فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} تمنَّى مَنْ رآه مِمَّن كان في حُبِّ الدنيا ساواه أَنْ يُعْطِيَه اللَّهُ مِثْلَ ما أعطاه. أَمَّا مَنْ كان صاحيًا عن خمار غفلته، مُتَيَقِّظًا بنور بصيرته فكان موقفُهم: {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصابرون}. وبعد أن كان ما كان، وخسفنا به وبداره الأرضَ قال هؤلاء.
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} {مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} فلم نَنْجَرِفْ في نَهْجِه، ولم ننخرط في سِلْكِه، وإذًا لَوَقَعَ بنا الهلاكِ.
أَمَّا المُتَمَنُّون مكانَه فقد نَدِمُوا، وأمّا الراضون بقسمته- سبحانه- فقد سَلِمُوا؛ سَلِمُوا في العاجل إلى أَنْ تَظْهرَ سعادتُهم في الآجل.
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}.
قيل العلو في الدنيا أَنْ تَتَوَهَّمَ أَنَّ على البسيطة أحدًا هو شرٌّ منك.
والفساد أن تتحرك لحظِّ نَفْسِك ونصيبك ونصيبك ولو بِنَفَسٍ أو خطوةٍ. وهذا للأكابر، فأمَّا للأصاغر والعوام فتلك الدار الآخرة {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَّ يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرْضِ وَلاَ} كعُلُوِّ فرعون {وَلاَ فَسَادًا} كفَسَادِ قارون. ويقال الزهاد لا يريدون في الأرض عُلُوًَّا، والعارفون لا يريدون في الآخرة والجنة عُلُوًَّا. ويقال: {تِلْكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ} للعُبَّادِ والزُّهاد، وهذه الرحمة الحاضرة لأرباب الافتقار والانكسار. اهـ.

.تفسير الآيات (84- 88):

قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تحرر الفرق بين أهل الدارين، وكان لابد من إتيان الآخرة، وعلم أن الآخرة إنما هي جزاء الأعمال، وتقرر من كونها للخائفين أنها على الآمنين، فاستؤنف تفصيل ذلك جوابًا لمن كأنه قال: ما لمن أحسن ومن أساء عند القدوم؟ بقوله: {من جاء} أي في الآخرة أو الدنيا {بالحسنة} أي الحالة الصالحة {فله} من فضل الله {خير منها} من عشرة أضعاف إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ما لا يحيط به إلا الله تعالى: {ومن جاء بالسيئة} وهي ما نهى الله عنه، ومنه إخافة المؤمنين {فلا يجزى} من جاز ما، وأظهر ما في هذا الفعل من الضمير العائد على من فقال: {الذين عملوا السيئات} تصويرًا لحالهم تقبيحًا لها وتنفيرًا من عملها، ولعله جمع هنا وأفرد أولًا إشارة إلى أن المسيء أكثر {إلا} مثله سواء عدلًا منه تعالى، هكذا كان الأصل، ولكنه قال: {ما كانوا} أي بجميع هممهم {يعملون} مبالغة في المثلية، هذا في الآخرة، وزادت الآية الإشارة إلى أنه يفعل في الدنيا مثل ذلك وإن خفي، فسيخافون في حرمهم بما أخافوا المؤمنين فيه وقد جعله الله للأمن، فاعتلوا عن الدخول في دينه بخوف التخطف من أرضهم، فسيصير عدم دخولهم فيه سببًا لخوفهم وتخطفهم من أرضهم فيعلمون أن ما كانوا فيه من الأمن إنما هو بسببك، ثم يصيرون يوم الفتح في قبضتك.
