فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان، لو كانوا يعلمون؛ أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز، وكأنه قال: وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون.
ولقائل أن يقول: مثل المشرك الذي يعبد الوثن، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل عنكبوت يتخذ بيتًا، بالإضافة إلى رجل بنى بيتًا بآجر وجص أو نحته من صخر.
فكما أن أوهن البيوت، إذا استقريتها بيتًا بيتًا، بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان، إذا استقريتها دينًا دينًا، عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون. انتهى.
وما ذكره من قوله: ولقائل أن يقول. إلخ.
لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله، كعادته في كثير من تفسيره.
وقرأ أبو عمرو، وسلام: يعلم ما، بالإدغام؛ والجمهور: بالفك؛ والجمهور: تدعون، بتاء الخطاب؛ وأبو عمرو، وعاصم: بخلاف، بياء الغيبة؛ وجوزوا في ما أن يكون مفعولًا بيدعون، أي يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء، أي يعلم حالهم، وأنهم لا قدرة لهم.
وأن تكون نافية، أي لستم تدعون من دونه شيئًا له بال ولا قدر، فيصلح أن يسمى شيئًا، وأن يكون استفهامًا، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من يعلم، واعتراض بين يعلم وبين قوله: {وهو العزيز الحكيم}.
وجوز أبو علي أن يكون ما استفهامًا منصوبًا بيدعون، ويعلم معلقة؛ فالجملة في موضع نصب بها، والمعنى: أن الله يعلم أوثانًا تدعون من دونه، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك.
والجملة تأكيد للمثل، وإذا كانت ما نافية، كان في الجملة زيادة على المثل، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئًا.
{وهو العزيز الحكيم} فيه تجهيل لهم، حيث عبدوا ما ليس بشيء، لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلًا، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئًا إلا لحكمة.
{وما يعقلها إلا العالمون} أي لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها.
وكان جهلة قريش يقولون: إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، وما علموا أن الأمثال والتشبيهات طرق إلى المعاني المحتجبة، فتبرزها وتصورها للفهم، كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد.
والإشارة بقوله: {وتلك الأمثال} إلى هذا المثل، وما تقدم من الأمثال في السور.
وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» {خلق السموات والأرض} فيه تنبيه على صغر قدر الأوثان التي عبدوها.
ومعنى {بالحق} بالواجب الثابت، لا بالعبث واللعب، إذ جعلها مساكن عباده، وعبرة ودلائل على عظيم قدرته وباهر حكمته.
والظاهر أن الصلاة هي المعهود، والمعنى: من شأنها أنها إذا أديت على ما يجب من فروضها وسننها والخشوع فيها، والتدبر لما يتلو فيها، وتقدير المثول بين يدي الله تعالى، أن {تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
وقال ابن عباس، والكلبي، وابن جريج، وحماد بن أبي سليمان: تنهى ما دام المصلي فيها.
وقال ابن عمر: الصلاة هنا القرآن.
وقال ابن بحر: الصلاة: الدعاء، أي أقم الدعاء إلى أمر الله، وأما من تراه من المصلين يتعاطى المعاصي، فإن صلاته تلك ليست بالوصف الذي تقدم.
وفي الحديث أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدع شيئًا من الفواحش والسرقة إلا ارتكبه، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن صلاتها تنهاه».
فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أقل لكم؟» ولا يدل اللفظ على أن كل صلاة تنهى، بل المعنى، أنه يوجد ذلك فيها، ولا يكون على العموم.
كما تقول: فلان يأمر بالمعروف، أي من شأنه ذلك، ولا يلزم منه أن كل معروف يأمر به.
والظاهر أن {أكبر} أفعل تفضيل.
فقال عبد الله، وسلمان، وأبو الدرداء، وابن عباس، وأبو قرة: معناه ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وقال قتادة، وابن زيد: أكبر من كل شيء؛ وقيل: ولذكر الله في الصلاة أكبر منه خارج الصلاة، أي أكبر ثوابًا؛ وقيل: أكبر من سائر أركان الصلاة؛ وقيل: ولذكر الله نهيه أكبر من نهي الصلاة؛ وقيل: أكبر من كل العبادة.
