فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله: {مَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: من كان يخشى لقاء الله، قاله ابن جبير والسدي.
الثاني: من كان يؤمل.
وفي {لِقَاءَ اللَّهِ} وجهان:
أحدهما: ثواب الله، قاله ابن جبير.
الثاني: البعث إليه، قاله يحيى بن سلام.
{فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} يعني الجزاء في القيامة فاستعدوا له. {وَهُوَ السَّمِيعُ} لمقالتكم {الْعَلِيمُ} بمعتقدكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم أخبر تعالى عن الحشر والرجوع إلى الله تعالى في القيامة بأنه آت إذ قد أجله الله تعالى وأخبر به، وفي قوله: {من كان يرجو لقاء الله} تثبيت، أي من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليتزيد بصيرة، وقال أبو عبيدة {يرجو} ها هنا بمعنى يخاف، والصحيح أن الرجاء ها هنا على بابه متمكنًا، قال الزجاج: المعنى لقاء ثواب الله، وقوله تعالى: {وهو السميع العليم} معناه لأقوال كل فرقة، و{العليم} معناه بالمعتقدات التي لهم، وقوله تعالى: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} إعلان بأن كل واحد مجازى بفعله فهو إذًا له، وهو حظه الذي ينبغي أن لا يفرط فيه فإن الله غني عن جهاد و{غني عن العالمين} بأسرهم، وهاتان الآيتان نبذ على سؤال الطائفة المرتابة المترددة في فتنة الكفار التي كانت تنكر أن ينال الكفار المؤمنين بمكروه وترتاب من أجل ذلك، فكأنهم قيل لهم من كان يؤمن بالبعث فإن الأمر حق في نفسه، والله تعالى بالمرصاد، أي هذه بصيرة لا ينبغي لأحد أن يعتقدها لوجه أحد، وكذلك من جاهد فثمره جهاده له فلا يمن بذلك على أحد، وهذا كما يقول المناظر عند سوق حجته من أراد أن يرى الحق فإن الأمر كذا وكذا ونحو هذا فتامله، وقيل: معنى الآية ومن جاهد المؤمنين ودفع في صدر الدين فإنما جهاده لنفسه لا لله فالله غني.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ذكره المفسرون وهو ضعيف، وقوله تعالى: {والذين آمنوا} الآية إخبار عن المؤمنين المهاجرين الذين هم في أعلى رتبة من البدار إلى الله تعالى رفع بهم عز وجل وبحالهم ليقيم نفوس المتخلفين عن الهجرة وهم الذين فتنهم الكفار إلى الحصول في هذه المرتبة ع و{السيئات} الكفر وما اشتمل عليه ويدخل في ذلك في المعاصي من المؤمنين مع الأعمال الصالحات واجتناب الكبائر، وفي قوله عز وجل: {ولنجزينهم أحسن} حذف مضاف تقديره ثواب أحسن الذي كانوا يعملون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ}.
{يَرْجُو} بمعنى يخاف من قول الهُذَليّ في وصف عَسَّال:
إذَا لَسَعَتْهُ النَّحلُ لم يَرْجُ لسعَها.
وأجمع أهل التفسير على أن المعنى: من كان يخاف الموت فليعمل عملًا صالحًا فإنه لابد أن يأتيه؛ ذكره النحاس.
قال الزجاج: معنى {يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} ثواب الله و{من} في موضع رفع بالابتداء و{كَانَ} في موضع الخبر، وهي في موضع جزم بالشرط، و{يَرْجُو} في موضع خبر كان، والمجازاة {فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع العليم}.
قوله تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} أي ومن جاهد في الدِّين، وصبر على قتال الكفار وأعمال الطاعات، فإنما يسعى لنفسه؛ أي ثواب ذلك كله له؛ ولا يرجع إلى الله نفع من ذلك.
{إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين} أي عن أعمالهم.
وقيل: المعنى؛ من جاهد عدوّه لنفسه لا يريد وجه الله فليس لله حاجة بجهاده.
قوله تعالى: {والذين آمَنُوا} أي صدّقوا {وَعَمِلُوا الصالحات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي لنغطينها عنهم بالمغفرة لهم.
{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعات.
ثم قيل: يحتمل أن تكفر عنهم كل معصية عملوها في الشرك، ويثابوا على ما عملوا من حسنة في الإسلام.
ويحتمل أن تكفر عنهم سيئاتهم في الكفر والإسلام، ويثابوا على حسناتهم في الكفر والإسلام. اهـ.

.قال أبو حيان:

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله}.
والظاهر أن {يرجوا} على بابها، ومعنى {لقاء الله} الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء؛ مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه، فإن كان عمل خيرًا، تلقاه بإحسان أو شرًا، فبضد الإحسان.
{فإن أجل الله لآت} وهو ما أجله وجعل له أجلًا، لا نفسه لا محالة، فليبادر لما يصدق رجاءه.
وقال أبو عبيدة: يرجو: يخاف، ويظهر أن جواب الشرط محذوف، أي {من كان يرجوا لقاء الله} فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه، فإن ما أجله الله تعالى من لقاء جزائه لآت.
والظاهر أن قوله: {ومن جاهد} معناه: ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات، فثمرة جهاده، وهو الثواب المعد له، إنما هو له، لا لله، والله تعالى غني عنه وعن العالمين، وإنما كلفهم ما كلفهم إحسانًا إليهم.
{لنكفرنّ عنهم سيئاتهم} يشمل من كان كافرًا فآمن وعمل صالحًا، فأسقط عنه عقاب ما كان قبل الإيمان من كفر ومعصية، ومن نشأ مؤمنًا عاملًا للصالحات وأساء في بعض أعماله، فكفر عنه ذلك، وكانت سيئاته مغمورة بحسناته.
{ولنجزينهم أحسن الذي} أي أحسن جزاء أعمالهم.
قال ابن عطية: فيه حذف مضاف تقديره: ثواب أحسن الذي كانوا يعملون. انتهى.
وهذا التقدير لا يسوغ، لأنه يقتضي أن أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم، وأما ثواب حسنها فمسكوت عنه، وهم يجزون ثواب الأحسن والحسن، إلاّ إن أخرجت أحسن عن بابها من التفضيل، فيكون بمعنى حسن، فإنه يسوغ ذلك.
وأما التقدير الذي قبله فمعناه: أنه مجزي أحسن جزاء العمل، فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها، فجوزي أحسن جزائها، وهي أن جعلت بعشر أمثالها.
وفي هذه الآيات تحريك وهزًا لمن تخلف عن الجهرة أن يبادر إلى استدراك ما فرط فيه منها، وثناء على المؤمنين الذين بادروا إلى الهجرة، وتنويه بقدرهم.
{ووصينا الإنسان} في جامع الترمذي: إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت، أو يكفر.
وقيل: في عياش بن أبي ربيعة، أسلم وهاجر مع عمر، وكانت أمه شديدة الحب له، وحلفت على مثل ذلك، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث، فشداه وثاقًا حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصدًا ليراها، وجلده كل منهما مائة جلدة، ورداه إلى أمه فقالت: لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد، في حديث طويل ذكر في السير. اهـ.

.قال أبو السعود:

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} أي يتوقَّعُ مُلاقاةَ جزائِه ئوابًا أو عِقابًا أو مُلاقاةُ حُكمِه يومَ القيامةِ وقيل: يرجُو لقاء الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة وقيل: يرجُو ثوابَه وقيل: يخافُ عقابَه وقيل: لقاؤه تعالى عبارةٌ عن الوصول إلى العاقبةِ من تلقِّي مَلَكِ الموتِ والبعثِ والحسابِ والجزاءِ على تمثيلِ تلك الحالِ بحالِ عبدٍ قدِم على سيِّده بعد عهدٍ طويلٍ، وقد عَلِم مولاهُ بجميعِ ما كان يأتِي ويذرُ فإمَّا أنْ يلقاه ببشرٍ وكرامةٍ لمَا رضي من أفعالِه أو بضدِّه لما سخَطَه {فَإِنَّ أَجَلَ الله} الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمانٍ متمدَ عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ {لأَتٍ} لا محالةَ من غيرِ صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائمًا فلابد من إتيان ذلك الجزاءِ أيضًا ألبتةَ، وإتيانُ وقتِه موجبٌ لإتيانِ اللِّقاءِ حتمًا والجوابُ محذوفٌ أي فليخترْ من الأعمالِ ما يؤدي إلى حُسنِ الثَّوابِ وليحذرْ ما يسوقُه إلى سوءِ العذابِ كما في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} وفيه من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى، وقيل: فليبادرْ ما يحقق أملَه ويصدِّق رجاءَهُ أو ما يُوجبُ القُربةَ والزُّلفى {وَهُوَ السميع} لأقوالِ العبادِ {العليم} بأحوالِهم من الأعمالِ الظَّاهرةِ والعقائدِ. {وَمَن جَاهَدَ} في طاعةِ الله عز وجل: {فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} لعود منفعتِها إليها {إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين} فلا حاجةٍ له إلى طاعتِهم وإنَّما أمرهم بها تعريضًا لهم للثَّوابِ بموجب رحمتِه.
{والذين ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} الكفرَ بالإيمانِ والمعاصيَ بما يتبعُها من الطَّاعاتِ {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي أحسنَ جزاءِ أعمالِهم لا جزاءَ أحسنِ أعمالِهم فقط. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله}.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: أي من كان يخشى البعث في الآخرة فالرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي في وصف عسال:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوب عوامل

ولعل إرادة البعث من لقائه عز وجل لأنه من مباديه، وقيل: لعل جعل لقاء الله تعالى عبارة عن الوصول إلى العاقبة إلا أنه لما كان البعث من أعظم ما يتوقف ذلك عليه خصه بالذكر، وفي الكشاف أن لقاء الله تعالى مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل؛ وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فأما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى {مَن كَانَ} الخ من كان يأمل تلك الحال وإن يلقى فيها الكرامة من الله تعالى والبشرى، فالكلام عنده من باب التمثيل والرجاء بمعنى الأمل والتوقع.
وجوز أن يكون بمعنى ذلك إلا أن الكلام بتقدير مضاف أي من كان يتوقع ملاقاة جزاء الله تعالى ثوابًا أو عقابًا أو ملاقاة حكمه عز وجل يوم القيامة وأن يكون بمعنى الخوف، والمضاف محذوف أيضًا أي من كان يخاف ملاقاة عقاب الله تعالى، وأن يكون بمعنى ظن حصول ما فيه مسرة وتوقعه كما هو المشهور، والمضاف كذلك أيضًا، أي من كان يرجو ملاقاة ثواب الله تعالى، ويجوز أن لا يقدر مضاف، ويجعل لقاء الله تعالى مجازًا عن الثواب لما أنه لازم له.
واختار بعضهم أن الرجاء بمعناه المشهور وأن لقاء الله تعالى مشاهدته سبحانه على الوجه اللائق به عز وجل كما يقوله أهل السنة والجماعة إذ لا حاجة للخروج عن الظاهر من غير ضرورة وما حسبه المعتزلي منها فليس منها كما بين في علم الكلام أي من كان يتوقع مشاهدة الله تعالى يوم القيامة التي لا نعيم يعدلها ويلزمها الفوز بكل خير ونعيم {فَإِنَّ أَجَلَ الله} الأجل غاية لزمان ممتد عينت لأمر من الأمور، وقد يطلق على كل ذلك الزمان، والأول أشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه جل شأنه لذلك {لأَتٍ} لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لأن أجزاء الزمان على التقضي والتصرم دائمًا، ومجيء ذلك الوقت كناية عن إتيان ما فيه ووقوعه، والجملة الاسمية قائمة مقام جواب الشرط وهي في الحقيقة دليل الجواب المحذوف أي فليبادر ما ينفقه من امتثال الأوامر واجتناب المناهي أو فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو نحوه ذلك مما يلائم الشرط فتدبر.
وقيل: يجوز أن تكون هي الجواب على أن المراد بها المعنى الملائم للشرط كما ذكر {وَهُوَ السميع} جل شأنه لأقوال العباد {العليم} بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والعقائد والصفات الباطنة، والجملة تذييل لتحقيق حصول المرجو والمخوف وعدًا ووعيدًا {وَمِنْ جاهد} في طاعة الله عز وجل.
{فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} لعود المنفعة من الثواب المعد لذلك إليها {إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين} فلا حاجة له إلى طاعتهم وإنما أمرهم سبحانه بها تعريضًا لهم للثواب بموجب رحمته وحكمته.
{والذين ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} الكفر الأصلي أو العارضي بالايمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي أحسن جزاء أعمالهم والجزاء الحسن أن يجازي بحسنة حسنة، وأحسن الجزء أن تجازي الحسنة الواحدة بالعشر وزيادة، وقيل: لو قدر لنجزينهم بأحسن أعمالهم أو جزاء أحسن أعمالهم لإخراج المباح جاز. اهـ.