فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجمهور: على الاستفهام في أئنكم معا.
وقرىء: أنكم على الخبر، والثاني على الاستفهام.
وقال أبو عبيد: وجدته في الإمام بحرف واحد بغير ياء، ورأيت الثاني بحرفين، الياء والنون.
ولم يأت في قصة لوط أنه دعا قومه إلى عبادة الله، كما جاء في قصة إبراهيم وقصة شعيب، لأن لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه، وسبقه إبراهيم إلى الدعاء لعبادة الله وتوحيده، واشتهر أمره بذلك عند الخلق، فذكر لوط ما اختص به من المنع من الفحشاء وغيرها.
وأما أبراهيم وشعيب فجاءا بعد انقراض من كان يعبد الله، فلذلك دعوا إلى عبادة الله.
قال الزمخشري: {ما سبقكم بها} جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة، كأن قائلا قال: لم كانت فاحشة؟ فقيل: لأن أحدا قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازا منها في طباعهم لإفراط قبحها، حتى قدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم، قالوا: لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط. انتهى.
ويظهر أن {ما سبقكم بها} جملة حالية، كأنه قال: أتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها؟ واستفهم أولا وثانيا استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع، وبين ما تلك الفاحشة المبهمة في قوله: {إنكم لتأتون الفاحشة} وإن كانت معينة أنها إتيان الذكور في الأدبار بقوله: {ما سبقكم بها} فقال: {أئنكم لتأتون الرجال} يعني في الأدبار، {وتقطعون السبيل} الولد، بتعطيل الفرج ووطء أدبار الرجال، أو بإمساك الغرباء لذلك الفعل حتى انقطعت الطرق، أو بالقتل وأخذ المال، أو بقبح الأحدوثة حتى تنقطع سبل الناس في التجارات.
{وتأتون في ناديكم} أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه، وهو اسم جنس، إذ أنديتهم في مدائنهم كثيرة، ولا يسمى ناديا إلا ما دام فيه أهله، فإذا قاموا عنه، لم يطلق عليه ناد إلا مجازا.
و{المنكر} ما تنكره العقول والشرائع والمروءات، حذف الناس بالحصباء، والاستخفاف بالغريب الخاطر، وروت أم هانىء، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أو إتيان الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا، قاله منصور ومجاهد والقاسم بن محمد وقتادة بن زيد؛ أو تضارطهم؛ أو تصافعهم فيها، قاله ابن عباس؛ أو لعب الحمام؛ أو تطريف الأصابع بالحناء، والصفير، والحذف، ونبذ الحياء في جميع أمورهم، قاله مجاهد أيضا، أو الحذف بالحصى، والرمي بالبنادق، والفرقعة، ومضغ العلك، والسواك بين الناس، وحل الأزرار، والسباب، والفحش في المزاح، قاله ابن عباس أيضا مع شركهم بالله.
كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة، تظالم فيما بينهم، وبشاعة، ومضاريط في مجالسهم، وحذف، ولعب بالنرد والشطرنج، ولبس المصبغات، ولباس النساء للرجال، والمكوس على كل عابر؛ وهم أول من لاط ومن ساحق.
ولما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح، أصروا على اللجاج في التكذيب، فكان جوابهم له: {أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فيما تعدنا به من نزول العذاب، قالوا ذلك وهم مصممون على اعتقاد كذبه فيما وعدهم به.
وفي آية أخرى: {إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط} الجمع بينهما أنهم أولا قالوا: {ائتنا بعذاب الله} ثم أنه كثر منه الإنكار، وتكرر ذلك منه نهيا ووعظا ووعيدا، {قالوا أخرجوا آل لوط}.
ولما كان إنما يأمرهم بترك الفواحش وما كانوا يصنعونه من قبيح المعاصي، ويعد على ذلك بالعذاب، وكانوا يقولون إن الله لم يحرم هذا ولا يعذب عليه وهو يقول إن الله حرمه ويعذب عليه، {قالوا ائتنا بعذاب الله} فكانوا ألطف في الجواب من قوم إبراهيم بقولهم: {اقتلوه أو حرقوه} لأنه كان لا يذم آلهتهم، وعهد إلى أصنامهم فكسرها، فكان فعله هذا معهم أعظم من قول لوط لقومه، فكان جوابهم له: {أن قالوا اقتلوه أو حرقوه}.
ثم استنصر لوط عليه السلام، فبعث ملائكة لعذابهم، ورجمهم بالحاصب، وإفسادهم بحمل الناس على ما كانوا عليه من المعاصي طوعا وكرها، وخصوصا تلك المعصية المبتدعة.
{بالبشرى} هي بشارته بولده إسحاق، وبنافلته يعقوب، وبنصر لوط على قومه وإهلاكهم، و{القرية} سدوم، وفيها قيل: أَجْوَر من قاضي سدوم.
{كانوا ظالمين} أي قد سبق منهم الظلم.
واستمر على الأيام السالفة وهم مصرون، وظلمهم: كفرهم وأنواع معاصيهم.
ولما ذكروا لإبراهيم: {إنا مهلكوا أهل هذه القرية} أشفق على لوط فقال: {إن فيها لوطا}.
ولما عللوا الإهلاك بالظلم، قال لهم: فيها من هو بريء من الظلم، {قالوا نحن أعلم بمن فيها} أي منك، وأخبر بحاله.
ثم أخبروه بإنجائهم إياه {وأهله إلا امرأته}.
وقرأ حمزة، والكسائي: {لننجينه} مضارع أنجى؛ وباقي السبعة: مضارع نجى؛ والجمهور: بشد النون؛ وفرقة: بتخفيفها. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلوطا} منصوب إما بالعطف على نوحا أو على إبراهيمَ والكلام في قوله تعالى: {إذْ قَالَ لقَوْمه} كالذي مر في قصة إبراهيمَ عليه السلام {إنكمْ لَتَأْتونَ الفاحشة} أي الفعلةَ المتناهيةَ في القبح. وقرىء أَئنكم {مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ من العالمين} استئناف مقرر لكمال قبحها، فإن إجماعَ جميع أفراد العالمينَ على التحاشي عنها ليس إلا لكونها مما تشمئز منه الطباع وتنفر منه النفوس.
{أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجال وَتَقْطَعونَ السبيل} وتتعرضون للسابلة أي بالفاحشة، حيث روي أنهم كانوا كثيرا ما يفعلونَها بالغرباء وقيل تقطعون سبيلَ النساء بالإعراض عن الحَرث وإتيان ما ليس بحرثٍ وقيل: تقطعونَ السبيلَ بالقتل وأخذ المال {وَتَأْتونَ في نَاديكم} أي تفعلون في مجلسكم الجامع لأصحابكم {المنكر} كالجماع والضراط وحل الإزار وغيرها مما لا خيرَ فيه من الأفاعيل المنكرة. وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما هو الحَذف بالحَصَى والرمي بالبناد والفرقعة ومضغ العلك والسواك بينَ الناس وحل الإزار والسباب والفحش في المزاح، وقيل: السخرية بمن مر بهم، وقيل المجاهرة في ناديهم بذلكَ العمل. {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا ائتنا بعَذَاب الله إن كنتَ منَ الصادقين} أي فما كان جوابا من جهتهم شيء من الأشياء إلا هذه الكمة الشنيعة أي لم يصدر عنهم في هذه المرة من مرات مواعظ لوطٍ عليه السلام وقد كان أوعدهم فيها بالعذاب وأما ما في سورة الأعراف من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا أَخْرجوهم من قَرْيَتكمْ} الآيةَ وما في سورة النمل من قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا أَخْرجوا ءالَ لوطٍ من قَرْيَتكمْ} الآيةَ فهو الذي صَدر عنهم بعده هذه المرة وهي المرة الأخيرة من مرات المقاولات الجارية بينهم وبينه عليه الصلاة والسلام وقد مر تحقيقه في سورة الأعراف.
{قَالَ رَب انصرنى} أي بإنزال العذاب الموعود {عَلَى القوم المفسدين} بابتداع الفاحشة وسنها فيمن بعدَهم والإصرار عليها واستعجال العذاب بطريق الاستهزاء وإنما وصفَهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب عليهم {وَلَما جَاءتْ رسلنَا إبراهيم بالبشرى} أي بالبشارة بالولد والنافلة {قَالوا} أي لإبراهيمَ عليه السلام في تضاعيف الكلام حسبما فصل في سورة هود وسورة الحجر {إنا مهْلكو أَهْل هذه القرية} أي قرية سَدومَ. والإضافة لفظية لأن المَعنى على الاستقبال {إن أَهْلَهَا كَانوا ظالمين} تعليل للإهلاك بإصرارهم على الظلم وتماديهم في فنون الفساد وأنواع المَعَاصي {قَالَ إن فيهَا لوطا} فكيف تهلكونها {قَالوا نَحْن أَعْلَم بمَن فيهَا لَننَجيَنه وَأَهْلَه} أرادوا أنهم غير غافلينَ عن مكان لوطٍ عليه السلام فيها بل عمن لم يتعرض له إبراهيم عليه السلام من أتباعه المؤمنينَ وأنهم معتنون بشأنهم أتم اعتناءٍ حسبما ينبيء عنه تصدير الوعد بالتنجية بالقسم أيْ والله لننجينه وأهلَه {إلا امرأته كَانَتْ منَ الغابرين} أي الباقينَ في العذاب أو القرية. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلوطا} عطف على {إبراهيم} [العنكبوت: 16] أو على {نوحا} [العنكبوت: 14] والكلام في قوله تعالى: {إذْ قَالَ لقَوْمه} كالذي في القصة السابقة.
{إنكمْ لَتَأْتونَ الفاحشة} الفعلة البالغة في القبح، وقرأ الجمهور {أَئنكمْ} على الاستفهام الإنكاري:
{سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ من العالمين} استئناف مقرر لكمال قبحها، فإن إجماع جميع أفراد العالمين على التحاشي عنها ليس إلا لكونها مما تشمئز منه الطباع السليمة وتنفر منه النفوس الكريمة، وجوز أبو حيان كون الجملة حالا من ضمير تأتون، كأنه قيل: إنكم لتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها.
{أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجال} أي تنكحونهم {وَتَقْطَعونَ السبيل} أي وتقطعون الطريق بسبب تكليف الغرباء والمارة تلك الفعلة القبيحة وإتيانهم كرها أو وتقطعون سبيل النسل بالإعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحرث، وقيل: تقطعون الطريق بالقتل وأخذ المال، وقيل: تقطعونه بقبح الأحدوثة {وَتَأْتونَ} أي تفعلون {فى نَاديكم} أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه، وهو اسم جنس إذ أنديتهم في مجالسهم كثيرة، ولا يسمى ناديا إلا إذا كان فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يطلق عليه ناد {المنكر} أخرج أحمد والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه والطبراني والبيهقي في الشعب وغيرهم عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} فقال: «كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم» وعن مجاهد. ومنصور والقاسم بن محمد. وقتادة. وابن زيد. هو إتيان الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا، وعن مجاهد أيضا هو لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم، وعن ابن عباس هو تضارطهم وتصافعهم فيها، وفي رواية أخرى عنه هو الخذف بالحصى والرمي بالبنادق والفرقعة ومضغ العلك والسواك بين الناس وحل الإزار والسباب والفحش في المزاح ولم يأت في قصة لوط عليه السلام أنه دعا قومه إلى عبادة الله تعالى كما جاء في قصة إبراهيم وكذا في قصة شعيب الآتية لأن لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وقد سبقه إلى الدعاء لعبادة الله تعالى وتوحيده واشتهر أمره عند الخلق فذكر لوط عليه السلام ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها، وأما إبراهيم وشعيب عليهما السلام فجاءا بعد انقراض من كان يعبد الله عز وجل ويدعو إليه سبحانه فلذلك دعا كل منهما قومه إلى عبادته تعالى كذا في البحر.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا ائتنا بعَذَاب الله إن كنتَ منَ الصادقين} أي فيما تعدنا من نزول العذاب على ما في الكشف وغيره، وهذا ظاهر في أنه عليه السلام كان أوعدهم بالعذاب، وقيل: أي دعوى استحقاقنا العذاب على ما نحن عليه المفهومة من التوبيخ المعلوم من الاستفهام الإنكاري، وقيل: أي في دعوى استقباح ذلك الناطق بها كلامك.