قال ابن عطية: وعندي أن المعنى: ولذكر الله أكبر على الإطلاق، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، والجزء الذي منه في الصلاة ينهى، كما ينهى في غير الصلاة، لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر الله مراقبه، وثواب ذلك الذاكر أن يذكره الله في ملأ خير من ملائه، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في النهي، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب وتفرغه إلا من الله.
وأما ما لا يجاوز اللسان ففي رتبة أخرى.
وقال الزمخشري: يريد والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وسماها بذكر الله، كما قال: {فاسعوا إلى ذكر الله} وإنما قال: {ولذكر الله} لتستقل بالتعليل، كأنه قال: والصلاة أكبر، لأنها ذكر الله مما تصنعون من الخير والشر فيجازيكم، وفيه وعيد وحث على المراقبة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{مَثَل الذين اتخذوا من دون الله أَوْليَاء} أي فيما اتخذوه معتمدًا ومتكلًا {كَمَثَل العنكبوت اتخذت بَيْتًا} فيما نسجتْه في الوهن والخور بل ذلك أوهن من هذا لأن له حقيقةً وانتفاعًا في الجملة أو مَثَلهم بالإضافة إلى الموحد كمثله بالإضافة إلى رجلٍ بنى بيتًا من حجرٍ وجصَ. والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والغالب في الاستعمال التانيث وتاؤه كتاء طاغوت ويجمع على عناكبَ وعنكبوتاتٍ وأما العكَاب والعكب والأَعْكب فأسماء الجموع {وَإن أَوْهَنَ البيوت لَبَيْت العنكبوت} حيث لا يرى شيء يدانيه في الوَهَن والوَهَى {لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ} أي شيئًا من الأشياء لجزموا أن هذا مثلهم وأن دينَهم أَوْهى من ذلكَ ويجوز أنْ يجعلَ بيت العنكبوت عبارةً عن دينهم تحقيقًا للتمثيل فالمعنى وإن أوهنَ ما يعتمد به في الدين دينهم.
{إن الله يَعْلَم مَا يَدْعونَ من دونه من شَىْء}.
على إضمار القول أي قل للكَفَرة إن الله الخ وما استفهامية منصوبة بيدعونَ معلقة ليعلم ومن للتبيين أو نافية، ومنْ مزيدة وشيءٍ مفعول يدعون أو مصدرية وشيءٍ عبارة عن المصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول يدعون عائده المحذوف. وقرىء تَدعون بالتاء والكلام على الأولين تجهيل لهم وتأكيد وعلى الآخرينَ وعيد لهم {وَهوَ العزيز الحكيم} تعليل على المعنيين فإن إشراكَ ما لا يعد شيئًا بمن هَذا شأنه من فرط الغباوة وإن الجمادَ النسبة إلى القادر القاهر على كل شيءٍ البالغ في العلم وإتقان الفعل الغايةَ القاصيةَ كالمعدوم البحت وأن منَ هذه صفاته قادر على مجازاتهم. {وَتلْكَ الامثال} أي هذا المثل وأمثاله {نَضْربهَا للناس} تقريبًا لما بعد من أفهامهم {وَمَا يَعْقلهَا} على ما هي عليه من الحسن واستتباع الفوائد {إلا العالمون} الراسخون في العلم المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي وعنه عليه الصلاة والسلام أنه تَلاَ هذه فقال: «العالم من عقلَ عن الله تعالى وعمل بطاعته واجتنبَ سَخَطَه» {خَلَقَ الله السموات والأرض بالحق} أي محقا مراعيًا للحكم والمَصَالح على أنه حال من فاعل خلقَ أو ملتبسةً بالحق الذي لا محيدَ عنه مستتبعةً للمنافع الدينية والدنيوية على أنه حال من مفعوله فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على شؤونه تعالى المتعلقة بذاته وصفاته كما يفصح عنه قوله تعالى: {إن في ذَلكَ لآيَةً للْمؤْمنينَ} دالة لهم ما ذكر من شؤونه سبحانه وتخصيص المؤمنينَ بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد في خلقهما للكل لأنهم المنتفعون بذلكَ.
