فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



عن قتادة: كانوا مسلمين تمنوا ذلك رغبة في الإنفاق في سبيل الخير. وقال آخرون: كانوا كفارًا وقد مر في سورة النساء تحقيق الغبطة والحسد في قوله: {ولا تمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} [النساء: 32] {وقال الذين أوتوا العلم} بأحوال الدنيا وأنها عند الآخرة كلا شيء {ويلكم} وأصله الدعاء بالهلاك إلا أنه قد يستعمل في الردع والزجر بطريق النصح والإِشفاق، والضمير في قوله: {ولا يلقاها} عائد إلى الكلمة المذكورة وهي قوله: {ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا} أو إلى الصواب بمعنى المثوبة.
أو بتأويل الجنة، أو إلى السير والطريقة أي لا يلزم هذه السيرة {إلا الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وعلى ما قسم الله وحكم به من الغنى وضده، وظاهر حال قارون ينبئ عن أنه كان ذا أشر وبطر واستخفاف بحقوق الله واستهانة بنبيه وكتابه، فلا جرم خسف الله به وبدراه الأرض، إلا أن المفسرين فصلوا فقالوا: كان يؤذي نبي الله موسى وهو يداريه للقرابة التي كانت بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل الف درهم على درهم، فحسبه فاستكثر فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فأمر بما شئ. فقال: ائتوا إلى فلانة البغي حتى ترميه بنفسها في جمع بني إسرائيل فجعل لها ألف دينار أو طستًا مملوءًا من ذهب. فلما كان يوم عيد ق موسى فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعناه، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وهو غير مصن جلدناه، وإن أحصن رجمناه فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا.
قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. فأحضرت فناشدها موسى بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله فقالت: كذبوا بل جعل لي قارون جعلًا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدًا يبكي وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك. فقال: يا بني إسرائيل إن الله قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه، ومن كان معي فيعتزل فاعتزلوا جميعهًا غير جرلين. ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط. ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون واصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه. ثم قال: خذيهم فانطبقت عليهم. فأوحى الله إلى موسى ما أفظك! استغاثوا بك مرارًا فلم ترحمهم أما وعزتي لو إياي دعوا مرة واحدة لوجدوني قريبًا مجيبًا. قلت: لعل استغاثته كانت مقرونة بالتوبة وإلا فالعتاب بعيد.
ثم إن بني إسرائيل أصبحوا يتناجون بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستفيد داره وكنوزه، فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله. ومعنى {من المنتصرين} من المنتقمين من موسى، أو من الممتنعين من عذاب الله {وأصبح الذين تمنوا مكانه} أي منزلته من الدنيا وأسبابها {بالأمس} أي بالزمان المتقدم {يقولون} راغبين في طاعة الله والرضا بقضائه وقسمته {ويكأن الله} من قرأ: {وي} مفصولة عن {كأن} وهو مذهب الخليل وسيبويه فهي كلمة تنبيه على الخطأ وتندم كأنهم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وتندموا ثم قالوا {كأنه لا يفلح الكافرون} أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح نظير هذا الاستعمال قول الشاعر:
ويكأن من يكن له نشب يحـ ** ـبب ومن يفتقر يعيش عيش ضر

وعند الكوفيين: ويك بمعنى ويلك أي ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون. حكى هذا القول قطربق عن يونس، وجوّز جار الله أن تكون الكاف كاف الخطاب مضمومة إلى {وي} واللام مقدر قبل أن لبيان المقول لأجله هذا القول والتعليل أي لأنه لا يفلح الكفار كان ذلك الخسف.