وهذا الجواب صدر عنهم في المرة الأولى من مرات مواعظ لوط عليه السلام، وما في سورة الأعراف المذكورة في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا أَخْرجوهم من قَرْيَتكمْ} [الأعراف: 82] الآية وما في سورة النمل المذكور في قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا أَخْرجوا ءالَ لوطٍ من قَرْيَتكمْ} [النمل: 56] الآية فقد صدر عنهم بعد هذه المرة فلا منافاة بين الحصر هنا والحصر هناك، قاله أبو حيان وتبعه أبو السعود وتعقب بأن هذا التعيين يحتاج إلى توقيف.
وأجيب بأن مضموني الجوابين يشعران بالتقدم والتأخر، وذلك أن {ائتنا بعَذَاب الله إن كنتَ منَ الصادقين} من باب التكذيب والسخرية وهو أوفق بأوائل المواعظ والتوبيخات و{أَخْرجوهم من قَرْيَتكمْ} [الأعراف: 82] ونحوه من باب التعذيب والانتقام، وهو أنسب بأن يكون بعد تكرر الوعظ والتوبيخ الموجب لضجرهم ومزيد تألمهم مع قدرتهم على التشفي، وهذا القدر يكفي لدعوى التقدم والتأخر، وقيل في دفع المنافاة بين الحصرين: إن ما هنا جواب قومه عليه السلام له إذ نصحهم، وما هناك جواب بعضهم لبعض إذ تشاوروا في أمره، وقيل: إن أحد الجوابين صدر عن كبار قومه وأمرائهم والآخر صدر عن غيرهم، وظاهر صنيع بعض الأجلة يقتضي اختيار أن يكون كل من الحصرين بالإضافة إلى الجواب الذي يرجوه عليه السلام في متابعته فتأمل.
{قَالَ رَب انصرنى} أي بإنزال العذاب الموعود {عَلَى القوم المفسدين} بابتداع الفاحشة وسنها فيما بعدهم والإصرار عليها واستعجال العذاب بطريق السخرية، وإنما وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب.
{وَلَما جَاءتْ رسلنَا إبراهيم بالبشرى} أي بالبشارة بالولد والنافلة {قَالوا} أي لإبراهيم عليه السلام في تضاعيف الكلام {أَنَا مهْلكو أَهْل هذه القرية} أي قرية سذوم وهي أكبر قرى قوم لوط وفيها نشأت الفاحشة أولا على ما قيل، ولذا خصت بالذكر، وفي الإشارة بهذه إشارة إلى أنها كانت قريبة من محمل إبراهيم عليه السلام وإضافة {مهلكوا} إلى {وَلْيَحْكمْ أَهْل} لفظية لأن المعنى على الاستقبال، وجوز كونها معنوية لتنزيل ذلك منزلة الماضي لقصد التحقيق والمبالغة {إن أَهْلَهَا كَانوا ظالمين} تعليل للإهلاك بإصرارهم على الظلم وتماديهم في فنون الفساد وأنواع المعاصي، والتأكيد في الموضعين للاعتناء بشأن الخبر وقال سبحانه: {إن أَهْلَهَا} دون إنهم مع أنه أظهر وأخصر تنصيصا على اتفاقهم على الفساد كما اختاره الخفاجي.
وقال بعض المدققين: إن ذلك للدلالة على أن منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم، ففيه إشارة خفية إلى أن المراد من أهل القرية من نشأ فيها فلا يتناول لوطا عليه السلام، واعترض بأنه يبعد كل البعد خفاؤها لو كانت على إبراهيم عليه السلام كما هو ظاهر قوله تعالى: {قَالَ إن فيهَا لوطا} وقيل: يجوز أن يكون عليه السلام علم ما أشاروا إليه من عدم تناول أهل القرية إياه لكنه أراد التنصيص على حاله ليطمئن قلبه لكمال شفقته عليه، وقيل: أراد أن يعلم هل يبقى في القرية عند إهلاكهم أو يخرج منها ثم يهركون، وكأنه في قوله: {إن فيهَا} دون إن منهم إشارة إلى ذلك، وأفهم كلام بعض المحققين أن قوله: {إن فيهَا لوطا} اعتراض على الرسل عليهم السلام بأن في القرية من لم يظلم بناء على أن المتبادر من إضافة الأهل إليها العموم، وحمل الأهل على من سكن فيها وإن لم يكن تولده بها، أو معارضة للموجب للهلاك وهو الظلم بالمانع وهو أن لوطا بين ظهرانيهم وهو لم يتصف بصفتهم، وأن جواب الرسل المحكي بقوله تعالى: {قَالوا نَحْن أَعْلَم بمَن فيهَا لَننَجيَنه وَأَهْلَه} تسليم لقوله عليه السلام في لوط مع ادعاء مزيد العلم به باعتبار الكيفية وأنهم ما كانوا غافلين عنه، وجواب عنه بتخصيص الأهل بمن عداه وأهله على الاعتراض، أو بيان وقت إهلاكهم بوقت لا يكون لوط وأهله بين ظهرانيهم على المعارضة، وفيه ما يدل على جواز تأخير البيان عن الخطاب في الجملة، والذي يغلب على الظن أنهم أرادوا بأهل القرية من نشأ بها على ما هو المتعارف فلا يكون لوط عليه السلام داخلا في الأهل، ويؤيد ذلك تأييدا ما قول قومه {أخرجوا آل لوط من قريتكم} [النمل: 56] وفهم إبراهيم عليه السلام ما أرادواه وعلم أن لوطا ليس من المهلكين إلا أنه خشي أن يكون هلاك قومه وهو بين ظهرانيهم في القرية فيوحشه ذلك ويفزعه.
ولعله عليه السلام غلب على ظنه ذلك حيث لم يتعضروا لإخراجه من قرية المهلكين مع علمهم بقرابته منه ومزيد شفقته عليه فقال: {إن فيهَا لوطا} على سبيل التحزن والتفجع كما في قوله تعالى: {إنى وَضَعْتهَا أنثى} وجل قصده إن لا يكون فيها حين الإهلاك فأخبروه أولا بمزيد علمهم به وأفادوه ثانيا بما يسره ويسكن جأشه نظير ما في قوله تعالى: {والله أَعْلَم بمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذكر كالانثى} [آل عمران: 36] وأكدوا الوعد بالتنيجة إما للإشارة إلى مزيد اعتنائهم بشأنه وإما لتنزيلهم إبراهيم عليه السلام منزلة من ينكر تنجيته لما شاهدوا منه في حقه، وتحمل النجية على إخراجه من بين القوم وفصله عنهم وحفظه مما يصيبهم فإنها بهذا المعنى الفرد الأكمل، ويلائم هذا ما قيل في قوله تعالى: {إلا امرأته كَانَتْ منَ الغابرين} أي من الباقين في القرية وهو أحد تفسيرين، ثانيهما ما روى عن قتادة وهو تفسيره الغابرين بالباقين في العذاب فتأمل، فكلام الله تعالى ذو وحوه، وفسر الأهل هنا بأتباع لوط عليه السلام المؤمنين، وجملة {كَانَتْ منَ الغابرين} مستأنفة وقد مر الكلام في ذلك وكذا في الاستثناء فارجع إليه. اهـ.