فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله إليه أني أمرت الأرض أن تعطيك فمرها بما شئت فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذتهم بأقدامهم.
وقيل كان على سرير وفرشه فأخذته الأرض حتى غيبت سريره ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وأصحابه في ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم، حتى قيل إنه ناشده أربعين مرة.
وقيل سبعين مرة وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فأطبقت عليهم الأرض فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعًا لأحد.
قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى: {فما كان له من فئة} يعني جماعة {ينصرونه من دون الله} يعني يمنعونه من الله {وما كان من المنتصرين} من الممتنعين مما نزل به من الخسف {وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} يعني صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من الأموال والزينة يندمون على ذلك التمني {يقولون ويكأن الله} ألم تعلم وقيل ألم تر.
وقيل هي كلمة تقرير معناها أما ترى صنع الله وإحسانه وقيل ويك، بمعنى ويلك اعلم أن الله.
وروي أن وي مفصوله من كأن والمعنى أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم وي وكأن معناها أظن وأقدر أن الله {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} قال ابن عباس أي يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء {لولا أن من الله علينا} أي بالإيمان {لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون}.
قوله: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوًا في الأرض} أي استكبارًا عن الإيمان وقيل علوًا واستطالة على الناس وتهاونًا بهم وقيل يطلبون الشرف والعز عند ذي سلطان وعن علي أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل المقدرة {ولا فسادًا} قيل الذين يدعون إلى غير عبادة الله تعالى وقيل أخذ أموال الناس بغير حق وقيل العمل بالمعاصي {والعاقبة للمتقين} أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب نواهيه وقيل عاقبة المتقين الجنة {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} تقدم تفسيره.
قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أنزل عليك القرآن وقيل معناه أوجب عليك العمل بالقرآن {لرادك إلى معاد} قال ابن عباس إلى مكة.
أخرجه البخاري عنه قال القتيبي: معاد الرجل بلده لأنه ينصرف فيعود إلى بلده وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجرًا إلى المدينة سار على غير الطريق مخالفة الطلب فلما أمن رجع في الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: أتشتاق إلى بلدك؟ قال نعم قال: فإن الله تعالى يقول الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية.
وقال ابن عباس أيضًا لرادك إلى الموت وقيل إلى القيامة، وقيل إل الجنة {قل ربي أعلم من جاء بالهدى} هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم إنك لفي ضلال مبين فقال الله تعالى لهم {ربي أعلم من جاء بالهدى} يعني نفسه {ومن هو في ضلال مبين} يعني المشركين ومعناه هو أعلم بالفريقين.
قوله: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} أي يوحى إليك القرآن {إلا رحمة من ربك} فأعطاك القرآن {فلا تكونن ظهيرًا} أي معينًا {للكافرين} على دينهم ذلك حين دعوه إلى دين آبائه فذكره نعمه عليه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه {ولا يصدنك عن آيات الله} يعني القرآن {بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك} إلى معرفته وتوحيده {ولا تكونن من المشركين} قال ابن عباس: الخطاب في الظاهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به أهل دينه أي ولا تظاهر الكفار ولا توافقهم {ولا تدع مع الله إلهًا آخر} معناه أنه واجب على الكل إلا أنه خاطبه به مخصوصًا لأجل التعظيم.
فإن قلت النبيّ صلى الله عليه وسلم كان معصومًا من أن يدعو مع الله إلهًا آخر فما فائدة هذا النهي.
قلت الخطاب معه والمراد به غيره وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلًا على أمورك كلها ولا تعتمد على غيره {لا إله إلا هو كل شيء هالك} أي فانٍ {إلا وجهه} أي إلا هو والوجه يعبر به عن الذات وقيل معناه إلا ما إريد به وجهه لأن عمل كل شيء أريد به غير الله فهو هالك {له الحكم} أي فصل القضاء بين الخلق {وإليه ترجعون} أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال النسفي:

{إِنَّ قارون} لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولًا من قرنت الشيء لانصرف {كَانَ مِن قَوْمِ موسى} كان إسرائيليًا ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهث، وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري {فبغى عَلَيْهِمْ} من البغي وهو الظلم.
قيل: ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم، أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده، أو زاد عليهم في الثياب شبرًا {وَءَاتيناه من الكنوز ما إِنْ مَفَاتِحَهُ} {ما} بمعنى الذي في موضع نصب ب {اتينا} و{إن} واسمها وخبرها صلة الذي ولهذا كسرت {إن}.
والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد {لَتَنُوأُ بالعصبة} لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال: ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلًا لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على أصبع وكانت من جلود {أُوْلِى القوة} الشدة {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} أي المؤمنون وقيل: القائل موسى عليه السلام ومحل {إذ} نصب ب {تنوء} {لاَ تَفْرَحْ} لا تبطر بكثرة المال كقوله: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا ءاتاكم} [الحديد: 23] ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} البطرين بالمال {وابتغ فِيمَا ءاتَاكَ الله} من الغنى والثروة {الدار الأخرة} بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم وتصرف إلى أبواب الخير {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك.
وقيل: معناه واطلب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها {وَأَحْسَنُ} إلى عباد الله {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} بالظلم والبغي {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين}.
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} أي المال {على عِلْمٍ عِندِى} أي على استحقاق لما فيّ من العلم الذي فضلت به الناس وهو علم التوراة أو علم الكيمياء، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبًا، أو العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة.
و{عندي} صفة ل {علم} قال سهل: ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح، والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال، والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله ولم يفتح له سبيل رؤية منة الله فافتخر بها وادعاها لنفسه، فشؤمه يهلكه يومًا كما خسف بقارون لما ادّعى لنفسه فضلًا {أَوَ لَمْ يَعْلَمْ} قارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} هو إثبات لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة كأنه قيل: أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته، أو نفي لعلمه بذلك لأنه لما قال: {أوتيته على علم عندي} قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى.
ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين {وَأَكْثَرُ جَمْعًا} للمال أو أكثر جماعة وعددًا {وَلاَ يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} لعلمه تعالى بهم بل يدخلون النار بغير حساب، أو يعترفون بها بغير سؤال، أو يعرفون بسيماهم فلا يسئولون، أو لا يسئولون لتعلم من جهتهم بل يسئولون سؤال توبيخ، أو لا يسئل عن ذنوب الماضين المجرمون من هذه الأمة.
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ في زِينَتِهِ} في الحمرة والصفرة.
وقيل: خرج يوم السبت على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة الاف على زيه.
وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهن الحليّ والديباج.
و{فِى زِينَتِهِ} حال من فاعل {خرج} أي متزينًا {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} قيل: كانوا مسلمين وإنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر.
وقيل: كانوا كفارًا {ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون} قالوه غبطة والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه كهذه الآية، والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه وهو كقوله تعالى؛ {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} [النساء: 32] وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضر الغبطة؟ قال: «لا إلا كما يضر العضاه الخبط» {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} الحظ الجد وهو البخت والدولة.
{وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم} بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء العقبى لغابطي قارون {وَيْلَكُمْ} أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى، وفي التبيان في إعراب القرآن هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم الله ويلكم {ثَوَابُ الله خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صالحا وَلاَ يُلَقَّاهَا} أي لا يلقن هذه الكلمة وهي {ثواب الله خير} {إِلاَّ الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة، فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمر بما شئت قال: نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو إسرائيل، فجعل لها ألف دينار أوطستًا من ذهب أو حكمها، فلما كان يوم عيد قام موسى فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه، فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فأحضرت فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت: جعل لي قارون جعلًا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدًا يبكي وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك. فقال: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل. فاعتزلوا جميعًا غير رجلين ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال: خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى: استغاث بك مرارًا فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته، فقال بعض بني إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} جماعة {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} يمنعونه من عذاب الله {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله. يقال: نصره من عدوه فانتصره أي منعه منه فامتنع.
{وَأَصْبَحَ} وصار {الذين تَمَنَّوْا مَكَانَهُ} منزلته من الدنيا {بالأمس} ظرف ل {تمنوا} ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} وي منفصلة عن كأن عند البصريين.
قال سيبويه: وي كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم، وقولهم {يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون} وتندموا {لَوْلاَ أَن مَنَّ الله عَلَيْنَا} بصرف ما كنا نتمناه بالأمس {لَخَسَفَ بِنَا} لخَُسِفَ وبفتحتين: حفص ويعقوب وسهل، وفيه ضمير الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} أي تندموا ثم قالوا: كأنه لا يفلح الكافرون {تِلْكَ الدار الآخرة} {تلك} تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها، وقوله: {نَجْعَلُهَا} خبر {تلك} و{الدار} نعتها {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرض} بغيًا: ابن جبير، وظلمًا: الضحاك أو كبرًا {وَلاَ فَسَادًا} عملًا بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير الله.
ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الذين ظَلَمُوا} [هود: 113] فعلق الوعيد بالركون.
وعن علي رضي الله عنه: إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها. وعن الفضيل: إنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني ههنا. وعن عمر بن عبد العزيز: إنه كان يرددها حتى قبض. وقال بعضهم: حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثًا بقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} {والعاقبة} المحمودة {لّلْمُتَّقِينَ}.
{مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} مر في النمل {وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى الذين عَمِلُوا السيئات} معناه فلا يجزون فوضع {الذين عملوا السيئات} موضع الضمير لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكررًا، فضل تهجين لحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين {إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إلا مثل ما كانوا يعملون ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان} أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه {لَرَادُّكَ} بعد الموت {إلى مَعَادٍ} أيّ معاد وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكره، أو المراد به مكة.
والمراد رده إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم معادًا له شأن ومرجعًا له اعتداد لغلبة رسول الله وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه.
والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولا بالمدينة حين اشتاق إلى مولده ومولد آبائه.
ولما وعد رسوله الرد إلى معاده قال: {قُلْ} للمشركين {رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى} يعني نفسه وما له من الثواب في معاده {وَمَنْ هُوَ في ضلال مُّبِينٍ} يعني المشركين وما يستحقونه من العذاب في معادهم {من} في محل نصب بفعل مضمر أي يعلم.
{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى} يوحى {إِلَيْكَ الكتاب} القرآن {إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} هو محمول على المعنى أي وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، أو {إلا} بمعنى لكن للاستدراك أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك الكتاب {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} معينًا لهم على دينهم {وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايات الله} هو على الجمع أي ألا يمنعنك هؤلاء عن العمل بآيات الله أي القرآن {بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} الآيات أي بعد وقت إنزاله و{إذ} يضاف إليه أسماء الزمان كقولك حينئذ ويومئذ {وادع إلى رَبّكَ} إلى توحيده وعبادته {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أهل دينه، ولأن العصمة لا تمنع النهي، والوقف على {آخر} لازم لأنه لو وصل لصار {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} صفة ل {الهًا آخر} وفيه من الفساد ما فيه {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات.
وقال مجاهد: يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله {لَهُ الحكم} القضاء في خلقه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تَرجِعون بفتح التاء وكسر الجيم: يعقوب، والله أعلم. اهـ.