فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلوطا إذْ قَالَ لقَوْمه إنكمْ لَتَأْتونَ الْفَاحشَةَ مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ منْ الْعَالَمينَ}.
وَقَدْ تَقَدمَ الْقَوْل فيهَا، وَيَحق أَنْ نعيدَه لعظَمه، وَقَدْ نَادَى الله عَلَيْهمْ بأَنهمْ أَول مَنْ اقْتَحَمَ هَذَا، وَلَقَدْ قَالَ النبي صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ فينَا منْ روَايَة عَبْد الله بْن عمَرَ: «وَلَيَأْتيَن عَلَى أمتي مَا أَتَى عَلَى بَني إسْرَائيلَ حَذْوَ النعْل بالنعْل حَتى لَوْ كَانَ منْهمْ مَنْ يَأْتي أمه عَلَانيَة كَانَ في أمتي مَنْ يَصْنَع ذَلكَ».
وَقَدْ رَوَى ابْن وَهْبٍ وَغَيْره أَن النبي صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ قَالَ فيه: «اقْتلوا الْفَاعلَ وَالْمَفْعولَ به».
وَلَقَدْ كَتَبَ خَالد بْن الْوَليد في ذَلكَ إلَى أَبي بَكْرٍ الصديق، فَكَتَبَ إلَيْه أَبو بَكْرٍ: عَلَيْه الرجْم.
وَتَابَعَه عَلَى ذَلكَ أَصْحَاب رَسول الله صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ فَقَالَ عَلي بْن أَبي طَالبٍ: إن الْعَرَبَ تَأْنَف منْ الْعَار وَشهْرَته أَنَفا لَا تَأْنَفه منْ الْحدود التي تَمْضي في الْأَحْكَام، فَأَرَى أَنْ تحَرقَه بالنار فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ أَبو الْحَسَن. فَكَتَبَ إلَى خَالدٍ أَنْ أَحْرقْه بالنار، فَفَعَلَ. فَقَالَ ابْن وَهْبٍ: لَا أَرَى خَالدا أَحْرَقَه إلا بَعْدَ قَتْله؛ لأَن النارَ لَا يعَذب بهَا إلا الله تَعَالَى.
قَالَ الْقَاضي: لَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْن وَهْبٍ، كَانَ عَلي يَرَى الْحَرْقَ بالنار عقوبَة، وَلذَلكَ كَانَ مَا أَخْبَرَنَا أَبو الْمَعَالي ثَابت بْن بنْدَارٍ الْبَرْقَاني الْحَافظ، أَخْبَرَنَا الْإسْمَاعيلي، حَدثَنَا إبْرَاهيم بْن هَاشمٍ الْبَغَوي، حَدثَنَا محَمد بْن عَبادٍ، حَدثَنَا إسْمَاعيل قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ دينَارٍ، وَأَيوبَ، وَعَمارا الرهيني، اجْتَمَعوا فَتَنَاكَروا الذينَ حَرَقَهمْ عَلي، فَحَدثَ أَيوب عَنْ عكْرمَةَ عَنْ ابْن عَباسٍ أَنه لَما بَلَغَه قَالَ: لَوْ كنْت أَنَا مَا أَحْرَقْتهمْ؟ لقَوْل رَسول الله صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ: «لَا تعَذبوا بعَذَاب الله، وَلَقَتَلْتهمْ»؛ لقَوْل النبي صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ: «مَنْ تَرَكَ دينَه فَاقْتلوه» فَقَالَ عَمار: لَمْ يَكنْ حَرَقَهمْ، وَلَكنه حَفَرَ لَهمْ حَفَائرَ، وَخَرَقَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، ثم دَخَنَ عَلَيْهمْ حَتى مَاتوا. فَقَالَ عَمار: قَالَ الشاعر: لتَرْم بي الْمَنَايَا حَيْث شَاءَتْ إذَا لَمْ تَرْم بي في الْحفْرَتَيْن إذَا مَا أَججوا حَطَبا وَنَارا هنَاكَ الْمَوْت نَقْدا غَيْرَ دَيْن وَمنْ حَديث يَحْيَى بْن بكَيْر مَا يصَدق ذَلكَ: عَنْ عَلي أَنه وَجَدَ في ضَوَاحي الْعَرَب رَجلا ينْكَح كَمَا تنْكَح الْمَرْأَة كَانَ اسْمه الْفجَاءَة، فَاسْتَشَارَ أَبو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسول الله صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ وَفيهمْ عَلي بْن أَبي طَالبٍ، وَكَانَ يَوْمَئذٍ أَشَد فيهمْ قَوْلا، فَقَالَ عَلَي: إن هَذَا الذنْبَ لَمْ تَعْص به أمة منْ الْأمَم، إلا أمة وَاحدَة، صَنَعَ الله بهَا مَا عَلمْتمْ؛ أَرَى أَنْ يحْرَقَ بالنار.
فَاجْتَمَعَ رَأْي أَصْحَاب رَسول الله صَلى الله عَلَيْه وَسَلمَ أَنْ يحْرَقَ بالنار، فَكَتَبَ أَبو بَكْرٍ إلَى خَالد بْن الْوَليد أَنْ يَحْرقَهمْ بالنار، فَأَحْرَقَهمْ بالنار، ثم أَحْرَقَهمْ ابْن الزبَيْر في زَمَانه، ثم أَحْرَقَهمْ هشَام بْن عَبْد الْمَلك، ثم أَحْرَقَهمْ خَالد الْقَسْري بالْعرَاق.
وَقَدْ رويَ أَن عَبْدَ الله بْنَ الزبَيْر أتيَ بسَبْعَةٍ أخذوا في لوَاطٍ، فَسَأَلَ عَنْهمْ، فَوجدوا أَرْبَعَة قَدْ أحْصنوا، فَأَمَرَ بهمْ فَخَرَجَ بهمْ منْ الْحَرَم، ثم رجموا بالْحجَارَة، حَتى مَاتوا، وَجَلَدَ الثلَاثَةَ حَتى مَاتوا بالْحَد.
قَالَ: وَعنْدَه ابْن عَباسٍ، وَابْن عمَرَ، فَلَمْ ينْكرَا عَلَيْه.
وَقَدْ ذَهَبَ الشافعي إلَى هَذَا، وَاَلذي صَارَ إلَيْه مَالك أَحَق، وَهوَ أَصَح سَنَدا، وَأَقْوَى معْتَمَدا، حَسْبَمَا بَيناه قَبْلَ هَذَا.
وَقَدْ رويَ عَنْ ابْن عَباسٍ أَنه سئلَ عَنْ حَد اللوَاط، فَقَالَ: يصْعَد به في الْجَبَل، ثم يرْدَى منْه، ثم يتْبَع بالْحجَارَة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجَالَ} أي تنكحون الرجال.
{وَتَقْطَعونَ السبيلَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه قطع الطريق على المسافر، قاله ابن زيد.
الثاني: أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذرا من فعلهم الخبيث، حكاه ابن شجرة.
الثالث: أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، قال وهب: استغنوا عن النساء بالرجال.
{وَتَأْتونَ في نَاديكم الْمنكَرَ} أي في مجالسكم المنكر فيه أربعة أوجه:
أحدها: هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، قالته عائشة رضي الله عنها.
الثاني: أنهم كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه روته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم، رواه منصور عن مجاهد.
الرابع: هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسحاق وحل أزرار القيان في المجلس، رواه الحاكم عن مجاهد. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ولوطا} نصب بفعل مضمر تقديره واذكر لوطا، و{الفاحشة} إتيان الرجال في الأدبار وهي معصية ابتدعها قوم لوط.
{أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجَالَ وَتَقْطَعونَ السبيلَ وَتَأْتونَ في نَاديكم الْمنْكَرَ} تقدم القوم في القرآن في {أئنكم} واختلف الناس في قطع السبيل المشار إليه ها هنا، فقالت فرقة: كان قطع الطريق بالسلب فاشيا فيهم، وقال ابن زيد: كانوا يقطعون الطرق على الناس لطلب الفاحشة فكانوا يخيفون، وقالت فرقة: بل أراد قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال، وقالت فرقة: أراد أنهم لقبح الأحدوثة عنهم يقطعون سبل الناس عن قصدهم في التجارات وغيرها، والنادي المجلس الذي يجتمع فيه الناس وهو اسم جنس لأن الأندية في المدن كثيرة فكأنه قال وتأتون في اجتماعكم حيث اجتمعتم.
