فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {الم أَحِسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوآ}.
هذا لفظ استفهام أريد به التقرير والتوبيخ وفيه خمسة أقاويل:
أحدها: معناه أظن الذين قالوا لا إله إلا الله أن يتركوا فلا يختبروا أصدقوا أم كذبوا. قاله الحسن.
الثاني: أظن المؤمنون ألا يؤمروا ولا ينهوا، قاله ابن بحر.
الثالث: أظن المؤمنون ألا يؤذوا ويقتلوا. قاله الربيع بن أنس. وقال قتادة: نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعها خرجوا فقتل منهم من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الآية.
الرابع: أنها نزلت في عمار بن ياسر ومن كان يعذب في الله بمكة، قاله عبيد بن عمير. قال الضحاك: نزلت في عباس بن أبي ربيعة أسلم وكان أخا أبي جهل لأمه أخذه وعذبه على إسلامه حتى تلفظ بكلمة الشرك مكرهًا.
الخامس: نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة فلما فرضا شق عليهم فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن أبي حاتم.
وفي قوله: {وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} وجهان:
أحدهما: لا يسألون، قاله مجاهد.
الثاني: لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله وعن نواهيه.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بما افترضه عليهم.
الثاني: بما ابتلاهم به.
{فََيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} فيه وجهان:
أحدهما: فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق، قاله ابن شجرة.
الثاني: فليميزن الله الذين صدقوا من الكاذبين، قاله النقاش وذكر أن هذه الآية نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر قتله عامر ابن الحضرمي، ويقال إنه أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهجع».
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}.
قال قتادة: الشرك وزعم أنهم اليهود.
{أَن يَسْبِقُونَا} فيه وجهان:
أحدهما: أن يسبقوا ما كتبنا عليهم في محتوم القضاء.
الثاني: أن يعجزونا حتى لا نقدر عليهم، وهو معنى قول مجاهد.
ويحتمل ثالثًا: أن يفوتونا حتى لا ندركهم.
{سَاءَ مَا يَحْكُُمُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: ساء ما يظنون، قاله ابن شجرة.
الثاني: ساء ما يقضون لأنفسهم على أعدائهم، قاله النقاش. اهـ.

.قال ابن عطية:

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)}.
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوئل السور، وقرأ ورش {ألمَ احسب} بفتح الميم من غير همز بعدها وذلك على تخفيف الهمزة وإلقاء حركتها على الميم، وهذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، فكانت صدورهم تضيق لذلك، وربما استنكر أن يمكن الله الكفرة من المؤمنين قال مجاهد وغيره، فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هي سيرة الله تعالى في عباده اختبارًا للمؤمنين وفتنة ليعلم الصادق ويري ثواب الله له ويعلم الكاذب ويري عقابه إياه.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب وفي هذه الجماعة فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر،. وذلك أن الفتنة من الله تعالى والاختبار باق في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك، وإذا اعتبر أيضًا كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن ولكن التي تشبه نازلة المؤمنين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر، وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر إذا كان يعذب في الله تعالى ونظرائه، وقال الشعبي: سبب الآية ما كلفه المؤمنون من الهجرة، فهي الفتنة التي لم يتركوا دونها، لاسيما وقد لحقهم بسببها أن اتبعهم الكفار وردوهم وقاتلوهم، فقتل من قتل ونجا من نجا، وقال السدي: نزلت في مسلمين كانوا بمكة وكرهوا الجهاد والقتال حين فرض على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وحسب، معناه ظن، و{أن} نصب بحسب وهي والجملة التي بعدها تسد مسد مفعولي حسب و{أن} الثانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض تقديره {بأن يقولوا} ويحتمل أن يقدر لأن يقولوا والمعنى في الباء واللام مختلف وذلك أنه في الباء كما تقول تركت زيدًا بحاله، وهي في اللام بمعنى من أجل أن حسبوا أن إيمانهم علة للترك، و{الذين من قبلهم} يريد بهم المؤمنين مع الأنبياء في سالف الدهر، وقرأ الجمهور {فليَعلمن} بفتح الياء واللام الثانية، ومعنى ذلك ليظهرن عليهم ويوجدن منهم ما علمه أزلًا، وذلك أن علمه بذلك قديم وإنما هذه عبارة عن الإيجاد بالحالة التي تضمنها العلم القديم، والصدق والكذب على بابهما أي من صدق فعله قوله ومن كذبه ونظير هذا قول زهير: البسيط:
ليث بعثّر يصطاد الرجال إذا ** ما كذب الليث عن أقرانه صدقا

قال النقاش، قيل إن الإشارة ب {صدقوا} هي إلى مهجع مولى عمر بن الخطاب لأنه أول قتيل قتل من المؤمنين يوم بدر، وقالت فرقة: إنما هي استعارة وإنما أراد بها الصلابة في الدين أو الاضطراب فيه وفي جهاد العدو ونحو هذا، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه {فليُعلِمن} بضم الياء وكسر اللام، وهذه القراءة تحتمل ثلاثة معان أحدها أن يعلم في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه وبأعمالهم في الدنيا، بمعنى يوقفهم على ما كان منهم، والثاني أن يكون المفعول الأول محذوفًا تقديره ليعلمن الناس أو العالم هؤلاء الصادقين والكاذبين، أي يفضحهم ويشهرهم، هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر، وذلك في الدنيا والآخرة، والثالث أي يكون ذلك من العلامة أي لكل طائفة علمًا تشهر به، فالآية على هذا ينظر إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسر سريرة ألبسه الله رداءها» وعلى كل معنى منها ففيها وعد للمؤمنين الصادقين ووعيد للكافرين، وقرأ الزهري الأولى كقراءة الجمهور والثانية كقراءة عليّ رضي الله عنه.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}.
{أم} معادلة للألف في قوله: {أحسب} [العنكبوت: 1] وكأنه عز وجل قرر الفريقين، قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون وقرر الكافرين {الذين يعملون السيئات} في تعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنهم يسبقون عقاب الله ويعجزونه، وقوله تعالى: {الذي يعملون السيئات} وإن كان الكفار المراد الأول بحسب النازلة التي الكلام فيها فإن لفظ الآية يعم كل عاص وعامل سيئة من المسلمين وغيرهم، وقوله: {ساء ما يحكمون} يجوز أن يكون {ما} بمعنى الذي فهي في موشع رفع، ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير ساء حكمًا يحكمونه، وقال ابن كيسان: {ما} مع {يحكمون} في موضع المصدر كأنه قال: ساء حكمهم، وفي هذه الآية وعيد للكفرة الفاتنين، وتأنيس وعده بالنصر للمؤمنين المفتونين المغلوبين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {الم أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكوا}.
في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنَّه لمَّا أُمر بالهجرة، كتب المسلمون إِلى إِخوانهم بمكة أنَّه لا يُقْبَل منكم إِسلامكم حتى تُهاجِروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردُّوهم، فأنزل الله عز وجل من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إِليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نَخْرُج، فإن اتَّبَعَنَا أحدٌ قاتلناه، فخرجوا فاتَّبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم مَنْ قُتل، ومنهم مَنْ نجا، فأنزل الله عز وجل فيهم {ثُمَّ إِنَّ ربِّكَ للذين هاجروا مِنْ بَعْد ما فُتِنوا} [النحل: 110] ، هذا قول الحسن، والشعبي.
والثاني: أنَّها نزلت في عمَّار بن ياسر إِذ كان يعذَّب في الله عز وجل، قاله عبد الله بن عُبيد بن عُمير.
والثالث: أنَّها نزلت في مِهْجَع مولى عمر بن الخطاب حين قُتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية.
قوله تعالى: {أحَسِبَ النَّاسُ} قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة، كعيَّاش بن أبي ربيعة، وعمَّار بن ياسر، وسَلَمة بن هشام، وغيرهم.
قال الزجاج: لفظ الآية استخبار، ومعناه معنى التقرير والتوبيخ؛ والمعنى: أحَسِب النَّاس أن يُتْرَكوا بأن يقولوا: آمَنَّا، ولأَن يقولوا: آمَنَّا، أي: أَحَسِبوا أن يُقْنَع منهم بأن يقولوا: إِنَّا مؤمنون، فقط، ولا يُمتَحنون بما يبيِّن حقيقة إِيمانهم، {وهم لا يُفْتَنون} أي لا يُختَبرون بما يُعْلَم به صِدق إِيمانهم من كذبه.
وللمفسرين فيه قولان:
أحدهما: لا يُفْتَنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد.
والثاني: لا يُبْتَلَوْن بالأوامر والنواهي.
قوله تعالى: {ولقد فَتَنَّا الذِين مِنْ قَبْلِهم} أي: ابتليناهم واختبرناهم، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدهما: فلَيُرِيَنَّ اللّهُ الذين صَدَقوا في إِيمانهم عند البلاء إِذا صبروا لقضائه، ولَيُرِيَنَّ الكاذبين في إِيمانهم إِذا شكُّوا عند البلاء، قاله مقاتل.
والثاني: فلَيُمَيِّزَنَّ، لأنَّه قد عَلِم ذلك مِنْ قَبْل، قاله أبو عبيدة.
والثالث: فلَيُظْهِرَنَّ ذلك حتى يوجد معلومًا، حكاه الثعلبي.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وجعفر بن محمد: {فلَيُعْلِمَنَّ اللّهُ} {ولَيُعْلِمَنَّ الكاذبين} {ولَيُعْلِمَنَّ اللّهُ الذين آمنوا ولَيُعْلِمَنَّ المنافقين} [العنكبوت: 11] بضم الياء وكسر اللام.
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ} أي: أَيَحْسَب {الذين يَعْمَلون السَّيِّئات} يعني الشِّرك {أن يَسْبِقونا} أي: يفُوتونا ويُعْجِزونا {ساء ما يحكُمون} أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنُّوا ذلك.
قال ابن عباس: عنى بهم الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم. اهـ.