قال في الكشاف قوله: {تلك} تعظيم للدار الآخرة وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت ذكرها وبلغك وصفها. قلت: يحتمل أن يكون للتبعيد حقيقة. وفي قوله: {لا يريدون} كون أن يقول يترون زجر عظيم ووعظ بليغ كقوله: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} [هود: 113] حيث علق الوعيد بالكون عن علي أن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحته. ومن الناس من رد العلو إلى فرعون والفساد إلى قارون لقوله تعالى: {إن فرعون علا في الأرض} [القصص: 4] وقال في قصة قارون {ولا تبغ الفساد في الأرض} وضعف هذا التخصيص بيِّن لقوله في خاتمة الآية {والعاقبة للمتقين} قوله: {من جاء بالحسنة} الآية، قد مر تفسير مثله في آخر الأنعام وفي آخر النمل. وقوله: {فلا يجزى الذين عملوا السيئات} من وضع الظاهر موضع المضمر إذ كان يكفي أن يقال: فلا تجزون إلا أنه أراد فضل تهجين لحالهم بإسناد عمل السيئات إليهم مكررًا، وفي ذلك لطف للسامعين في زيادة تبغيض السيئة إلى قلوبهم. ثم أراد أن يسلي رسوله في خاتمة السورة فقال: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه {لرادّك إلى معاد} وزأي معاد فتنكير المعاد للتعظيم وأنه ليس لغيره من البشر مثله يعني أن الذي حملك صعوبة تكلي التبليغ وما يتصل به لمثيبك عليها ثوابًا لا يحيط به الوصف. وقيل: أراد عوده إلى مكة يوم الفتح، ووجه التنكير ظاهر لأن مكة يومئذ كانت معادًا له شأن لغلبة المسلمين وظهور عز الإسلام وأهله وذل أهل الشرك وحزبه والسورة مكية.
فقيل: وعده وهو بمكة في أذلا من أهلها أنه مهاجر بالنبي منها ويعيده إليها في ظفر ودولة. وقيل: نزلت عليه هذه الآية حين بلغ الجحفة في مهاجرة وقد اشتاق إلى وطنه. وفي الآية إخبار عن الغيب وقد وقع كما أخبر فيكون فيه إعجاز دال على نبوّته.
وحين وعد رسوله الردّ إلى المعاد المعتبر قال: {قل} لأهل الشرك {ربي أعلم} يعني نفسه وغياهم بما يستحقه كل من الفريقين في معاده، ولا يخفى أن هذا كلام منصف واثق بصدقه وحقيته. ثم ذكر رسوله ما أنعم به عليه فقال: {وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة} قال أهل العربية: هذا الاستثناء محمول على المعنى كأنه قيل: وما ألقى إليك الكتاب إلا لأجل الرحمة، أو {إلا} بمعنى لكن أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك. ثم نهاه عن اتباع أهواء أهل الشرك وقد مرّ مرارًا أن مثل هذا النهي منباب التهييج له ولأمته. ثم إن مرجع الكل إليه فقال: {كل شيء هالك إلا وجهه} فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم أي يعدم كل شيء سواه، والوجه يعبر به عن الذات، ومنهم من فسر الهلاك بخروجه عن كونه منتفعًا به منفعته الخاصة به إما بالإماتة أوبتفريق الأجزاء كما يقال هلك الثوب وهلك المتاع وقال أهل التحقيق: معنى الهلاك كونه في حيز الإمكان غير مستحق للوجود ولا للعدم من عند ذاته، وإن سميت المعدوم شيئًا فممتنع الوجود أحق كل شيء بأن يسمى هالكًا. استدلت المعتزلة بالآية على أن الجنة والنار غير مخلوقتين لأنهما لو كانتا مخلوقتين لعرض لهما الفناء بحكم الآية، وهذا يناقض قوله: {أكلها دائم} [الرعد: 35] وعورض بقوله: {اعدّت للمتقين} [آل عمران: 133] و{أعدت للكافرين} [آل عمران: 131] ويحتمل أن يقال الكل بمعنى الأكثر ومن هناك قال الضحاك: كل شيء هالك إلا الله والعرش والجنة والنار. وقيل: إلا العلماء فإن علمهم باق. ويمكن أن يقال إن زمان فناء الجنة لما كان قليلًا بالنسبة إلى زمان بقائها فلا جرم أطلق لفظ الدوام عليه ومن فسر الهلاك بالإمكان فلا إشكال والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى} يعني: من بني إسرائيل. ويقال: كان ابن عم موسى {فبغى عَلَيْهِمْ} يعني: تطاول وتكبر على بني إسرائيل، وكان فرعون قد ملكه على بني إسرائيل حين كانوا بمصر، فلما قطع موسى البحر ببني إسرائيل، ومعه قارون فأغرق الله تعالى فرعون وجنوده ورجع موسى عليه السلام ببني إسرائيل إلى أرض مصر، وسكنوا ديارهم كما قال في رواية أُخرى {كَذَلِكَ وأورثناها بنى إسراءيل} [الشعراء: 59] وجعلت جنوده لهارون، وهو الرأس، والذي بقرب القربان فقال قارون لموسى: لك النبوة، ولهارون الحبورة، والمذبح، وأنا لست في ذلك من شيء. فقال له موسى: أنا لم أفعل ذلك، ولكن الله تعالى فعل ذلك. فقال له قارون: لا أصدقك على ذلك، واعتزل قارون ومن تبعه من بني إسرائيل، وكان كثير المال والتبع.
وروي عن الحسن أنه قال: أول من شرف الشرف قارون، لما بنى داره وفرغ منها، وشرفها صنع للناس طعامًا سبعة أيام، يجمعهم كل يوم ويطعمهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لما أمر الله تعالى موسى بالزكاة قال لقارون: إن الله أمرني أن آخذ من مالك الزكاة، فأعط من كل مائتي درهم خمسة دراهم، فلم يرض بذلك فقال له: اعط من كل ألف درهم درهمًا، فلم يرض بذلك. وقال لبني إسرائيل: إن موسى لم يرض حتى تناول أموالكم، فما ترون؟ قالوا: رأينا لرأيك تبع. قال: فإني أرى أن ترموه فتهلكوه، فبعثوا إلى امرأة زانية، فأعطوه حكمها على أن ترميه بنفسها، ثم أتوه في جماعة بني إسرائيل. فقالوا: يا موسى ما على من يسرق من الحد. قال: تقطع يده. قالوا: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قالوا: وما على الزاني إذا زنى؟ قال: يرجم. قالوا: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قالوا: فأنت قد ازنيت. قال: أنا وجزع من ذلك، فأرسلوا إلى المرأة، فلما جاءت وعظها، وعظم عليها موسى الحلف بالله، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. قالت: أما إذا حلفتني، فإني أشهد أنك بريء، وإنك رسول الله. وقالت: أرسلوا إليَّ فأعطوني حكمي على أن أرميك بنفسي. قال: فخرّ موسى عليه السلام لله ساجدًا يبكي، فأوحى الله تعالى إليه ما يبكيك قد أمرت الأرض أن تطيعك، فأمرها بما شئت. فقال موسى: خذيهم، فأخذتهم. وقال في رواية الحسن: خرج موسى عليه السلام مغضبًا. فدعى الله عز وجل. وقال: عبدك قارون الذي عبد غيرك دونك وجحدك، فأوحى الله تعالى إلى موسى إني قد أمرت الأرض، بأن تطيعك، فجاء موسى حتى دخل إلى قارون حين اجتمع الناس في داره. فقال: يا عدو الله كذبتني بكلام له غيظ، حتى غضب قارون، وأقبل عليه بكلام شديد، وهّم به. فلما رأى موسى ذلك قال: يا أرض خذيهم. قالوا: وكان قارون على فرش على سرير مرتفع في السماء، فأخذت الأرض أقدامهم، وغاب سريره ومجلسه، وقد دخل من الدار في الأرض مثل ما أخذت منهم على قدرها، فأقبل موسى يوبخهم، ويغلظ لهم المقالة، فلما رأى القوم ما نزل بهم، عرفوا أن هذا الأمر ليس لهم به قوة، فنادوا: يا موسى كف عنا، وارحمنا، وجعلوا يتضرعون إليه، ويطلبون رضاه، وهو لا يزداد إلا غضبًا وتوبيخًا لهم ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يتضرعون إليه، ويسألونه، وهو يوبخهم ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أوساطهم، وكانت الأرض تأخذ من الدار كل مرة مثل ما تأخذ منهم، وهم يتضرعون في ذلك إلى موسى، ويسألونه. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى آباطهم، فمدوا أيديهم إلى وجه الأرض رجاء أن يمتنعوا بها. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، فلم يبق على وجه الأرض منهم شيء إلا رءوسهم، ولم يبق من الدار إلا شرفها. وقال قارون: يا موسى أنشدك بالله وبالرحم. فقال: يا أرض خذيهم، فاستوت الأرض عليهم، وعلى الدار، فانطلق موسى، وهو فرح بذلك، فأوحى الله تعالى إلى موسى، يا موسى يتضرع إليك عبادي، ودعوك وسألوك، فلم ترحمهم، أما وعزتي وجلالي لو أنهم سألوني، واستغاثوا بي لرحمتهم، ولكن تركوا أن يجعلوا رغبتهم ورجاءهم إلي، وجعلوها إليك، فتركتهم فذلك قوله تعالى: {إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى فبغى عَلَيْهِمْ} يعني: تطاول على بني إسرائيل، وعلى موسى {إِنَّ قارون كَانَ} يعني: من المال {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} يعني: خزائنه {إِنَّ قارون} قال مقاتل: العصبة من العشرة إلى أربعين، فإذا كانوا أربعين، فهم أولو قوة يقول: لتعجز العصبة أولو القوة عن حمل مفاتيح الخزائن.
