونصيحتك، ولكنى سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف.

.[سورة القصص: آية 57]:

{وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)}.
قالت قريش، وقيل: إن القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف: نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك- وإنما نحن أكلة رأس، أى: قليلون- أن يتخطفونا من أرضنا، فألقمهم اللّه الحجر. بأنه مكن لهم في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن قطانه بحرمته، وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناحرون، وهم آمنون في حرمهم لا يخافون، وبحرمة البيت هم قارّون بواد غير ذى زرع، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل أوب، فإذا خولهم اللّه ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخوّف والتخطف، ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام. وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة، وإلى الحرم مجاز يُجْبى إِلَيْهِ تجلب وتجمع. قرئ:
بالياء والتاء. وقرئ: تجنى، بالنون، من الجنى. وتعديته بإلى كقوله: يجنى إلىّ فيه، ويجنى إلى الخافة. وثمرات: بضمتين وبضمة وسكون. ومعنى الكلية: الكثرة كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} متعلق بقوله: {مِنْ لَدُنَّا} أى قليل منهم يقرون بأنّ ذلك رزق من عند اللّه، وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولا يفطنون له، ولو علموا أنه من عند اللّه لعلموا أن الخوف والأمن من عنده، ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به وخلعوا أنداده.
فإن قلت: بم انتصب رزقا؟ قلت: إن جعلته مصدرا جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله، لأنّ معنى {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ} ويرزق ثمرات كل شيء: واحد، وأن يكون مفعولا له. وإن جعلته بمعنى: مرزوق، كان حالا من الثمرات لتخصصها بالإضافة، كما تنتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة.

.[سورة القصص: آية 58]:

{وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58)}.
هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام اللّه عليهم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش، فغمطوا النعمة وقابلوها بالأشر والبطر، فدمرّهم اللّه وخرّب ديارهم. وانتصبت مَعِيشَتَها إمّا بحذف الجار وإيصال الفعل، كقوله تعالى: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} وإمّا على الظرف بنفسها، كقولك: زيد ظنى مقيم. أو بتقدير حذف الزمان المضاف، أصله: بطرت أيام معيشتها، كخفوق النجم، ومقدم الحاج: وإمّا بتضمين بَطِرَتْ معنى: كفرت وغمطت. وقيل: البطر سوء احتمال الغنى: وهو أن لا يحفظ حق اللّه فيه إِلَّا قَلِيلًا من السكنى. قال ابن عباس رضى اللّه عنهما: لم يسكنها إلا المسافر ومارّ الطريق يوما أو ساعة ويحتمل أنّ شؤم معاصى المهلكين بقي أثره في ديارهم، فكل من سكنها من أعقابهم لم يبق فيها إلا قليلا {وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ} لتلك المساكن من ساكنيها، أى: تركناها على حال لا يكنها أحد، أو خرّبناها وسوّيناها بالأرض:
تتخلّف الآثار عن أصحابها ** حينا ويدركها الفناء فتتبع

.[سورة القصص: آية 59]:

{وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59)}.
وما كانت عادة ربك أن يهلك القرى في كل وقت حَتَّى يَبْعَثَ فِي القرية التي هي أمّها، أى:
أصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها رَسُولًا لإلزام الحجة وقطع المعذرة، مع علمه أنهم لا يؤمنون، أو وما كان في حكم اللّه وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى- يعنى مكة- رسولا وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم خاتم الأنبياء. وقرئ: أمها، بضم الهمزة وكسرها لاتباع الجرّ، وهذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم، حيث أخبر بأنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم، ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين، كما قال تعالى وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ فنصّ في قوله بِظُلْمٍ أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلما منه، وأنّ حاله في غناه وحكمته منافية للظلم، دلّ على ذلك بحرف النفي مع لامه، كما قال اللّه تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.

.[سورة القصص: آية 60]:

{وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60)}.
وأى شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل، وهي مدة الحياة المتقضية وَما عِنْدَ اللَّهِ وهو ثوابه خَيْرٌ في نفسه من ذلك وَأَبْقى لأنّ بقاءه دائم سرمد وقرئ: يعقلون، بالياء، وهو أبلغ في الموعظة. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن اللّه خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف: المؤمن، والمنافق، والكافر: فالمؤمن يتزوّد، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع.

.[سورة القصص: آية 61]:

{أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}.
هذه الآية تقرير وإيضاح للتي قبلها. والوعد الحسن: الثواب، لأنه منافع دائمة على وجه التعظيم والاستحقاق، وأى شيء أحسن منها، ولذلك سمى اللّه الجنة بالحسنى. ولاقِيهِ كقوله تعالى: {ولقاهم نضرة وسرورا} وعكسه {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مِنَ الْمُحْضَرِينَ من الذين أحضروا النار. ونحوه {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} قيل: نزلت في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبى جهل. وقيل: في على وحمزة وأبى جهل. وقيل: في عمار ابن ياسر والوليد بن المغيرة. فإن قلت: فسر لي الفاءين وثم، وأخبرنى عن مواقعها. قلت:
قد ذكر في الآية التي قبلها متاع الحياة الدنيا وما عند اللّه وتفاوتهما، ثم عقبه بقوله أَفَمَنْ وَعَدْناهُ على معنى: أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوّى بين أبناء الآخرة وأبناء الدنيا، فهذا معنى الفاء الأولى وبيان موقعها. وأمّا الثانية فللتسبيب لأن لقاء الموعود مسبب عن الوعد الذي هو الضمان في الخير. وأمّا ثم فلتراخى حال الإحضار عن حال التمتيع، لا لتراخى وقته عن وقته.
وقرئ ثُمَّ هُوَ بسكون الهاء، كما قيل عضد في عضد، تشبيها للمنفصل بالمتصل، وسكون الهاء في فهو، وهو، ولهو: أحسن لأنّ الحرف الواحد لا ينطق به وحده فهو كالمتصل.