فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلَما أَنْ جَاءَتْ رسلنَا لوطا سيءَ بهمْ}.
شهد إبراهيم هذا الموقف مع لوط، وعلم سبب حضورهم إليه، لكن لماذا سيء بهم، مع أنهم رسل الله ملائكة جاءوه على أحسن صورة؟ قالوا: لأن الملَك يأتي على أجمل صورة، حتى إذا أردنا أن نمدح شخصا بالجمال نقول: مثل الملاك، ومن ذلك قول النسوة لامرأة العزيز عن يوسف عليه السلام: {مَا هذا بَشَرا إنْ هاذآ إلا مَلَك كَريم} [يوسف: 31].
فلما رآهم لوط على هذه الصورة خاف عليهم، بدل أنْ يفرح بمرآهم الجميل؛ لأن قومه قوم سوء وأهل رذيلة، ولابد أنْ ينالوا ضيوفه بسوء؛ لذلك {سيءَ بهمْ} [العنكبوت: 33] أي: أصابه السوء بسببهم {وَضَاقَ بهمْ ذَرْعا} [العنكبوت: 33] الذرع هو طول الذراعين، فنقول: فلان باعه طويل. يعني: يتناول الأشياء بسهولة؛ لأن يده طويلة، فالمعنى: ضاق بهم ذَرْعا. يعني: لم يتسع جهده لحمايتهم من القوم.
ونلحظ هنا اختلاف السياق بين الآيتين: {وَلَما جَاءَتْ رسلنَآ إبْرَاهيمَ} [العنكبوت: 31] أما في لوط فقال: {وَلَمآ أَن جَاءَتْ رسلنَا لوطا} [العنكبوت: 33] لأنهم تأخروا بعض الشيء عند إبراهيم عليه السلام.
فلما أن أصابه السوء بمرآهم، بدل أنْ يسعد بهم، وخاف عليهم طمأنوه {وَقَالوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إنا منَجوكَ وَأَهْلَكَ إلا امرأتك كَانَتْ منَ الغابرين} [العنكبوت: 33] لا تخَفْ علينا من هؤلاء الأراذل، فلسنا بشرا، إنما نحن ملائكة ما جئْنا إلا لنريحك منهم، ونقطع جذور هذه الفعْلة الخبيثة، وسوف ننجيك وأهلك من العذاب النازل بهم.
ثم يستثنون من أهله {إلا امرأتك} [العنكبوت: 33] فكثيرا ما ضايقته، وأفشتْ أسراره، ودلتْ القوم على ضيوفه {كَانَتْ منَ الغابرين} [العنكبوت: 33] الباقين في العذاب.
لكن، ما الطريقة التي ستقضون بها على هؤلاء القوم؟
{إنا منْزلونَ عَلَى أَهْل هَذه الْقَرْيَة رجْزا منَ السمَاء بمَا كَانوا يَفْسقونَ (34)}.
الرجز: العذاب ينزل عليهم من السماء، والحجارة التي يمطرهم الله بها {بمَا كَانوا يَفْسقونَ} [العنكبوت: 34] أي: بسبب فسْقهم وخروجهم عن منهج الله.
{وَلَقَدْ تَرَكْنَا منْهَا آيَة بَينَة لقَوْمٍ يَعْقلونَ (35)}.
لأن هذا العذاب استأصلهم، وقضى عليهم، وجعلهم عبرة لكل عاقل متأمل وآية في الكون لكل عابر بها، كما قال سبحانه: {وَإنكمْ لتَمرونَ عَلَيْهمْ مصْبحينَ} [الصافات: 137] إذن: فالعبرة باقية بأهل سَدوم كلما مر الناس بقراهم.
لذلك قال الله عنها {آيَة بَينَة} [العنكبوت: 35] الآية: الشيء العجيب الذي يدعو للتأمل {بَينَة} [العنكبوت: 35] واضحة كدليل باقٍ، وظاهر لا يخفى على أحد {لقَوْمٍ يَعْقلونَ} [العنكبوت: 35] يعني: يبحثون ويتأملون بسبب ما حاق بهذه القرى، وما نزل بها من عذاب الله. اهـ.

.قال القرطبي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلوطا إذْ قَالَ لقَوْمه}.
قال الكسائي: المعنى وأنجينا لوطا أو أرسلنا لوطا.
قال: وهذا الوجه أحب إلي.
ويجوز أن يكون المعنى واذكر لوطا إذ قال لقومه موبخا أو محذرا {إنكمْ لَتَأْتونَ الفاحشة مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ منَ العالمين} {أَئنكمْ} تقدم القراءة في هذا وبيانها في سورة الأعراف.
وتقدم قصة لوط وقومه في الأعراف وهود أيضا.
{وَتَقْطَعونَ السبيل} قيل: كانوا قطاع الطريق؛ قاله ابن زيد.
وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة؛ حكاه ابن شجرة.
وقيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال قاله وهب بن منبه.
أي استغنوا بالرجال عن النساء.
قلت: ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة، ويستغنون عن النساء بذلك.
{وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} النادي المجلس واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه؛ فقالت فرقة: كانوا يخذفون النساء بالحصى، ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم.
وروته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
«قالت أم هانىء: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر} قال: كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه» أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده. وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي والماوردي. وذكر الثعلبي قال معاوية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مر بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به» يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله: {وَتَأْتونَ في نَاديكم المنكر}.
