فصل: قال الكَرْماني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الكَرْماني:

سورة العنكبوت:
قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وفي لقمان {ووصينا الإنسان بوالديه حملته} وفي الأحقاف {بوالديه إحسانا} الجمهور على أن الآيات الثلاث نزلت في سعد بن مالك وهو سعد ابن أبي وقاص وأنها في سورة لقمان اعتراض بين كلام لقمان لأبنه ولم يذكر في لقمان حسنا لأن قوله بعده: {أن اشكر لي ولوالديك} قام مقامه ولم يذكر في هذه السورة حملنه ولا وضعته موافقة لما قبله من الاختصار وهو قوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} فإنه ذكر فيها جميع ما يقع بالمؤمنين بأوجز كلام وأحسن نظام ثم قال: {ووصينا الإنسان} أي ألزمناه حسنا في حقهما وقياما بأمرهما وإعراضا عنهما وخلافا لقولهما إن أمراه بالشرك بالله وذكر في لقمان والأحقاف حالة حملهما ووضعهما قوله: {وإن جاهداك لتشرك بي} وفي لقمان {على أن تشرك} لأن ما في هذه السورة وافق ما قبله لفظا وهو قوله: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} وفي لقمان محمول على المعنى لأن التقدير وإن حملاك على أن تشرك.
قوله: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} بتقديم العذاب على الرحمة في هذه السورة فحسب لأن إبراهيم خاطب به نمروذ وأصحابه وأن العذاب وقع بهم في الدنيا.
قوله: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} وفي الشورى {وما أنتم بمعجزين في الأرض} لأنه في هذه السورة خطاب لنمروذ حين صعد الجو موهما أنه يحاول السماء فقال إبراهيم له ولقومه وما أنتم بمعجزين في الأرض أي من في الأرض من الجن والإنس ولا من في السماء من الملائكة فكيف تعجزون الله.
وقيل ما أنتم بفائتين عليه ولو هربتم في الأرض أو صعدتم في السماء فقال وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها.
وما في الشورى خطاب للمؤمنين وقوله: {ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم} يدل عليه وقد جاء {وما هم بمعجزين} في قوله: {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا} من غير ذكر الأرض ولا السماء.
قوله: {فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} وقال بعده خلق السموات والأرض {بالحق إن في ذلك لأية للمؤمنين} فجمع الأولى ووحد الثانية لأن الأولى إشارة إلى إثبات النبوة وفي النبيين صلوات الله عليهم كثرة والثاني إشارة إلى التوحيد وهو سبحانه واحد لا شريك له.
قوله: {أئنكم} جمع بين استفهامين قد سبق في الأعراف.
قوله: {ولما أن جاءت رسلنا لوطا} وفي هود {ولما جاءت} بغير أن لأن لما يقتضي جوابا وإذا اتصل به أن دل على أن الجواب وقع في الحال من غير تراخ كما في هذه السورة وهو قوله: {سيء بهم وضاق بهم ذرعا} ومثله في يوسف: {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا}.
وفي هود اتصل به كلام بعد كلام إلى قوله: {قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} فلما طال لم يحسن دخول أن.
قوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال} هو عطف على قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث}.
قوله: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا} أخره في هذه السورة لما وصف وقد سبق.
قوله: {الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له} وفي القصص: {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} وفي الرعد والشورى: {لمن يشاء ويقدر} لأن ما في هذه السورة اتصل بقوله: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} الآية وفيها عموم فصار تقدير الآية يبسط الرزق لمن يشاء من عباده أحيانا ويقدر له أحيانا لأن الضمير يعود إلى من وقيل يقدر له البسط من التقدير وفي القصص تقديره يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء وكل واحد منهما غير الآخر بخلاف الأولى وفي السورتين يحتمل الوجهين فأطلق.
قوله: {من بعد موتها} وفي البقرة والجاثية والروم بعد موتها لأن في هذه السورة وافق ما قبله وهو من قبله فإنهما يتوافقان وفيه شيء آخر وهو أن ما في هذه السورة سؤال وتقرير والتقرير يحتاج إلى التحقيق فوق غيره فقيد الظرف بمن فجمع بين طرفيه كما سبق.
قوله: {نعم أجر العاملين} بغير واو لاتصاله بالأول أشد اتصال وتقديره ذلك نعم أجر العاملين. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال الألوسي:

سورة العنكبوت:
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحو ذلك وروي القول بأنها مكية عن الحسن وجابر وعكرمة وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة وفي البحر عن الحبر وقتادة أنها مدنية وقال يحيى ابن سلام: هي مكية إلا من أولها إلى قوله: {وليعلمن المنافقين} وذكر ذلك الجلال السيوطي في الإتقان ولم يعزه وأنه لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها ثم قال: قلت ويضم إلى ذلك وكأين من دابة الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك وهي تسع وستون آية بالاجماع كما قال الداني والطبرسي وذكر الجلال في وجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وافتتح هذه بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الايمان بعذاب دون ما عذب به فرعون بني إسرائيل بكثير تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم وحثا على الصبر ولذا قيل هنا: ولقد فتنا الذين قبلهم وأيضا لما كان في خاتمة الأولى الاشارة إلى هجرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أي في قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} على بعض الأقوال وفي خاتمة هذه الاشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة} ناسب تتاليهما. اهـ.

.قال ابن عاشور:

سورة العنكبوت:
اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه عكرمة قال: كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بهما، أي بهذه الإضافة فنزل قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} يعني المستهزئين بهذا ومثله وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} في [سورة البقرة: 26].
ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله تعالى فيها: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}.
وهي مكية كلها في قول الجمهور، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة، وقيل بعضها مدني.
روى الطبري والواحدي في أسباب النزول عن الشعبي أن الآيتين الأوليين منها أي إلى قوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} نزلتا بعد الهجرة في أناس من أهل مكة اسلموا فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أن لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا إلى المدينة فخرجوا مهاجرين فاتبعهم المشركون فردوهم.
وروى الطبري عن عكرمة عن ابن عباس أن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} إلى قوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} نزلت في قوم بمكة وذكر قريبا مما روى عن الشعبي.
وفي أسباب النزول للواحدي: عن مقاتل نزلت الآيتان الأوليان في مهجع مولى عمر بن الخطاب خرج في جيش المسلمين إلى بدر فرماه عامر بن الحضرمي من المشركين بسهم فقتله فجزع عليه أبوه وامرأته فأنزل الله هاتين الآيتين.
وعن علي ابن أبي طالب أن السورة كلها نزلت بين مكة والمدينة.
وقيل: إن آية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [العنكبوت: 10] نزلت في ناس من ضعفة المسلمين بمكة كانوا إذا مسهم أذى من الكفار وافقوهم في باطن الأمر وأظهروا للمسلمين أنهم لم يزالوا على إسلامهم كما سيأتي عند تفسيرها.
وقال في الإتقان: ويضم إلى ما استثني من المكي فيها قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60] لما أخرجه ابن أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة فقالوا كيف نقدم بلدا ليست لنا فيه معيشة فنزلت {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60].
وقيل هذه السورة آخر ما نزل بمكة وهو يناكد بظاهره جعلهم هذه السورة نازلة قبل سورة المطففين.
وسورة المطففين آخر السور المكية.
ويمكن الجمع بأن ابتداء نزول سورة العنكبوت قبل ابتداء نزول سورة المطففين ثم نزلت سورة المطففين كلها في المدة التي كانت تنزل فيها سورة العنكبوت ثم تم بعد ذلك جميع هذه السورة.
وهذه السورة هي السورة الخامسة والثمانون في ترتيب نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الروم وقبل سورة المطففين، وسيأتي عند ذكر سورة الروم ما يقتضي أن العنكبوت نزلت في أواخر سنة إحدى قبل الهجرة فتكون من أخريات السور المكية بحيث لم ينزل بعدها بمكة إلا سورة المطففين.
وآياتها تسع وستون باتفاق أصحاب العدد من أهل الأمصار.
من أغراض هذه السورة:
افتتاح هذه السورة بالحروف المقطعة يؤذن بأن من أغراضها تحدي المشركين بالإتيان بمثل سورة منه كما بينا في سورة البقرة، وجدال المشركين في أن القرآن نزل من عند الله هو الأصل فيما حدث بين المسلمين والمشركين من الأحداث المعبر عنها بالفتنة في قوله هنا {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].
فتعين أن أول أغراض هذه السورة تثبيت المسلمين الذين فتنهم المشركون وصدوهم عن الإسلام أو عن الهجرة مع من هاجروا.
ووعد الله بنصر المؤمنين وخذل أهل الشرك وأنصارهم وملقنهم من أهل الكتاب.
والأمر بمجافاة المشركين والابتعاد منهم ولو كانوا اقرب القرابة.
ووجوب صبر المؤمنين على أذى المشركين وأن لهم في سعة الأرض ما ينجيهم من أذى أهل الشرك.
ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ما عدا الظالمين منهم للمسلمين.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات على إبلاغ القرآن وشرائع الإسلام.
والتأسي في ذلك بأحوال الأمم التي جاءتها الرسل، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بمثل ما جاءوا به.
وما تخلل أخبار من ذكر فيها من الرسل من العبر.
والاستدلال على أن القرآن منزل من عند الله بدليل أمية من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم.
وتذكير المشركين بنعم الله عليهم ليقلعوا عن عبادة ما سواه.
وإلزامهم بإثبات وحدانيته بأنهم يعترفون بأنه خالق من في السماوات ومن في الأرض.
والاستدلال على البعث بالنظر في بدء الخلق وهو أعجب من إعادته.
وإثبات الجزاء على الأعمال.
وتوعد المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتة وهم يتهكمون باستعجاله.
وضرب المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بمثل وهي بيت العنكبوت. اهـ.

.قال سيد قطب:

مقدمة سورة العنكبوت:
سورة العنكبوت مكية. وقد ذكرت بعض الروايات أن الإحدى عشرة آية الأولى مدنية. وذلك لذكر الجهاد فيها وذكر المنافقين. ولكننا نرجح أن السورة كلها مكية. وقد ورد في سبب نزول الآية الثامنة أنها نزلت في إسلام سعد بن أبي وقاص كما سيجيء. وإسلام سعد كان في مكة بلا جدال. وهذه الآية ضمن الآيات الإحدى عشرة التي قيل إنها مدنية. لذلك نرجح مكية الآيات كلها. أما تفسير ذكر الجهاد فيها فيسير. لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة. أي جهاد النفس لتصبر ولا تفتن. وهذا واضح في السياق. وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من الناس.
والسورة كلها متماسكة في خط واحد منذ البدء إلى الختام.
إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان والفتنة، وعن تكاليف الإيمان الحقة التي تكشف عن معدنه في النفوس. فليس الإيمان كلمة تقال باللسان، إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة بالمكاره والتكاليف.
ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها؛ فإن سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص نوح وإبراهيم ولوط وشعيب، وقصص عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان، استعراضا سريعا يصور ألوانا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان. على امتداد الأجيال.
ثم يعقب على هذا القصص وما تكشف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى، بالتصغير من قيمة هذه القوى والتهوين من شأنها، وقد أخذها الله جميعا: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا}.
ويضرب لهذه القوى كلها مثلا مصورا يجسم وهنها وتفاهتها: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}.
ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض؛ ثم يوحد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم فكلها من عند الله. وكلها دعوة واحدة إلى الله. ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له؛ وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون. ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. ويتناقضون في منطقهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}.
{ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله}.
{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين}. ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله ويفتنون المؤمنين.
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة، غير خائفين من الموت، إذ {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون}. غير خائفين من فوات الرزق: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم.
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}. فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل.
ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور الواحد في ثلاثة أشواط:
الشوط الأول يتناول حقيقة الإيمان، وسنة الابتلاء والفتنة، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين. ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئا يوم القيامة: {وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون}.
والشوط الثاني يتناول القصص الذي أشرنا إليه، وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة، والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله ويتحدث عن الحق الكامن في دعوة الرسل، وهو ذاته الحق الكامن في خلق السماوات والأرض وكله من عند الله.
والشوط الثالث يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى. إلا الذين ظلموا منهم. وعن وحدة الدين كله، واتحاده مع هذا الدين الأخير الذي يجحد به الكافرون، ويجادل فيه المشركون. ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله المهديين إلى سبل الله: {وإن الله لمع المحسنين}.
ويتخلل السورة من المطلع إلى الختام إيقاعات قوية عميقة حول معنى الإيمان وحقيقته تهز الوجدان هزا وتقفه أمام تكاليف الإيمان وقفة جد صارم؛ فإما النهوض بها وإما النكوص عنها وإلا فهو النفاق الذي يفضحه الله.
وهي إيقاعات لا سبيل إلى تصويرها بغير النصوص القرآنية التي وردت فيها. فنكتفي بالإشارة إليها هنا حتى نستعرضها في موضعها مع السياق. اهـ.