فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ آمَنَّا بالله} [العنكبوت: 10].
دليل على القول باللسان، وعدم الصبر على الابتلاء، فالقول هنا لا يؤيده العمل، ولمثل هؤلاء يقول تعالى: {يا أيها الذين آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].
ويقول تعالى في صفات المنافقين: {إِذَا جَاءَكَ المنافقون قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فالله تعالى لا يُكذِّبهم في أن محمدًا رسول الله، إنما في شهادتهم أنه رسول الله؛ لأن الشهادة لابد لها أنْ يواطئ القلب اللسان، وهذه لا تتوفر لهم.
ومعنى: {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله} [العنكبوت: 10] أي: بسبب الإيمان بالله، فلم يفعل شيئًا يؤذى من أجله، إلا أنه آمن {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} [العنكبوت: 10] فتنة الناس أي: تعذيبهم له علىإيمانه كعذاب الله.
إذن: خاف عذاب الناس وسَّواه بعذاب الله الذي يحيق به إنْ كفر، وهذا غباء في المساواة بين العذابين؛ لأن عذاب الناس سينتهي ولو بموت المؤذي المعذِّب، أما عذاب الله في الآخرة فباقٍ لا ينتهي، والناس تُعذَّب بمقدار طاقتها، والله سبحانه يُعذب بمقدار طاقته تعالى وقدرته، إذن: فالقياس هنا قياس خاطئ.
وإنْ كانت هذه الآية قد نزلت في عياش بن أبي ربيعة، فالقاعدة الأصولية تقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكان عياش بن أبي ربيعة أخا عمرو بن هشام أبو جهل والحارث بن هشام من الأم التي هي أسماء.
فلما أنْ أسلم عياش ثم هاجر إلى المدينة فحزنت أمه أسماء، وقالت: لا يظلني سقف، ولا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا، ولا أغتسل حتى يعود عياش إلى دين آبائه، وظلت على هذه الحال التي وصفتْ ثلاثة أيام حتى عضَّها الجوع، فرجعت.
وكان ولداها الحارث وأبو جهل قد انطلقا إلى المدينة ليُقنعا عياشًا بالعودة لاسترضاء أمه، وظلا يُغريانه ويُرقّقان قلبه عليها، فوافق عياش على الذهاب إلى أمه، لكن رفض الردة عن الإسلام، فلما خرج الثلاثة من المدينة قاصدين مكة أوثقوه في الطريق، وضربه أبو جهل مائة جلدة، والحارث مائة جلدة.
لكن كان أبو جهل أرأف به من الحارث؛ لذلك أقسم عياش بالله لئن أدركه يومًا ليقتلنه حتى إنْ كان خارجًا من الحرم، وبعد أن استرضى عياش أمه عاد إلى المدينة، فقابل أخاه الحارث عند قباء، ولم يكن يعلم أنه قد أسلم فعاجله، ونفّذ ما توعده به فقتله، ووصل خبره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [النساء: 92].
ونزلت: {وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ آمَنَّا بالله فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} [العنكبوت: 10] أي: أراد أنْ يفرّ من عذاب الناس فكفر، ولم يُرد أن يفرّ من عذاب الله ويؤمن.
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} [العنكبوت: 10] أي: اجعلوا لنا سهمًا في المغنم {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين} [العنكبوت: 10] فالله سبحانه يعلم ما يدور في صدورهم وما يتمنونه لنا؛ ولذلك يقول سبحانه عنهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} [التوبة: 47].
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين}.
نعم، الحق سبحانه يعلم حال عباده حتى قبل أنْ يخلقوا، ويعلم ماذا سيحدث لهم، إنما هناك فَرْق بين علم مُسْبق على الحدث، وعِلْم بعد أنْ يقع الحدث نفسه؛ لأنه سبحانه لو قال: سأفعل بهم كذا وكذا؛ لأني أعلم ما يحدث منهم لقالوا: لا والله ما كان سيحدث منا شيء؛ لذلك يتركهم حتى يحدث منهم الفعل.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقَالَ الذين كَفَرُوا لِلَّذِينَ}.
وهذا لَوْن من ألوان الإيذاء أن يقول الذين كفروا للذين آمنوا {اتبعوا سَبِيلَنَا} [العنكبوت: 12] أي: ما نحن عليه من دين الآباء والأجداد، وما نحن عليه من عبادة الأصنام والأوثان، فنحن نعبد آلهة لا تكاليفَ لها ولا مطلوبات، وأنتم تعبدون إلهًا له منهج، وله مطلوبات بافعل كذا ولا تفعل كذا.
فالمعنى: {اتبعوا سَبِيلَنَا} [العنكبوت: 12] خُذوا الحكم منا {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] يعني: اعملوا على مسئوليتنا، وإنْ كانت عليكم خطايا سنحملها عنكم، وانظر هنا إلى غباء الكافر فقد آمن هو نفسه أن هذه خطيئة، ومع ذلك يتعرَّض لحملها، لكن كيف يحملها؟ وكيف يكون هو المسئول عنها أمام الله عز وجل حين يحاسبني ربي عليها ويعاتبني على اتباعي له؟ وهل للكافر شفاعة أو قوة يدافع عنها عني في الآخرة؟
لذلك يقول تعالى بعدها: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: 12] ويؤكد لنا سبحانه كذبهم أيضًا في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُا العذاب} [البقرة: 166].
ويقول التابعون: {رَبَّنَآ أَرِنَا الذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} [فصلت: 29].
فالمودة التي كانت بينهم في الدنيا تحولتْ إلى عداوة؛ لأنهم اجتمعوا في الدنيا على الضلال، فتفرقوا في الآخرة، كما قال سبحانه: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] فالمتقي ساعة يرى المتقي في الآخرة يشكره، ويعترف له بالجميل؛ لأنه أخذ على يديه في الدنيا، ومنعه من أسباب الهلاك، فيحبه ويثني عليه، وربما اعتبره عدوه في الدنيا، أما أهل الضلال فيلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض.
إذن: فغباء الكفار بيّن في قولهم: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] ، كما هو بيِّن في قولهم {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].
وكما هو بيِّن في قولهم: {لاَ تُنفِقُوا على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله} [المنافقون: 7] فهم يعرفون أنه رسول الله، ومع ذلك يمنعون الناس من الإنفاق على الفقراء الذين عنده، إنه غباء حتى في المواجهة.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}.
وفي موضع آخر: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]. فالأثقال هي الأوزار، فسيحملون أثقالًا على أثقالهم، وأوزارًا على أوزارهم، فالأثقال الأولى بسبب ضلالهم، والأثقال الأخرى بسبب إضلالهم للغير {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13] والافتراء: تعمُّد الكذب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)}.
قد تقدّم الكلام على فاتحة هذه السورة مستوفى في سورة البقرة والاستفهام في قوله: {أَحَسِبَ الناس} للتقريع، والتوبيخ و{أَن يُتْرَكُوا} في موضع نصب بحسب، وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قول سيبويه، والجمهور، و{أَن يَقُولُوا} في موضع نصب على تقدير: لأن يقولوا، أو بأن يقولوا، أو على أن يقولوا وقيل: هو بدل من أن يتركوا، ومعنى الآية: أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء {أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} أي وهم لا يبتلون في أموالهم، وأنفسهم، وليس الأمر كما حسبوا، بل لابد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان، واستبعاده، وبيان أنه لابد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها.
قال الزجاج: المعنى: أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم؟ وهو قوله: {أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}.
قال السدّي وقتادة ومجاهد: أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب، وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه، وظاهرها شمول كلّ الناس من أهل الإيمان، وإن كان السبب خاصًا فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرّة.
قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نازلة في سبب خاص، فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر، ونكاية العدوّ وغير ذلك.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي هذه سنة الله في عباده، وأنه يختبر مؤمني هذه الأمة كما اختبر من قبلهم من الأمم كما جاء به القرآن في غير موضع من قصص الأنبياء وما وقع مع قومهم من المحن وما اختبر الله به أتباعهم، ومن آمن بهم من تلك الأمور التي نزلت بهم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا} في قولهم: آمنا {وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} منهم في ذلك، قرأ الجمهور: {فليعلمنّ} بفتح الياء، واللام في الموضعين، أي ليظهرنّ الله الصادق والكاذب في قولهم ويميز بينهم، وقرأ عليّ بن أبي طالب في الموضعين بضم الياء وكسر اللام.
والمعنى: أي يعلم الطائفتين في الآخرة بمنازلهم، أو يعلم الناس بصدق من صدق، ويفضح الكاذبين بكذبهم، أو يضع لكلّ طائفة علامة تشتهر بها وتتميز عن غيرها.
{أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} أي يفوتونا، ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يعملون، وهو سادّ مسدّ مفعولي حسب، وأم هي المنقطعة {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك: وقال الزجاج: {ما} في موضع نصب بمعنى: ساء شيئًا أو حكمًا يحكمون.
قال: ويجوز: أن تكون {ما} في موضع رفع بمعنى: ساء الشيء، أو الحكم حكمهم، وجعلها ابن كيسان مصدرية، أي ساء حكمهم {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} أي من كان يطمع، والرجاء بمعنى: الطمع.
قاله سعيد بن جبير.
وقيل: الرجاء هنا بمعنى: الخوف.
قال القرطبي: أجمع أهل التفسير على أن المعنى: من كان يخاف الموت، ومنه قول الهذلي:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها. قال الزجاج: معنى من كان يرجو لقاء الله: من كان يرجو ثواب لقاء الله، أي: ثواب المصير إليه، فالرجاء على هذا معناه: الأمل {فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ} أي: الأجل المضروب للبعث آت لا محالة.
قال مقاتل: يعني يوم القيامة، والمعنى: فليعمل لذلك اليوم كما في قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا} [الكهف: 110] ومن في الآية التي هنا يجوز أن تكون شرطية.
والجزاء {فإن أجل الله لآت} ويجوز: أن تكون موصولة، ودخلت الفاء في جوابها تشبيهًا لها بالشرطية.
وفي الآية من الوعد والوعيد والترهيب والترغيب ما لا يخفى {وَهُوَ السميع} لأقوال عباده {العليم} بما يسرّونه وما يعلنونه.
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} أي من جاهد الكفار وجاهد نفسه بالصبر على الطاعات فإنما يجاهد لنفسه، أي ثواب ذلك له لا لغيره، ولا يرجع إلى الله سبحانه من نفع ذلك شيء {إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين} فلا يحتاج إلى طاعاتهم كما لا تضرّه معاصيهم.
وقيل: المعنى: ومن جاهد عدوّه لنفسه لا يريد بذلك وجه الله، فليس لله حاجة بجهاده، والأوّل أولى {والذين ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} أي: لنغطينها عنهم بالمغفرة بسبب ما عملوا من الصالحات {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي بأحسن جزاء أعمالهم.
وقيل: بجزاء أحسن أعمالهم، والمراد بأحسن: مجرّد الوصف لا التفضيل لئلا يكون جزاؤهم بالحسن مسكوتًا عنه.
وقيل: يعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن منه كما في قوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} انتصاب {حسنًا} على أنه نعت مصدر محذوف، أي إيصاء حسنًا على المبالغة، أو على حذف المضاف، أي ذا حسن.
هذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: تقديره: ووصينا الإنسان أن يفعل حسنًا، فهو مفعول لفعل مقدّر، ومنه قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ** ومن أبى دهماء إذ يوصينا

خيرًا بها كأنما خافونا

أي يوصينا أن نفعل بها خيرًا، ومثله قول الحطيئة:
وصيت من برّة قلبًا حرًّا ** بالكلب خيرًا والحمأة شرًّا

قال الزجاج: معناه: ووصينا الإنسان: أن يفعل بوالديه ما يحسن وقيل: هو صفة لموصوف محذوف، أي ووصيناه أمرًا ذا حسن، وقيل: هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين، أي ألزمناه حسنًا.
وقيل: منصوب بنزع الخافض، أي ووصيناه بحسن.
وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، أي يحسن حسنًا، ومعنى الآية: التوصية للإنسان بوالديه بالبرّ بهما، والعطف عليهما.
قرأ الجمهور: {حَسَنًا} بضم الحاء، وإسكان السين، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك بفتحهما، وقرأ الجحدري: {إحسانا} وكذا في مصحف أبيّ {وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} أي طلبًا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها، فلا تطعهما، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعبر بنفي العلم عن نفي الإله؛ لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له، فعدم جوازها مع مجرّد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه، فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صحّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها، فأجازي كلًا منكم بما يستحقه، والموصول في قوله: {والذين ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات} في محل رفع على الابتداء وخبره {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين} أي في زمرة الراسخين في الصلاح، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاشتغال، ويجوز أن يكون المعنى: لندخلنهم في مدخل الصالحين، وهو الجنة كذا قيل، والأوّل أولى.