فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{مِنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ}.
الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة وتفسيره بالخوف لأن الرجاء والخوف متلازمان ولقاء الله عبارة عن القيامة وعن المصير إليه والمعنى يتوقع ملاقاة جزائه ثوابًا أو عقابًا فليستعد لأجل الله باختياره من الأعمال ما يؤدي إلى حسن الثواب واجتنابه عما يسوقه إلى سوء العذاب.
{فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ} الأجل عبارة عن غاية زمان ممتد عينت لأمر من الأمور وقد يطلق على كل ذلك الزمان والأول هو الأشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه تعالى لذلك.
{لآتٍ} لا محالة وكائن البتة لأن أجزاء الزمان على الانقضاء والانصرام دائمًا فلابد من إتيان الوقت المعين وإتيانه موجب لإتيان اللقاء والجزاء.
{وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقوال العباد {الْعَلِيمُ} بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والباطنة فلا يفوته شيء ما فبادروا العمل قبل الفوت.
وفي التأويلات النجمية: من أمّل الثواب يفرّ من أعمال تورث العذاب ويعانق المجاهدات فإنها تورث المشاهدات من مضي عمره في رجاء لقائنا فسوف نبيح النظر إلى جمالنا.
{وَهُوَ السَّمِيعُ} لأنين المشتاقين {الْعَلِيمُ} بحنين الوامقين الصادقين.
{وَمَنْ جَاهَدَ} نفسه بالصبر على طاعة الله وجاهد الكفار بالسيف وجاهد الشيطان بدفع وساوسه.
والمجاهدة استفراغ الجهد بالضم أي الطاقة في مدافعة العدو {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} لأن منفعتها عائدة إليها {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فلا حاجة به إلى طاعتهم ومجاهدتهم وإنما أمرهم بها رحمة عليهم لينالوا الثواب الجزيل كما قال: خلقت الخلق ليربحوا عليّ لا لأربح عليهم فالعاملون هم الفقراء إلى الله والمحتاجون إليه في الدارين وهو مستغن عنهم.
قال أبو العباس المشتهر بزروق في شرح الأسماء الحسنى: الغني هو الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله إذ لا يلحقه نقص ولا يعتريه عارض ومن عرف أنه الغني استغنى به عن كل شيء ورجع إليه بكل شيء وكان له بالافتقار في كل شيء وللتقرب بهذا الاسم تعلق بإظهار الفاقة والفقر إليه أبدًا.
قيل لأبي حفص: بماذا يلقى الفقير مولاه؟ فقال: فهل يلقى الغني إلا بالفقر قلت: يلقاه بفقره حتى من فقره وإلا فهو مستعد بفقره ولذلك قال ابن مشيش رحمه الله للشيخ أبي الحسن: لئن لقيته بفقرك لتلقينه بالاسم الأعظم وبتمام فقره له يصح غناه عن غيره فيكون متخلقًا بالغنى.
وخاصية هذا الاسم وجود العافية في كل شيء فمن ذكره على مرض أو بلاء أذهبه الله عنه وفيه سر للغني ومعنى الاسم الأعظم لمن استأهل به انتهى.
وفي الإحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة: اللهم يا غني يا حميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال: من داوم على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب.
وفي التأويلات النجمية: من أمّل الثواب يفرّ من أعمال تورث العذاب ويعانق المجاهدات فإنها تورث المشاهدات من مضي عمره في رجاء لقائنا فسوف نبيح النظر إلى جمالنا.
{وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} الكفر بالإيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات وتكفير الاسم ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل.
قال بعضهم: التكفير إذهاب السيئة وإبطالها بالحسنة وسترها وترك العقوبة عليها {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي أحسن جزاء أعمالهم بأن نعطي بواحد عشرًا أو أكثر لاجزاء أحسن أعمالهم فقط.
والعمل الصالح عندنا كل ما أمره الله فإنه صار صالحًا بأمره ولو نهى عنه لما كان صالحًا فليس الصلاح والفساد من لوازم الفعل في نفسه.
