فصل: مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أشار تعالى إلى سبب إهلاكهم بقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ} الرديئة وعدم إنصاف ذوي الحقوق {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} الحق بانخداعهم لوساوسه {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ذوي بصر وبصيرة لما عملوه في الدنيا من البناء والجنان والصنايع وغيرها ولكن لم ينتفعوا ببصيرتهم وأبصارهم، لأنهم صرفوها للدنيا فقط لذلك لم يصغوا لنصح أنبيائهم، راجع قصتهما في الآيتين 72/ 84. من الأعراف أيضا {وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ} أهلكناهم أيضا لإصرارهم على بغيهم وعتوهم {وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ} أمرنا ولا منفلتين منه، بل أدركهم وأهلهم جميعا، راجع قصصهم في الآية 84/ 63 من سورة القصص والشعراء، {فَكُلًّا} من هؤلاء الأقوام {أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبًا} كقوم لوط بعد الخسف {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} كقوم صالح {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ} كقارون ورفيقه {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} كقوم نوح وهامان وفرعون وقومه {وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بما أوقعه فيهم حاشاه {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لعدم طاعتهم رسلهم واستعمال عقولهم فيما لم تخلق له.
هذا، واعلم أن اللّه تعالى قصّ على نبيه في هذه الآيات ما لقيه الأنبياء من أقوامهم وما قابلوهم به إعلاما بأن شأنه شأنهم وشأن أقوامهم، وإيذانا بأن النبي يصاحب قومه إذا آمنوا به ويهجرهم إذا كذبوه لينزل بهم عذاب اللّه، لأن قدرة اللّه ورحمته أبتا أن تعذب قوما ونبيهم بينهم، وقد أخبر اللّه جل شأنه حبيبه محمدا كيفية مهاجرة إبراهيم ولوط وغيرهما بسبب ما لقيا من أقوامهما وذكر له ما وقع لسائر الأنبياء من أقوامهم اشارة لحضرته بأن يهاجر هو أيضا وبترك قومه ووطنه أسوة بهم، وقد أشار تعالى إلى السبب المفضي إلى الهجرة في الآيتين 6، 36 من الأنفال، حتى إذا هاجر ونزلت عليه يزداد طمأنينة، وبما أن هجرته صلّى اللّه عليه وسلم وقعت بعد نزول هذه السورة بقليل بناء على أمره له بها فتذكر خلاصتها على أصح ما جاء فيها بصورة مختصرة، وذلك أن قريشا لما رأت حزم النبي صلّى اللّه عليه وسلم وعزمه يشتد كلما زادوا بأذاهم له ولأصحابه خافت من أن يعظم أمره إذا تركوه وشأنه ولا يستطيعون رده وقد حقق اللّه خوفهم فاجتمع رؤساء قريش في دار الندوة دار قصي بن كلاب إذ كانت قريش لا تبت بأمر إلا فيها ليتشاوروا في أمر محمد، إذ علموا أن فريقا من أصحابه هاجر إلى المدينة بعد أن هاجر فريق منهم إلى الحبشة وصار لهم شيعة من غيرهم وأصابوا من أهلها منعة مما زاد في حذرهم، وقد أطلقوا على اليوم الذي اجتمعوا فيه لهذا: يوم الرّحمة وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأبو سفيان وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وأبو البحتري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ومنبهة ومندة ابنا الحجاج وأمية بن خلف، وقد تمثل لهم إبليس في صورة شيخ فتغلغل بينهم، قالوا من أنت؟ قال من نجد سمعت باجتماعكم فأحببت حضوره ولن تعدموا مني نصحا، فتركوه نظرا لشيخوخته لعنه اللّه، وكانوا لا يحضرون مذاكراتهم إلا من تجاوز الأربعين، ثم بدأوا المشاورة في كيفية التخلص منه صلّى اللّه عليه وسلم وقد جاءهم رحمة فأدلى كل منهم برأيه، فكان رأي أبو البحتري حبسه حتى يموت، فرد عليه النجدي بأنكم إذا حبستموه يخرج أسره من وراء الباب ويخلص منكم بواسطة أصحابه، ورأى هشام أن يحمل على بعير ويطرد من البلاد، فقال النجدي إنه يفسد غيركم كما أفسدكم ويستميل قلوب من يحل بهم بحلاوة كلامه وطلاوة لسانه وحسن خلقه وكمال أدبه فيغزوكم بغيركم ويخرجكم من دياركم، وقال أبو جهل نأخذ من كل بطن من قريش شابا وتسلطهم عليه فيقتلونه جميعا فيتفرق دمه في العشائر كلها ولا أظن أن بني هاشم يقدرون على حرب كل القبائل فيصار إلى الدية فنوديه كلنا، قصاح الملعون هذا هو واللّه الرأي الصائب الذي ما بعده رأي، وللّه در صاحبه، فأجمعوا على ذلك وتفرقوا.
كان الشيخ محمد الراوي العاني والد الشيخ إبراهيم نزيل بغداد قدس اللّه سرهم من العارفين الكاملين، وكان أحد مريدي ابن عمه الشيخ أحمد الراوي دفين دير الزور والد الشيخ عبد الوهاب المقيم بدير الزور يسمى وردي وكان يرى ما يرى ويذكر ما يراه للناس مما هو غير معقول، فأحضرة عند حضوره إلى دير الزور وحذره أن يذكر ما يراه فلعله أن يكون من تسويلات إبليس عليه اللعنة، ثم أرسل له بعد ذهابه أبياتا من جملتها:
قولوا لملاوردي ** سرّ الوجود عندي

فليكن على بصيرة ** من الشويخ النجدي

لقبه بالنجدي أخذا من هذه القصة.
ثم انهم انتخبوا شبابا من فرقهم وأخبروهم بما قر رأيهم عليه وأرسلوهم ليحيطوا بدار محمد، حتى إذا خرج فتكوا به كلهم بالاشتراك، فنزل جبريل عليه السلام بالوحي على حضرة الرسول وأخبره بما بيته له قومه وأن اللّه تعالى أذن له بالهجرة إلى المدينة وحذره من أن يبيت في مكانه، فألهمه اللّه أن يأخذ قبضة من تراب عند خروجه، فأخذها وخرج من بيته متوكلا على ربه، ومر من بينهم فلم يره أحد منهم، إذ أخذ اللّه أبصارهم، فنثر على رءوسهم التراب وكان يقرأ: {إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} الآيتين 8، 9 من سورة يس، وكان أرسل إلى علي كرم اللّه وجهه وأخبره الخبر وخلفه بمكانه وعلى مكة كي يؤدي الأمانات والودائع لأهلها، لأن الناس كانت تأمنه على ما عندها لصدقه وأمانته وتسميه الأمين، وذهب إلى بيت أبي بكر وأخبره الخبر، فقال الرفقة يا رسول اللّه، قال نعم، فأخذه وذهب إلى الغار غار ثور واختبأ به، وبات شبان قريش ينتظرون خروجه من الدار ليقتلوه، لأنهم لم يتجاسروا على الدخول عليه في بيته لهيبته، ولأن البيوت كانت محترمة عندهم، ومن هنا أخذت قاعدة عدم الدخول على البيوت لإخراج من يختبىء فيها من المجرمين حرمة لأهلها وجواز الإحاطة بها من قبل الشرطة والدرك، ولم يعلموا أنهم باتوا يحرسون عليا عليه السلام الذي فادى رسول اللّه بنفسه، فلما أصبحوا خرج علي فثاروا عليه ثورة رجل واحد ليقتلوه كما أوصاهم رؤساهم، فإذا هو علي، فقالوا له أين صاحبك؟ قال لا أدري وأنشد كرم اللّه وجهه يشير إلى ما منّ اللّه به عليه، فقال لا فضّ قوه:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به ** فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول اللّه في الغار آمنا ** وقد سار في حفظ الإله وفي ستر

وبت أداعبهم وما يتهمونني ** وقد وطنت نفسي على القتل والأصر

ولما سقط في أيديهم وتيقنوا أنهم خابوا فيما بيّتوه له ولم يعلموا كيف أفلت منهم وزاد أساهم حينما رأوا التراب على رءوسهم وعرفوا أنه هو الذي حثاه عليهم وأنه لم يعبأ بهم ولم يكترث بمكرهم اقتفوا أثره فلم يجدوه ولم يقعوا على خبره، وأرسلوا الرسل في طلبه يمينا وشمالا فلم يعثروا عليه، ثم قصدوا الغار فرأوا العنكبوت معشعشا عليه فقالوا لو دخله لتمزق نسيج العنكبوت.
وسنأتي على بقية هذه القصة الشريفة بعد تفسير سورة المطففين الآتية لأن محلها هناك، وإنما سبقنا بذكرها هنا لمناسة ذكر الهجرة من إخوانه الأنبياء المار ذكرهم.
قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ} ينصرونهم في الدنيا ويشفعون لهم في الآخرة {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} لتأوي إليه وهو في غاية الضعف والوهاء لا يدفع حرا ولا بردا، وإنما اتخذتها شركا لصيد الذباب وشبهه {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} ماهيته، لأن الرياح تمزقه واللمس يخرقه، وكذلك هؤلاء الذين اتخذوا الأصنام آلهة فإنها لا تغنيهم شيئا ولا تجلب لهم في الدنيا خيرا ولا تدفع عنهم في الآخرة ضرا، لأنها أو هي شيء يعبد، وأوهن شيء يقصد، وفي هذه إشارة إلى أن هذه الدنيا فانية ويكفي فيها لا هلها ما يكفي العنكبوت، وإيذان بأن من أصحابه من يلافي في هجرته شدة وعلة وأذى وهوانا، وهذا مثل ضربه اللّه للمشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد اللّه مثل عنكبوت يتخذ بيتا من جلده ولعابه بالإضافة إلى رجل يبني بيتا من حجر أو حديد أو اسمنت، وكما انك إذا استقريت بيوت الحيوانات والحشرات كافة تجد أوهنها من غير شك بيت العنكبوت فكذلك إذا استقريت عامة الأديان تجد بلا مراء أضعفها عبادة الأوثان.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شيء} هذا توكيد للمثل أي أن الذين يدعونهم ليسوا بشيء {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل شيء {الْحَكِيمُ} بكل شيء.
وفي هذه الجملة تجهيل لهم إذ عبدوا الأحجار التي لا علم لها ولا قدرة وتركوا عبادة القادر العالم، وتضليل لعقولهم على ترك عبادة الخالق الرازق وعبادة المخلوقين ومخلوقيهم الذي هو لا شيء {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ} التي ضربناها بتشبيه أحوال الكفرة الموجودين بالكفرة السابقين ومعبوديهم في بيت العنكبوت بينها و{نَضْرِبُها لِلنَّاسِ} الحاضرين ليتدبروها ويتصفوا بها {وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ} العارفون لأنهم أهل النظر والتدبر راجع الآية 42 من سورة الروم المارة روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد اللّه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم تلا هذه الآية وقال العالم من عقل عن اللّه فعمل بطاعته واجتنب سخطه.

.مطلب في العنكبوت وأنواع العبادة والصلاة وفوائدها والذكر:

قالوا والمراد بالعنكبوت النوع الذي ينسج بيته في الهواء لصيد الذباب وغيره، لا النوع الآخر الذي يحفر بيته في الأرض ويخرج بالليل كسائر الهوام وهي من ذوات السموم فيسن قتلها لذلك، لما أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلّى اللّه عليه وسلم: «العنكبوت شيطان مسخها اللّه تعالى، فمن وجدها فليقتلها».
فإنه حديث ضعيف كما أشار إليه الدميري وهو ليس بحجة، وكذلك ما خرجه الخطيب عن علي كرم اللّه وجهه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم دخلت أنا وأبو بكر العار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن.
كما ذكره الجلال السيوطي في الدر المنثور لا يحتج به أيضا، إذ لم تعلم صحته، وكل ما لم تتحقق صحته لا يصلح للاحتجاج لاشتراط القطع بصحة ما يحتج به في الأحكام القولية والعقلية، وعلى فرض صحته فإنه خاص بذلك العنكبوت الذي فعل ما فعل بإلهام من اللّه عز وجل لا مطلق عنكبوت، وقد نص العلماء على طهارة بيتها لعدم تحقق كون ما تنسج به من غذائها المستحيل في جوفها، والأصل في الأشياء الطهارة على أن الدميري ذكر أنها تخرجه من خارج جلدها لا من جوفها، واللّه أعلم بحقيقة الحال.
ومثله النحل إذ لم يعرف على الضبط أن العسل هل هو من فمه أو من دبره، راجع الآية 69 من سورته المارة، وذكروا أنه يحسن إزالة بيتها من البيوت لما أسنده الثعلبي وابن عطية وغيرهما عن علي كرم اللّه وجهه أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر، فإن صح هذا عنه فذاك وإلا فإزالته حسنة لما فيها من النظافة المندوبة شرعا في كل شيء.
وتاء عنكبوت مثل تاء طالوت وهاروت للمبالغة ويقع على الواحد والجمع والمؤنث والمذكر، راجع الآية 75 من سورة الأنعام المارة ولها بحث في الآيتين 147، 122 من سورة البقرة.
قال تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} لا باطلا ولا عبثا ولا لعبا بل لحكمة مراعيا بها مصالح خلقه لا شتمالها على ما يتعلق بمعاشهم وشواهد دالة على شؤونه عز وجل التعلقة بذاته وصفاته ومساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم بدليل قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ} الخلق البديع والصنع العجيب {لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} وعظة للموقنين، وإنما خص المؤمنين مع أن عموم الهداية والإرشاد في خلقهما يتحقق للكل، لأنهم هم المنتفعون بعبرها وغير المؤمن يقتصر نفعه فيهما على ظاهر الدنيا وقد يزداد كفرا إذا نسب إليهما التأثير الفعلي الذاتي، أما المؤمن فيزداد إيمانا بنسبة كل ما في الكون إلى خالقه فينتفع في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ} واستمر على تبليغه وداوم على تلاوته لتزداد تقربا من اللّه، وذلك أن الكامل يقبل الكمال وهو صلّى اللّه عليه وسلم يترقى في الكمالات إلى يوم القيامة، بل إلى يوم يلاقي ربه في الجنة المعدة لحضرته، فلا يقال إنه غير محتاج إلى دعاء أمته لمخالفته قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الآية 57 من الأحزاب، وأما أمره بدوام تلاوة القرآن لأن في تلاوته تذكرا لما في تضاعيفه من المعاني، وحملا للأمة على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن.
الأخلاق ومكارم الآداب، وتذكيرهم بما لهم وعليهم {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} أدأب على إقامتها، وجاء هذا الأمر متضمنا أمر أمته بها لأنهم تبع له، وقد خصّها بالذكر لأن ما يختص بالعبد من العبادة ثلاث: الأولى عبادة قلبية وهي الاعتقاد الحق، وعبادة لسانية وهي الذكر الحسن، وبدنية وهي العمل الصالح، فالاعتقاد لا يتكرر لأن من اعتقد شيئا لا يعتقده مرة أخرى بل يستمر اعتقاده، والذكر الحسن والعبادة البدنية يتكرران، وكلها توجد في الصلاة، فمن أقامها فقد أقام العبادات بأنواعها إلى ربه عز وجل.
وانظر إلى ما علل به هذه العبادة بقوله الجليل {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} راجع الآية 32 من الأعراف تجد معنى الفواحش كلها وما يتعلق بها أما المنكر فهو ما لا يعرف في الشرع وينكره العقل، وإنما كانت الصلاة الحقيقية ناهية عن ذلك لتضمنها صنوف العبادة من التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الإله العظيم والركوع لهيبته والسجود لجلاله والخشوع لمجده والخضوع لكبريائه، فمن كان مراعيا لها محافظا على شروطها وأركانها جرته إلى طرق الخير ونهته عن كل فاحشة ومنكر، وصارت كأنها تنادي فاعلها: لا تعص ربا هو أهل لما أتيت به، وهو المستحق لأن يعبد ويشكر.
روي عن أنس قال: كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ثم لم يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه، فذكر ذلك لرسول اللّه، فقال إن صلاته ستنهاه يوما، فلم يلبث أن تاب وحسنت توبته واستقام حاله.
وقال ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهما: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي اللّه، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من اللّه إلا بعدا.
وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه.