فصل: مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال صلّى اللّه عليه وسلم: لو توكلتم على اللّه حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.
ورحم اللّه القائل:
وأرزاق لنا متفرقات ** فمن لم تأته منها أتاها

{وَإِيَّاكُمْ} يرزق، لأنكم أفضل من كثير من الطير والدواب والحيتان والحشرات، فإذا كانت مع ضعفها وعدم معرفتها يرزقها اللّه لتوكلها عليه وتفويض أمرها إليه، فإنكم مع قوتكم واجتهادكم وفضلكم فإنه يرزقكم من باب أولى إذا توكلتم عليه.
قالوا لا يدخر إلا الإنسان والنملة والفأرة والعقق، وعند البعض البلبل، وقال آخر كل كوامن الطيور تدخر.
هذا، وإذا كان الرزق من اللّه، وجعل لكل سببا لتناوله وأمر بالسعي إليه، والمسبب له هو وحده، فلا تخافوا أيها المؤمنون على معاشكم حال هجرتكم، ولا تأسفوا على ما تتركونه في مكة، فإن اللّه يخلفه لكم.
ولما كان المراد إزالة ما في أوهامهم عما يلحقهم بسبب الهجرة على أبلغ وجه، قال: {يرزقها وإياكم} دون يرزقكم وإياها، {وَهُوَ السَّمِيعُ} البالغ منتهى السمع بسمع قولكم، ويعلم ما تحوكه قلوبكم ويتردد في صدوركم {الْعَلِيمُ} البالغ في العلم بما انطوت عليه ضمائركم، ومن هنا قال صلّى اللّه عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه- رواه البخاري ومسلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه- واعلم أن اسم الهجرة يطلق على تسعة امور كل منها بسمى هجرة بنسبته:
الأول هجرة الصحابة رضي اللّه عنهم من مكة إلى الحبشة سنة خمس من البعثة سنة نزول سورة والنجم وذلك بسبب ما لحقهم من أذى المشركين مالا وبدنا، ولهذا قال ذو النون من هرب من الناس سلم من شرهم، ومن شكر مولاه استحق المزيد من الفضل والعناية، ومن نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه.
الثانية الهجرة التي نحن بصددها من مكة إلى المدينة الكائنة سنة ثلاث عشرة منها أيضا، أما الخروج هربا وطلبا فيقسم إلى تسعة أقسام: الأول الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وهذه باقية إلى يوم القيامة كما أشرنا إليه في الآية 50 المارة.
الثاني الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسبّ فيها السلف.
الثالث الخروج من أرض يغلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم.
الرابع الخروج من الأذية في البدن، وهو فضل من اللّه رخص لعباده فيه إذا خافوا على أنفسهم في مكان، فقد أذن اللّه لهم بالفرار منه إلى غيره، ولا يحل لهم البقاء إذا تحققت خشيتهم، لأن محافظة النفس واجبة، وأول من فعلها إبراهيم عليه السلام حين خاف قومه وأمنه النمروذ، لأن الكافرين لا عهد لهم ولا ذمة، وكذلك موسى بعد أن قتل القبطي وعلم أنهم يريدون قتله به.
الخامس الخروج خوف المرض من البلاد الوخمة المشتملة على المستنقعات والأوساخ وغيرها.
وقد أذن صلّى اللّه عليه وسلم للعرنيّين في ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج.
السادس الخروج خوفا من سلب المال فله ذلك أيضا، لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، هذا إذا كان الداعي للهجرة الهرب من أحد هذه الأمور، أما إذا كان الداعي طلب الشيء فيقسم جوار الخروج الذي هو بمعنى الهجرة إلى تسعة أقسام.
هذا وما قيل إن الهجرة انقطعت بالفتح يعني فتح مكة، فالمراد بها خصوص القصد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذ كان بقطن فيها إذ بعد وفاته ينعدم ذلك القصد، فذلك القيل من هذه الحيثية ليس إلا، أما زيارته بعد وفاته فسيأتي لها بحث أيضا.
الأول سفر العبرة، وهو مطلوب للمستطيع، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية 9 من سورة الروم المارة، وقد طاف ذو القرنين ليرى عجائبها، الثاني سفر الحج وهو واجب على المستطيع ومن فروض العين.
الثالث سفر الجهاد وهو واجب أيضا مادام العدو خارجا عن ثغور بلاد المسلمين فمتى وطئها لا سمح اللّه صار فرض عين على كل مستطيع، وتفصيله في كتب الفقه، وستلمع له في محله إن شاء اللّه.
الرابع سفر المعاش، وهو جائز إذا أراد التوسع بأكثر مما هو فيه، وواجب إذا كان محتاجا له لنفسه أو لمن يعوله.
الخامس سفر التجارة والكسب الزائد على الحاجة وهو جائز أيضا لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} الآية 198 من البقرة.
السادس طلب العلم لأنه فريضة على كل مسلم ومسلمة، حتى إنه يجوز للمرأة الذهاب بلا إذن زوجها إليه إذا كان لا يقدر على تعليمها علم الحال ولا يسأل لها العلماء.
السابع قصد البقاع الشريفة وهو مطلوب لثلاث، قال صلّى اللّه عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى.
الثامن قصد الثغور للرباط فيها حفظا لكيان بلاد المسلمين، وهو مندوب قال صلّى اللّه عليه وسلم: «رباط ساعة خير من عبادة سنة».
لأن العبادة نفعها قاصر على العابد فقط، وهذا فيه نفع عام لجميع المسلمين وفيه إظهار لشوكتهم.
التاسع زيارة الأخوان للّه تعالى ومن أجله روى مسلم وغيره عنه صلّى اللّه عليه وسلم زار رجل أخا له في قرية فأرسل اللّه ملكا على مدرجته، فقال أبن تريد؟ قال أريد أخا لي في هذه القرية، فقال هل له من نعمة تؤديها؟ قال لا إلا أني أحبه في اللّه تعالى، قال فإني رسول اللّه إليك بأن اللّه أحبك كما أحببته الثالث هجرة بعض القبائل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ليتعلموا شرائع الدين ويعلموا قومهم، وهي مطلوبة، قال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} الآية 133 من التوبة، وحكمها باق إلى الأبد، فيجب على كل أهل قرية إذا لم يوجد عندهم من يعلمهم أمر دينهم أن يوفدوا جماعة منهم هذه الغاية.
وتشير هذه الآية إلى استثناء طلبة العلم من الجهاد، ولذلك فإن الحكومة العثمانية استثلت جميع طلاب العلم من الخدمة، فسبتوا كثرة العلماء، ولولا ذلك القل أن تجد عالما الآن في بلاد العرب، لأن الحكومة العثمانية كانت مسيطرة على البلاد وقد فرضت اللغة الرسمية التركية في البلاد وكانت رغبة الناس منصرفة إلى الدنيا وإلى تقليد الغالب، ولذلك قلّ في هذا الزمن وبالأسف طلب العلم ورغبت الناس عنه، لأن همهم الدنيا، ومن كان همه الدنيا فهو إلى الهلاك أقرب وإن هذه تعد منقبة للأتراك إذ رغبوا الناس في العلم، ومنقبة أخرى وهي استثناء آل البيت من الخدمة أيضا، احتراما لصاحب الرسالة جدهم الذي نور العالم، ومنقبة ثالثة وهي احترامهم العلم والعلماء والسادة والمشايخ والمواقع المقدسة والمحترمة، وان آثارهم تدل على ذلك.
الرابعة هجرة من أسم من أهل مكة ليأتي النبي صلّى اللّه عليه وسلم فيقر بإسلامه أمامه، ثم يرجع إلى قومه لأن اللّه يسلم لنبي من صلّى اللّه عليه وسلم، ولم يره لا يعد صحابيا.
الخامسة الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وهي واجبة عند القدرة، إذ لا يحل لمسلم أن يقيم بدار الكفر لعدم تمكنه من إقامة دينه، كما ينبغي ولأنه يكثر سوادهم، وهو لا يجوز، وإذا كانت الهجرة من بلاد البدعة مطلوبة، فمن باب أولى وأحق أن تكون مطلوبة من بلاد الكفر لما فيها من المذلة على المسلم كما سيأتي في الآية 93. من سورة النساء، قال الماوردي فإن صار له فيها أهل وعشيرة وأمكنه إظهار شعاثر دينه لم يجز له أن يهاجر، لأن المكان الذي هو فيه صار دارا للإسلام ولأن بقاءه فيها قد يجر لتكثير المسلمين فيها، قال صلّى اللّه عليه وسلم لأن يهدي اللّه بك رجلا خير لك من حمر النعم.
السادس هجرة المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام بغير سبب شرعي مكروهة، وما زاد على الثلاثة فحرام إلا لضرورة، قال الباجوري في حاشية علي بن قاسم، وهذا مأخوذ من قولهم يجوز هجر المبتدع لزجره عن بدعته والفاسق، من فسقه، وكذا يجوز الهجر إذا رجا صلاح المهجور كأن كان يحصل عند عدم اهجر خلل بفعل معصية من الهاجر أو المهجور فهجره لإصلاح دينه ولو جميع الدهر، وعليه يحمل هجره صلّى اللّه عليه وسلم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ونهيه الصحابة عن كلامهم، إذ تخلفوا عن غزوة تبوك وهجر السلف والخلف بعضهم بعضا، فقد جاء بالإحياء أن سعد بن وقاص هجر عمار بن ياسر إلى أن مات، وعثمان بن عفان هجر عبد الرحمن بن عوف إلى أن مات، وهجر طاوس وهب ابن منبه إلى أن مات، وهجر سفيان الثوري شيخه ابن أبي ليلى إلى أن مات، ولم يشهد جنازته. اهـ.
من فصل أحكام القسم بين النساء، هذا وحكي أن رجلا هجر أخاه فوق ثلاثة أيام فكتب له:
يا سيدي عندك لي مظلمة ** فاستفت فيها ابن أبي خيثمة

فإنه يرويه عن جده ما قد ** روى الضحاك عن عكرمة

عن ابن عباس عن المصطفى ** نبينا المبعوث بالمرحمة

أن صدود الإلف عن إلفه ** فوق ثلاث ربنا حرمه

السابعة: هجرة الزوج زوجته إذا تحقق نشوزها، قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ} الآية 33 من سورة النساء، ويجوز هجرها زيادة على ثلاثة أيام بقصد زجرها عن المعصية، وإذا كان لعذر شرعي، أما بدون معذرة فلا، وبها يجوز في المضجع.
والكلام أيضا حتى ترجع وتتوب.
الثامنة هجرة أهل المعاصي فهي مطلوبة في المكان، والكلام والسلام ردا وابتداء إهانة لهم، ولا يجوز بوجه من الوجوه إكرامهم، راجع الآية 112 من سورة هود المارة، تجد ما يكفيك وما ليس لك غنى عنه.
التاسعة هجرة كل ما نهى اللّه عنه، فلا يحل لمسلم أن يقرب شيئا حرمه اللّه أو ينهى عن شيء أحلّه، لما جاء في الحديث الشريف المار آنفا من أن الهجرة إذا كانت للّه ورسوله يثاب عليها، وفيها الأجر العظيم والخير الجزيل والرضاء من اللّه ورسوله، وإذا كانت على العكس فلا ثواب فيها، ولا تسمى هجرة شرعية، كمن ذهب للحج بقصد التجارة فقط، وكذلك من جاهد لأجل الغنيمة، ومن تزوج بقصد الولد، أي من قصد الحج والتجارة معا وإعلاء كلمة اللّه والغنيمة وكسر شهوة النفس وحفظها من الحرام مع الولد، فاللّه أكرم من أن لا يثيبه، قال صلّى اللّه عليه وسلم ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا، وإنما خيركم من أخذ من هذه وهذه.
وروى ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنّه قال: أيها الناس ليس من شيء يقاربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم من النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي بضم الراء القلب والعقل، وبفتحها الخوف، قال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ} الآية 75 من سورة هود المارة، والمراد هنا الأول أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب، لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي اللّه عز وجل، فإنه لا يدرك ما عند اللّه إلا بطاعته.
وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لو أنكم تتوكلون على اللّه حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.
أي تذهب أول النهار صباحا ضامرة البطون وترجع آخره شباعا ممتلئتها، ولا تدخر شيئا لغد.
هذا ما جاء في أمر الهجرة، وسنتم قصّتها بعد تفسير المطففين الآتية إن شاء اللّه، لأنها وقعت بعدها.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} في منافع خلقه وهي حركتها بانتظام بديع {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لأنهم يعلمون أن آلهتهم عاجزة عن حفظ نفسها، فضلا عن الخلق والتسخير، ولكنهم عنادا وعتوا يعبدونها تقليدا لفعل آبائهم الضالين، فقل لهم يا سيد الرسل بعد اعترافهم بذلك {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} وينصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان التي لم تخلق ولم ترزق، وقد أشار جل شأنه بخلق السموات والأرض إلى اتحاد الذات، وبتسخير الشمس والقمر إلى اتحاد الصفات، ولما كان كمال الخلق ببقائه وبقاؤه بالرزق، واللّه تعالى هو المتفضل به.
قال: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} فيوسعه عليهم إحسانا منه وكرما عليهم ولطفا بهم، وهو ذو الطول والامتنان والعطف {وَيَقْدِرُ لَهُ} يضيق على من يشاء بمقتضى حكمته وسابق تقديره، ولما كان هذا موجبا لاعتراض بعض الجهلة بين العلة لهم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فيوسع لمن يعلم أن صالحه بالرزق، ولو لم يرزقه لكفر، ويضيق على من يعلم أن صالحه في الضيق، ولو أغناه لبغى، وان يفعل كلّا لكل بوقته حسب حكمته، فقد جاء بالحديث القدسي: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، راجع الآية 25 من سورة لقمان والآية 27 من سورة الشورى المارتين، والأخرى أن اللّه تعالى لا يسأل مما يفعل.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فعل ذلك كله {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} يا خاتم الرسل على إظهار الحجة عليهم باعترافهم.
ثم نعى عليهم جهلهم بقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ما يقولون ولا يفهمون ما يفعلون ولا يفقهون ما يريدون، وفي هذه الآية دلالة على بطلان الشرك وإثبات التوحيد، وفي الإضراب ببل إيذان بالإعراض عن جهلهم الخاص بالإتيان بما هو حجة عليهم باعترافهم، لأنهم مسلوبو العقل، فلا يبعد عنهم مثله.

.مطلب حقارة الدنيا والتعريض للجهاد:

قال تعالى: {وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} اللهو الاستماع الذات والاشتغال بما لا يعني، واللعب العبث، أي أنها عبارة عن لعب ساعة بين الأولاد، ثم ينصرفون عنها لدورهم، وهكذا الدنيا يلهون بها أهلها مدة ويتركونها بالموت، والآية تشير إلى تصغيرها والازدراء بها، لأنها عبارة عن قضاء نهمتهم فيها مدة قصيرة وهي بما فيها لا تساوي عند اللّه جناح بعوضة، والآية جاءت كضرب المثل في سرعة زوالها، وتقلّبهم فيها وفراقهم لها.