فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يعني: ثوابا أفضل من أعمالهم، لكل حسنة عشرة وأكثر.
ويقال: {لنجزينهم}.
يعني: لنثيبنهم أحسن الذي كانوا يعملون، أي أفضل من أعمالهم، يعني: يجازيهم بأحسن أعمالهم الذي كانوا يعملون في الدنيا، فذلك قوله عز وجل: {ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} يعني: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن، يعني: برا بهما.
وقال الكلبي: نزلت الآية في سعد بن أبي وقاص لما أسلم قالت له أمه: يا سعد بلغني أنك صبوت إلى دين محمد، فوالله لا يظلني سقف بيت، وإن الطعام والشراب علي حرام حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى دينك الذي كنت عليه فأبى عليها ذلك، فثبتت على حالها لا تطعم ولا تشرب، ولا تسكن بيتا، فلما خلص إليها الجوع لم تجد بدا من أن تأكل وتشرب، فحث الله سعد بالبر إلى أمه، ونهاه أن يطيعها على الشرك فقال: {وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم} أي: ما ليس لك به حجة يعني: الشرك {فلا تطعهما} في الشرك، ثم حذره ليثبت على الإسلام فقال: {إلي مرجعكم} يعني: مصيركم في الآخرة {فأنبئكم بما كنتم تعملون} يعني: أخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر، وأثيبكم على ذلك.
ثم قال عز وجل: {والذين ءامنوا} يعني: أقروا وصدقوا بوحدانية الله تعالى وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم {وعملوا الصالحات} يعني: الطاعات فيما بينهم وبين ربهم {لندخلنهم في الصالحين} أي: مع الأنبياء والرسل عليهم السلام في الجنة.
ويقال: لندخلنهم في جملة الصالحين، ونحشرهم مع الصالحين قوله عز وجل: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله} نزلت في عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فجزعت أمه من ذلك جزعا شديدا.
فقالت لأخويه: أبي جهل بن هشام والحارث بن هشام، وهما أخواه لأمه، وأبناء عمه، فخرجوا في طلبه، فظفروا به.
وقالوا له: إن بر الوالدة واجب، فعليك أن ترجع فتبرها، فإنها حلفت أن لا تأكل ولا تشرب، وأنت أحب الأولاد إليها، فلم يزالوا به حتى تتابعهم، فجاؤوا به إلى أمه، فعمدت أمه فقيدته، وقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد، وضربوه حتى رجع إلى دينهم فنزل {ومن الناس من يقول ءامنا بالله} {فإذا أوذى في الله} يعني: عذب في دين الله عز وجل: {جعل فتنة الناس} يعني: عذاب إخوته في الدنيا {كعذاب الله} في الآخرة ويقال نزلت في قوم من المسلمين أخذوهم إلى مكة، وعذبوهم حتى ارتدوا فنزل {من الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} يعني: جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله فينبغي للمسلم أن يصبر على إيذائه في الله، وصارت الآية لجميع المسلمين ليصبروا على ما أصابهم في الله عز وجل.
ثم قال: {ولئن جاء نصر من ربك} يعني: لو يجيء نصر من الله عز وجل بظهور الإسلام والغلبة على العدو بمكة وغيرها {ليقولن إنا كنا معكم} أي: على دينكم {أوليس الله بأعلم} يعني: أوليس الله عليم {بما في صدور العالمين} من التصديق والتكذيب أعلم بمعنى عليم يعني: هو عليم بما في قلوب الخلق ويقال: معناه هو أعلم بما في صدورهم منهم.
أي: بما في صدور أنفسهم {وليعلمن الله الذين ءامنوا} يعني: ليميزن الله الذين ثبتوا على دين الإسلام {وليعلمن المنافقين} يعني: ليميزن المنافقين الذين لم يكن إيمانهم حقيقة قوله عز وجل: {وقال الذين كفروا} أي: جحدوا وأنكروا {للذين ءامنوا} وذلك: أن أبا سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن شيبة، قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أو خباب بن الأرت، وأناس آخرين من المسلمين: {اتبعوا سبيلنا} يعني: ديننا الذي نحن عليه، واكفروا بمحمد ودينه {ولنحمل خطاياكم} يعني: نحن الكفلاء لكم بكل تبعة من الله عز وجل تصيبكم، وأهل مكة شهداء علينا يقول الله عز وجل: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شىء} يعني: لا يقدرون أن يحملوا خطاياهم.
يعني: وبال خطاياهم عنهم، ولا يدفعون عنهم، لأنهم لو استطاعوا أن يدفعوا لدفعوا عن أنفسهم {وإنهم لكاذبون} في مقالتهم ثم قال عز وجل: {وليحملن أثقالهم} يعني: يحملون من أوزار الذين يضلونهم من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيء، وهذا كقوله عز وجل: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون} [النحل: 25] وهذا كما روي في الخبر من سن سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن} يعني: عما يقولون من الكذب.
قوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} يدعوهم إلى الإسلام، ويحذرهم وينذرهم، فأبوا أن يجيبوه فكذبوه {فأخذهم الطوفان} يعني: الغرق {وهم ظالمون} وقال القتبي: الطوفان المطر الشديد، وكذلك الموت إذا كثر.
وقال مقاتل: الطوفان ما طغى فوق كل شيء.
وقال بعض أهل اللغة: هذا الاشتقاق غير صحيح، لأنه لو كان هذا.
لقال: طغوان لأنه يقال: طغى يطغو.
وقال بعضهم: هذا على وجه القلب، كما يقال: جذب وجبذ.
ويقال: أصله من الطوف، أي: سار وطاف في الأرض.
وقال الزجاج: الطوفان من كل شيء ما كان كثيرا كالقتل الذريع الكثير، يسمى طوفان.
ثم قال عز وجل: {فأنجيناه} يعني: نوحا عليه السلام {وأصحاب السفينة} من الغرق {وجعلناها ءاية للعالمين} يعني: جعلنا السفينة عبرة لمن بعدهم، وقد بقيت السفينة على الجودي إلى وقت قريب من وقت خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك علامة وعبرة لمن رآها، ومن لم يرها، لأن الخبر قد بلغه.
ويقال: رسم السفينة التي بقيت بين الخلق وقت نوح، وتجري في البحر علامة للعالمين.
قوله عز وجل: {وإبراهيم} يعني: أرسلنا إبراهيم عطفا على قوله: {ولقد أرسلنا نوحا} ويقال: معناه واذكر إبراهيم {إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} يعني: وحدوا الله عز وجل، {واتقوه} يعني: اخشوه ولا تعصوه {ذلكم خير لكم} يعني: التوحيد وعبادة الله عز وجل خير من عبادة الأوثان {إن كنتم تعلمون}.
قوله عز وجل: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا} يعني: أصناما {وتخلقون إفكا} يعني: تعملونها بأيديكم، ثم يقولون إنها آلهة ويقال تتخذونها آلهة كذبا ثم قال: {إن الذين تعبدون من دون الله} وهي الأصنام {لا يملكون لكم رزقا} يعني: لا يقدرون أن يعطوكم مالا، ولا يقدرون أن يرزقوكم {فابتغوا عند الله الرزق} يعني: الله عز وجل، هو الذي يملك رزقكم، فاطلبوا الرزق من الله عز وجل: {واعبدوه واشكروا له} أي: وحدوه واشكروا له في النعم، فإن مصيركم إليه {إليه ترجعون} بعد الممات.
قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: قل لأهل مكة {وإن تكذبوا} بما أخبرتكم من قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام {فقد كذب أمم من قبلكم} يعني: كذبوا رسلهم {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} يعني: إلا أن يبلغ الرسالة، ويبين أمر العذاب.
ويقال: إلا أن يبلغ الرسالة، ويبين مراد الرسالة.
ثم قال الله عز وجل: {أو لم يروا} قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر {أو لم تروا} بالتاء على معنى المخاطبة.
يعني: قل لهم يا محمد أو لم تروا، وقرأ الباقون بالياء.
ومعناه: يا محمد أو لم يروا هؤلاء الكفار {كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده} يعني: يخلقهم في الابتداء، ولم يكونوا نسيا، ثم يعيدهم كما خلقهم {إن ذلك على الله يسير} يعني: إن الذي خلق الخلق، يقدر أن يعيدهم، وهو عليه هين قوله عز وجل: {قل سيروا في الأرض} يعني: سافروا في الأرض.
يعني: فتعتبروا في أمر البعث.
ويقال: سيروا في الأرض.
يعني: اقرؤوا القرآن {فانظروا} أي فاعتبروا {كيف بدأ الخلق} يعني: كيف خلق الخلق {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} يعني: يحييهم بعد الموت للمبعث {إن الله على كل شيء قدير} من أمر البعث وغيره.
ثم قال عز وجل: {يعذب من يشاء} يعني: يخذل من يشاء ولا يهدي من لم يكن أهلا لذلك.
{ويرحم من يشاء} أي يهديه إن كان أهلا كذلك {وإليه تقلبون} يعني: ترجعون إليه في الآخرة قوله عز وجل: {وما أنتم بمعجزين في الأرض} يعني: لا تهربون منه ولا تفوتونه {ولا في السماء} يعني: إن كنتم في الأرض، ولا في السماء لا يقدرون أن يهربوا منه {وما لكم من دون الله} يعني: من عذاب الله {من ولى} يعني: من قريب ينفعكم {ولا نصير} يعني: ولا مانع يمنعكم من عذاب الله عز وجل.
ثم قال عز وجل: {والذين كفروا بئايات والله} بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {ولقائه} يعني: كفروا بالبعث بعد الموت {أولئك يئسوا من رحمتى} يعني: من جنتي {وأولئك لهم عذاب أليم} في الآخرة، ثم رجع إلى قصة إبراهيم.
حيث قال لقومه: {اعبدوا الله واتقوه} قوله عز وجل: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار} وفي الآية مضمر ومعناه: فقذفوه في النار، فأنجاه الله من النار فلم تحرقه، وجعلها بردا وسلاما {إن في ذلك} أي فيما أنجاه الله من النار بعدما قذفوه فيها {لايات} يعني: لعبرات {لقوم يؤمنون} يعني: يصدقون بتوحيد الله تعالى فقال لهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا} يعني: إنما عبدتم من دون الله أوثانا يعني: أصناما {مودة بينكم} على عبادة أصنامكم.
قرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، {مودة} بنصب الهاء مع التنوين {بينكم} بنصب النون.
يعني: اتخذتم أوثانا آلهة مودة بينكم على عبادتها صار نصبا لوقوع الفعل عليه.
وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص مودة بنصب الهاء بغير التنوين بينكم بكسر النون على معنى الإضافة، وقرأ الباقون مودة بالضم بينكم بالكسر.
وروي عن الفراء أنه قال: إنما صار المودة رفعا بالصفة بقوله عز وجل: {وقال إنما اتخذتم} وينقطع الكلام عند قوله: {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا} ثم يبين ضرر مودتهم في الحياة الدنيا فقال تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض} يعني: ليس مودتكم تلك الأصنام بشيء، لأن مودة ما بينكم في الحياة الدنيا تنقطع، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، يعني: الأصنام من العابد، والشياطين ممن عبدها.
ويقال يعني: الأتباع والقادة تتبرأ القادة من الأتباع {ويلعن بعضكم بعضا} يعني: الأتباع يلعنون القادة، والعابد يلعن المعبود {ومأواكم النار} يعني: مصيركم إلى النار {وما لكم من ناصرين} يعني: مانعين من عذاب الله عز وجل.
قوله عز وجل: {فئامن له لوط} يعني: صدق لوط إبراهيم عليهما السلام على الهجرة.
ويقال: صدقه بالنبوة حين لم تحرقه النار {وقال} إبراهيم {إنى مهاجر إلى ربى} يعني: إلى رضاء ربي وطاعة ربي.
ويقال: إلى أرض مصر في أرض ربي، فهجر قومه الكافرون وخرج إلى الأرض المقدسة، ومعه سارة ثم قال: {إنه هو العزيز} في ملكه {الحكيم} في أمره.
ويقال: حكيم حكم أن من لم يقدر في بلدة على طاعة الله عز وجل فليخرج إلى بلدة أخرى.
قوله عز وجل: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} يعني: المهاجر إلى طاعة الله عز وجل أكرمه الله في الدنيا وأعطاه ذرية طيبة، وهو ولده إسحاق، وولد ولده يعقوب عليهم السلام ووهب له أربعة أولاد: إسحاق من سارة، وإسماعيل من هاجر، ومدين ومداين من غيرهما {وجعلنا في ذريته النبوة} يعني: من ذرية إبراهيم النبوة والكتاب يعني أكرم الله عز وجل ذريته بالنبوة، وأعطاهم الصحف.
ويقال: أخرج من ذريته ألف نبي {والكتاب} يعني: الزبور والتوراة والإنجيل والفرقان {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} يعني: أعطيناه في الدنيا الثناء الحسن {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} يعني: مع النبيين في الجنة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{الم أحسب}.
أظن وأصله من الحساب {الناس} يعني الذين جزعوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين {أن يتركوا} بغير اختبار ولا ابتلاء بأن قالوا: {آمنا} كلا لنختبرنهم لنتبين الصادق من الكاذب، {إن} الأولى منصوبة ب {أحسبت} والثانية خفض بنزع الخافض، أي لأن يقولوا، والعرب لا تقول: تركت فلانا أن يذهب، إنما تقول: تركته يذهب، معه جوابان: أحدهما يشتركوا لأن يقولوا، والثاني: على التكرير تقديره: {أحسب الناس أن يتركوا} أحسبوا {أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} لا يبتلون ليظهر المخلص من المنافق، وقيل: {يفتنون} يصابون بشدائد الدنيا، يعني: أن البلاء لا يدفع عنهم في الدنيا لقولهم: {آمنا}.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن جريج وابن عمير: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله.
وقال الشعبي: نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إنه لا يقبل منكم إقرار بإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عائدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا، فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله سبحانه فيهم هاتين الآيتين، وقال مقاتل: نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يومئذ سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة»، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية وأخبر أنه لابد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى، وقيل: {وهم لا يفتنون} بالأوامر والنواهي.