فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

ولما ذكر تعالى قارون ونعته، وما آتاه من الكنوز، وفرحه بذلك فرح البطرين، وادعاءه أن ما أوتي من ذلك إنما أوتيه على علم، ذكر ما هو ناشىء عن التكبر والسرور بما أوتي فقال: {فخرج على قومه في زينته} وكان يوم السبت: أي أظهر ما يقدر عليه من الملابس والمراكب وزينة الدنيا. قال جابر، ومجاهد: في ثياب حمر. وقال ابن زيد: هو وحشمه في ثياب معصفرة. وقيل: في ثياب الأرجوان. وقيل: على بغلة شهباء عليها الأرجوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه. وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعلى يمينه ثلاثمائة غلام، وعلى يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهم الحلى والديباج. وقيل: في تسعين ألفًا عليهم المعصفرات، وهو أول يوم رؤي فيه المعصفر. وقيل غير ذلك من الكيفيات.
{قال الذين يريدون الحياة الدنيا} قيل: كانوا مؤمنين. وقال قتادة: تمنوه ليتقربوا به إلى الله. وقيل: رغبة في اليسارة والثروة. وقيل: كانوا كفارة، وتمنوا {مثل ما أوتي قارون} ولم يذكروا زوال نعمته، وهذا من الغبطة. {إنه لذو حظ عظيم} أي درجة عظيمة، قاله الضحاك. وقيل: نصيب كثير من الدنيا والحظ البخت والسعد، يقال: فلان ذو حظ وحظيظ ومحظوظ.
{وقال الذين أوتوا العلم} منهم: يوشع، والعلم: معرفة الثواب والعقاب، أو التوكل، أو الإخبار، أقوال. {ويلكم} دعاء بالشر. {ثواب الله} وهو ما أعده في الآخرة للمؤمن {خير} مما أوتي قارون. {ولا يلقاها} أي هذه الحكمة، وهي معرفة ثواب الله، وقيل: الجنة ونعيمها. وقيل: هذه المقالة، وهي قولهم: {ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا} وبخهم بها. {إلا الصابرون} على الطاعات وعلى قمع أنفسهم عن الشهوات. تقدم طرف من خبر قارون وحسده لموسى. ومن حسده أنه جعل لبغي جعلًا، على أن ترمي موسى بطلبها وبزنائها، وأنها تابت إلى الله، وأقرت أن قارون هو الذي جعل لها جعلًا على رمي موسى بذلك، فأمر الله الأرض أن تطيعه، فقال: يا أرض خذيه وأتباعه، فخسف بهم في حكاية طويلة، الله أعلم بها. ولما خسف بقارون ومن معه، فقال بنو إسرائيل: إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه، فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله. ومن زائدة، أي من جماعة تفيد استغراق الفئات. وإذا انتفت الجملة، ولم يقدر على نصره، فانتفاء الواحد عن نصرته أبلغ. {وما كان من المنتصرين} أي لم يكن في نفسه ممن يمتنع من عذاب الله. {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} بدل، وأصبح، إذا حمل على ظاهره، أن الخسف به وبداره كان ليلًا، وهو أفظع العذاب، إذ الليل مقر الراحة والسكون، والأمس يحتمل أن يراد به الزمان الماضي، ويحتمل أن يراد به ما قبل يوم الخسف، وهو يوم التمني، ويدل عليه العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب في قوله: {فخسفنا} فيكون فيه اعتقاب العذاب خروجه في زينته، وفي ذلك تعجيل العذاب. ومكانه: منزلته في الدنيا من الثروة والحشم والأتباع. و: وي، عند الخليل وسيبويه: اسم فعل مثل: صه ومه، ومعناها: أعجب.
قال الخليل: وذلك أن القوم ندموا فقالوا: متندمين على ما سلف منهم: وي، وكل من ندم فأظهر ندامته قال: وي. وكأن: هي كاف التشبيه الداخلة على أن، وكتبت متصلة بكاف التشبيه لكثرة الاستعمال، وأنشد سيبويه:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ** ـبب ومن يفتقر يعش عيش ضر

والبيت لزيد بن عمرو بن نفيل.
وحكى الفراء أن امرأة قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت، وعلى هذا المذهب يكون الوقف على وي.
وقال الأخفش: هي ويك، وينبغي أن تكون الكاف حرف خطاب، ولا موضع له من الإعراب، والوقف عليه ويك، ومنه قول عنترة:
ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها ** قيل الفوارس ويك عنتر اقدم

قال الأخفش: وأن عنده مفتوح بتقدير العلم، أي أعلم أن الله، وقال الشاعر:
ألا ويك المضرة لا تدوم ** ولا يبقى على البؤس النعيم

وذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم وغيرهم إلى أن أصله ويلك، فحذفت اللام والكاف في موضع جر بالإضافة.
فعلى المذهب الأول قيل: تكون الكاف خالية من معنى التشبيه، كما قيل: {ليس كمثله شيء} وعلى المذهب الثاني، فالمعنى: أعجب لأن الله.
وعلى المذهب الثالث تكون ويلك كلمة تحزن، والمعنى أيضًا: لأن الله.
وقال أبو زيد وفرقة معه: ويكأن، حرف واحد بجملته، وهو بمعنى: ألم تر.
وبمعنى: ألم تر، قال ابن عباس والكسائي وأبو عبيد.
وقال الفراء: ويك، في كلام العرب، كقوله الرجل: أما ترى إلى صنع الله؟ وقال ابن قتيبة، عن بعض أهل العلم أنه قال: معنى ويك: رحمة لك، بلغة حمير.
ولما صدر منهم تمني حال قارون، وشاهدوا الخسف، كان ذلك زاجرًا لهم عن حب الدنيا، وداعيًا إلى الرضا بقدر الله، فتنبهوا لخطئهم فقالوا: وي، ثم قالوا: {كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده} بحسب مشيئته وحكمته، لا لكرامته عليه، ويضيق على من يشاء، لا لهوانه، بل لحكمته وقضائه ابتلاء.
وقرأ الأعمش: لولا منّ الله، بحذف أن، وهي مزادة. وروي عنه: منّ الله، برفع النون والإضافة.
وقرأ الجمهور: لخسف مبنيًا للمفعول؛ وحفص، وعصمة، وأبان عن عاصم، وابن أبي حماد عن أبي بكر: مبنيًا للفاعل؛ وابن مسعود، وطلحة، والأعمش: لا نخسف بنا، كقولك: انقطع بنا، كأنه فعل مطاوع، والمقام مقام الفاعل هو {بنا}.
ويجوز أن يكون المصدر: أي لا نخسف الانخساف، ومطاوع فعل لا يتعدى إلى مفعول به، فلذلك بني إما لبنا وإما للمصدر.
وعن ابن مسعود أيضًا: لتخسف، بتاء وشد السين، مبنيًا للمفعول.
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}.
لما كان من قول أهل العلم والإيمان ثواب الله خير، ذكر محل الثواب، وهو الدار الآخرة. والمعنى: تلك التي سمعت بذكرها، وبلغك وصفها.
{الدار الآخرة} أي نعيم الدار الآخرة، وهي الجنة، والبقاء فيها سرمدًا، وعلق حصولها على مجرد الإرادة، فكيف يمن بأشر العلوّ والفساد؟ ثم جاء التركيب بلا في قوله: {ولا فسادًا} فدل على أن كل واحد من العلوّ والفساد مقصود، لا مجموعهما. قال الحسن: العلوّ: العز والشرف، إن جر البغي الضحاك، الظلم والفساد يعم أنواع الشر.
وعن عليّ، كرم الله وجهه: أن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحتها.
وعن الفضيل، أنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني. وعن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يرددها حتى قبض. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم وَيْلَكُمْ} الآية: أخبر تعَالَى عَنْ الذين أوتوا العلم والمعرفةَ باللّهِ وبِحَقِّ طاعتِه أَنَّهُمْ زَجَرُوا الأَغْمَارَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا حَالَ قَارُوْنَ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثْلَى؛ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ والتَّمَنِّي إنَّما يَنْبَغِى أنْ يَكونَ في أمورِ الآخرةِ، وأنَّ حالةَ المؤمنِ العاملِ الذي ينتظرُ ثوابَ اللّهِ تعالى خيرٌ مِن حالِ كلِّ ذِي دُنيا. ثم أخبر تعالى عن هذه النَّزْعَةِ وهذه القوَّةِ في الخبر والدينِ أَنَّها {لاَ يُلَقَّاهَا} أي: لا يُمَكَّنُ فيها ويُخَوَّلُها إلا الصَّابِرُ عَلى طَاعَةِ اللّه وعن شهواتِ نفسه؛ وهذا هو جماع الخير كله.
وقال الطبري: الضمير عائد على الكلمة؛ وهي قوله: {ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} أي: لا يُلَقَّنُ هذه الكلمة إلا الصابرون؛ وعنهم تصدر، ورُوِيَ في الخسف بقارونَ ودارِه أن موسى عليه السلام لما أمَضَّه فعلُ قارونَ به وتعدّيه عليه؛ استجارَ باللّه تعالى وطلب النصرة؛ فأوحى اللّه إليه، أَني قد أمرتُ الأرض أَنْ تطيعكَ في قارونَ وأتباعه، فقال موسى: يا أرض؛ خذيهم فأخذتهم إلى الركب، فاستغاثوا: يا موسى؛ يا موسى؛ فقال: خذيهم، فأخذتهم شيئًا فشيئًا إلى أن تم الخسفُ بهم، فأوحى اللّه إليه: يا موسى؛ لَوْ بِيَ استغاثوا وإليَّ تابوا لرحمتِهُم. قال قتادةُ وغيره: رُوِيَ أَنه يخسفُ به كل يوم قامةً؛ فهو يتجلجل إلى يوم القيامة.
ت: وفي الترمذي؛ عن معاذ بن أنس الجُهَنِيِّ، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ اللَّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ اللّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ على رءوس الخَلاَئِقِ؛ حتى يُخَيِّرَهُ؛ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» وروى الترمذيُّ عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان لنا قِرَامُ سِتْرٍ فيه تماثيلُ على بابي فرآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: «انْزَعِيهِ فَإنَّهُ يُذَكِّرُنِي الدُّنْيَا»، الحديثَ وروى الترمذي عن كعب ابن عياض قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي: المَالُ»؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وفيه عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سوى هذه الْخِصَالِ: بَيْتٍ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخَبَزِ والمَاءِ». قال النضر بن شميلٍ: «جِلْفُ الخبز» يعني: ليس معه إدام. انتهى. فهذه الأحاديث وأشباهها تزهِّد في زينةِ الدنيا وغضارة عيشها الفاني.
وقوله: {ويكأن} مذهبُ الخليلِ وسيبويه: أن وي حرف تنبيه منفصلة من كأن، لكنْ أُضيفت لكثرة الاستعمال.
وقال أبو حاتم وجماعة: ويْكَ: هي وَيْلَكَ حذفتِ اللامُ منها لكثرةِ الاستعمال.
وقالت فرقة: و{يكأن} بجملتها كلمة.
