فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون}.
الحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن بخلاف الشك فهو الوقوف بينهما، والعلم فهو القطع على أحدهما، ولا يصح تعليقهما بمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل.
فلو قلت حسبت زيدا وظننت الفرس لم يكن شيئا حتى تقول حسبت زيدا عالما وظننت الفرس جوادا لأن قولك زيد عالم والفرس جواد كلام دال على مضمون، فإذا أردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظن لا اليقين أدخلت على شطري الجملة فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك والكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان هنا {أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون} وذلك أن تقديره: أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا؟ فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم {آمنا} هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقول عنترة:
فتركنه جزر السباع ينشنه

ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم {آمنا} على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام وهو استفهام توبيخ.
والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ومصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم.
وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين، أو في عمار بن يا سر وكان يعذب في الله.
{ولقد فتنا} اختبرنا وهو موصول ب {أحسب} أو ب {لا يفتنون} {الذين من قبلهم} بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه {فليعلمن الله} بالامتحان {الذين صدقوا} في الإيمان {وليعلمن الكاذبين} فيه.
ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجودا عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد، والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب.
قال ابن عطاء: يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين {أم حسب الذين يعملون السيئات} أي الشرك والمعاصي {أن يسبقونا} أي يفوتونا يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة، واشتمال صلة {أن} على مسند ومسند إليه سد مسد مفعولين كقوله: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} [البقرة: 214] ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر و{أم} منقطعة، ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه.
وقالوا: الأول في المؤمنين وهذا في الكافرين {ساء ما يحكمون} {ما} في موضع رفع على معنى ساء الحكم حكمهم، أو نصب على معنى ساء حكما يحكمون، والمخصوص بالذم محذوف أي بئس حكما يحكمونه حكمهم {من كان يرجو لقاء الله} أي يأمل ثوابه أو يخاف حسابه فالرجاء يحتملها {فإن أجل الله} المضروب للثواب والعقاب {لأت} لا محالة فليبادر للعمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله {وهو السميع} لما يقوله عباده {العليم} بما يفعلونه فلا يفوته شيء ما.
وقال الزجاج: و{من} للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط {فإن أجل الله لات} كقولك إن كان زيد في الدار فقد صدق الوعد.
{ومن جاهد} نفسه بالصبر على طاعة الله أو الشيطان بدفع وساوسه أو الكفار {فإنما يجاهد لنفسه} لأن منفعة ذلك ترجع إليها {إن الله لغنى عن العالمين} وعن طاعتهم ومجاهدتهم، وإنما أمر ونهى رحمة لعباده {والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم} أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة {ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.
{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه.
يقال: وصيت زيدا بأن يفعل خيرا كما تقول: أمرته بأن يفعل.
ومنه قوله: {ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 132] أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها، وقولك: وصيت زيدا بعمرو معناه وصيته بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك.
وكذلك معنى قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} ووصيناه بإيتاء والديه حسنا أو بإيلاء والديه حسنا أي فعلا ذا حسن، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله: {وقولوا للناس حسنا} [البقرة: 83] ويجوز أن يجعل {حسنا} من باب قولك زيدا بإضمار اضرب إذا رأيته متهيئا للضرب فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال: قلنا أولهما معروفا ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه، وعلى هذا التفسير إن وقف على {بوالديه} وابتدىء {حسنا} حسن الوقف، وعلى التفسير الأول لابد من إضمار القول معناه وقلنا {وإن جاهداك} أيها الإنسان {لتشرك بى ما ليس لك به علم} أي لا علم لك بإلهيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: لتشرك بي شيئا لا يصح أن يكون إلها {فلا تطعهما} في ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق {إلي مرجعكم} مرجع من آمن منكم ومن أشرك {فأنبئكم بما كنتم تعملون} فأجازيكم حق جزائكم، وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك وحث على الثبات والاستقامة في الدين.
روي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم نذرت أمه أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرتد فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، والتي في لقمان والتي في الأحقاف.
{والذين ءامنوا وعملوا الصالحات} هو مبتدأ والخبر {لندخلنهم في الصالحين} في جملتهم.
والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين وهو متمنى الأنبياء عليهم السلام قال سليمان عليه السلام {وأدخلنى برحمتك في عبادك الصالحين} [النمل: 19] وقال يوسف عليه السلام {توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين} أ [يوسف: 101] وفي مدخل الصالحين وهو الجنة.