وقالت المعتزلة: ذلك من صفات الفعل ويترتب عليه الأمر والنهي فالصدق عمل صالح في نفسه يأمر الله تعالى به لذلك فعندنا الصلاح والفساد والحسن والقبح يترتب على الأمر والنهي وعندهم الأمر والنهي يترتب على الحسن والقبح.
واعلم أن كل ما يفعله الإنسان من الخير فالله يجازيه عليه ويجده عند الله حين يلقاء فمنفعة خيره تعود إلى نفسه وإن كان نفعه إلى الغير بحسب الظاهر.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده أما علمت لوعدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أنه استطعمك فلان فلم تطمعه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي».
قال بعضهم: كنت في طريق الحج فاعترض ثعبان أسود أمام القافلة فاتحًا فاه ومنع القوم من المرور فأخذت قربة ماء وسللت سيفي وتقدمت ووضعت فم القربة في فيه فشرب ثم غاب فلما حججت ورجعت إلى هذا المكان مع القافلة أخذني النوم وذهبت القافلة وبقيت متحيرًا فإذا بناقة مع ناقتي وقفت بين يدي فقالت لي: قم واركب فركبت وأخذت ناقتي وقت السحر ولحقنا القافلة فأشارت إلي بالنزول فقلت: بالله الذي خلقك من أنت قالت: أنا الأسود المعترض أمام القافلة فأنت دفعت ضرورتي وأنا دفعت ضرورتك الآن هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}.
هذا مسوق للمؤمنين خاصة لأنهم الذين يرجون لقاء الله، فالجملة مفيدة التصريح بما أومأ إليه قوله: {أن يسبقونا} [العنكبوت: 4] من الوعد بنصر المؤمنين على عدوّهم مبينة لها ولذلك فصلت.
ولولا هذا الوقع لكان حق الإخبار بها أن يجيء بواسطة حرف العطف.
ورجاء لقاء الله: ظنّ وقوع الحضور لحساب الله.
و{لقاء الله} الحشر للجزاء لأن الناس يتلقون خطاب الله المتعلق بهم، لهم أو عليهم، مباشرة بدون واسطة، وقد تقدم في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46] وقوله: {واعلموا أنكم ملاقوه} في سورة [البقرة: 223].
و{أجل الله} يجوز أن يكون الوقت الذي عينه الله في علمه للبعث والحساب فيكون من الإظهار في مقام الإضمار، ومقتضى الظاهر أن يقال: فإنه لآتتٍ فعدل إلى الإظهار كما في إضافة {أجل} إلى اسم الجلالة من الإيماء إلى أنه لا يخلف.
والمقصود الاهتمام بالتحريض على الاستعداد.
ويجوز أن يكون المراد ب {أجل الله} الأجل الذي عيَّنه الله لنصر المؤمنين وانتهاء فتنة المشركين إياهم باستئصال مساعير تلك الفتنة، وهم صناديد قريش وذلك بما كان من النصر يوم بدر ثم ما عقبه إلى فتح مكة فيكون الكلام تثبيتًا للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين حين استبطأ المؤمنون النصر للخلاص من فتنة المشركين حتى يعبدوا الله لا يفتنوهم في عبادته.
والمعنى عليه: إن كنتم مؤمنين بالبعث إيقانًا ينبعث من تصديق وعد الله به فإن تصديقكم بمجيء النصر أجدر لأنه وعدكم به، ف {من} شرطية، وجعل فعل الشرط فعل الكون للدلالة على تمكن هذ الرجاء من فاعل فعل الشرط.
ولهذا كان قوله: {فإن أجل الله لآت} جوابًا لقوله: {من كان يرجو لقاء الله} باعتبار دلالته على الجواب المقدر ليلتئم الربط بين مدلول جملة الشرط ومدلول جملة الجزاء.
ولولا ذلك لاختلّ الربط بين الشرط والجزاء إذ يفضي إلى معنى من لم يكن يرجو لقاء الله فإن أجل الله غير آتتٍ.
