فصل: فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخرج الترمذي عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء.
وقال بعض العارفين الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب بيد مجذوم.
وإذا كانت هي حقيرة لهذه الدرجة فليعلم حقارة ما فيها من الحياة بالطريق الأولى {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ} الحياة الحقيقية المشمرة الدائمة المنعم أهلها التي لا يعرض لها كدر ولا موت ولا فناء وهي في ذاتها حياة طيبه والحيوان مصدر حي سمي به ذو الحياة في غير هذا المحل وأصله حييّان فقلبت الياء الثانية واوا على خلاف القياس، فلامه ياء كما قال سيبويه، وقيل إن لامه واو نظرا إلى ظاهر الكلمة وإلى أن حياة علم رجل ولا حجة على كونه ياء في حيىّ، لأن الواو في مثله يبدل ياء لكسر ما قبلها نحو شقي من الشقوة، وهو أبلغ من الحياة، لذلك جاءت بلفظ المبالغة، لأن بناء فعلان يكون بمعنى الحركة والاضطراب اللازم للحياة، ولهذا المعنى أطلق عليها، مع أنه علم للنّام المدرك، ولأن الآخرة فيها الزيادة والنمو، قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} الآية 27 من سورة هود المارة، وهي محل الإدراك التام أطلق عليها الاسم المستعمل في النامي المدرك، ولذلك اختير عليها في هذا المقام المقتضى للمبالغة، وقد علمتها في وصف الحياة الدنيا المقابلة الدار الآخرة، والمراد بها هنا الخلود والسكون ويوقف على كلمة الحيوان لأن التقدير {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} حقيقة الدارين لما اختاروا دار اللهو واللعب الفانية على دار العزّة والكرامة الباقية.
ولا توصل هذه الجملة بالأولى لأنه يصير وصف الحيوان معلق بشرط علمهم ذلك وليس كذلك، تدبر.
وما قاله بعضهم أن لو هنا للتمني فقيل غير سديد، وعن مرمى الحقيقة بعيد، ومن أخذ بالأولى فهو السعيد.
ونظير هذه الآية 32 من سورة الأنعام المارة، إلا أن المذكور فيها من قبل الآخرة، والمذكور هنا من قبل الدنيا، وكذلك المذكور قبل تلك.
قال تعالى: {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} السفينة بقصد التجارة أو الزيارة وتارت عليهم العواصف {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وتركوا ذكر أوثانهم كأنهم من خلص عباد اللّه الذين لا يذكرون غيره ولا يدعون معه إلها آخر، ولجئوا إليه بكليتهم كأنهم لم ينصرفوا إلى غيره، ولم يذهلوا عن الحياة الأبدية، وذلك لعلهم أنه لا يكشف الشدائد غيره، وفي هذه الآية تهكّم بالكفرة المشركين أهل البغي والفساد، وتقريع بهم، لأنهم لا يستمرون على حالتهم هذه {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} وأمنوا من الغرق {إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} باللّه غيره كعادتهم الأولى، ونسوا الضيق الذي حل بهم والذي نجاهم منه، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ركبوا البحر استصحبوا أصنامهم، فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر وقالوا يا ربنا يا ربنا، قال تعالى قوله: {لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ} من نعمة الإجابة والإنجاء {وَلِيَتَمَتَّعُوا} في دنياهم هذه، وليغفلوا عن الآخرة دار البقاء {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة ذلك حين يعاقون إذ يتدمون من حيث لات مندم.
واللام في الموضعين لام كي، أي يشركون باللّه ليكونوا كافرين نعمته، فليتمتعوا في هذه الدنيا قليلا فإن مرجعهم إلينا، راجع الآية 68 من الإسراء، وهذه الجملة الأخيرة مؤذنة بالتهديد والوعيد لأولئك الكفرة سبب جحودهم نعمة انجائهم ورجوعهم إلى شركهم.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا} بلدهم مكة دون سائر البلاد {حَرَمًا آمِنًا} أهله مما يخاف الناس من السلب والسبي والقتل، وقد حرم فيه ما لم يحرم بغيره من البلدان، حتى شمل منه الطير والوحش والدواب.
أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي اللّه عنهم قال: إن أهل مكة قالوا يا محمد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا وكثرة العرب، فمنى بلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفتنا فكلنا أكلة رأس، فأنزل اللّه هذه الآية تطمنّهم بالأمن مما يخافون دون غيرهم إكراما لرسولهم محمد وإجابة لدعوة جده إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، كما سيأتي في الآية 136 من البقرة، وقد مر شيء منه في الآية 36 من سورة إبراهيم فراجعها {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} يختلسون اختلاسا أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأزواجهم وأنعامهم ودوابهم، لأن النفار كان متحكما بينهم، فقل لهم يا سيد الرسل {أَفَبِالْباطِلِ} من الأصنام وغيرها {يُؤْمِنُونَ} بعد ظهور نعمة الحق الذي لا ريب فيه {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} التي أنعمها عليهم في هذا الدين الصحيح والرسول الصادق والكتاب المبين لكل شيء {يَكْفُرُونَ} مع أن ذلك مستوجب للشكر ما بالهم عموا عن الرشد والهدى، وجنحوا إلى الضلال والردى.
وتقديم الصلة في الموضعين في هذه الآية للاهتمام بها، لأنها مصبّ الأفكار، أو للاختصاص على طريق المبالغة، لأن الإيمان إذا لم يكن خالصا لا يعتد به، ولأن كفران غير نعمة اللّه عز وجل بجنب كفران نعمته لا يعد شيئا.
وقرىء الفعلان بالتاء على الخطاب، كما قرىء بالغيبة.
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فزعم أن له شريكا {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} القران المنزل من لدنه {لَمَّا جاءَهُ} على يد رسوله صلّى اللّه عليه وسلم، أي لا أظلم من هذا أحد البتة، ولهذا عقبه بقوله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} أمثال هؤلاء بل فيها منازل كثيرة تنتظرهم وتتميّز عليهم غيظا وحنقا.
تشير هذه الآية إلى تقرير مثواهم وإقامتهم، فيها، لأن الاستفهام فيه معنى النفي وهو داخل على المنفي ونفي النفي إثبات، وعليه قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

والمعنى ألا يستوجبون هذا الثواء، وقد افتروا ذلك الافتراء على اللّه تعالى، وكذبوا بالحق مثل ذلك التكذيب، بلى واللّه هم أهل له ولا شرّ منه.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا} في شأننا ومن أجلنا وخالصا لوجهنا {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} الدالة على الخير والبر الموصلة إلى الرشد والهدى في الدنيا المؤدية إلى الجنة في الآخرة {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالنصر والمعونة والظفر في الدنيا والثواب والمغفرة والرحمة في الآخرة.
وقد ختمت سورة النحل فقط بما ختمت به هذه السورة.
وتشير هذه الآية إلى أن اللّه تعالى يريد أن يأمر رسوله بمجاهدة الكفار الذين لم ينزعوا عن شركهم وتكذيبه وجحد كتابه، لأنه إنما أمره بالهجرة عن دارهم لعدم تأثير العطف عليهم بهم، وان الرحمة التي عاملهم بها واللين والعطف لم يزدهم إلا عتوا وعنادا، ولم يزدهم التهديد والوعيد إلا استهزاء وسخرية ومكابرة في البغي والطغيان والعدوان، ولهذا قدم في هذه الآية الجليلة التمهيدات اللازمة لإنزال العقاب فيهم وتعجيل ما استبطئوه من العذاب الذي يطالبون به، وكانوا يوقنون عدم وجود عقاب أو عذاب كما يتيقنون عدم وجود بعث ولا حساب ولا جزاء، فاستحقوا جزاء معاملتهم بالقسوة والشدة، وآن وقت قسرهم على الإيمان ليؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم فيوقع فيهم عذابه الذي لا مرد له.
قال بعض العارفين إن الآية صالحة للمجاهدة الظاهرة والباطنة، فالذين جاهدوا أنفسهم في رضاء اللّه تعالى لنهدينهم إلى محل الرضاء.
واعلم أن من عرف اللّه تعالى عرف كل شيء، ومن وصل إليه هان عنده كل شيء، وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر، قال عبد اللّه ابن المبارك من اعتاصت عليه مسألته فليسأل أهل الثغور، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} الآية، لأن الجهاد هداية أو مرتب على الهداية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً} الآية 18 من سورة محمد، وجاء في الحديث من عمل بما علم أورثه اللّه علم ما لم يعلم.
وقال بعض الكمل والذين يشغلون ظواهرهم بالوظائف ليوصلن أسرارهم إلى اللطائف.
وقال سفيان ابن عينيه إذا أختلف الناس فانظروا ما عليه أهل التقوى فإن اللّه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} الآية.
والتقوى هي المخرج من الشدائد، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} الآية 3 من سورة الطلاق هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم أجمعين، والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة العنكبوت مكية.
الم تقدم الكلام عليه لا يفتنون حسن من قبلهم كاف وكذا الكاذبين وان يسبقونا ما يحكمون تام فان أجل الله لآت كاف العليم حسن لنفسه كاف عن العالمين تام سيئاتهم جائز كانوا يعملون تام حسنا كاف وكذا تطعهما بما كنتم تعملون تام وكذا في الصالحين كعذاب الله صالح معكم حسن في صدور العالمين كاف المنافقين تام خطاياكم حسن من شيء مفهوم لكاذبين حسن من أثقالهم كاف يفترون تام كاف السفينة جائز آية للعالمين تام واتقوه كاف تعلمون حسن افكا تام رزقا صالح واشكر واله تام وكذا ترجعون ومن قبلكم البلاغ المبين أتم من ذلك ثم يعيده كاف يسير تام النشأة الآخرة كاف قدير حسن ويرحم من يشاء كاف تقبلون حسن ولا في السماء كاف تام من لاحمتي جائز أليم حسن أو حرقوه كاف من النار أكفى منه يؤمنون حسن أو ثانا كاف لمن قرأها مودة بينكم بالرفع خبر مبتدأ محذوف أو خبره في الحياة الدنيا وليس بوقف لمن قرأها بالرفع خبر إن وجعل ما معنى الذي أو بالنصب لتعلقها بما قبلها في الحياة الدنيا كاف عند أبي حاتم من ناصرين كاف فآمن له لوط صالح إلى ربي جائز الحكيم حسن اسحق ويعقوب صالح في الدنيا كاف وكذا إن فيها لوطا بمن فيها حسن من العالمين كاف وكذا في ناديكم المنكر ومن الصادقين المفسدين تام ظالمين كاف وكذا يفسقون يعقلون تام مفسدين كاف وكذا جاثمين ومستبصرين وسابقين وبذنبه أغرقنا حسن يظلمون تام اتخذت بيتا حسن وقال أبو عمرو كاف يعملون تام وكذا الحكيم للناس كاف العالمون تام بالحق كاف للمؤمنين تام وأقم الصلاة كاف تنهى عن الفحشاء والمنكر حسن ولذ كر الله أكبر تام ما تصنعون أتم منه ظلموا منهم صالح مسلمون حسن إليك الكتاب كاف وكذا مت يؤمن به الكافرون حسن وكذا ولا تخطه بيمينك المبطون كاف وكذا العلم الظالمون حسن آيات من ربه كاف مبين تام وكذا يتلى عليهم ويؤمنون شهيدا حسن ما في السموات والأرض تام وكذا الخاسرون بالعذاب في الموضعين صالح لجاءهم العذاب كاف لا يشعرون تام بالكافرين كاف أرجلهم صالح ما كنتم تعملون تام وكذا فاعبدون وترجعون خالدين فيها حسن كاف العالمين كاف إن جعل ما بعده خبر مبتدأ محذوف وليس بوقف إن جعل ذلك نعتا لهم يتوكلون تام وكذا العليم ليقولن الله كاف يؤفكون تام ويقر له كاف عليم ليقولن الله حسن كاف الحمد لله كاف لا يعقلون تام وكذا لهو ولعب يعلمون حسن له الدين كاف وكذا يشركون إن جعلت لام ليكفروا لام الأمر بمعنى التهديد فان جعلت لام كي فليس بوقف بما آتيناهم كاف تام وقال أبو عمرو تام قيل كاف هذا إن جعلت اللام في وليتمتعوا لام الأمر بمعنى التهديد سواء سكنت تخفيفا أو كسرت على الأصل فان جعلت لام كي لم يوقف على آتيناهم لعطف ذلك على ليكفرون ويوقف على وليتمتعوا وهو كاف على الوجهين فسوف يعلمون تام من حولهم حسن يكفرون تام لما جاء حسن للكافرين تام سبلنا حسن آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة العنكبوت مكية.
{ألم} تقدم الكلام عليها.
{أن يتركوا} جائز إن قدرت ما بعده أحسبوا أن يقولوا وليس بوقف إن قدرت المعنى أن يتركوا لأن يقولوا أو على أن يقولوا أي أحسبناهم الترك لأجل تلفظهم بالإيمان قاله النكزاوي.
أن يقولوا آمنا ليس بوقف لأنَّ وهم لا يفتنون جملة حالية ولا يتم الكلام إلاَّ بها.
{لا يفتنون} كاف.
{من قبلهم} كاف وقيل تام لأنَّ قوله: {ولقد فتنا} ماض وقوله: {فليعلمن} مستقبل وفصل بالوقف بينهما لذلك.
{الكاذبين} كاف لأنَّ أم حسب في تأويل الاستئناف أي أحسب أن يسبقونا وهو كاف.
{ما يحكمون} تام.
{فإنَّ أجل الله لآت} كاف.
{العليم} تام.
{لنفسه} كاف.
{العالمين} تام.
{سيآتهم} جائز.
{يعملون} تام.
{حسنًا} حسن ومثله فلا تطعهما.
{إليّ مرجعكم} ليس بوقف لمكان الفاء.
{تعملون} تام ومثله {في الصالحين}.
{كعذاب الله} تام.
{إنَّا كنا معكم} كاف ومثله {العالمين}.
{الذين آمنوا} جائز.
المنافقين {تام}.
{اتبعوا سبيلنا} ليس بوقف لأنَّ فيه معنى الشرط وإن كانت اللام في قوله: {ولنحمل} لام الأمر التي يقتضي الابتداء بها لأنَّ المعنى إن اتبعتم سبيلنا في إنكار البعث والثواب والعقاب حملنا خطاياكم فلفظه أمر ومعناه جزاء.