وقالت عائشة وابن عباس والقاسم ابن أبي بَزة والقاسم بن محمد: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم.
وقال منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا.
وعن مجاهد: كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم.
قال ابن عطية: وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالتناهي واجب.
قال مكحول: في هذه الأمة عشرة من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك، وتطريف الأصابع بالحناء، وحل الإزار، وتنقيض الأصابع، والعمامة التي تلف حول الرأس، والتشابك، ورمي الجلاهق، والصفير والخذف، واللوطية.
وعن ابن عباس قال: إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة، منها أنهم يتظالمون فيما بينهم، ويشتم بعضهم بعضا، ويتضارطون في مجالسهم، ويخذفون ويلعبون بالنرْد والشطْرَنج، ويلبسون المصبغات، ويتناقرون بالديكة، ويتناطحون بالكباش، ويطرفون أصابعهم بالحناء، وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال، ويضربون المكوس على كل عابر، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله وهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق.
فلما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا: {ائتنا بعَذَاب الله} أي إن ذلك لا يكون ولا يقدر عليه.
وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه.
وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا.
ثم استنصر لوط عليه السلام ربه فبعث عليهم ملائكة لعذابهم، فجاؤوا إبراهيم أولا مبشرين بنصرة لوط على قومه، حسبما تقدم بيانه في هود وغيرها.
وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي: {لَننَجيَنه وَأَهْلَه} بالتخفيف. وشدد الباقون.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {إنا منْجوكَ وَأَهْلَكَ} بالتخفيف. وشدد الباقون. وهما لغتان: أَنْجَى ونَجى بمعنى، وقد تقدم.
وقرأ ابن عامر: {إنا منَزلونَ} بالتشديد وهي قراءة ابن عباس. الباقون بالتخفيف.
وقوله: {وَلَقَد ترَكْنَا منْهَآ آيَة بَينَة لقَوْمٍ يَعْقلونَ} قال قتادة: هي الحجارة التي أبقيت. وقاله أبو العالية.
وقيل: إنه يرجم بها قوم من هذه الأمة.
وقال ابن عباس: هي آثار منازلهم الخربة.
وقال مجاهد: هو الماء الأسود على وجه الأرض.
وكل ذلك باق فلا تعارض. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلوطا إذْ قَالَ لقَوْمه إنكمْ لَتَأْتونَ الْفَاحشَةَ مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ منَ الْعَالَمينَ (28)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنهما في قوله: {وتقطعون السبيل} قال: الطريق إذا مر بهم المسافر، وهو ابن السبيل قطعوا به وعملوا به ذلك العمل الخبيث.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {وتأتون في ناديكم} قال: مجلسكم.
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والشاشي في مسنده والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال «كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون ابن السبيل ويسخرون منهم».
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وهو قول الله {وتأتون في ناديكم المنكر}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: الخذف، فقال رجل: وما لي قلت هكذا؟ فأخذ ابن عمر كفا من حصباء، فضرب به وجهه وقال: في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بالمعاريض.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: الخذف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: كانوا يخذفون الناس.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوىء الأخلاق عن مجاهد في قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وتأتون في ناديكم المنكر} قال كانوا يعملون الفاحشة في مجالسهم.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها في قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: الضراط.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله {وتأتون في ناديكم المنكر} ماذا كان المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال: كانوا يتضارطون في مجالسهم، يضرط بعضهم على بعض. والنادي هو المجلس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وتأتون في ناديكم المنكر} قال: الصفير، ولعب الحمام، والجلاهق، وحل ازرار القباء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} قال: لا يلقى المؤمن إلا يرحم المؤمن ويحوطه حيثما كان وفي قوله: {إلا امرأته كانت من الغابرين} قال: من الباقين في عذاب الله.
وفي قوله: {ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا} قال: ساء بقومه ظنا، يتخوفهم على اضيافه، وضاق ذرعا بضيفه مخافة عليهم. وفي قوله: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء} قال: عذابا من السماء. وفي قوله: {ولقد تركنا منها آية بينة} قال: هي الحجارة التي أمطرت عليهم أبقاها الله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولقد تركنا منها آية بينة} قال: عبرة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَما أَنْ جَاءَتْ رسلنَا لوطا سيءَ بهمْ وَضَاقَ بهمْ ذَرْعا}.
لما أن رآهم لوط ضاق بهم قلبه لأنه لم يعلم أنهم ملائكة، فخاف عليهم من فساد قومه: فكان ضيق قلبه لأَجْل الله- سبحانه، فأخبروه بأنهم ملائكة، وأن قومه لن يَصلوا إليهم. فعند ذلك سَكَنَ قلبه. وزال ضيق صَدْره.
ويقال أقرب ما يكون العبد في البلاء من الفرج إذا اشتد عليه البلاء؛ فعند ذلك يكون زوال البلاء، لأنه يصير مضْطرا، والله سبحانه وَعََدَ المضطرين وشيك الإجابة. كذلك كان لوط في تلك الليلة، فقد ضاق بهم ذَرْعا ثم لم يلبث أَنْ وَجَدَ الخلاصَ من ضيقة.
{وَلَقَدْ تَرَكْنَا منْهَا آيَة بَينَة لقَوْمٍ يَعْقلونَ (35)}.
فَمْنَ أراد الاعتبارَ فله في قصتها عبْرة. اهـ.