ونزلت في المنافقين {ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله} أي إذا مسه أذى من الكفار {جعل فتنة الناس كعذاب الله} أي جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله تعالى: {ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم} أي وإذا نصر الله المؤمنين وغنمهم اعترضوهم وقالوا: إنا كنا معكم أي متابعين لكم في دينكم ثابتين عليه بثباتكم فأعطونا نصيبنا من الغنم {أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} أي هو أعلم بما في صدور العالمين من العالمين بما في صدورهم ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق وما في صدور المؤمنين من الإخلاص، ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين بقوله: {وليعلمن الله الذين ءامنوا وليعلمن المنافقين} أي حالهما ظاهرة عند من يملك الجزاء عليهما {وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} أمروهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم.
والمعنى تعليق الحمل بالاتباع أي إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم، وهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون} لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف {وليحملن أثقالهم} أي أثقال أنفسهم يعني أوزارهم بسبب كفرهم {وأثقالا مع أثقالهم} أي أثقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سببا في ضلالهم وهو كما قال: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} [النحل: 25] {وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون} يختلقون من الأكاذيب والأباطيل.
{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} كان عمره ألفا وخمسين سنة؛ بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين.
وعن وهب أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة فقال له ملك الموت: يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان دخلت وخرجت.
ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة لأنه لو قيل كذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل هنا فكأنه قيل: تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة، ولأن القصة سيقت لما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه السلام فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض.
وجيء بالمميز أولا بالسنة ثم بالعام، لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة {فأخذهم الطوفان} هو ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما {وهم ظالمون} أنفسهم بالكفر.
{فأنجيناه} أي نوحا {وأصحاب السفينة} وكانوا ثمانية وسبعين نفسا نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم {وجعلناها} أي السفينة أو الحادثة أو القصة {ءاية} عبرة وعظة {للعالمين} يتعظون بها.
{وإبراهيم} نصب بإضمار اذكر وأبدل عنه {إذ قال} بدل اشتمال لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، أو معطوف على {نوح} أي وأرسلنا إبراهيم، أو ظرف ل {أرسلنا} يعني أرسلناه حين بلغ من السن، أو العلم مبلغا صلح فيه لأن يعظ قومه ويأمرهم بالعبادة والتقوى.
وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما: {وإبراهيم} بالرفع على معنى ومن المرسلين إبراهيم {لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم} من الكفر {إن كنتم تعلمون} إن كان لكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم {إنما تعبدون من دون الله أوثانا} أصناما {وتخلقون} وتكذبون أو تصنعون.
وقرأ أبو حنيفة والسلمي رضي الله عنهما {وتخلقون} من خلق بمعنى التكثير في خلق {إفكا} وقرىء {أفكا} وهو مصدر نحو كذب ولعب.
والإفك مخفف منه كالكذب واللعب من أصلهما واختلاقهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا} لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق {فابتغوا عند الله الرزق} كله فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره {واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه، وبفتح التاء وكسر الجيم: يعقوب.
{وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين} أي وإن تكذبوني فلا تضروني بتكذيبكم فإن الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم وما ضروهم وإنما ضروا أنفسهم حيث حل بهم العذاب بسبب تكذيبهم، وأما الرسول فقد تم أمره حيث بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشك وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته، أو وإن كنت مكذبا فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء أسوة حيث كذبوا وعلى الرسول أن يبلغ وما عليه أن يصدق ولا يكذب.
وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله: {فما كان جواب قومه} محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم.
وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش بين أول قصة إبراهيم وآخرها.
فإن قلت: فالجمل الاعتراضية لابد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه فلا تقول مكة وزيد قائم خير بلاد الله.
قلت: نعم وبيانه أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم عليه السلام كان مبتلى بنحو ما ابتلى به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله: {وإن تكذبوا} على معنى إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها لأن قوله: {فقد كذب أمم من قبلكم} لابد من تناوله لأمة إبراهيم وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله وهدم الشرك وتوهين قواعده وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ووضوح حجته وبرهانه.
{أو لم يروا} وبالتاء: كوفي غير حفص {كيف يبدىء الله الخلق} أي قد رأوا ذلك وعلموه.
