فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولولا أن الخالق عز وجل ربط مسألة بقاء النوع بهذه اللذة لَزهد فيها كثير من الناس، لما لها من تبعات ومسئوليات ومشاكل، لابد منها في تربية الأولاد.
وسبق أن ذكرنا الحكمة القائلة: جَدَع الحلال أنفَ الغيرة فالرجل يغَار على ابنته مثلا، ولا يقبل مجرد نظر الغرباء إليها، ويثور إذا تعرض لها أحد، فإذا جاءه الشاب يطرق بابه ليخطب ابنته رحب به، واستقبله أهل البيت بالزغاريد وعلى الرحْب والسعة، فسقوا الشربات وأقاموا الزينات، فما الفرق بين الحالين؟ في الأولى كان دمه يغلي، والآن تنزل كلمات الله في عقد القرآن على قلبه بَرْدا وسلاما.
أما خسيسة قوم لوط {أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجال} [العنكبوت: 29] فهي انحراف عن الطبيعة السوية لا بقاءَ فيها للنوع، ومثلها إتيان المرأة في غير مكان الحرث.
وقوله تعالى: {وَتَقْطَعونَ السبيل} [العنكبوت: 29] أي: تقطعون الطريق على بقاء النوع؛ لأن الزنا وإنْ جاء بالولد فإنه لا يوفر له البقاء الكريم الشريف في المجتمع. فالحق سبحانه جعل لبقاء النوع طريقا واحدا، فلا تسلك غير هذا الطريق، لا مع رجل ولا مع امرأة.
والسبيل كلمة مطلقة وتعني الطريق، سواء كان الطريق المادي أي: الشارع الذي نمشي فيه أو: المعنوي وهو الطريقة التي نسير عليها، ومنها قوله تعالى: {قلْ هذه سبيلي} [يوسف: 108] أي: طريقي ومنهجي؛ لذلك السبيل القيمي سبيل واحد، حتى لا نتصادم ولا نتخاصم في حركة الحياة المعنوية، أما السبيل المادي فمتعدد حتى لا نتزاحم في حركة الحياة المادية.
والسبيل المادي الطريق الذي نسير فيه يعَد سمة الحضارة في أي أمة، ونذكر أن هتلر قبل أن يدخل الحرب سنة 1939 جعل كل همة في إنشاء شبكة من الطرق؛ لأن حركة الحرب غير العادية تحتاج إلى طرق إضافية أيام الحرب، ومن ذلك مثلا الطريق الذي يسمونه طريق المعاهدة، أي معاهدة سنة 1936.
إذن: كلما وجدت حركة زائدة احتاجت إلى طرق إضافية، وهذه الطرق تتناسب والمكان الذي تنشأ فيه، فالطرق في المدن نسميها شوارع وفي الخلاء نسميها طرقا تناسب المساحة داخل المباني، ومنها تتفرع الحارات، وهي أقل منها، ومن الحارة تتفرع العَطْفة، وهي أقل من الحارة، وكلما ازدحمتْ البلاد لجأ الناس إلى توسيع نظام الحركة لتيسير مصالح الناس.
كما نرى في القاهرة مثلا من أنفاق وكَبَارٍ، حتى لا تعاق الحركة، وحتى نوفر للناس انسيابية فيها.
والأنفاق أنسب للجمال في المدن، والكبارى أجمل في الفضاء، حيث ترى مع ارتفاع الكباري آفاقا أوسع ومناظر أجمل، أما إنْ حدث عكس ذلك فأنشئت الكبارى داخل الشوارع فإنها تقلل من جمال المكان وتحول الشارع إلى أشبه ما يكون بعنابر الورش، كما أنها تؤذي سكان العمارات المجاورة لها.
وعلى الدولة أن تراعي هذه الأمور عند التخطيط، ألم نقرأ قوله تعالى: {ثم السبيل يَسرَه} [عبس: 20] لابد أن نيسر السبل للسالكين؛ لأن معايش الناس وحركتهم تعتمد على الحركة في هذه الطرق.
فقوله تعالى: {وَتَقْطَعونَ السبيل} [العنكبوت: 29] فكان من قوم لوط قطاع طرق كالذين يخرجون على الناس في أسفارهم وحركتهم، فيأخذون أموالهم وينهبون ما معهم، وإنْ تأبوا عليهم قتلوهم. وبعد أن قطعوا السبيل على الناس قطعوا السبيل على بقاء النوع.
يقول سبحانه في حقهم: {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} [العنكبوت: 29] فكانوا لا يتورعون عن فعْل القبيح وقوله فيجلسون في الطرقات يستهزئون بالمارة ويؤذونهم كالذين يجلسون الآن على المقاهي ويتسكعون في الطرق ويؤذون خَلْق الله، ويتجاهرون بالقبيح من القول والفعل، فلا يسْلَم من إيذائهم أحد.
لذلك يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم آداب الطريق فيقول لمن سأله: وما حَق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غَض البصر، وكَف الأذى، ورد السلام».
وقد انتشر بين قوم لوط سوء الأخلاق، بحيث لا ينهى بعضهم بعضا، كما قال سبحانه عن اليهود أنهم: {كَانوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن منكَرٍ فَعَلوه} [المائدة: 79].
والنادي: مكان تجمع القوم، ومنه قوله تعالى: {فَلْيَدْع نَاديَه} [العلق: 17] أي: مكان تجمع رءوس القوم وكبارهم، كما نرى الآن: نادي كذا، ونادي كذا.
والنادي وهو مكان عام يعَد المرحلة الأخيرة لانضباط السلوك الذي يجب أن يكون في المجتمع، فأنت مثلا لك حجرة في بيتك خاصة بك، ولك فيها انضباط خاص بنفسك، وكذلك في صالة البيت لك انضباط أوسع، وفي الشارع لك انضباط أوسع.
والانضباط يتناسب مع الواقع الذي تعيشه، فحين تكون مثلا بين أناس لا يعرفونك لا يكون انضباطك بنفس الدرجة التي تحرص عليها بين مَنْ تعرفهم كالموظف في مكتبه، والطالب في مدرسته.
إذن: فهؤلاء القوم قطعوا السبيل في بقاء النوع، حيث أتوا غير مَأْتي وانحرفوا عن الفطرة السوية، وقطعوا السبيل المادي، فأخافوا الناس وروعوهم ونهبوا أموالهم، وأخذوهم من الطرق بغرض هذه الفعْلة النكراء، ثم كانوا يتبجحون بأفعالهم هذه، ويجاهرون بها في أنديتهم وأماكن تجمعاتهم.
فبماذا أجابه القوم؟
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قَالوا ائتنا بعَذَاب الله إن كنتَ منَ الصادقين} [العنكبوت: 29] أي: من الصادقين في أنك مبلغ عن الله، فنحن من العاصين، وأَرنا العذاب الذي تتوعدنا به، وقولهم {ائتنا بعَذَاب الله} [العنكبوت: 29] مع أن العذاب شيء مؤلم، ولا يطلب أحد إيلام نفسه، فهذا دليل على عدم فهمهم لهذا الكلام، وأنهم غير متأكدين من صدقه، وإلا لو وَثقوا بصدقه ما طلبوا العذاب.
وفي موضع آخر، حكى القرآن عنهم: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَن قالوا أخرجوا آلَ لوطٍ من قَرْيَتكمْ إنهمْ أنَاس يَتَطَهرونَ} [النمل: 56].
إذن: حدث منهم موقفان وجوابان: الأول {ائتنا بعَذَاب الله} [العنكبوت: 29] فلما لم يجبهم إلى هذا الطلب الأحمق، وظل يتابع دعوته لهم، فلم ييأس منهم لجأوا إلى حيلة أخرى، فقالوا {أخرجوا آلَ لوطٍ من قَرْيَتكمْ} [النمل: 56] والعلة {إنهمْ أنَاس يَتَطَهرونَ} [النمل: 56] لأن الطَهْر في نظر هؤلاء عيب، والاستقامة جريمة، وهذا دليل على فساد عقولهم، وفساد قياسهم في الحكم.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالَ رَب انصرني}.
وفَرْق بين الفاسد في ذاته والمفسد لغيره، فيا ليتهم كانوا فاسدين في أنفسهم، إنما كانوا فاسدين مفسدين، يتعدى فسادهم إلى غيرهم.
{وَلَما جَاءَتْ رسلنَا إبْرَاهيمَ بالْبشْرَى قَالوا إنا مهْلكو أَهْل هَذه الْقَرْيَة إن أَهْلَهَا كَانوا ظَالمينَ (31)}.
جاء هنا إبراهيم- عليه السلام- في سياق قصة لوط، كما جاء لوط في سياق قصة إبراهيم. ومعنى {رسلنَآ} [العنكبوت: 31] أي: من الملائكة؛ لأن الله تعالى قال: {الله يَصْطَفي منَ الملائكة رسلا وَمنَ الناس} [الحج: 75].
وقد جاءت الملائكة لإبراهيم بالبشرى، ولم يذكر مضمون البشْرى هنا، وهو البشارة بإسحق ويعقوب وذرية صالحة منهما، وجاءته بإنذار بأن الله سيهلك أهل هذه القرية، وبالبشرى والإنذار يحدث التوازن؛ لأننا نبشر إبراهيم بذرية صالحة مصْلحة في الكون، ونهلك أهل القرية الذين انحرفوا عن منهج الله.
وتلحظ في الآية أنها لم تذكر العلة في البشْرى فلم تقل لأنه كان مؤمنا ومجاهدا وعادلا، إنما ذكرت العلة في إهلاك أهل القرية {أَهْلَهَا كَانوا ظَالمينَ} [العنكبوت: 31] لماذا؟ لأن المتفضل لا يمن بفضله على أنه عمل بمقابل، لكن المعذب يبين سبب العذاب.
فماذا كان الانفعال الأولي عند إبراهيم- عليه السلام- ساعةَ سمع البشْرى والإنذار؟ لم يسأل عن البشرى، مع أنه كان متلهفا عليها، إنما شغلته مسألة إهلاك القرية، وفيها ابن أخيه لوط. لذلك قال: {قَالَ إن فيهَا لوطا قَالوا}.
فلم يستشرف إبراهيم للبشرى، واهتم بمسألة إهلاك قرية قوم لوط؛ لأن فيها لوطا مما يدل على أن الإنسان لا يشغله الخير لنفسه عن الشر لغيره، وهنا رد الملائكة {نَحْن أَعْلَم بمَن فيهَا} [العنكبوت: 32] فهذه مسألة لا تخفى علينا.
ثم يطمئنونه على ابن أخيه {لَننَجيَنه وَأَهْلَه} [العنكبوت: 32] وأهله: تشمل كل الأهل؛ لذلك استثنوا منهم {إلا امرأته كَانَتْ منَ الغابرين} [العنكبوت: 32].
والغابرون: جمع غابر، ولها استعمالان في اللغة: نقول: الزمان الغابر أي الماضي، وغابر بمعنى باقٍ أيضا، فهي إذن تحمل المعنى وضده؛ ذلك لأنهم جاءوا لإهلاك هذه القرية، وامرأة لوط باقية لتهلك معهم، وتذهب مع مَنْ سيذهبون بالإهلاك، فهي إذن باقية في العذاب. فجاءت الكلمة {منَ الغابرين} [العنكبوت: 32] لتؤدي هذين المعنيين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في قطع:
القطع: الإبانة، قطعه قَطْعا وتقْطاعا ومَقْطَعا وقطعت النهرَ قطوعا: عبرت.
وقَطَع ماء الركية قطوعا وقَطَاعا: انقطع وذهب.
والقطع يكون مدرَكا بالبصر، كقطع اللحم ونحوه، ومنه، قوله تعالى: {فَاقْطَعوا أَيْديَهمَا} وقوله: {قطعَتْ لَهمْ ثيَاب من نار} ويكون مدرَكا بالبصيرة، نحو قطع الطريق، وذلك على وجهين: أَحدهما يراد به السير والسلوك، والثانى يراد به الغَضْب من المارة والسالكين، نحو قوله تعالى: {أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجَالَ وَتَقْطَعونَ السبيلَ} وسمى قطع الطريق لأَنه يؤدى إلى انقطاع الناس عن الطريق.
وقطع الرحم يكون بالهجران ومنع البر.
وقوله تعالى: {فَلْيَمْددْ بسَبَبٍ إلَى السمَاء ثم لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظرْ} أي ليقطع حبله حتى يقع.
وقيل: ليقطع عمره بالاختناق، وهو معنى قول ابن عباس ثم ليختنق.
ومعنى الآية: مَن ظن أَن الله لا ينصر نبيه فليشد حبلا في سقفه- وهو السماء- ثم ليقطع الحبل، قال الليث: يقال: قَطَع الرجل الحبل أي اختنق، لأَن المختنق يمد السبَبَ إلى السقف ثم يقطع نفسه من الأَرض حتى يختنق، تقول منه: قَطَع الرجل.
وسأَل النبى صلى الله عليه وسلم سائل فقال: «اقطعوا لسانه عنى» أي أَرضوه.
وقوله تعالى: {وَقَطعْنَاهمْ في الأَرْض أمَما} أي جعلنا في كل قرية منهم طائفة تؤدى الجزية.
وقوله تعالى: {إلا أَن تَقَطعَ قلوبهمْ} أي إلا أَن يموتوا، واستثنى الموت من شكهم لأَنهم إذا ماتوا أَيقنوا، وذلك لا ينفعهم، وقيل: معناه إلا أَنْ يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما على تفريطهم.
وقيل: ورد القطع في القرْآن على اثنى عشر وجها:
الأَول: بمعنى الخدش والخمش من الحيرة والدهش: {وَقَطعْنَ أَيْديَهن}.
الثانى: إبانة العضو من السارقين: {وَالسارق وَالسارقَة فَاقْطَعوا أَيْديَهمَا} {أَوْ تقَطعَ أَيْديهمْ وَأَرْجلهم منْ خلافٍ} {لأقَطعَن أَيْديَكمْ وَأَرْجلَكمْ منْ خلاَفٍ}.
الثالث: بمعنى قطع الطرقات: {أَئنكمْ لَتَأْتونَ الرجَالَ وَتَقْطَعونَ السبيلَ}.
الرابع: بمعنى قطع الأَرحام: {وَيَقْطَعونَ مَآ أَمَرَ الله به أَن يوصَلَ}.
الخامس: بمعنى الاختلاف في الملة والتفرق في الدين: {فَتَقَطعوا أَمْرَهمْ بَيْنَهمْ}.
السادس: بمعنى التفريق والتشتيت: {وَقَطعْنَاهمْ في الأَرْض أمَما}.
السابع: بمعنى الاستئصار: {فَقطعَ دَابر الْقَوْم الذينَ ظَلَموا} {وَيَقْطَعَ دَابرَ الْكَافرينَ}.
الثامن: بمعنى تبعيد القريب أَو تقريب البعيد: {أَوْ قطعَتْ به الأَرْض} أي بقرب بعض وبعد آخرين.
التاسع: بمعنى التقدير والإعداد: {قطعَتْ لَهمْ ثيَاب من نار}.
العاشر: بمعنى زوال الرجاء والأَمل: {إلا أَن تَقَطعَ قلوبهمْ} أي يئسوا مما رجَوْا.
الحادى عشر: بمعنى القهر والقتل: {ليَقْطَعَ طَرَفا منَ الذينَ كَفَروا} أي يقتل طائفة منهم.
الثانى عشر: بمعنى إحكام الأَمر وإتقان العزيمة والتدبير: {مَا كنت قَاطعَة أَمْرا حَتى تَشْهَدون} أي مبرمة محكمة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلوطا إذْ قَالَ لقَوْمه إنكمْ لَتَأْتونَ الْفَاحشَةَ مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ منَ الْعَالَمينَ (28)}.
لا مَهم على خصلتهم الشنعاء، وما كانوا يتعاطونه على الله من الاجتراء، وما يضَيعونه من المعروف ويأتون من المنكر الذي جملته تخليته الفساق مع فسقهم، وترك قلة احترام الشيوخ والأكابر، ومنها التسويف في التوبة، ومنها التفاخر بالزلة.
فما كان جوابهم إلا استعجالَ العقوبة، فحل بهم من ذلك ما أهلكهم وأهلك من شاركهم.
{وَلَما جَاءَتْ رسلنَا إبْرَاهيمَ بالْبشْرَى قَالوا إنا مهْلكو أَهْل هَذه الْقَرْيَة إن أَهْلَهَا كَانوا ظَالمينَ (31)}.
التبس على إبراهيم أمرهم فظَنهم أضيافا؛ فتكلفَ لهم تقديم العجل الحنيذ جريا على سنته في إكرام الضيف. فلما أخبروه مقصودَهم من إهلاك قوم لوط تكلم من باب لوط. إلى أن قالوا: إنا منَجوه. وكَان ذلك دليلا على أن الله تعالى لو أراد إهلاك لوطٍ- وإنْ كان بريئا- لم يكن ظلما؛ إذ لو كان قبيحا لما كان إبراهيم عليه السلام- مع وفرة علْمه- يشكل عليه حتى كان يجادل عنه. بل لله أن يعذب منْ يعذب، ويعَافي مَنْ يعَافي. اهـ.