وهذا لا يستقيم في مجاري الكلام فلزم تقدير شيء من باب دلالة الاقتضاء.
وتأكيد جملة الجزاء بحرف التوكيد على الوجه الأول للتحريض والحث على الاستعداد للقاء الله، وعلى الوجه الثاني لقصد تحقيق النصر الموعود به تنزيلًا لاستبطائه منزلة التردد لقصد إذكاء يقينهم بما وعد الله ولا يوهنهم طول المدة الذي يضخمه الانتظار.
وبهذا يظهر وقع التذييل بوصفي {السميع العليم} دون غيرهما من الصفات العُلَى للإيماء بوصف {السميع} إلى أن الله تعالى سمع مقالة بعضهم من الدعاء بتعجيل النصر كما أشار إليه قوله تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله} [البقرة: 214].
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف».
والإيماء بوصف {العليم} إلى أن الله علم ما في نفوسهم من استعجال النصر ولو كان المراد من {أجل الله} الموتَ لَمَا كان وجه للإعلام بإتيانه بَلْهَ تأكيده، وكذا لو كان المراد منه البعث لكان قوله: {من كان يرجو لقاء الله} كافيًا، فهذا وجه ما أشارت إليه الآيات بالمنطوق والاقتضاء، والعدول بها عن هذا المهيع وإلى ما في الكشاف ومفاتيح الغيب أخذًا من كلام أبي عبيدة تحويل لها عن مجراها وصرف كلمة الرجاء عن معناها وتفكيك لنظم الكلام عن أن يكون آخذًا بعضه بحُجز بعض.
وإظهار اسم الجلالة في جملة {فإن أجل الله لآت} مع كون مقتضى الظاهر الإضمار لتقدم اسم الجلالة في جملة الشرط {من كان يرجو لقاء الله} لئلا يلتبس معاد الضمير بأن يُعاد إلى {من} إذ المقصود الإعلام بأجل مخصوص وهو وقت النصر الموعود كما في قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون} [سبأ: 29، 30].
وعبّر بفعل الرجاء عن ترقب البعث لأن الكلام مسوق للمؤمنين وهم ممن يرجو لقاء الله لأنهم يترقبون البعث لما يأملون من الخيرات فيه.
قال بلال رضي الله عنه حين احتضاره متمثلًا بقول بعض الأشعريين الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم:
غدًا ألقَى الأحبهْ ** محمدًا وصحبهْ

{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)} أي ومن جاهد ممن يرجون لقاء الله، فليست الواو للتقسيم، وليس من {جاهد} بقسيم لمن كانوا يرجون لقاء الله بل الجهاد من عوارض من كانوا يرجون لقاء الله.
والجهاد: مبالغة في الجهد الذي هو مصدر جَهَد كمنع، إذا جدُّ في عمله وتكلّف فيه تعبًا، ولذلك شاع إطلاقه على القتال في نصر الإسلام.
وهو هنا يجوز أن يكون الصبر على المشاق والأذى اللاحقة بالمسلمين لأجل دخولهم في الإسلام ونبذ دين الشرك حيث تصدى المشركون لأذاهم.
فإطلاق الجهاد هنا هو مثل إطلاقه في قوله تعالى بعد هذا {وإن جاهداك لتُشْرِك بي} [العنكبوت: 8] ، ومثل إطلاقه في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قفل من إحدى غزواته «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» وهذا المحل هو المتبادر في هذه السورة بناء على أنها كلها مكية لأنه لم يكن جهاد القتال في مكة.
ومعنى {فإنما يجاهد لنفسه} على هذا المحمل أن ما يلاقيه من المشاق لفائدة نفسه ليتأتى له الثبات على الإيمان الذي به ينجو من العذاب في الآخرة.
ويجوز أن يراد بالجهاد المعنى المنقول إليه في اصطلاح الشريعة وهو قتال الكفار لأجل نصر الإسلام والذبّ عن حوزته، ويكون ذكره هنا لإعداد نفوس المسلمين لما سيُلْجَأون إليه من قتال المشركين قبل أن يضطروا إليه فيكون كقوله تعالى: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} [الفتح: 16] ومناسبة التعرض له على هذا المحمل هو أن قوله: {فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] تضمن ترقبًا لوعد نصرهم على عدوهم فقُدم إليهم أن ذلك بعد جهاد شديد وهو ما وقع يوم بدر.
ومعنى {فإنما يجاهد لنفسه} على هذا المحمل هو معناه في المحمل الأول لأن ذلك الجهاد يدافع صدّ المشركين إياهم عن الإسلام، فكان الدوام على الإسلام موقوفًا عليه، وزيادة معنى آخر وهو أن ذلك الجهاد وإن كان في ظاهر الأمر دفاعًا عن دين الله فهو أيضًا به نصرهم وسلامة حياة الأحياء منهم وأهلهم وأبنائهم وأساس سلطانهم في الأرض كما قال تعالى: {وعَدَ الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيُمكِّنَنَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيُبدِّلَنَّهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55].
وقال علقمة بن شيبان التميمي:
ونقاتل الأعداء عن أبنائنا ** وعلى بصائرنا وإن لم نُبْصِر

والأوفق ببلاغة القرآن أن يكون المحملان مرادين كما قدمنا في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير.
والقصر المستفاد من {إنما} هو قصر الجهاد على الكون لنفس المجاهد، أي الصالح نفسه إذ العلة لا تتعلق بالنفس بل بأحوالها، أي جهاد لفائدة نفسه لا لنفع ينجر إلى الله تعالى، فالقصر الحاصل بأداة {إنما} قصر ادعائي للتنبيه إلى ما يغفلون عنه حين يجاهدون الجهاد بمعنييه من الفوائد المنجرة إلى أنفس المجاهدين ولذلك عقب الرد المستفاد من القصر بتعليله بأن الله غنيّ عن العالمين فلا يكون شيء من الجهاد نافعًا لله تعالى ولكن نفعة للأمة.
فموقع حرف التأكيد هنا هو موقع فاء التفريع الذي نبّه عليه صاحب دلائل الإعجاز وتقدّم غير مرة.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)}.
يجوز أن يكون عطفًا على جملة {أم حَسِب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} [العنكبوت: 4] لما تضمنته الجملة المعطوف عليها من التهديد والوعيد، فعطف عليها ما هو وعد وبشارة للذين آمنوا وعملوا الصالحات مع ما أفضى إلى ذكر هذا الوعد من قوله قبله {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} [العنكبوت: 6] فإن مضمون جملة {والذين ءامنوا وعملوا الصالحات} الآية يفيد بيان كون جهاد من جاهد لنفسه.
ويجوز أن تكون عطفًا على جملة {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} [العنكبوت: 6] وسلك بها طريق العطف باعتبار ما أومأ إليه الموصول وصلته من أن سبب هذا الجزاء الحسن هو أنهم آمنوا وعملوا الصالحات وهو على الوجه إظهار في مقام الإضمار لنكتة هذا الإيماء.
فالجزاء فضل لأن العبد إذا امتثل أمر الله فإنما دفع عن نفسه تبعة العصيان؛ فأما الجزاء على طاعة مولاه فذلك فضل من المولى، وغفران ما تقدم من سيئاتهم فضل عظيم لأنهم كانوا أحقاء بأن يؤاخذوا بما عملوه وبأن إقلاعهم عن ذلك في المستقبل لا يقتضي التجاوز عن الماضي لكنه زيادة في الفضل.
وانتصب {أحسنَ} على أنه وصف لمصدر محذوف هو مفعول مطلق من فعل {لنجزينهم}.
والتقدير: ولنجزينهم جزاءً أحسن.
وإضافته إلى {الذي كانوا يعملون} لإفادة عِظَم الجزاء كله فهو مقدَّر بأحسن أعمالهم.
وتقدير الكلام: لنجزينهم عن جميع صالحاتهم جزاء أحسن صالحاتهم.
وشمل هذا من يكونون مشركين فيؤمنون ويعملون الصالحات بعد نزول هذه الآية. اهـ.