وقوله: {ثم يعيده} ليس بمعطوف على {يبدىء} وليست الرؤية واقعة عليه وإنما هو إخبار على حياله بالإعادة بعد الموت كما وقع النظر في قوله: {كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} [العنكبوت: 20] على البدء دون الإنشاء بل هو معطوف على جملة قوله: {أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق} {إن ذلك} أي الإعادة {على الله يسير} سهل {قل} يا محمد وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره وأوحينا إليه أن قل {سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} على كثرتهم واختلاف أحوالهم لتعرفوا عجائب فطرة الله بالمشاهدة، وبدأ وأبدأ بمعنى {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} أي البعث.
وبالمد حيث كان: مكي وأبو عمرو.
وهذا دليل على أنهما نشأتان وأن كل واحدة منهما إنشاء أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود، غير أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله والأولى ليست كذلك، والقياس أن يقال كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة لأن الكلام معهم وقع في الإعادة، فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا لم يعجزه الإبداء وجب أن لا يعجزه الإعادة فكأنه قال: ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى ينشيء النشأة الآخرة، فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ {إن الله على كل شيء قدير} قادر {يعذب من يشاء} بالخذلان {ويرحم من يشاء} بالهداية أو بالحرص والقناعة، أو بسوء الخلق وحسنه، أو بالإعراض عن الله وبالإقبال عليه، أو بمتابعة البدع وبملازمة السنة {وإليه تقلبون} تردون وترجعون {وما أنتم بمعجزين} ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه {فى الأرض} الفسيحة {ولا في السماء} التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها {وما لكم من دون الله من ولي} يتولى أموركم {ولا نصير} ولا ناصر يمنعكم من عذابي.
{والذين كفروا بئايات الله} بدلائله على وحدانيته وكتبه ومعجزاته {ولقائه أولئك يئسوا من رحمتى} جنتي {وأولئك لهم عذاب أليم فما كان جواب قومه} قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الإيمان {إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه} قال بعضهم لبعض أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين فكانوا جميعا في حكم القائلين فاتفقوا على تحريقه {فأنجاه الله من النار} حين قذفوه فيها {إن في ذلك} فيما فعلوا به وفعلنا {لآيات لقوم يؤمنون} روي أنه لم ينتفع في ذلك اليوم بالنار يعني يوم ألقي إبراهيم في النار وذلك لذهاب حرها {وقال} إبراهيم لقومه {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} حمزة وحفص، {مودة بينكم} مدني وشامي وحماد ويحيي وخلف {مودة بينكم} مكي وبصري وعلي، {مودة بينكم} الشمني والبرجمي، النصب على وجهين على التعليل أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وأن يكون مفعولا ثانيا كقوله: {اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23] وما كافة أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف، أو اتخذتموها مودة بينكم أي مودة بينكم كقوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [البقرة: 165] وفي الرفع وجهان: أن يكون خبرا ل {إن} وما موصولة، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي مودة {بينكم} والمعنى أن الأوثان مودة بينكم أي مودودة أو سبب مودة.
ومن أضاف المودة جعل بينكم اسما لا ظرفا كقوله: {شهادة بينكم} [المائدة: 106] ومن نون {مودة} ونصب {بينكم} فعلى الظرف {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض} تتبرأ الأصنام من عابديها {ويلعن بعضكم بعضا} أي يوم القيامة يقوم بينكم التلاعن فيلعن الأتباع القادة.
{ومأواكم النار} أي مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع {وما لكم من ناصرين} ثمة.
{فئامن له} لإبراهيم عليه السلام {لوط} هو ابن أخي إبراهيم وهو أول من آمن له حين رأى النار لم تحرقه {وقال} إبراهيم {إنى مهاجر} من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى فلسطين وهي من برية الشام، ومن ثم قالوا: لكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان.
وكان معه في هجرته لوط وسارة وقد تزوجها إبراهيم {إلى ربى} إلى حيث أمرني ربي بالهجرة إليه {إنه هو العزيز} الذي يمنعني من أعدائي {الحكيم} الذي لا يأمرني إلا بما هو خير {ووهبنا له إسحاق} ولدا {ويعقوب} ولد ولد ولم يذكر إسماعيل لشهرته {وجعلنا في ذريته النبوة} أي في ذرية إبراهيم فإنه شجرة الأنبياء {والكتاب} والمراد به الجنس يعني التوراة والإنجيل والزبور والفرقان {وءاتيناه} أي إبراهيم {أجره} الثناء الحسن والصلاة عليه إلى آخر الدهر ومحبة أهل الملل له، أو هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره {فى الدنيا} فيه دليل على أنه تعالى قد يعطي الأجر في الدنيا {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} أي من أهل الجنة: عن الحسن. اهـ.