فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعضهم في تغاير الدليلين: إن هذا عيني وذلك علمي أو هذا آفاقي والأول أنفسي.
وقرأ الزهري {كَيْفَ بَدَأَ الخلق} بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفًا ثم حذفها في الوصل.
قال أبو حيان: وهو تخفيف غير قياسي كما قال:
فارعي فزارة لا هناك المرتع

وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين {ثُمَّ الله يُنشِىء النشأة الآخرة} أي بعد النشأة الأولى التي شاهدتموها والنشأة الإيجاد والخلق، والتعبير عن الإعادة التي هي محل النزاع بالنشأة الآخرة المشعرة بكون البدء نشأة أولى للتنبيه على أنهما شأن واحد من شؤون الله تعالى حقيقة واسمًا من حيث أن كلًا منهما اختراع وإخراج من العدم إلى الوجود ولا فرق بينهما إلا بالأولية والأخروية كذا قيل.
والظاهر أنه مبني على أن الجسد يعدم الكلية ثم يعاد خلقًا جديدًا لا أنه تتفرق أجزاؤه ثم تجمع بعد تفرقها وإلى كل ذهب بعض، والأدلة متعارضة، والمسألة كما قال ابن الهمام عند المحققين ظنية.
وفي كتاب الاقتصاد في الاعتقاد لحجة الإسلام الغزالي:
فإن قيل: فما تقولون أتعدم الجواهر والأعراض ثم تعادان جميعًا أو تعدم الأعراض دون الجواهر وإنما تعاد الأعراض؟ قلنا: كل ذلك ممكن ولكن ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات انتهى، وذهب ابن الهمام إلى أن الحق وقوع الكيفيتين إعادة ما انعدم بعينه وتأليف ما تفرق من الأجزاء، وقد يقال: إن بدء الإنسان ونحوه ليس اختراعًا محضًا وإخراجًا من كتم العدم إلى الوجود في الحقيقة لما أنه مخلوق من التراب وسائر العناصر، والظاهر أن فناءه ليس عبارة عن صيرورته عدمًا محضًا بل هو عبارة عن انحلاله إلى ما تركب منه ورجوع كل عنصر إلى عنصره.
نعم لا شك في فناء بعض الأعراض وانعدامها بالكلية، وقد يستثنى منه بعض الأجزاء فلا ينحل إلى ما منه التركيب بل يبقى على ما كان عليه وهو عجب الذنب لظاهر حديث الصحيحين «ليس شيء من الإنسان لا يبلى إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة» وتأويله بما أوله به ملا صدرًا في أسفاره مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وحينئذٍ فالإعادة تكون بتركيب ما انحل من العناصر وضمه إلى هذا الجزء فلا تكون اختراعًا محضًا وإخراجًا من كتم العدم إلى الوجود في الحقيقة، لكن لكل من البدء والإعادة شبه تام بالاختراع والإخراج المذكور، وبه يصح أن يقال لكل اختراع وإخراج من العدم إلى الوجود فلا تغفل، والجملة معطوفة على جملة {سِيرُوا في الأرض} داخلة معها في حيز القول، ولا يضر تخالفهما خبرًا وإنشاءًا فإنه جائز بعد القول وماله محل من الإعراب، ولا يصح عطفها على بدأ الخلق لأنها لا تصلح أن تكون موقعًا للنظ أما إن كان بمعنى الإبصار فظاهر وأما إن كان بمعنى التفكر فلأن التفكير في الدليل لا في النتيجة، وإظهار الاسم الجليل وإيقاعه مبتدأ مع إضماره في بدأ لإبراز مزيد الاعتناء ببيان تحقق الإعادة بالإشارة إلى علة الحكم فإنه الاسم الجامع لصفات الكمال ونعوت الجلال وتكرير الإسناد ورد ما تقدم على مقتضى الظاهر فلا يحتاج للتوجيه، وكون المراد منه ليس إثبات الإعادة لمن أنكرها فلذا لم ينسج على هذا المنوال غير مسلم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير {النشاءة} بالمد وهما لغتان كالرأفة والرآفة والقصر أشهر، ومحلها النصب على أنها مصدر مؤكد لينشىء بحذف الزوائد والأصل الإنشاءة أو بحذف العامل أي ينشىء فينشأون النشأة الآخرة نحو {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} تعليل لما قبله بطريق التحقيق فإن من علم قدرته عز وجل على جميع الممكنات التي من جملتها الإعادة لا يتصور أن يتردد في قدرته سبحانه عليها ولا في وقوعها بعدما أخبر به، ثم اعلم أن أكثر المنكرين للبعث لا يقولون باستحالته كجمع النقيضين بل غاية ما عندهم استبعاده، والرد على هؤلاء بهذه الآيات ونحوها ظاهر لما فيها مما يزيل الاستبعاد من الإبداء الذي هو في الشاهد أشق من الإعادة، ومنهم من يقول باستحالته عقلًا فلا يصلح متعلقًا للقدرة، وهؤلاء هم القائلون باستحالة إعادة المعدوم، والرد عليهم بعد تسليم أن ما نحن فيه من إعادة المعدوم وليس من جمع المتفرق بإبطال ما استدلوا به على الاستحالة، وقد تكفلت الكتب الكلامية بذلك، وأما الرد عليهم بهذه الآيات ونحوها فلما فيها من الإشارة إلى تزييف أدلة الاستحالة فتدبر.