{اتْل مَا أوْحىَ إلَيْكَ منَ الكتاب} تقربًا إلى الله تعالى بقراءته وتذكرًا لما في تضاعيفه من المعاني وتذكيرًا للناس وحملًا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق {وَأَقم الصلاَةَ} أي داومْ على إقامتها وحيث كانت الصلاة منتظمةً للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان أمره عليه الصلاة والسلام بإقامتها متضمنًا لأمر الأمة بها علل بقوله تعالى: {إن الصلاَةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاء والْمنكَر} كأنه قيل: وصل بهم إن الصلاة ثنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ومعنى نهيها عنهما أنها سبب للانتهاء عنهما لأنها مناجاة ة تعالى فلابد أنْ تكونَ مع إقبالٍ تامَ على طاعته وإعراض كليَ عن معاصيه قال ابن مسعودٍ وابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: في الصلاة منتهى ومزدجر عن مَعَاصي الله تعالى فمَن لم تأمْره صلاته بالمعروف ولم تنهَه عن المنكر لم يزددْ بصلاته من الله تعالى إلا بعدًا وقال الحسن: وقَتادة من لم تنهَه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه. ورَوَى أنس رضيَ الله عنه إن فتى من الأنصار كانَ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يدع شيئًا من الفواحش إلا ركبَه فوصفَ له عليه الصلاة والسلام حاله فقال: «إن صلاتَه ستنهاه» فلم يلبثْ أن تابَ وحسنَ حاله.
{وَلَذكْر الله أَكْبَر} أي وللصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها به كما في قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكْر الله} للإيذان بأن ما فيها من ذكر الله تعالى هو العمدة في كونها مفضلةً على الحسنات ناهيةً عن السيئات وقيل ولذكر الله تعالى عندَ الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر في الزجر عنهما وقيل: ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته. {والله يَعْلَم مَا تَصْنَعونَ} منه ومن سائر الطاعات فيحازيكم بها أحسنَ المجازاة. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَثَل الذين اتخذوا من دون الله أَوْليَاء} استئناف متضمن تقبيح حال أولئك المهلكين الظالمين لأنفسهم وأضرابهم ممن تولى غير الله عز وجل، وفيه إشارة إلى أعظم أنواع ظلمهم فالمراد بالموصول جميع المشركين الذين عبدوا من دون الله عز وجل الأوثان.
وجوز أن يكون جميع من اتخذ غيره تعالى متكلًا ومعتمدًا آلهة كان ذلك أو غيرها، ولذا عدل إلى أولياء من آهلة أي صفتهم أو شبههم {كَمَثَل العنكبوت} أي كصفتها أو شبهها.
{اتخذت بَيْتًا وَإن أَوْهَنَ البيوت لَبَيْت العنكبوت} بيانا لصفة العنكبوت التي يدور عليها أمر التشبيه، والجملة على ما نقل عن الأخفش من لزوم الوقف على العنكبوت مستأنفة لذلك {وَإن أَوْهَنَ البيوت} الخ في موضع الحال من فاعل اتخذت المستكن فيه، وجوز كونه في موضع الحال من مفعوله بناء على جواز مجيء الحال من النكرة، وعلى الوجهين وضع المظهر موضع الضمير الراجع إلى ذي الحال، والجملة من تتمة الوصف.
واللام في البيوت للاستغراق، والمعنى مثل المتخذين لهم من دون الله تعالى أولياء في اتخاذهم إياهم كمثل العنكبوت وذلك أنها اتخذت لها بيتًا والحال أن أوهن كل البيوت وأضعفها بيتها، وهؤلاء اتخذوا لهم من دون الله تعالى أولياء والحال أن أوهن كل الأولياء وأضعفها أولياؤهم، وإن شئت فقل: إنها اتخذت بيتًا في غاية الضعف وهؤلاء اتخذوا لها أو متكلًا في غاية الضعف فهم وهي مشتركان في اتخاذ ما هو في غاية الضعف في بابه، ويجوز أن تكون جملة اتخذت حالًا من العنكبوت بتقدير قد أو بدونها أو صفة لها لأن أل فيها للجنس، وقد جوزوا الوجهين في الجمل الواقعة بعد المعرف بأل الجنسية نحو قوله تعالى: {كَمَثَل الحمار يَحْمل أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وعن الفراء أن الجملة صلة لموصول محذوف وقع صفة {العنكبوت} أي الت ياتخذت، وخرج الآية التي ذكرناها على هذا واختار حذف الموصول في مثله ابن درستويه، وعليه لا يوقف على العنكبوت، وأنت تعلم أن كون الجملة صفة أظهر.
