فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبا}.
نصب {شعيبا} بفعل مضمر يحسن مع إلى تقديره بعثنا أو أرسلنا، فأمر شعيب بعبادة الله تعالى والإيمان بالبعث واليوم الآخر ومع الإيمان به يصح رجاؤه، وذهب أبو عبيدة إلى أن المعنى وخافوا، و{تعثوا} معناه تفسدون، يقال عثا يعثوا وعث يعث وعاث يعيث وعثى يعثي إذا فسد، وأهل {مدين} قوم شعيب هذا على أنها اسم البلدة، وقيل {مدين} اسم القبيلة وأصحاب الأيكة وغيرهم، وقيل هم بعضهم ومنهم وذلك أن معصيتهم في أمر الموازين والمكاييل كانت واحدة.
و{الرجفة} ميد الأرض بهم وزلزلتها عليهم وتداعيها بهم وذلك نحو من الخسف، ومنه الإرجاف بالاخبار، والجثوم في هذا الموضع تشبيه، أي كان همودهم على الأرض كالجثوم الذي هو للطائر والحيوان، ومنه قول لبيد: الكامل:
فغدوت في غلس الظلام وطيره ** غلب على خضل العضاة جثوم

وقوله: {وعادا} منصوب بفعل مضمر تقديره واذكر عادا، وقيل هو معطوف على الضمير في قوله: {فأخذتهم} وقال الكسائي هو معطوف على قوله: {ولقد فتنا الذين من قبلهم} [العنكبوت: 3] ، وقرأ، {وثمودا} عاصم وأبو عمرو وابن وثاب، وقرأ: {وثمود} بغير تنوين أبو جعفر وشيبة الحسن، وقرأ ابن وثاب {وعادٍ وثمودٍ} بالخفض والتنوين، ثم دل عز وجل على ما يعطي العبرة في بقايا {مساكنهم} ورسوم منازلهم ودثور آثارهم، وقرأ الأعمش {تبين لكم مَساكنهم} دون {من} وقوله تعالى: {وزين لهم} عطف جملة من الكلام على جملة، و{السبيل} هي طريق الإيمان بالله ورسله، ومنهج النجاة من النار، وقوله، {مستبصرين} قال ابن عباس ومجاهد والضحاك معناه لهم بصيرة في كفرهم، وإعجاب به وإصرار عليه فذمهم بذلك، وقيل لهم بصيرة في أن الرسالة والآيات حق لكنهم كانوا مع ذلك يكفرون عنادا ويردهم الضلال إلى مجاهله ومتالفه، فيجري هذا مجرى قوله تعالى في غيرهم {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] ، وتزيين الشيطان هو بالوسواس ومناجاة ضمائر الناس، وتزيين الله تعالى الشيء هو بالاختراع وخلق محبته والتلبس به في نفس العبد.
{وَقَارونَ وَفرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهمْ موسَى بالْبَينَات فَاسْتَكْبَروا في الْأَرْض وَمَا كَانوا سَابقينَ (39)}.
نصب {قارون} إما بفعل مضمر تقديره اذكر وإما بالعطف على ما تقدم، و{قارون} من بني إسرائيل وهو الذي تقدمت قصته في الكنوز وفي البغي على موسى بن عمران عليه السلام، {وفرعون} مشهور، و{هامان} وزيره، وهو من القبط، و{البينات} المعجزات والآيات الواضحة، و{سابقين} معناه مفلتين من أخذنا وعقابنا، وقيل معناه {سابقين} أولياءنا، وقيل معناه {ما كانوا سابقين} الأمم إلى الكفر، أي قد كانت تلك عادة أمم مع رسل، والذين أرسل عليهم الحاصب قال ابن عباس: هم قوم لوط.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويشبه أن يدخل قوم عاد في {الحاصب} لأن تلك الريح لابد أنها كانت تحصبهم بأمور مؤذية، و{الحاصب} هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء، ومنه قول الأخطل: الكامل:
ترمي العضاة بحاصب من ثلجها ** حتى يبيت على العضاة جفالا

ومنه قول الفرزدق: البسيط:
مستقبلين شمال الشام تضربهم ** بحاصب كنديف القطن منثور

والذين أخذتهم {الصيحة} قوم ثمود، قاله ابن عباس وقال قتادة: هم قوم شعيب، و{الخسف} كان بقارون، قاله ابن عباس.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويشبه أن يكون أصحاب الرجفة في هذا النوع من العذاب، والغرق كان في قوم نوح، وبه فسر ابن عباس وفي فرعون وحزبه، وبه فسر قتادة، وظلمهم أنفسهم كان بالكفر ووضع العبادة في غير موضعها وقدم المفعول على {يظلمون} للاهتمام وهذا نحو {إياك نعبد} [الفاتحة: 5] وغيره، وحكى الطبري عن قتادة أن رجفة قوم شعيب كان صيحة أرجفتهم على هذا مع ثمود. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وارجوا اليومَ الآخر}.
قال المفسرون: اخشَوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال.
قوله تعالى: {وعادا وثمود}.
قال الزجاج: المعنى: وأهلكنا عادا وثمودا، لأن قبل هذا {فأخذتْهم الرجفة}.
قوله تعالى: {وقد تَبَين لكم منْ مساكنهم} أي: ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجاز واليمن آية في هلاكهم، {وكانوا مستبصرين} قال الفراء: أي: ذوي بصائر.
وقال الزجاج: أتوا ما أتوه وقد تبين لهم أن عاقبته عذابهم.
وقال غيره: كانوا عند أنفسهم مستبصرين، يظنون أنهم على حق.
قوله تعالى: {وما كانوا سابقين} أي: ما كانوا يفوتون الله أن يفعل بهم ما يريد.
قوله تعالى: {فكلا أخذْنا بذنْبه} أي: عاقبْنا بتكذيبه {فمنهم من أرسَلْنا عليه حاصبا} يعني قوم لوط {ومنهم من أخذتْه الصيحة} يعني ثمودا وقوم شعيب {ومنهم مَنْ خَسَفْنا به الأرض} يعني قارون وأصحابه {ومنهم من أغرقْنا} يعني قوم نوح وفرعون {وما كان الله ليَظْلمهم} فيعذبهم على غير ذَنْب {ولكنْ كانوا أنفسَهم يَظْلمون} بالإقامة على المعاصي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبا} أي وأرسلنا إلى مدين.
وقد تقدم ذكرهم وفسادهم في الأعراف وهود {وارجوا اليوم آلآخرَ} وقال يونس النحوي؛ أي اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال.
{وَلاَ تَعْثَوْا في الأرض مفْسدينَ} أي لا تكفروا فإنه أصل كل فساد.
والعثو والعثي أشد الفساد.
عَثيَ يَعثَى وعَثَا يَعثو بمعنى واحد.
وقد تقدم.
وقيل: {وَارْجوا الْيَوْمَ الآخرَ} أي صدقوا به فإن القوم كانوا ينكرونه.
قوله تعالى: {وَعَادا وَثَمودَ} قال الكسائي: قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة؛ أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمودا.
قال: وأحب إلي أن يكون معطوفا على {فَأَخَذَتْهم الرجْفَة} وأخذت عادا وثمودا.
وزعم الزجاج: أن التقدير وأهلكنا عادا وثمودا.
وقيل: المعنى واذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم، وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم بالصيحة كما أهلكنا عادا بالريح العقيم.
{وَقَد تبَينَ لَكم} يا معشر الكفار {من مسَاكنهمْ} بالحجْر والأحقاف آيات في إهلاكهم فحذف فاعل التبين.
{وَزَينَ لَهم الشيطان أَعْمَالَهمْ} أي أعمالهم الخسيسة فحسبوها رفيعة.
{فَصَدهمْ عَن السبيل} أي عن طريق الحق.
{وَكَانوا مسْتَبْصرينَ} فيه قولان: أحدهما وكانوا مستبصرين في الضلالة قاله مجاهد.
والثاني: كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين.
وهذا القول أشبه؛ لأنه إنما يقال فلان مستبصر إذا عرف الشيء على الحقيقة.
قال الفراء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم.
وقيل: أتوا ما أتوا وقد تبين لهم أن عاقبتهم العذاب.
قوله تعالى: {وَقَارونَ وَفرْعَوْنَ وَهَامَانَ} قال الكسائي: إن شئت كان محمولا على عاد، وكان فيه ما فيه، وإن شئت كان على {فَصَدهمْ عَن السبيل} وصد قارون وفرعون وهامان.
وقيل: أي وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل {فاستكبروا في الأرض} عن الحق وعن عبادة الله {وَمَا كَانوا سَابقينَ} أي فائتين.
وقيل: سابقين في الكفر بل قد سبقهم للكفر قرون كثيرة فأهلكناهم.
{فَكلا أَخَذْنَا بذَنبه} قال الكسائي: {فَكلا} منصوب ب {أَخَذْنَا} أي أخذنا كلا بذنبه.
{فَمنْهم من أَرْسَلْنَا عَلَيْه حَاصبا} يعني قوم لوط.
والحاصب ريح يأتي بالحصباء وهي الحصى الصغار.
وتستعمل في كل عذاب {وَمنْهمْ منْ أَخَذَتْه الصيحة} يعني ثمودا وأهل مدين.
{وَمنْهمْ منْ خَسَفْنَا به الأرض} يعني قارون {وَمنْهمْ منْ أَغْرَقْنَا} قوم نوح وقوم فرعون.
{وَمَا كَانَ الله ليَظْلمَهمْ} لأنه أنذرهم وأمهلهم وبعث إليهم الرسل وأزاح العذر. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبا فَقَالَ يَا قَوْم اعْبدوا اللهَ}.
{وإلى مدين} أي وإلى مدين أرسلنا، أو بعثنا، مما يتعدى بإلى.
أمرهم بعبادة الله، والإيمان بالبعث واليوم الآخر.
والأمر بالرجاء، أمر بفعل ما يترتب الرجاء عليه، أقام المسبب مقام السبب.
والمعنى: وافعلوا ما ترجون به الثواب من الله، أو يكون أمرا بالرجاء على تقدير تحصيل شرطه، وهو الإيمان بالله.
وقال أبو عبيدة: {وارجوا} خافوا جزاء اليوم الآخر من انتقام الله منكم إن لم تعبدوه.
وتضمن الأمر بالعبادة والرجاء أنه إن لم يفعلوا ذلك، وقع بهم العذاب؛ كذلك جاء: {فكذبوه} وجاءت ثمرة التكذيب، وهي: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} وتقدم تفسير مثل هذه الجمل.
وانتصب {وعادا وثمودا} بإضمار أهلكنا، لدلالة فأخذتهم الرجفة عليه.
وقيل: بالعطف على الضمير في فأخذتهم، وأبعد الكسائي في عطفه على الذين من قوله: {ولقد فتنا الذين من قبلهم}.
وقرأ: ثمود، بغير تنوين؛ حمزة، وشيبة، والحسن، وحفص، وباقي السبعة: بالتنوين.
وقرأ ابن وثاب: وعاد وثمود، بالخفض فيهما، والتنوين عطفا على مدين، أي وأرسلنا إلى عاد وثمود.
{وقد تبين لكم} أي ذلك، أي ما وصف لكم من إهلاكهم من جهة مساكنهم، إذا نظرتم إليها عند مروركم لها، وكان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم.
وقرأ الأعمش: مساكنهم، بالرفع من غير من، فيكون فاعلا بتبين.
{وزين لهم الشيطان} أي بوسوسته وإغوائه، {أعمالهم} القبيحة.
{فصدهم عن سبيل الله} وهي طريق الإيمان بالله ورسله.
{وكانوا مستبصرين} أي في كفرهم لهم به بصر وإعجاب قاله، ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
وقيل: عقلاء، يعلمون أن الرسالة والآيات حق، ولكنهم كفروا عنادا، وجحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم.
{وقارون} معطوف على ما قبله، أو منصوب بإضمار اذكر.
{فاستكبروا} أي عن الإقرار بالصانع وعبادته في الأرض، إشارة إلى قلة عقولهم، لأن من في الأرض يشعر بالضعف، ومن في السماء يشعر بالقوة، ومن في السماء لا يستكبرون عن عبادة الله، فكيف من في الأرض؟ {وما كانوا سابقين} الأمم إلى الكفر، أي تلك عادة الأمم مع رسلهم.
والحاصب لقوم لوط، وهي ريح عاصف فيها حصا، وقيل: ملك كان يرميهم.
والصيحة لمدين وثمود، والخسف لقارون، والغرق لقوم نوح وفرعون وقومه.
قال ابن عطية: ويشبه أن يدخل قوم عاد في الحاصب، لأن تلك الريح لابد كانت تحصبهم بأمور مؤذية، والحاصب: هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمي بشيء، ومنه قول الفرزدق:
مستقبلين شمال الشأم تضربهم ** بحاصب كنديف القطن منثور

ومنه قول الأخطل:
ترمي العضاة بحاصب من بلحها ** حتى تبيت على العضاة حفالا

اهـ.