وقوله تعالى: {تِلْكَ الدار الأخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلاَ فَسَادًا} الآية: هذا إخبار مستأنف من اللّه تعالى لنبيه عليه السلام، يرادُ به جميعُ العالمِ، ويتضمنُ الحضَّ على السعيِ، حسبَ ما دلت عليه الآيةُ، ويتضمنُ الانحناءَ على حالِ قارونَ ونظرائه، والمعنى: أَنَّ الآخرةَ ليست في شيء من أمر قارون؛ وأشباهه؛ وإنما هي لمن صفتُه كذا وكذا، والعلو المذموم: هو بالظلم والتجبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وذلك أَن تريد أن يكون شراكُ نعلك أفضلَ من شراكِ نعلِ أخيك»، والفسادُ يعمُّ وجوهَ الشر. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ} عطفٌ على قال وما بينهما اعتراضٌ. وقولُه تعالى: {فِى زِينَتِهِ} إمَّا متعلقٌ بخرجَ أو بمحذوفٍ هو حالٌ من فاعلِه أي فخرجَ عليه كائنًا في زينتِه. قيل خرجَ على بغلةٍ شهباء عليه الأرُجوانُ وعليها سرجٌ من ذهبٍ ومعه أربعةُ آلافٍ على زيِّه. وقيلَ: عليهم وعلى خيولِهم الدِّيباجُ الأحمرُ وعن يمينهِ ثلاثمائةُ غلامً وعن يسارِه ثلاثمائةُ جاريةٍ بيضٍ عليهنَّ الحليُّ والدِّيباجُ وقيل: في تسعينَ ألفًا عليهن المُعصفراتُ وهو أولُ يومٍ رُئيَ فيه المُعصفرُ. {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} من المؤمنين جريًا على سَنَنِ الجبلَّةِ البشريةِ من الرغبةِ في السَّعةِ واليسارِ. {ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون} وعن قَتَادةَ أنَّهم تمنَّوه ليتقربُوا به إلى الله تعالى وينفقُوه في سُبُلِ الخيرِ وقيل: كان المتمنَّون قومًا كفَّارًا {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} تعليلٌ لتمنيَّهم وتأكيدٌ له. {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم} أي بأحوالِ الدُّنيا والآخرةِ كَما ينبغي وإنَّما لم يُوصفوا بإرادةِ ثوابِ الآخرةِ تنبيهًا على أنَّ العلَمِ بأحوال النَّشأتينِ يقتضِي الإعراضَ عنِ الأُولى والإقبالَ على الثَّانيةِ حتمًا وأنَّ تمنِّي المتمنين ليس إلا لعدمِ علمِهم بهما كما ينبغِي {وَيْلَكُمْ} دعاءٌ بالهلاكِ شاعَ استعمالُه في الزَّجرِ عمَّا لا يُرتضَى {ثَوَابُ الله} في الآخرةِ {خَيْرٌ} ممَّا تتمنَّونه {لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صالحا} فلا يليقُ بكم أنْ تتمنَّوه غيرَ مكتفين بثوابِه تعالى: {وَلاَ يُلَقَّاهَا} أي هذه الكلمةَ التي تكلَّم بها العلماءُ أو الثَّوابَ فإنَّه بمعنى المثْوبةِ أو الجنَّةِ أو الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ، فإنَّهما في معنى السِّيرةِ والطَّريقةِ {إِلاَّ الصابرون} أي على الطَّاعاتِ وعن الشَّهواتِ.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} رُوي أنَّه كان يُؤذي مُوسى عليه السَّلام كلَّ وقتٍ وهو يداريهِ لقرابتِه حتَّى نزلتِ الزَّكاةُ فصالحَه عن كلِّ ألفٍ على واحدٍ فحسبه فاسكتثرَه فعَمدَ إلى أنْ يفضحَ موسى عليه السَّلام بين بني إسرائيلَ فجعل لبغيَ من بَغَايا بني إسرائيلَ ألفَ دينارٍ وقيل: طَشتًا من ذهبٍ مملوءةٍ ذهبًا فلما كان يومُ عيدٍ قام مُوسى عليه السَّلام خطيبًا فقال من سرق قطعناهُ ومن زنَى غيرَ محصنٍ جلدناهُ ومن زنَى محصنًا رجمناهُ فقال قارونُ ولو كنتَ قال ولو كنتُ قال إنَّ بني إسرائيلَ يزعمُون أنَّك فجرت بفلانةٍ فأحضرت فناشدها عليه السَّلام أنُ تصدقَ فقالت: جعل لي قارونُ جُعْلًا على أنْ أرميك بنفسي فخرَّ مُوسى ساجدًا لربِّه يبكي ويقول يا ربُّ إنْ كنتُ رسولَك فاغضبْ لي فأُوحي إليه أنْ مرِ الأرضَ بما شئت فإنَّها مطيعةٌ لك فقال يا بني إسرائيلَ إنَّ الله بعثني إلى قارونَ كما بعثني إلى فرعونَ فمن كان معه فليلزم مكانَه ومن كان معي فليعتزلْ عنه فاعتزلُوا جميعًا غيرَ رجلينِ ثم قال يا أرضُ خُذيهم فأخذتهُم إلى الرُّكبِ ثم قال خُذيهم فأخذتُهم إلى الأوساطِ ثم قال خُذيهم فأخذتْهُم إلى الأعناقِ وهم يُناشدونَهُ عليه الصَّلاة والسَّلام بالله تعالى وبالرَّحِم وهو لا يلتفتُ إليهم لشدَّةِ غيظِه ثم قال خُذيهم فانطبقتْ عليهم فأصبحتْ بنُو إسرائيلَ يتناجَون فيما بينهم إنَّما دعا عليه موسى عليه الصَّلاة والسَّلام ليستبدَّ بدارِه وكنوزِه فدعا الله تعالى حتى خُسفَ بدارِه وأموالِه {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} جماعةٍ مشفقةٍ {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} بدفع العذابَ عنه {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} أي الممتنعين منه بوجهٍ من الوجوهِ يقال نصره من عدِّوه فانتصَر أي منعه فامنتَع.
{وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْا مَكَانَهُ} منزلتَه {بالأمس} منذ زمانٍ قريبٍ {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} أي يفعلُ كلَّ واحدٍ من البسطِ والقدرِ بمحضِ مشيئتهِ لا لكرامةٍ تُوجب البسطَ ولا لهوانٍ يقتضِي القبضَ. ويكأنّ عند البصريينَ مركبٌ من وَيْ للتَّعجبِ وكأنَّ للتشبيهِ والمعنى ما أشبَه الأمرَ أنَّ الله يبسط الخ. وعند الكوفيينَ من وَيْكَ بمعنى ويلك وأنَّ وتقديرُه وَيكَ أعلَم أنَّ الله وإنَّما يستعملُ عند التنبهِ على الخطأِ والتندُّم والمعنى أنَّهم قد تنبَّهوا على خطئِهم من تمنِّيهم وتندَّموا على ذلك {لَوْلا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا} بعدم إعطائِه إيانَّا ما تمنيناهُ وإعطائنا مثلَ ما أعطاه إيَّاه وقُرىء لولا مَنَّ الله علينا {لَخَسَفَ بِنَا} كما خسفَ بهِ. وقُرىء لخُسِف بنا على النباءِ للمفعولِ وبنا هو القائمُ مقامَ الفاعلِ. وقُرىء لا تْخسفَ بنا كقولِك أنقطعَ بهِ، وقرُىء لتُخْسف بنا {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} لنعمةِ الله تعالى أو المكذَّبون برسلِه وبما وعدُوا من ثوابِ الآخرةِ. {تِلْكَ الدار الآخرة} إشارةُ تعظيمٍ وتفخيمٍ كأنَّه قيل تلك التي سمعتَ خبَرها وبلغَك وصفُها {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرض} أي غلبةً وتسلطًا {وَلاَ فَسَادًا} أي ظُلمًا وعدُوانًا على العبادِ كدأبِ فرعونَ وقارونَ وفي تعليق الموعد بترك إرادتهما لا بتركِ أنفسهما مزيدُ تحذير منهما. وعن عليَ رضي الله عنه أنَّ الرَّجلَ ليعجبه أنْ يكونَ شِراكُ نعلِه أجودَ من شراكَ نعلِ صاحبِه فيدخلُ تحتَها {والعاقبة} الحميدة {لّلْمُتَّقِينَ} أي الذين يتَّقون ما لا يرضاهُ الله من الأفعالِ والأقوالِ. اهـ.