وقال أهل اللغة: ناء به الحمل إذا أثقله. وقال القتبي: تنوء بالعصبة، أي تميل بها العصبة، أي تميل بهم العصبة إذا حملتها من ثقلها، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: العصبة في هذا الموضوع أربعون رجلًا، وخزائنه كانت أربعمائة ألف ما يحمل كل رجل منهم عشرة آلاف إلا أن ويقال: {مَّفَاتِحهُ} يعني: مفاتيح خزائنه يحملها أربعون رجلًا. ويقال: أربعون بغلًا.
وروى وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال: كان مفاتيح كنوز من جلد كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حمل المفاتيح على ستين بغلًا كل بغل أغر محجل {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} يعني: بني إسرائيل {لاَ تَفْرَحْ} يعني: لا تفخر بما أديت من الأموال.
ويقال: لا تفرح بكثرة المال {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} يعني: المرحين المفاخرين.
ويقال: البطرين ويقال: لا تفرح أي: لا تأشر والأشر أشد الفرح الذي يخالطه حرص شديد حتى يبطر، يعني: يطغى وقالوا له: {وابتغ فِيمَا ءاتَاكَ الله} يعني: اطلب مما أعطاك الله من الأموال والخير {الدار الآخرة وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} يعني: لا تترك حظك من الدنيا أن تعمل لآخرتك {وَأَحْسَنُ} العطية من الصدقة والخير {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} يعني: أعط الناس كما أعطاك الله.
ويقال: أحسن إلى الناس كما أحسن الله إليك {وَلاَ تَبْغِ الفساد في الأرض} يعني: أنفقه في طاعة الله، ولا تنفقه في معصية الله {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين} أي: المنفقين في المعصية.
وقوله: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك في الدنيا} أي: لا تضيع عمرك، فإنه نصيبك من الدنيا {قَالَ} قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى} قال مقاتل: أي على خير علمه الله عندي.
وقال في رواية الكلبي: يعني: علم التوراة، وكان قارون أقرأ رجل في بني إسرائيل في التوراة، فأعطيت ذلك لفضل علمي، وكنت بذلك العلم ومستحقًا بفضل المال. ويقال: على علم عندي. يعني: علم الكيمياء، وكان يعمل كيمياء الذهب. وقال الزجاج: الطريق الأول أشبه، لأن الكيمياء لا حقيقة لها، يقول الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله} تعالى: {قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} من الأموال منهم: نمرود وغيره {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} يعني: لا يسأل الكافرون عن ذنوبهم، لأن كل كافر يعرف بسيماه، وهذا قول الكلبي.
وقال مقاتل: لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية وقيل: لا يسأل الكافرون يوم القيامة عن ذنوبهم سؤال النجاة، بل يسألون سؤال العذاب والمناقشة.
قوله عز وجل: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ في زِينَتِهِ} يعني: خرج قارون على بني إسرائيل.
قال مقاتل: وهو على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليها أرجوان، ومعه أربعة آلاف فارس، وعليهم وعلى دوابهم الأرجوان، ومعه ثلاثمائة جارية بيضاء، عليهن من الحلل والثياب الحمر على البغال الشهب.
وقال قتادة: خرج معه أربعة آلاف دابة عليها ثياب حمر، منها ألف بغلة بيضاء عليها قطائف أرجوان.
وقال في رواية الكلبي خرج على ثلاثمائة دابة بيضاء عليها نوع من الكساء وعليها ثلثمائة قطيفة حمراء عليها جواري وغلمان {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} وكانوا من أهل التوحيد {الدنيا ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون} يعني: مثل ما أعطي من الأموال قارون {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} يقول: ذو نصيب وافر في الدنيا.
قوله عز وجل: {وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم} يعني: أكرموا بالعلم بما وعد الله في الآخرة للذين تمنوا ذلك {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ} يعني: ويحكم ثواب الله في الآخرة خير يعني: أفضل {لِمَنْ ءامَنَ} يعني: صدق بتوجيه الله تعالى: {وَعَمِلَ صالحا} فيما بينه وبين الله تعالى مما أعطى قارون في الدنيا {وَلاَ يُلَقَّاهَا} يعني: ولا يلقن ولا يوقف ويرزق في الجنة {إِلاَّ الصابرون} في الدنيا على أمر الله تعالى.