والمعنى حينئذ مثل المشرك الذي عبد الوثن بالقياس إلى الموحد الذي عبد الله تعالى كمثل عنكبوت اتخذت بيتًا بالإضافة إلى رجل بني بيتًا بآجر وجص أو نحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتًا بيتًا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينًا دينًا عبارة الأوثان، وهو وجه حسن ذكره الزمخشري في الآية، وقد اعتبر فيه تفريق التشبيه، والغرض إبراز تفاوت المتخذين والمتخذ مع تصوير توهين أمر أحدهما وادماج توطيد الآخر، وعليه يجوز أن يكون قوله تعالى: {وَإن أَوْهَنَ البيوت} جملة حالية لأنه من تتمة التشبيه، وإن يكون اعتراضية لأنه لو لم يؤت به لكان في ضمنه ما يرشد إلى هذا المعنى وإلى كونه جملة حالية ذهب الطيبي.
وقال صاحب الكشف: كلام الزمخشري إلى كونه اعتراضية أقرب لأن قوله: وكما أن أوهن البيوت الخ ليس فيه إيماء إلى تقييد الأول، وقد تعقب أبو حيان هذا الوجه بأنه لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل اللفظ ما لا يحتمله كعادته في كثير من تفسيره، وهذه مجازفة على صاحب الكشاف كما لا يخفى، ويجوز أن يكون المعنى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء فيما اتخذوه معتمدًا ومتكلًا في دينهم وتولوه من دون الله تعالى كمثل العنكبوت فيما نسجته واتخذته بيتًا، والتشبيه على هذا من المركب فيعتبر في جانب المشبه اتخاذ ومتخذ واتكال عليه، وكذلك في الجانب الآخر ما يناسبه ويعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من ذلك كله بالهيئة المنتزعة من هذا بالأسر، والغرض تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها، ومدار قطب التشبيه أن أولياءهم بمنزلة منسوج العنكبوت ضعف حال وعدم صلوح اعتماد، وعلى هذا يكون قوله تعالى: {إن أَوْهَنَ البيوت} تذييلًا يقرر الغرض من التشبيه.
وجوز أن يكون المعنى والغرض من التشبيه ما سمعت إلا أنه يجعل التذييل استعارة تمثيلية ويكون ما تقدم كالتوطئة لها، فكأنه قيل: وإن أوعن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان، وهي تعقرر الغرض من التشبيه بتبعية تقرير المشبه، وكأن التقرير في الوجه السابق بتبعية تقرير المشبه به، وهذا قريب من تجريد الاستعارة وترشيحها، ونظير ذلك قولك: زيد في الكلام بحر والبحر لا يخيب من أتاه إذا كان البحر الثاني مستعارًا للكريم، وذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة لو كان في جملته، ورجح السابق لأن عادة البلغاء تقرير أمر المشبه به ليدل به على تقرير المشبه، ولأن هذا إنما يتميز عن الإلغاز بعد سبق التشبيه.
وجوز أن يكون قوله تعالى: {مَثَل الذين} الخ كالمقدمة الأولى، وقوله سبحانه: {وَإن أَوْهَنَ البيوت} كالثانية وما هو كالنتيجة محذوف مدلول عليه بما بعد كما في الكشف، والمجموع يدل على المراد من تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها على سبيل الكناية الإيمائية فتأمل، والظاهر أن المراد بالعنكبوت النوع الذي ينسج بيته في الهواء ويصيد به الذباب لا النوع الآخر الذي يحفر بيته في الأرض ويخرج في الليل كسائر الهوام، وهي على ما ذكره غير واحد من ذوات السموم فيسن قتلها لذلك، لا لما أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلى الله عليه وسلم: «العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى فمن وجدها فليقتلها» فإنه كما ذكر الدميري ضعيف.