فصل: تفسير الآيات (19- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات [19- 23]:

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان التقدير: ألم تروا إلى مصارعهم؟ واتساق الحال في أمرهم؟ فيكفيكم ذلك زاجرًا، عطف عليه للدلالة على الرجوع إليه منكرًا قوله: {أو لم يروا} بالخطاب في قراءة حمزة والكسائي وفي رواية عن أبي بكر عن عاصم جريًا على النسق السابق، وبالغيب للباقين، إعراضًا للإيذان بالغضب {كيف يبدئ الله} أي الذي له كل كمال {الخلق} أي يجدد إبداءه في كل لحظة، وهو بالضم من أبدأ، وقرىء بالفتح من بدأ، وهما معًا بمعنى الإنشاء من العدم؛ قال القزاز: أبدأت الشيء أبدئه إبداء- إذا أنشأته، والله المبدىء أي الذي بدأ الخلق، يقال: بدأهم وأبدأهم، وفي القاموس: بدأ الله الخلق: خلقهم كأبدأ.
ورؤيتهم للإبداء موجودة في الحيوان للإبداء والإعادة في النبات، ولا فرق في الإعادة بين شيء وشيء فيكون قوله- {ثم يعيده} أي يجدد إعادته في كل لمحة- معطوفًا على {يبدئ} ولو لم يكن كذلك لكان عطفه عليه من حيث إن مشاهدة حال الابتداء جعلت مشاهدة لحال الإعادة من حيث إنه لا فرق، ولا حاجة حينئذ إلى تكلف عطفه على الجملة من أولها.
ثم حقر أمره بالنسبة إلى عظيم قدرته، فقال ذاكرًا نتيجة الأمر السابق: {إن ذلك} أي الإبداء والإعادة، وأكد لأجل إنكارهم {على الله يسير} لأنه الجامع لكل كمال، المنزه عن كل شائبة نقص.
ولما ساق العزيزالجليل هذا الدليل، عما حاج به قومه الخليل، انتهزت الفرصة في إرشاد نبيه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام، وذلك أنه لما استدل عليه السلام على الوحدانية المستلزمة للقدرة على المعاد بإبطال إلهية معبوداتهم المستلزم لإبطال كل ما شاكلها، فحصل الاستعداد للتصريح بأمر المعاد، فصرح به، كان ذلك فخرًا عظيمًا، ومفصلًا بينًا جسيمًا، لإقامة الحجة على قريش وسائر العرب، فانتهزت فرصته واقتحمت لجته، كما هي عادة البلغاء، ودأب الفصحاء الحكماء، لأن ذلك كله إنما سيق تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعظًا لقومه فقيل: {قل} أي يا محمد لهؤلاء الذين تقيدوا بما تقلدوا من مذاهب آبائهم من غير شبهة على صحته أصلًا: قد ثبت أن هذا كلام الله لما ثبت من عجزكم عن معارضته، فثبت أن هذا الدليل كلام أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنتم مصرحون بتقليد الآباء غير متحاشين من معرته ولا أب لكم أعظم من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإذا قلدتم من لا يفارقه في عبادة ما لا يضر ولا ينفع من غير شبهة أصلًا فقلدوا أباكم الأعظم في عبادة الله وحده لكونه أباكم، ولما أقام على ذلك من الأدلة التي لا مراء فيها قال: أو {سيروا} إن لم تقتدوا بأبيكم إبراهيم عليه السلام، وتتأملوا ما أقام من الدليل القاطع والبرهان الساطع {في الأرض} إن لم يكفكم النظر في أحوال بلادكم.
ولما كان السياق لإثبات الإلهية التي تجب المبادرة إلى تفريغ الفكر وتوجيه كل الذهن إلى الاستدلال عليها، عبر بالفاء المعقبة فقال: {فانظروا} أي نظر اعتبار {كيف بدأ} أي ربكم الذي خلقكم ورزقكم {الخلق} من الحيوانات والنبات من الزروع والأشجار، وغيرها مما تضمنته الجبال والسهول والأوعار، وهذا يدل على أن الأول فيما هو أعم من الحيوان، فتقريرهم على الإعادة فيه حسن.
ولما كان المقصود بالذات بيان الإعادة التي هي من أجل مقاصد السورة، لإظهار ما مضى أولها من العدل يوم الفصل، وكانوا بها مكذبين، بين الاهتمام بأمرها بإبراز الاسم الأعظم بعد تكريره في هذا السياق غير مرة، وأضمره في سياق البداءة لإقرارهم له بها، إشارة إلى أنه باطن في هذه الدار، ظاهر بجميع الصفات في تلك، فقال: {ثم الله} أي الحائز لجميع صفات الكمال فلا يفوته شيء، المتردي بالجلال، فاخشوا سطوته، واتقوا عقوبته ونقمته {ينشئ النشأة الآخرة} بعد النشأة الأولى.
ثم علل ذلك بقوله مؤكدًا تنزيلًا لهم منزلة المنكر لإنكارهم البعث: {إن الله} فكرر ذكره تنبيهًا بعد التيمن به على ما ذكره وعلى أنه في كل أفعاله لاسيما هذا مطلق غير مقيد بجهة من الجهات، ولا مشروط بأمر من الأمور {على كل شيء قدير} لأن نسبة الأشياء كلها إليه واحدة.
ولما ثبت ذلك، أنتج لا محالة قوله مهددًا بعد البيان الذي ليس بعده إلا العناد: {يعذب} بعدله {من يشاء} أي منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة، فلا يقدر أحد بشفاعة ولا غيرها على الحماية منه {ويرحم} بفضله {من يشاء} فلا يقدر أحد على أن يمسه بسوء {وإليه} أي وحده {تقلبون} أي بعد موتكم بأيسر سعي.
ولما لم يبق للقدرة على إعادتهم مانع يدعي إلا ممانعتهم منها، أبطلها على تقدير ادعائهم لها فقال: {وما أنتم} أي أجمعون العرب وغيرهم {بمعجزين} أي بواقع إعجازهم في بعثكم وتعذيبكم {في الأرض} كيفما تقلبتم في ظاهرها وباطنها.
ولما كان الكلام هنا له أتم نظر إلى ما بعد البعث، وكانت الأحوال هناك خارجة عما يستقل به العقل، وكان أثر القدرة أتم وأكمل، وأهم وأشمل، وكان بعض الأرواح يكون في السماء بعد الموت قال: {ولا في السماء} أي لو فرض انكم وصلتم إليها بعد الموت بالحشر أو قبله، لأن الكل بعض ملكه، فكيف يعجزه من في ملكه، ويمكن أن يكون له نظر إلى قصة نمرود في بنائه الصرح الذي أراد به التوصل إلى السماء لاسيما والآيات مكتنفة بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبلها ومن بعدها.
ولما اخبرهم أنهم مقدور عليهم، وكان ربما بقي احتمال أن غيرهم ينصرهم، صرح بنفيه فقال: {وما لكم} أي أجمعين أنتم وغيركم أيها المحشورون، وأشار إلى سفول رتبة كل من سواه بقوله: {من دون الله} أي الذي هو أعظم من كل عظيم؛ وأكد النفي بإثبات الجار فقال: {من ولي} أي قريب يحميكم لأجل القرابة {ولا نصير} لشيء غير ذلك لأنه لا كفوء له.
ولما كان التقدير: فالذين آمنوا بآيات ربهم ولقائه أولئك يرجون رحمتي وأولئك لهم نعيم مقيم، وكان قد أمرهم بالاستدلال، وهددهم ليرجعوا عن الضلال، بما أبقى للرجال بعض المحال، أتبعه ما قطعه، فقال عاطفًا على ذلك المقدر: {والذين كفروا} أي ستروا ما أظهرته لهم أنوار العقول {بآيات الله} أي دلائل الملك الأعظم المرئية والمسموعة التي لا أوضح منها {ولقائه} بالبعث بعد الموت الذي أخبر به وأقام الدليل على قدرته عليه بما لا أجلى منه {أولئك} أي البعداء البغضاء البعيدو الفهم المحطوطون عن رتبة الإنسان، بل رتبة مطلق الحيوان {يئسوا} أي تحقق يأسهم من الآن، بل من الأزل، لأنهم لم يرجوا لقاء الله يومًا؛ ولا قال أحد منهم {رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}.
ولما كان أكثرهم متعنتًا، بين أن المتكلم بهذا الكلام، العالي عن متناول الأنام، هو الله المنوه باسمه في هذا النظام، بالالتفات إلى أسلوب التلكم، تنبيهًا لمفات السامعين بما ملأ الصدور وقصم الظهور فقال: {من رحمتي} أي من أن أفعل بهم من الإكرام بدخول الجنة وغيرها فعل الراحم؛ وكرر الإشارة تفخيمًا للأمر فقال: {وأولئك} أي الذين ليس بعد بعدهم بعد، وتهكم بهم في التعبير بلام الملك التي يغلب استعمالهما في المحبوب فقال: {لهم عذاب أليم} أي مؤلم بالغ إيلامه في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال الفخر:

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)}.
لما بين الأصل الأول وهو التوحيد وأشار إلى الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله: {وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر، وقد ذكرنا مرارًا أن الأصول الثلاثة لا يكاد ينفصل بعضها عن بعض في الذكر الإلهي، فأينما يذكر الله تعالى منها اثنين يذكر الثالث.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
الإنسان متى رأى بدء الخلق حتى يقال: {أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىء الله}؟ فنقول المراد العلم الواضح الذي كالرؤية والعاقل بعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقًا أول، فهو من الله هذا إن قلنا إن المراد إثبات نفس الخلق، وإن قلنا إن المراد بالبدء خلق الآدمي أولًا وبالإعادة خلقه ثانيًا، فنقول العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام، ويخلقه من نطفة في غاية الإتقان والإحكام، فذلك الذي خلق أولًا معلوم ظاهر فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية، وقال: {أَوَ لَمْ يَرَوْا} أي ألم يعلموا علمًا ظاهرًا واضحًا {كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق} يخلقه من تراب يجمعه فكذلك يجمع أجزاءه من التراب ينفخ فيه روحه بل هو أسهل بالنسبة إليكم، فإن من نحت حجارات ووضع شيئًا بجنب شيء ففرقه أمر ما فإنه يقول وضعه شيئًا بجنب شيء في هذه النوبة أسهل علي لأن الحجارات منحوتة، ومعلوم أن آية واحدة منها تصلح لأن تكون بجنب الأخرى، وعلى هذا المخرج خرج كلام الله في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ} [الروم: 27] وإليه الإشارة بقوله: {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ}.
المسألة الثانية:
قال: {أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق} علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق وما قال: أو لم يروا أن الله خلق، أو بدأ الخلق، والكيفية غير معلومة؟ فنقول هذا القدر من الكيفية معلوم، وهو أنه خلقه ولم يكن شيئًا مذكورًا، وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة فإن الإعادة مثله.
المسألة الثالثة:
لم قال: {ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} فأبرز اسمه مرة أخرى، ولم يقل إن ذلك عليه يسير كما قال ثم يعيده من غير إبراز؟ نقول مع إقامة البرهان على أنه يسير فأكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضًا بكون ذلك يسيرًا، فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحي القادر، بقدرة كاملة، لا يعجزه شيء، العالم بعلم محيط بذرات كل جسم، نافذ الإرادة لا رادَّ لما أراده، يقطع بجواز الإعادة.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}.
الآية المتقدمة كانت إشارة إلى العلم الحدسي وهو الحاصل من غير طلب فقال: {أَوَ لَمْ يَرَوْا} على سبيل الاستفهام بمعنى استبعاد عدمه، وقال في هذه الآية إن لم يحصل لكم هذا العلم فتفكروا في أقطار الأرض لتعلموا بالعلم الفكري، وهذا لأن الإنسان له مراتب في الإدراك بعضهم يدرك شيئًا من غير تعليم وإقامة برهان له، وبعضهم لا يفهم إلا بإبانة وبعضهم لا يفهمه أصلًا فقال: إن كنتم لستم من القبيل الأول فسيروا في الأرض، أي سيروا فكركم في الأرض وأجيلوا ذهنكم في الحوادث الخارجة عن أنفسكم لتعلموا بدء الخلق وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال في الآية الأولى بلفظ الرؤية وفي هذه بلفظ النظر ما الحكمة فيه؟ نقول العلم الحدسي أتم من العلم الفكري كما تبين، والرؤية أتم من النظر لأن النظر يفضي إلى الرؤية، يقال نظرت فرأيت والمفضي إلى الشيء دون ذلك الشيء، فقال في الأول أما حصلت لكم الرؤية فانظروا في الأرض لتحصل لكم الرؤية.
المسألة الثانية:
ذكر هذه الآية بصيغة الأمر وفي الآية الأولى بصيغة الاستفهام لأن العلم الحدسي إن حصل فالأمر به تحصيل الحاصل، وإن لم يحصل فلا يحصل إلا بالطلب لأن بالطلب يصير الحاصل فكريًا فيكون الأمر به تكليف ما لا يطاق، وأما العلم الفكري فهو مقدور فورد الأمر به.
المسألة الثالثة:
أبرز اسم الله في الآية الأولى عند البدء حيث قال: {كَيْفَ يُبْدِىء الله} وأضمره عند الإعادة وفي هذه الآية أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة حيث قال: {ثُمَّ الله يُنشِىء} لأن في الآية الأولى لم يسبق ذكر الله بفعل حتى يسند إليه البدء فقال: {كَيْفَ يُبْدِىء الله} ثم قال: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} كما يقول القائل ضرب زيد عمرًا ثم ضرب بكرًا ولا يحتاج إلى إظهار اسم زيد اكتفاء بالأول، وفي الآية الثانية كان ذكر البدء مسندًا إلى الله فاكتفى به ولم يبرزه كقوله القائل أما علمت كيف خرج زيد، اسمع مني كيف خرج، ولا يظهر اسم زيد، وأما إظهاره عند الإنشاء ثانيًا حيث قال: {ثُمَّ الله يُنشِىء} مع أنه كان يكفي أن يقول: ثم ينشيء النشأة الآخرة، فلحكمة بالغة وهي ما ذكرنا أن مع إقامة البرهان على إمكان الإعادة أظهر اسمًا من يفهم المسمى به بصفات كماله ونعوت جلاله يقطع بجواز الإعادة فقال الله مظهرًا مبرزًا ليقع في ذهن الإنسان من اسمه كمال قدرته وشمول علمه ونفوذ إرادته ويعترف بوقوع بدئه وجواز إعادته، فإن قيل فلم لم يقل ثم الله يعيده لعين ما ذكرت من الحكمة والفائدة؟ نقول لوجهين أحدهما: أن الله كان مظهرًا مبرزًا بقرب منه وهو في قوله: {كَيْفَ يُبْدِىء الله الخلق} ولم يكن بينهما إلا لفظ الخلق وأما هاهنا فلم يكن مذكورًا عند البدء فأظهره وثانيهما: أن الدليل هاهنا تم على جواز الإعادة لأن الدلائل منحصرة في الآفاق وفي الأنفس، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا في الأفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ} [فصلت: 53] وفي الآية الأولى أشار إلى الدليل النفسي الحاصل لهذا الإنسان من نفسه، وفي الآية الثانية أشار إلى الدليل الحاصل من الآفاق بقوله: {قُلْ سِيرُوا في الأرض} وعندهما تم الدليلان، فأكده بإظهار اسمه، وأما الدليل الأول فأكده بالدليل الثاني، فلم يقل ثم الله يعيده.