فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى} كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوي وكان ممن آمن به. {فبغى عَلَيْهِمْ} فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره، أو تكبر عليهم أو ظلمهم. قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل، أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى عليه السلام: لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله. {وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ} من الأموال المدخرة.
{مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به، وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح. {لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ} خبر إن والجملة صلة وهو ثاني مفعولي آتى، ونائبه الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا. وقرىء {لينوء} بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه. {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} منصوب ب {تنوء}. {لاَ تَفْرَحْ} لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقًا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها، فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل:
أَشد الغَمَّ عِنْدِي فِي سُرُور ** تَيَقّن عَنْهُ صَاحِبهُ انتِقَالاَ

ولذلك قال تعالى: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا ءاتاكم} وعلل النهي ها هنا بكونه مانعًا من محبة الله تعالى فقال: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} أي بزخارف الدنيا.
{وابتغ فِيمَا ءاتَاكَ الله} من الغنى. {الدار الاخرة} بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها. {وَلاَ تَنسَ} ولا تترك ترك المنسي. {نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك. {وَأَحْسِنْ} إلى عباد الله. {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} فيما أنعم الله عليك. وقيل {أَحْسَنُ} بالشكر والطاعة {كَمَا أَحْسَنَ} إليك بالإِنعام. {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} بأمر يكون علة للظلم والبغي، نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي. {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين} لسوء أفعالهم.
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى} فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال، و{على عِلْمٍ} في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها، وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب، وقيل العلم بكنوز يوسف، و{عِندِى} صفة له أو متعلق ب {أُوتِيتُهُ} كقولك: جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي. {أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ، أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى. ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين. {وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة، كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه واغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعًا على ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبهم عليها لا محالة.
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ في زِينَتِهِ} كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه.
{قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} على ما هو عادة الناس من الرغبة. {ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارون} تمنوا مثله لا عينه حذرًا عن الحسد. {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} من الدنيا.
{وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم} بأحوال الآخرة للمتمنين. {وَيْلَكُمْ} دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرتضى. {ثَوَابُ الله} في الآخرة. {خَيْرٌ لّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا} مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها. {وَلاَ يُلَقَّاهَا} الضمير فيه للكلمة التي تكلم بها العلماء أو لل {ثَوَابَ} فإنه بمعنى المثوبة أو الجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة. {إِلاَّ الصابرون} على الطاعات وعن المعاصي.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} روي أنه كان يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة، فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره، فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه، فبرطل بغية لترميه بنفسها فلما كان يوم العيد قام موسى خطيبًا فقال: من سرق قطعناه، ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنًا رجمناه، فقال قارون ولو كنت قال: ولو كنت، قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت، فناشدها موسى عليه السلام بالله أن تصدق فقالت: جعل لي قارون جعلًا على أن أرميك بنفسي، فخر موسى شاكيًا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال: يا أرض خذيه فأخذته إلى ركبتيه، ثم قال خذيه إلى وسطه، ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه، ثم قال خذيه فخسفت به وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه، فأوحى الله إليه ما أفظك استرحمك مرارًا فلم ترحمه، وعزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته، ثم قال بنو إسرائيل: إنما فعله ليرثه، فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله. {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} أعوان مشتقة من فأوت رأسه إذا ميلته. {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} فيدفعون عنه عذابه. {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع.
{وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْا مَكَانَهُ} منزلته. {بالأمس} منذ زمان قريب. {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} {يَبْسُطُ} {وَيَقْدِرُ} بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض، وويكأن عند البصريين مركب من وي للتعجب وكأن للتشبه والمعنى: ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق. وقيل من ويك بمعنى ويلك وأن تقديره ويك اعلم أن الله. {لَوْلا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا} فلم يعطنا ما تمنينا. {لَخَسَفَ بِنَا} لتوليده فينا ما ولده فيه فخسف بنا لأجله. وقرأ حفص بفتح الخاء والسين. {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} لنعمة الله أو المكذبون برسله وبما وعدوا لهم ثواب الآخرة. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)}.
التفسير:
لما بين سبحانه حقيقة آلهيته واستحقاقه للحمد المطلق وأن مرجع الكل إلى حكمته وقضائه، أتبعه بعض ما يجب أن يحمد عليه مما لا يقدر عليه أحد سواه وهو تبديل ظلام الليل بضياء النهار وبالعكس. والمعنى: أخبروني من يقدر على هذا؟ والسرمد الدائم المتصل من السرد، والميم زائدة، وانتصابه على أن مفعول ثانٍ لجعل أو على الحال، وإلى متعلق بجعل أو ب {سرمدًا} ومنافع الليل والنهار والاستدلال بهما على كما قدرة الله تعالى قد تقدمت مرارًا. قال جار الله: وإنما لم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قيل: {بليل تسكنون فيه} لأن الضياء وهو ضوء الشمس تتعلق به المنافع المتكاثرة وليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثَمّ قرن بالضياء {أفلا تسمعون} لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل {أفلا تبصرون} لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه.
قال الكلبي: {أفلا تسمعون} معناه أفلا تطيعون من يفعل ذلك. وقوله: {أفلا تبصرون} معناه أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلال. وقال أهل البرهان: قدم الليل على النهار لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل. وإنما ختم الاية الأولى بقوله: {أفلا تسمعون} بناء على الليل، وختم الأخرى بقوله: {أفلا تبصرون} بناء على النهار والنهار مبصر وآية النهار مبصرة. ثم بين أن من رحمته زواجه بين الليل والنهار لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار ولإرادة الشكر على النعمتين جميعًا. وفي الآية طريقة اللف ثقة بفهم السامع وذلك لأن السكون بالنهار وإن كان ممكنًا وكذا الابتغاء من فضل الله بالليل إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره فلهذا خصه به. وفي تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء دليل على أنه لا شيء أسخط عند الله من الإشراك به، ويعلم منه أنه لا شيء أجلب لرضاه من الشهادة بوحدانيته. وفحوى الخطاب: أين الذين ادّعيتم إلهيتهم لتخلصكم أو أين الذين قلتم إنها تقربكم إلى الله زلفى وقد علموا أن لا إله إلا الله؟ فيكون ذلك زيادة في غمهم.
ومعنى {ونزعنا} وأخرجنا {من كل أمة شهيدًا} قال بعضهم: هونبيهم لأن الأنبياء يشهدون أنهم بلغوا أمتهم الدلائل وبلغوا في إيضاحها كل غاية ليعلم أن التقصير منهم فيكون ذلك زيادة في غمهم أيضًا. وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كل زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء وهذا أقرب، لأنه تعالى عم كل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه أزمنة الفترات والأزمنة التي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. {فقلنا} للأمة {هاتوا برهانكم} فيما كنتم عليه من الشرك وخلاف الرسول {فعلموا} حينئذ {أن الحق لله} ورسوله وغاب {عنهم ما كانوا يفترون} من الباطل والزور. ثم عقب حديث أهل الضلال بقصة قارون. وهو اسم أعجمي ولهذا لم ينصرف بعد العلمية ولو كان فاعولًا من قرن لا نصرف. والظاهر أنه كان ممن آمن بموسى، هذا ظاهر نص القرآن ولا يبعد أيضًا حمله على القرابة. قال الكلبي: إنه كان ابن عم موسى. وقيل: كان موسى ابن أخيه وكان يسمى المنوّر لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة إلا أنه نافق كما نافق السامري. وقال: إذا كانت النبوّة لموسى والذبح والقربان إلى هارون فما لي؟ وفي قوله: {فبغى عليهم} وجوه أحدها: أن بغيه استخفافه بالفقراء. وثانيها أن ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم. وقال القفال: معناه طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده. وقال الضحاك: طغى عليهم واستطال فلم يوافقهم في أمر. ابن عباس: تجبر وتكبر عليهم ومثله عن شهر بن حوشب قال: بغيه أنه زاد عليهم في الثياب شبرًا فهذا يعود إلى التكبر.
الكلبي: بغيه حسده وذلك أنه لما جوز بهم موسى البحر وصارت السرالة له والوزارة لهارون، وكان القربان إلى موسى فجعله إلى هارون فوجد قارون في نفسه حسدهما فقال لموسى: الأمر لكما ولست على شيء إلى متى اصبر؟ قال موسى: هكذا حكم الله. قال: والله لا أصدقك حتى تأتي بآية، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يأتي كل واحد بعصا فألقى مجموع العصيّ في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها فأصبحوا فإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون: ما هو بأعجب مما تصنع من السحر. واعتزل قارون بأتباعه وكان كثير المال كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: {وآتيناه من الكنوز} سأل الكلبي: الستم تقولون إن الله لا يعطي الحرام فكيف أضاف إيتاء مال قارون إلى نفسه؟ فأجاب بأنه لا حجة في أن ماله حرام لجواز أنه ظفر بكنر لبعض الملوك الخالية، وكان الظفر عندهم طريق التملك، أو لعله وصل إليه بالإرث من جهات، أو بالكسب من جهة المضاربات وغيرها. والمفاتح جمع مفتح بكسر الميم وهو ما يفتح به الباب، أو جمع مفتح بالفتح وهو الخزانة. فمن الناس من طعن في القول الأول لأن مال الرجل الواحد لا يبلغ هذا المبلغ، ولو أنا قدرنا بلدة مملوأة من الذهب لكفاها أعداد قليلة من المفاتيح ولهذا قال أبو رزين: يكفي للكوفة مفتاح واحد. وأيضًا الكنوز هي الأموال المدفونة في الأرض ولا يتصوّر لها مفتاح. أجاب الناصرون للقول الأول وهو اختيار ابن عباس والحسن: أن المال إذا كان من جنس العروض لا من جنس النقود جاز أن يبلغ في الكثرة إلى هذا الحد. وأيضًا ما روي أن مفاتيحه كانت من جلود الإبل وكل مفتاح إصبع ولكل خزانة مفتاح، وكان إذا ركب حملت المفاتيح ستون بغلًا غير مذكور في القرآن. فالصواب أن يفسر قوله: {لتنوء} أي تنهض مثقلًا بأن تلك الخزائن يعسر ضبطها ومعرفتها على أهل القوّة في الحساب، وقريب منه قول أبي مسلم: إن المراد من المفاتح العلم.
والإحاطة كقوله: {وعنده مفاتح الغيب} [الأنعام: 59] والمراد أن حفظها والاطلاع عليها يثقل على العصبة أولي القوّة والمتانة في الرأي. وظاهر الكنوز وإن كان من جهة العرف هو المال المدفون إلا أنه قد يقع على المال المجموع في المواضع التي عليها أغلاق. وأيضًا لا استبعاد في أن يكون موضع المال المدفون بيتًا تحت الأرض له غلق ومفتاح معه. و{لا تفرح} كقوله: {ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 23] وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من اطمأن ورضي بها. قال ابن عباس: كان حبه ذلك رشكًا لأنه ما كان يخاف معه عقوبه الله تعالى: {وابتغ فما آتاك الله} من المال والثروة {الدار الآخرة} يعني أسباب حصول سعاداتها من أصناف الخيرات والمبرات الواجبة والمندوبة فإن ذلك هو نصيب المؤمن من الدنيا دون الذي يأكل ويشرب، وإلى هذا أشار بقوله: {ولا تنسَ نصيبك من الدنيا} ويحتمل أن يراد به اللذات المباحة.
وحين أمروه بالإحسان المالي أمروه بالإحسان مطلقًا ويدخل فيه الإحسان بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن الغيبة والحضور. وفي قوله: {كما أحسن الله إليك} إشارة إلى قوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] وإلى ما قال الحكماء: المكافأة في الطبيعة واجبة. و{الفساد في الأرض} المنهي عنه هو ما كان عليه من الظلم والبغي. وهذا القائل موسى عليه السلام أو مؤمنو قومه وهو ظاهر اللفظ.
وكيف كان فقد جمع في هذه الألفاظ من الوعظ ما لو قبل لم يكن عليه مزيد لكنه أبي أن يقبل بل تلقى النصح بكفران النعمة قائلًا {إنما آوتيته على علم عندي} قال قتادة ومقاتل والكلبي: كان قارون أقرأ بني إسرائيل للتوراة فقال: إنما أوتيته لفضل علمي واستحقاقي لذلك. وقال سعيد بن المسيب والضحاك: إن موسى أنزل عليه الكيمياء من السماء فعلم قارون ثلث العلم ويوشع ثلثه وطالوت ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبًا. وقيل: أراد علمه بوجوه المكاسب والتجارات. وقيل: أراد إن الله أعطاني ذلك على علم له تعالى بحالي وباستئهالي لذلك. وقوله: {عندي} الأمر كذلك أي في اعتقادي وفي ظني فأجابه الله تعالى بقوله: {أولم يعلم} الآية. قال علماء المعاني: يجوز أن يكون المعنى بالاستفهام إثباتًا لعمله لأنه قد قرأ في التوراة أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية وحفظها من موسى وغيره فكأنه قيل: إنه قد علم ذلك فلم اغتر بكثرة ماله وأعوانه؟ ويجوز أن يراد به نفي العلم لأنه لما تحدّى بكونه من أهل العلم حيث قال: {على علم عندي} وبخه الله تعالى أنه لم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهلكى. ووجه اتصال قوله: {ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون} بما قبله أنه تعالى إذا عاقب المجرمين فلا حاجة إلى أن يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها لأنه عالم بكل المعلومات. وقال أبو مسلم: أراد أنهم لا يسالون سؤال استيقان وإنما يسألون سؤال تقريع ومحاسبة {فخرج على قومه في زينته} عن الحسن: في الحمرة والصفرة. وقيل: خرج على بغلة شهباء عليه ثوب أحمر أرجواني، وعلى البغلة سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه. وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعن يمينه ثلثمائة غلام، وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عيلهن الحلى والثياب الفاخرة. وقيل: في تسعين ألفًا عليهم الثياب الصفر. قال الراغبون في الحياة العاجلة {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون انه لذو حظ عظيم} والحظ الجد والبخت.