.قال السبكي:

قَوْله تعالى: {إنا مهْلكو أَهْل هَذه الْقَرْيَة إن أَهْلَهَا كَانوا ظَالمينَ} وَإنْ كَانَتْ هَذه جمْلَتَيْن وَوَضْع الظاهر مَوْضعَ الْمضْمر إنمَا يَحْتَاج إلَى الاعْتذَار عَنْه إذَا كَانَ في جمْلَةٍ وَاحدَةٍ، وَلَكنْ نَسْأَل عَنْ سَبَب الْإظْهَار هنَا وَالْإضْمَار في مثْل قوله: {إلَى فرْعَوْنَ وَمَلَئه إنهمْ كَانوا قَوْما فَاسقينَ} وَخَطَرَ لي في الْجَوَاب أَنه لَما كَانَ الْمرَاد في مَدَائن لوطٍ إهْلَاكَ الْقرَى صَرحَ في الْمَوْضعَيْن بذكْر الْقَرْيَة التي يَحل بهَا الْهَلَاك، كَأَنهَا اكْتَسَبَتْ الظلْمَ وَاسْتَحَقتْ الْإهْلَاكَ مَعَهمْ، وَلَما كَانَ الْمرَاد في قَوْم فرْعَوْنَ إهْلَاكَهمْ بصفَاتهمْ وَلَمْ يهْلكْ بَلَدَهمْ أَتَى بالضمير الْعَائد عَلَى ذَوَاتهمْ منْ حَيْث هيَ لَا تَخْتَص بمَكَانٍ وَلَا يَدْخل مَعَهَا مَكَان.
وَقَدْ قلْت:
لأَسْرَار آيَات الْكتَاب مَعَاني ** تَدق فَلَا تَبْدو لكل معَان

وَفيهَا لمرْتَاضٍ لَبيبٍ عَجَائب ** سَنَا بَرْقهَا يَعْنو لَه الْقَمَرَان

إذَا بَارق منْهَا لقَلْبي قَدْ بَدَا ** هَمَمْت قَريرَ الْعَيْن بالطيَرَان

سرورا وَإبْهَاجا وَنَيْلا إلَى الْعلَى ** كَأَن عَلَى هَام السمَاك مَكَاني

وَهَاتيك منْهَا قَدْ أَتَحْتك مَا تَرَى ** فَشكْرا لمَنْ أَوْلَى بَديعَ بَيَاني

وَإن جَنَاني في تَمَوج أَبْحرٍ ** منْ الْعلْم في قَلَبي يَمد لسَاني

وَكَمْ منْ كتَابٍ في جمَادَى محَررٍ ** إلَى أَنْ أَرَى أَهْلا ذَكى جَنَاني

فَيَصْطَاد مني مَا يطيق اقْتنَاصَه ** وَلَيْسَ لَه بالشاردَات يَدَان

منَايَ سَليم الذهْن ريض ارْتَوَى ** فَكل علوم الْخَلْق ذو لَمَعَانٍ

فَذَاكَ الذي يرْجَى لإيضَاح مشْكَلٍ ** وَيَقْصد للتجْريد مَد عيَاني

وَكَمْ لي في الْآيَات حسْن تَدَبرٍ ** به الله ذو الْفَضْل الْعَظيم حَبَاني

تجَاهَ رَسول الله قَدْ نلْت كل ** مَا أَتَى وَسَيَأْتي دَائما بأَمَان

فَصَلى عَلَيْه الله مَا ذَر شَارق ** وَسَلمَ مَا دَامَتْ لَه الْمَلَوَان

اهـ.