فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله} أي في شأن الله ولأجله كما يفعله أهل الكفر مع أهل الإيمان، وكما يفعله أهل المعاصي مع أهل الطاعات من إيقاع الأذى عليهم لأجل الإيمان بالله والعمل بما أمر به {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} التي هي ما يوقعونه عليه من الأذى {كَعَذَابِ الله} أي جزع من أذاهم.
فلم يصبر عليه، وجعله في الشدّة والعظم كعذاب الله، فأطاع الناس كما يطيع الله.
وقيل: هو المنافق إذا أُوذي في الله رجع عن الدين فكفر.
قال الزجاج: ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ} أي نصر من الله للمؤمنين وفتح وغلبة للأعداء وغنيمة يغنمونها منهم {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي داخلون معكم في دينكم، ومعاونون لكم على عدوّكم، فكذبهم الله وقال: {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين} أي هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشرّ، فكيف يدّعون هذه الدعوى الكاذبة؟ وهؤلاء هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف، كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم.
وإذا ظهرت قوّة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن: {إِنَّا كُنَّا مَّعَكُمْ} وقيل: المراد بهذا وما قبله المنافقون.
قال مجاهد: نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم.
فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا.
وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون.
فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، والظاهر أن هذا النظم من قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ} إلى قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُوا} نازل في المنافقين لما يظهر من السياق، ولقوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده، أي ليميزنّ الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله.
والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عزّ وجلّ، وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام، وزعم أنه من المسلمين.
{وَقَالَ الذين كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اتبعوا سَبِيلَنَا} اللام في {للذين آمنوا} هي لام التبليغ، أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع، أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا، وادخلوا في ديننا {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث، والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم؛ فنؤاخذ به دونكم.
واللام في {لنحمل} لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك.
وقال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، ثم ردّ الله عليهم بقوله: {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَيْء} من الأولى بيانية.
والثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئًا من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال: {إِنَّهُمْ لكاذبون} فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوي: هذا التكذيب لهم من الله عزّ وجلّ حمل على المعنى؛ لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة {وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} أي أوزارًا مع أوزارهم.
وهي: أوزار من أضلوهم، وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله قوله سبحانه: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة} تقريعًا وتوبيخًا {عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا.
وقال مقاتل: يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {الم أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُوا} الآية قال: أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، قال: فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردّوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهدوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110].
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه.
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله: {الم أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُوا} الآية.
وأخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أوّل من أظهر الله إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر.
وسمية أم عمار، وعمار، وصهيب، وبلال، والمقداد.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلاّ وقد أتاهم على ما أرادوا إلاّ بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أَن يَسْبِقُونَا} قال: أن يعجزونا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أمي لا آكل طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى تكفر بمحمد، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} وأخرجه أيضًا الترمذي من حديثه، وقال: نزلت فيّ أربع آيات، وذكر نحو هذه القصة، وقال: حسن صحيح.
وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضًا.
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن ماجه وأبو يعلى، وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ ما وارى إبط بلال» وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} قال: يرتدّ عن دين الله إذا أوذي في الله. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)}.
ألف. لام. ميم:
الحروف المقطعة التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة الكتاب الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مؤلفًا من مثل هذه الحروف، المألوفة للقوم، الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاؤون من القول؛ ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب. لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان.
وقد قلنا من قبل: إن السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثًا عن القرآن، إما مباشرة بعد هذه الحروف، وإما في ثنايا السورة، كما هو الحال في هذه السورة. فقد ورد فيها: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب} {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} مما يتمشى مع القاعدة التي اخترناها لتفسير هذه الأحرف في افتتاح السور.
وبعد هذا الافتتاح يبدأ الحديث عن الإيمان، والفتنة التي يتعرض لها المؤمنون لتحقيق هذا الإيمان؛ وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والابتلاء:
{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
إنه الإيقاع الأول في هذا المقطع القوي من السورة. يساق في صورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان، وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان.
{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}.
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم. وهو فضل من الله من جانب، وعدل من جانب، وتربية للناس من جانب، فلا يأخذوا أحدًا إلا بما استعلن من أمره، وبما حققه فعله. فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!.
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين.
إن الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص. وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة، وعلى الأمن والسلامة، وعلى المتاع والإغراء. وإنها لأمانة الخلافة في الأرض، وقيادة الناس إلى طريق الله، وتحقيق كلمته في عالم الحياة. فهي أمانة كريمة؛ وهي أمانة ثقيلة؛ وهي من أمر الله يضطلع بها الناس؛ ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء.
ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله؛ ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة؛ ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان. وهذه هي الصورة البارزة للفتنة، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة. ولكنها ليست أعنف صور الفتنة. فهناك فتن كثيرة في صور شتى، ربما كانت أمر وأدهى.
هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعًا. وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم؛ وينادونه باسم الحب والقرابة، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك. وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير.
وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين، تهتف لهم الدنيا، وتصفق لهم الجماهير، وتتحطم في طريقهم العوائق، وتصاغ لهم الأمجاد، وتصفو لهم الحياة. وهو مهمل منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئًا.
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقًا في تيار الضلالة؛ وهو وحده موحش عريب طريد.
وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام. فتنة أن يجد المؤمن أممًا ودولًا غارقة في الرذيلة، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها، متحضرة في حياتها، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان. ويجدها غنية قوية، وهي مشاقة لله!.
وهنالك الفتنة الكبرى. أكبر من هذا كله وأعنف. فتنة النفس والشهوة. وجاذبية الأرض، وثقلة اللحم والدم، والرغبة في المتاع والسلطان، أو في الدعة والاطمئنان. وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس، وفي ملابسات الحياة، وفي منطق البيئة، وفي تصورات أهل الزمان!.
فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى. وكان الابتلاء أشد وأعنف. ولم يثبت إلا من عصم الله. وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير الإنسان.
وما بالله حاشا لله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء، وأن يؤذيهم بالفتنة. ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة. فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء.
والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع. وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل. وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات، فلا يبقى صامدًا إلا أصلبها عودًا؛ وأقواها طبيعة، وأشدها اتصالًا بالله، وثقة فيما عنده من الحسنيين: النصر أو الأجر، وهؤلاء هم الذين يسلَّمون الراية في النهاية. مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار.
وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن؛ وبما بذلوا لها من الصبر على المحن؛ وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات. والذي يبذل من دمه وأعصابه، ومن راحته واطمئنانه، ومن رغائبه ولذاته. ثم يصبر على الأذى والحرمان؛ يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل؛ فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام.