فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى المتخير كقولهم محمد خيرة الله من خلقه {سبحان الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي الله بريء من إشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار.
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} تضمر {صُدُورُهُمْ} من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده {وَمَا يُعْلِنُونَ} من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختير عليه غيره في النبوة {وَهُوَ الله} وهو المستأثر بالإلهية المختص بها {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} تقرير لذلك كقولك القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي.
{لَهُ الحمد في الأولى} الدنيا {والآخرة} هو قولهم {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34] {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} [الزمر: 75] والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة {وَلَهُ الحكم} القضاء بين عباده {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعث والنشور.
وبفتح التاء وكسر الجيم: يعقوب.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أريتم محذوف الهمزة: علي {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَدًا} هو مفعول ثان ل {جعل} أي دائمًا من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم ثلاثة سرد وواحد فرد والميم مزيدة ووزنه فعمل {إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} والمعنى أخبروني من يقدر على هذا.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال: {بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء {أفلا تسمعون} لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل {أفلا تبصرون} لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار فيكون من باب اللف والنشر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه.
وقال الزجاج: يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل الله فيهما، ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلًا ونهارًا لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه {وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} كرر التوبيخ لاتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده {وَنَزَعْنَا} وأخرجنا {مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه {فَقُلْنَا} للأمم {هَاتُواْ برهانكم} فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل {فَعَلِمُواْ} حينئذ {أَنَّ الحق لِلَّهِ} التوحيد {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من ألوهية غير الله والشفاعة لهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول}.
أتبعنا بعضه بعضًا في الإِنزال ليتصل التذكير، أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيؤمنون ويطيعون.
{الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} نزلت في مؤمني أهل الكتاب، وقيل في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام، والضمير في {مِن قَبْلِهِ} للقرآن كالمستكن في: {وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ} أي بأنه كلام الله تعالى. {إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا} استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به. {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} استئناف آخر للدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذٍ، وإنما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة وكونهم على دين الإِسلام قبل نزول القرآن، أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة.
{أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن. {بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم وثباتهم على الإِيمانين، أو على الإِيمان بالقرآن قبل النزول وبعده، أو على أذى المشركين ومن هاجرهم من أهل دينهم. {وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة} ويدفعون بالطاعة المعصية لقوله صلى الله عليه وسلم «أتبع السيئة الحسنة تمحها» {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} في سبيل الخير.
{وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} تكرمًا. {وَقَالُواْ} للاغين. {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ} متاركة لهم وتوديعًا، أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه. {لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} لا نطلب صحبتهم ولا نريدها.
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} لا تقدر على أن تدخلهم في الإِسلام. {ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاءُ} فيدخله في الإِسلام. {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} بالمستعدين لذلك. والجمهور على أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، قال: يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكن أكره أن يقال خدع عند الموت».
{وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} نخرج منها. نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله: {أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا} أو لم نجعل مكانهم حرمًا ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه. {يجبى إِلَيْهِ} يحمل إليه ويجمع فيه، وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء. {ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} من كل أوب. {رّزْقًا مّن لَّدُنَّا} فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه، وقيل إنه متعلق بقوله: {مّن لَّدُنَّا} أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره، وانتصاب {رِزْقًا} على المصدر من معنى {يجبى} أو حال من ال {ثمرات} لتخصصها بالإِضافة، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم. {فَتِلْكَ مساكنهم} خاوية. {لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلًا} من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يومًا أو بعض يوم، أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم. {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم، وانتصاب {مَعِيشَتَهَا} بنزع الخافض أو بجعلها ظرفًا بنفسها كقولك: زيد ظني مقيم، أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولًا على تضمين بطرت معنى كفرت.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ} وما كانت عادته.
{مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا} في أصلها التي هي أعمالها، لأن أهلها تكون أفطن وأنبل. {رَسُولًا يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا} لإِلزام الحجة وقطع المعذرة. {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} بتكذيب الرسل والعتو في الكفر.
{وَمَا أُوتِيتُم مّن شيء} من أسباب الدنيا. {فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} تتمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية. {وَمَا عِندَ الله} وهو ثوابه. {خَيْرٌ} في نفسه من ذلك لأنه لذة خاصة وبهجة كاملة. {وأبقى} لأنه أبدى. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة.
{أَفَمَن وعدناه وَعْدًا حَسَنًا} وعدًا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود. {فَهُوَ لاَقِيهِ} مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده، ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية. {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا} الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع. {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} للحساب أو العذاب، و{ثُمَّ} للتراخي في الزمان أو الرتبة، وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي {ثُمَّ هُوَ} بسكون الهاء تشبيهًا للمنفصل بالمتصل، وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر. {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي، فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما.
{قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} وغيره من آيات الوعيد. {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الذين أَغْوَيْنَا} أي {هَؤُلاء الذين} أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول. {أغويناهم كَمَا غَوَيْنَا} أي {أغويناهم} فغووا غيًا مثل ما غوينا، وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلًا، ويجوز أن يكون {الذين} صفة و{أغويناهم} الخبر لأجل ما اتصل به فإفادة زيادة على الصفة وهو إن كان فضلة لكنه صار من اللوازم. {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم ومما اختاره من الكفر هوى منهم، وهو تقرير للجملة المتقدمة ولذلك خلت عن العاطف وكذا. {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} أي ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم. وقيل {مَا} مصدرية متصلة ب {تَبَرَّأْنَا} أي تبرأنا من عبادتهم إيانا.
{وَقِيلَ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ} من فرط الحيرة. {فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} لعجزهم عن الإِجابة والنصرة. {وَرَأَوُاْ العذاب} لازمًا بهم. {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} لوجه من الحيل يدفعون به العذاب، أو إلى الحق لما رأوا العذاب {لَوْ} للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين.
{وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} عطف على الأول فإنه تعالى يسأل أولًا عن إشراكهم به ثم عن تكذيبهم الأنبياء.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم، وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره، والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها، فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم، وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء.
{فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} لا يسأل بعضهم بعضًا عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز.
{فَأَمَّا مَن تَابَ} من الشرك. {وَآمَنَ وَعَمِلَ صالحا}. وجمع بين الإِيمان والعمل الصالح. {فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام، أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح.
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} لا موجب عليه ولا مانع له. {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي التخير كالطيرة بمعنى التطير، وظاهرة نفي الاختيار عنهم رأسًا والأمر كذلك عند التحقيق، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله منوط بدواع لا اختيار لهم فيها، وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف، ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} وقيل {مَا} موصولة مفعول ل {يختار} والراجع إليه محذوف والمعنى: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح. {سبحان الله} تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار. {وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه.
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} كعداوة الرسول وحقده. {وَمَا يُعْلِنُونَ} كالطعن فيه.
{وَهُوَ الله} المستحق للعبادة. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} لا أحد يستحقها إلا هو. {لَهُ الحمد في الأولى والآخرة} لأنه المولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} ابتهاجًا بفضله والتذاذًا بحمده. {وَلَهُ الحكم} القضاء النافذ في كل شيء. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالنشور.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اليل سَرْمَدًا} دائمًا من السرد وهو المتابعة والميم مزيدة كميم دلامص. {إلى يَوْمِ القيامة} بإِسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر. {مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} كان حقه هل إله فذكر ب {مِنْ} على زعمهم أن غيره آلهة. وعن ابن كثير {بضئاء} بهمزتين. {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} سماع تدبر واستبصار.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القيامة} باسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق. {مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} استراحة عن متاعب الأشغال، ولعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل، ولأن منافع الضوء أكثر مما يقابله ولذلك قرن {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} و{باليل}. {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} لأن استفادة العقل من السمع اكثر من استفادته من البصر.
{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} في الليل {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} في النهار بأنواع المكاسب. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها.
{وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإِشراك به، أو الأول لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنه لم يكن عن سند وإنما كان محض تشه وهوى.
{وَنَزَعْنَا} وأخرجنا. {مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه. {فَقُلْنَا} للأمم. {هَاتُواْ برهانكم} على صحة ما كنتم تدينون به. {فَعَلِمُواْ} حينئذ. {أَنَّ الحق لِلَّهِ} في الألوهية لا يشاركه فيها أحد. {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم غيبة الضائع. {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من الباطل. اهـ.