واختلف الناس في {المنكر} فقالت فرقة كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته أم هاني عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حلقهم مهملة لا يربطهم دين ولا مروءة، وقال مجاهد ومنصور: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقال القاسم بن محمد: منكرهم أنهم كانوا يتفاعلون في مجالسهم، ذكره الزهراوي، وقال ابن عباس كانوا يتضارطون ويتصافعون في مجالسهم، وقال مجاهد أيضا: كان أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والحذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالتناهي واجب، فلما وقفهم لوط على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا {ائتنا} بالعذاب، أي أن ذلك لا يكون ولا تقدر عليه، وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه، وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا، ثم استنصر لوط عليه السلام ربه عليهم، فبعث ملائكة لعذابهم ورجمهم بالحاصب فجاؤوا إبراهيم أولا مبشرين بإسحاق ومبشرين بنصرة لوط على قومه، وكان لقاؤهم لإبراهيم على الصورة التي بنيت في غير هذه الآية، فلفظة {البشرى} في هذه الآية تتضمن أمر إسحاق ونصرة لوط، ولما أخبره بإهلاك القرية على ظلمهم أشفق إبراهيم على لوط فعارضهم بأمره حسبما يأتي.
{قَالَ إن فيهَا لوطا قَالوا نَحْن أَعْلَم بمَنْ فيهَا لَننَجيَنه وَأَهْلَه إلا امْرَأَتَه كَانَتْ منَ الْغَابرينَ (32)}.
روي عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام لما علم من قبل الملائكة أن قرية لوط تعذب أشفق على المؤمنين فجادل الملائكة وقال لهم: أرأيتم إن كان فيهم مائة بيت من المؤمنين أتتركونهم، قالوا ليس فيهم ذلك، فجعل ينحدر حتى انتهى إلى عشرة أبيات، فقال له الملائكة ليس فيهم عشرة ولا خمسة ولا ثلاثة ولا اثنان، فحينئذ قال إبراهيم {إن فيها لوطا} فراجعوه حينئذ بأنا {نحن أعلم بمن فيها} أي لا تخف أن يقع حيف على مؤمن، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر {لننَجينه} بفتح النون الوسطى وشد الجيم و{منَجوك} بفتح النون وشد الجيم.
وقرأ حمزة والكسائي {لننْجينه} بسكون النون وتخفيف الجيم، {ومنْجوك} بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر {لننجيه} بالتشديد و{ومنجوك} بالتخفيف، وقرأت فرقة {لننجينْه} بسكون النون الأخيرة من الكلمة وهذا إنما يجيء على أنه خفف النون المشددة وهو يريدها، وامرأة لوط هذه كانت كافرة تعين عليه وتنبه على أضيافه، و{الغابر} الباقي ومعناه {من الغابرين} في العذاب، وقالت فرقة {من الغابرين} أي ممن عمر وبقي من الناس وعسا في كفره. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وتقطعون السبيل}.
وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم كانوا يعترضون مَنْ مَر بهم لعملهم الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم كانوا إذا جلسوا في مجالسهم يرمون ابن السبيل بالحجارة، فيقطعون سبيل المسافر، قاله مقاتل.
والثالث: أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {وتأتون في ناديكم المنْكَر} قال ابن قتيبة: النادي: المجلس، والمنْكَر يجمع الفواحش من القول والفعل.
وللمفسرين في المراد بهذا المنْكَر أربعة أقوال.
أحدها: أنهم كانوا يَحْذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فذلك المنكر، روته أم هانئ بنت أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عكرمة، والسدي: كانوا يَحْذفون كل مَنْ مَر بهم.
والثاني: لَف القميص على اليد، وجر الإزار، وحَل الأزرار، والحذف والرمي بالبندق، ولعب الحمام، والصفير، في خصال أخَر رواها ميمون بن مهران عن ابن عباس.
والثالث: أنه الضراط، رواه عروة عن عائشة، وكذلك فسره القاسم ابن محمد.
والرابع: أنه إتيان الرجال في مجالسهم، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
وهذه الآية تدل على أنه لا ينبغي للمجتمعين أن يتعاشروا إلا على ما يقرب من الله عز وجل، ولا ينبغي أن يجتمعوا على الهزء واللعب.
قوله تعالى: {رب انْصرْني} أي: بتصديق قولي في العذاب.
قوله تعالى: {إنا مهْلكو أهل هذه القرية} يعنون قرية لوط.
قوله تعالى: {لَننَجيَنه} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: {لَننَجيَنه} و{إنا منَجوكَ} بتشديد الحرفين، وخففهما حمزة، والكسائي.
وروى أبوبكر عن عاصم: {لَننَجيَنه} مشددة، و{إنا منْجوكَ} مخففة ساكنة النون.
وقد سبق شرح ما أخللنا بذكره [هود: 77] إلى قوله: {إنا منْزلونَ على أهل هذه القرية رجْزا} وهو الحَصْب والخسف. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلوطا}.
وانتصب لوطا بإضمار اذكر، أو بالعطف على إبراهيم، أو بالعطف على ما عطف عليه إبراهيم.