ولما قرر ذكر الآخرة التي هي المرجع وكرره، وأثبت الجزاء فيها، وأن العاقبة للمتقين، أتبعه ما هو في بيان ذلك كالعلة، فقال مستأنفًا مقررًا مؤكدًا لما تقرر في أذهانهم من إنكار الآخرة وما يقتضيه حال خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة المشرفة من استبعاد رده إليها: {إن الذي فرض} أي أوجب {عليك القرآن} أي الجامع لما تفرق من المحاسن، المفصل لما التبس من جميع المعاني، أي فرض عليك جميع ما في هذا الكتاب المشتمل على الجمع والفرق بما يظهر حسن تلقيه من تلاوة وإبلاغ وتحد وعمل وألزمك فيه وغيرك هذه الملازم، وكلفكم تلك التكاليف التي منها المقارعة بالسيوف {لرآدك} أي بعد الموت لأجل صعوبة ما كلفك به وألزمك من مشقته {إلى معاد} أي مرجع عظيم يا له من مرجع! يجزي فيه كل أحد بما عمل، فيبعثك ربك فيه ثوابًا على إحسانك في العمل مقامًا محمودًا يغبطك فيه الأولون والآخرون، بما عانيت في أمره من هذه المشقات التي لا تحملها الجبال، ولولا الرد إلى إلى هذا المعاد لكانت هذه التكاليف- التي لا يعمل أكثرهم بأكثرها ولا يجازي على المخالفة فيها- من العبث المعلوم أن العاقل من الآدميين متنزه عنه فكيف بأحكم الحاكمين! فاجتهد فيما أنت فيه لعز ذلك اليوم فإن العاقبة لك، والآية مثل قوله تعالى: {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281]، {ثم إليه ترجعون} [البقرة: 28] {إلى الله مرجعكم} [المائدة: 48] إلى غير ذلك من الآيات، ويجوز أن يقال: إلى معاد أيّ معاد، أي مكان هو لعظمته أهل لأن يقصد العودَ إليه كل من خرج منه وهو مكة المشرفة: وطنك الدنيوي، كما فسرها بذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما رواه عنه البخاري، وعود هو لجلالته أهل لأن يذكر لدخولك إليها في جنود يعز بها الإسلام، ويذل بها الكفر وأهله على الدوام، والجنة المزخرفة: وطنك الخروي، على أكمل الوجوه وأعلاها، وأعزها وأولاها، فلا تظن أنه يسلك بك سبيل أبويك عليهما الصلاة والسلام: إبراهيم في هجرته من حران بلد الكفر إلى الأرض المقدسة فلم يعد إليها، وإسماعيل في العلو به من الأرض المقدسة إلى أقدس منها فلم يعد إليها، بل يسلك لك سبيل أخيك موسى عليه الصلاة والسلام- الذي أنزل عليه الكتاب كما أنزل عليك الكتاب القرآن الفرقان، والذي أشركوك به في قولهم {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} [القصص: 48]- في إعادته إلى البلد الذي ذكر في هذه السورة- توطئة لهذه الآية- أنه خرج منه خائفًا يترقب- وهي مصر- إلى مدين في أطراف بلاد العرب، على وجه أهلك فيه أعداءه، أما من كان من غير قومه فبالإغراق في الماء، وأما من كان من قومه فبالخسف في الأرض، وأعز أولياءه من قومه وغيرهم، كما خرجت أنت من بلدك مكة خائفًا تترقب إلى المدينة الشريفة غير أن رجوعك- لكونك نبي الرحمة، وكون خروجك لم يكن مسببًا عن قتل أحد منهم- لا يكون فيه هلاكهم، بل عزهم وأمنهم وغناهم وثباتهم، واختير لفظ القرآن دون الكتاب لما فيه من الجمع من لازم النشر- كما مضى في الحجر، فناسب السياق الذي هو للنشر والحشر والفصل من بلده ثم الوصل، فإنه روى أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الجحفة وهي في طريق الهجرة.
ولما فهم من الإبلاغ في هذا التأكيد أن ثَم من يبالغ في النفي والإنكار على حسب هذا التأكيد في الإثبات فيقول: إن الأمر ليس كذلك، ولا يعود إلى مكة المشرفة ومنا عين تطرف، قال مهددًا على طريق الاستئناف على لسانه صلى الله عليه وسلم لكون الإنكار تكذيبًا له كما كذب موسى صلى الله عليه وسلم حين أجاب بمثل ذلك كما تقدم: {قل} أي لهؤلاء المنكرين لما أخبرتك به: {ربي} أي المحسن إليّ {أعلم} أي من كل أحد.
ولما كانت هذه القصة مسلمة لا نزاع فيها لعاقل تثبت الخالق، وكانوا يقولون: من ادعى رجوعه فهو ضال، توجه السؤال عن المهتدي إلى الصواب والضال، بما يشهد به فتح مكة عند الإقبال في أولئك الضراغمة الأبطال، والسادة الأقيال، فقال في أسلوب الاستفهام لإظهار الإنصاف والإبعاد من الاتهام: {من جاء بالهدى} أي الذي لا أبين منه، أنا فيما جئت به من ربي بهذا الكلام الذي يشهد الله لي بإعجازه أنه من عنده أم أنتم فيما تقولون من عند أنفسكم؟ {ومن هو في ضلال} أي أنتم في كلامكم الظاهر العوار العظيم العار أم أنا {مبين} أي بين في نفسه مظهر لكل أحد ما فيه من خلل وإن اجتهد التابع له في ستره.
ولما كان الجواب لكل من أنصف: هم في ضلال مبين لأنهم ينحتون من عند أنفسهم ما لا دليل عليه، وأنت جئت بالهدى لأنك أتيت به عن الله، بني عليه قوله: {وما} ويجوز أن تكون الجملة حالًا من الضمير في {عليك} وما بينهما اعتراض للاهتمام بالرد على المنكر للمعاد، أي فرضه عليك والحال أنك ما، ويجوز أن يقال: لما كان رجوعه إلى مكة غاية البعد لكثرة الكفار وقلة الأنصار، قربه بقوله معلمًا أن كثيرًا من الأمور تكون على غير رجاء، بل وعلى خلاف القياس: وما {كنت ترجوا} أي في سالف الدهر بحال من الأحوال {أن يلقى} أي ينزل على وجه لم يقدر على رده {إليك الكتاب} أي بهذا الاعتقاد ولا بشيء منه؛ ولا كان هذا من شأنك، ولا سمعه أحد منك يومًا من الأيام، ولا تأهبت لذلك أهبته العادية من تعلم خط أو مجالسة عالم ليتطرق إليك نوع اتهام، كما يشير إليه قوله تعالى في التي بعدها {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب} [العنكبوت: 48] واختير هنا لفظ الكتاب لأن السياق للرحمة التي من ثمراتها الاجتماع المحكم، وذلك مدلول الكتاب؛ ثم قال: {إلا} أي لكن ألقي إليك الكتاب {رحمة} أي لأجل رحمة عظيمة لك ولجميع الخلائق بك، لم تكن ترجوها {من ربك} أي المحسن إليك بجعلك مصطفى لذلك، بالدعاء إليه وقصر الهمم عليه، وعبر بأداة الاستثناء المتصل إشارة إلى أن حاله قبل النبوة من التنزه عن عبادة الأوثان وعن القرب منها والحلف بها وعن والفواحش جميعًا، ومن الانقطاع إلى الله بالخلوة معه والتعبد له توفيقًا من الله كان حال من يرجو ذلك.
ولما تسبب عما تقدم الاجتهاد في تحريك الهمم إلى العكوف على أمر الله طمعًا فيما عنده سبحانه من الثواب، وشكرًا على إنزال الكتاب، قال في سياق التأكيد لأن الطبع البشري يقتضي إدراك مظاهرة الكفار لأمر من التوفيق عظيم، لكثرتهم وقوتهم وعزتهم: {فلا تكونن} إذ ذاك بسبب اتصافهم لك لكثرتهم {ظهيرًا} أي معينًا {للكافرين} بالمكث بين ظهرانيهم، أو بالفتور عن الاجتهاد في دعائهم، يأسًا منهم لما ترى من بعدهم من الإجابة وإن طال إنذارك، لا تمل أنت كما لم نمل نحن، فقد وصلنا لهم القول، وتابعنا لهم الوعظ والقص، ونحن قادرون على إهلاكهم في لحظة، وهدايتهم في أقل لمحة، وكما أن موسى عليه الصلاة والسلام بعد الإنعام عليه لم يكن ظهيرًا للمجرمين، وهذا تدريب من الله تعالى لأئمة الأمة في الدعاء إلى الله عند كثرة المخالف، وقلة الناصر المحالف.
ولما كان التواني في النهي عن المنكر إعراضًا عن الأوامر وإن كان المتواني مجتهدًا في العمل، قال مؤكدًا تنبيهًا على شدة الأمر لكثرة الأعداء وتتابع الإيذاء والاعتداء: {ولا يصدنك} أي الكفار بمبالغتهم في الإعراض وقولهم {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} ونحوه {عن آيات الله} أي عن الصدع بها وهي من المتصف بصفات الكمال، في الأوقات الكائنة {بعد إذ أنزلت} أي وقع إنزالها ممن تعلمه منتهيًا {إليك} مما ترى من أوامرها ونواهيها، ولقد بين هذا المعنى قوله: {وادع} أي أوجد الدعاء للناس {إلى ربك} أي المحسن إليك لإحسانه إليك، وإقباله دون الخلق عليك، وأعراه من التأكيد اكتفاء بالمستطاع فإن الفعل ليس للمبالغة فيه جدًا، إشارة إلى أن جلب المصالح أيسر خطبًا من درء المفاسد، فإن المطلوب فيه النهاية محدود بالاجتناب.
ولما كان الساكت عن فاعل المنكر شريكًا له، قال مؤكدًا تنبيهًا علىلاهتمام بدرء المفاسد، وأنه لابد فيه من بلوغ الغاية: {ولا تكونن من المشركين} أي معدودًا في عدادهم بترك نهيهم عن شركهم وما يتسبب عنه ساعة واحدة.
ولما كان الكائن من قوم موصوفًا بما اتصف به كل منهم، وكانت مشاركتهم بالفعل أبعد من مشاركتهم بالسكوت، قال من غير تأكيد: {ولا تدع مع الله} أي الجامع لجميع صفات الكمال {إلهًا} ولما كانت النكرة في سياق النهي تعم كما لو كانت في سياق النفي، وكان المشركون قد تعنتوا لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو باسم الله واسم الرحمن كما ذكر آخر الإسراء، قال: {آخر} أي غير الله حقيقة دون أن يغاير في الاسم دون الذات، ومضى في آخر الحجر، ويأتي إن شاء الله تعالى في الذاريات ما يتضح به هذا المعنى، والمراد بهذا كله المبالغة في الإنذار إعلامًا بأن تارك النهي عن المنكر مع القدرة شريك للفاعل وإن لم يباشره، والنبي صلى الله عليه وسلم قادر لحراسة الله تعالى له؛ ثم علل ذلك بقوله: {لا إله إلا هو} أي حتى يستحق أن يشتغل به عبد؛ ثم علل وحدانيته بقوله: {كل شيء هالك} أي هو في قوة الهلاك والفناء ومستحق لذلك لأنه ممكن {إلا وجهه} أي هو، فهو الباقي لأنه الواجب الوجود، ووجود كل موجود إنما كان به، ولعله عبر عن الذات بالوجه ليشمل ما قصد به من العمل الصالح مع ما هو معروف من تسويغه لذلك بكونه أشرف الجملة، وبكون النظر إليه هو الحامل على الطاعة بالاستحياء وما في معناه؛ ثم علل ذلك بقوله: {له} أي لله وحده فالضمير استخدام {الحكم} أي العمل المحكم بالعلم النافذ على كل شيء، ولا حكم لشيء عليه {وإليه} وحده {ترجعون} في جميع أحوالكم: في الدنيا بحيث أنه لا ينفذ لأحد مراد إلا بإرادته، وفي الآخرة بالبعث فيجازي المحسن بإحسانه والعاصي بعصيانه، ولا شك أن هذه الأوامر والنواهي وإن كان خطابها متوجهًا إليه صلى الله عليه وسلم فالمقصود بها أتباعه، ولعلها إنما وجهت إليه صلى الله عليه وسلم عليه لأن أمر الرئيس أدعى لأتباعه إلى القبول، وقد اتضح بهذا البيان، في هذه المعاني الحسان، أن هذا الكتاب مبين، وبإنفاذ إرادته سبحانه وتعالى في تقوية أهل الضعف من بني إسرائيل دون ما أراد فرعون وقارون وأتباعهما من أهل العلو بطاعة الماء والتراب وما جمع العناصر من اليد والعصا أن له وحده الحكم على ما يريد ويختار، فصح أن إليه الرجوع يوم المعاد يوم لا تكلم نفس إلا بإذنه، فقد انطبق آخر السورة على أولها، وانشرح مجملها بمفصلها. اهـ.