{يُعَذّبُ مَن يَشَاء} جملة مستأنفة لبيان ما بعد النشأة الآخرة أي يعذب بعد النشأة الآخرة من يشاء تعذيبه وهم المنكرون لها {وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} رحمته وهم المقرون بها {وَإِلَيْهِ} سبحانه لا إلى غيره {تُقْلَبُونَ} أي تردون، والجملة تقرير للإعادة وتوطئة لما بعد، وتقديم التعذيب لما أن الترهيب أنسب بالمقام من الترغيب.
{وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} له تعالى عن إجراء حكمه وقضائه عليكم {فِي الأرض وَلاَ في السماء} أي بالهرب في الأرض الفسيحة أو الهبوط في مكان بعيد الغور والعمق بحيث لا يوصل إليه فيها ولا بالتحصن في السماء التي هي أفسح منها أو التي هي أمنع لمن حل فيها عن أن تناله أيدي الحوادث فيما ترون لو استطعتم الرقي إليها كما في قوله تعالى: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُوا مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] أو البروج والقلاع المرتفعة في جهتها على ما قيل، وهو خلاف الظاهر، وقال ابن زيد والفراء: إن {فِى السماء} صلة موصول محذوف هو مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير ولا من في السماء بمعجز، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، وضعف بأن فيه حذف الموصول مع بقاء صلته وهو لا يجوز عند البصريين إلا في الشعر كقول حسان:
أمن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء

على ما هو الظاهر فيه، على أن ابن مالك اشترط في جوازه عطف الموصول المحذوف على موصول آخر مذكور كما في هذا البيت، وبأن فيه حذف الخبر أيضًا مع عدم الحاجة إليه، ولهذا جعل بعضهم الموصول معطوفًا على أنتم ولم يجعله مبتدأ محذوف الخبر ليكون العطف من عطف الجملة على الجملة، وزعم بعضهم أن الموصول محذوف في موضعين وأنه مفعول به لمعجزين وقال: التقدير وما أنتم بمعجزين من في الأرض أي من الإنس والجن ولا من في السماء أي من الملائكة عليهم السلام فكيف تعجزون الله عز وجل، ولا يخفى أن هذا في غاية البعد ولا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى.
وقيل ليس في الآية حذف أصلًا، والسماء هي المظلة إلا أن {أَنتُمْ} خطاب لجميع العقلاء فيدخل فيهم الملائكة ويكون السماء بالنظر إليهم والأرض بالنظر إلى غيرهم من الإنس والجن وهو كما ترى.
{وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ} يحرسكم من بلاء أرضي أو سماوي {وَلاَ نَصِيرٍ} يدفعه عنكم.
{والذين كَفَرُوا بآيات الله} أي بدلائله التكوينية والتنزيلية الدالة على ذاته وصفاته وأفعاله، فيدخل فيها النشأة الأولى الدالة على صحة البعث والآيات الناطقة به دخولًا أوليًا، وتخصيصها بدلائل وحدانيته تعالى لا يناسب المقام {وَلِقَائِهِ} الذي تنطق به تلك الآيات {أولئك} الموصوفون بما ذكر من الكفر بآياته تعالى ولقائه عز وجل: {يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِى} أي ييأسون منها يوم القيامة على أنه وعيد، وإلا فالكافر لا يوصف باليأس في الدنيا لأنه لا رجاء له، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق، وجوز أن يكون المراد إظهار مباينة حالهم وحال المؤمنين لأن حال المؤمن الرجاء والخشية وحال الكافر الاغترار واليأس فهو لا يخطر بباله رجاءً ولا خوفًا؛ إن أخطر المخوف بباله كان حاله اليأس بدل الخوف وإن أخطر المرجو كان حاله الاغترار بدل الرجاء، فكأنه تنصيص على كفرهم وتعريف لحالهم، وأن يكون الكلام على الاستعارة شبهوا بالآيسين من الرحمة وهم الذين ماتوا على الكفر لأنه ما دامت الحياة لا يتحقق اليأس من الرحمة لرجاء الإيمان، أو من قدر آيسًا من الرحمة على الفرض دلالة على توغلهم في الكفر وعدم ارعوائهم.
وقرأ الذماري: وأبو جعفر، {ييسوا} بغير همز بل بياء بدل الهمزة {رَّحْمَتِى وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في تكرير اسم الإشارة وتكرير الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالأليم من الدلالة على فظاعة حالهم ما لا يخفى.
لكن قال الإمام: إنه تعالى أضاف الرحمة إلى نفسه عز وجل دون العذاب ليؤذن بأن رحمته جل وعلا سبقت غضبه سبحانه، وأنت تعلم أن في الآية على هذا دلالة على سوء حالهم أيضًا لإفادتها أنهم حرموا تلك الرحمة العظيمة بما ارتكبوه من العظائم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}.
يجري هذا الكلام على الوجهين المذكورين في قوله: {وإن تكذبوا} [العنكبوت: 18].
ويترجح أن هذا مسوق من جانب الله تعالى إلى المشركين بأن الجمهور قرأوا {أو لم يروا} بياء الغيبة ولم يجر مثل قوله: {وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم} [العنكبوت: 18].
ومناسبة التعرض لهذا هو ما جرى من الإشارة إلى البعث في قوله: {وإليه ترجعون} [العنكبوت: 17] تنظيرًا لحال مشركي العرب بحال قوم إبراهيم.
وقرأ الجمهور {أو لم يروا} بياء الغائب والضمير عائد إلى {الذين كفروا} [العنكبوت: 12] في قوله: {وقال الذين كفروا للذين ءامنوا} [العنكبوت: 12] ، أو إلى معلوم من سياق الكلام.
وعلى وجه أن يكون قوله: {وإن تكذبوا} [العنكبوت: 18] الخ خارجًا عن مقالة إبراهيم يكون ضمير الغائب في {أو لم يروا} التفاتًا.
والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لنكتة إبعادهم عن شرف الحضور بعد الإخبار عنهم بأنهم مُكذبون.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف {أو لم تروا} بالفوقية على طريقة {وإن تُكذبوا} [العنكبوت: 18] على الوجهين المذكورين.
والهمزة للاستفهام الإنكاري عن عدم الرؤية، نزلوا منزلة من لم ير فأنكر عليهم.
والرؤية يجوز أن تكون بصرية، والاستدلال بما هو مشاهد من تجدد المخلوقات في كل حين بالولادة وبروز النبات دليل واضح لكل ذي بصر.
وإبداء الخلق: بَدْؤُه وإيجاده بعد أن لم يكن موجودًا.
يقال: أبدأ بهمزة في أوله وبدأ بدونها وقد وردا معًا في هذه الآية إذ قال: {كيف يُبدىء الله الخلق} ثم قال: {فانظروا كيف بدأ الخلق} [العنكبوت: 20] ولم يجىء في أسمائه تعالى إلا المُبْدِىء دون البادىء.
وأحسب أنه لا يقال: {أبدأ} بهمز في أوله إلا إذا كان معطوفًا عليه {يُعيد} ولم أر من قيده بهذا.
و{الخلق} مصدر بمعنى المفعول، أي المخلوق كقوله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان: 11].
وجيء {يبدىء} بصيغة المضارع لإفادة تجدد بدء الخلق كلما وجه الناظر بصره في المخلوقات، والجملة انتهت بقوله: {يبدىء الله الخلق}.
وأما جملة {ثم يعيده} فهي مستأنفة ابتدائية فليست معمولة لفعل {يروا} لأن إعادة الخلق بعد انعدامه ليست مرئية لهم ولا هم يظنونها فتعين أن تكون جملة {ثم يعيده} مستقلة معترضة بين جملة {أو لم يروا} وجملة {قل سيروا في الأرض}.
و{ثم} للتراخي الرتبي لأن أمر إعادة الخلق أهمّ وأرفع رتبة من بدئه لأنه غير مشاهد ولأنهم ينكرونه ولا ينكرون بدء الخلق قال في الكشاف: هو كقولك: ما زلت أوثر فلانًا وأستخلفه على من أخلِّفه يعني فجملة: وأستخلفه، ليست معطوفة على جملة: أوثر، ولا داخلة في خبر: ما زلت، لأنك تقوله قبل أن تستخلفه فضلًا عن تكرر الاستخلاف منك.
هذه طريقة الكشاف وهو يجعل موقع {ثم يعيده} كموقع التفريع على الاستفهام الإنكاري.
واعلم أن هذين الفعلين {يبدىء ويعيد} وما تصرف منهما مما جرى استعمالهما متزاوجين بمنزلة الاتباع كقوله تعالى: {وما يبدىء الباطل وما يُعيد} في سورة [سبأ: 49].
قال في الكشاف في سورة سبأ: فجعلوا قولهم: لا يبدىء ولا يعيد، مثلًا في الهلاك، ومنه قول عبيد:
فاليوم لا يبدي ولا يعيد

ويقال: أبدأ وأعاد بمعنى تصرف تصرفًا واسعًا، قال بشار:
فهمومي مُظِلة ** بادِئاتتٍ وعودا

ويجوز أن تكون الرؤية علمية متعدية إلى مفعولين: أنكر عليهم تركهم النظر والاستدلال الموصّل إلى علم كيف يُبدىء الله الخلق ثم يعيده لأن أدلة بدء الخلق تفضي بالناظر إلى العلم بأن الله يعيد الخلق فتكون {ثم} عاطفة فعل {يعيده} على فعل {يبدىء} والجميع داخل في حيز الإنكار.
و{كيف} اسم استفهام وهي معلِّقة فعل {يروا} عن العمل في معموله أو معموليه.
والمعنى: ألم يتأملوا في هذا السؤال، أي في الجواب عنه.
والاستفهام ب {كيف} مستعمل في التنبيه ولفت النظر لا في طلب الإخبار.
وجملة {إن ذلك على الله يسير} مبينة لما تضمنه الاستفهام من إنكار عدم الرؤية المؤدية إلى العلم بوقوع الإعادة، إذ أحالوها مع أن إعادة الخلق إن لم تكن أيسر من الإعادة في العرف فلا أقل من كونها مساوية لها وهذا كقوله تعالى: {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27].
والإشارة ب {ذلك} إلى المصدر المفاد من {يعيده} مثل عود الضمير على نظيره في قوله: {وهو أهون عليه} [الروم: 27].
ووجه توكيد الجملة ب {إن} ردُّ دعواهم أنه مستحيل.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}.
اعتراض انتقالي من الإنكار عليهم ترك الاستدلال بما هو بمرأى منهم، إلى إرشادهم للاستدلال بما هو بعيد عنهم من أحوال إيجاد المخلوقات وتعاقب الأمم وخلف بعضها عن بعض، فإن تعوُّد الناس بما بين أيديهم يصرف عقولهم عن التأمل فيما وراء ذلك من دلائل دقائقها على ما تدل عليه، فلذلك أمر الله رسوله أن يدعوهم إلى السير في الأرض ليشاهدوا آثار خلق الله الأشياء من عدم فيوقنوا أن إعادتها بعد زوالها ليس بأعجب من ابتداء صنعها.
وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمّة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوِيَّاتها ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها فيرى كثيرًا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جَوَلانًا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبًا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال، فالسيرُ في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة.