فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَلوطًا إذْ قَالَ لقَوْمه إنكمْ لَتَأْتونَ الْفَاحشَةَ} أي: الفعلة المتناهية في القبح: {مَا سَبَقَكمْ بهَا منْ أَحَدٍ منَ الْعَالَمينَ} أي: لتحاشي الطباع عنها. ثم فصلها بعد الإجمال، لزيادة تنفير النفوس منها: {أَإنكمْ لَتَأْتونَ الرجَالَ وَتَقْطَعونَ السبيلَ} أي: سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث. أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال: {وَتَأْتونَ في نَاديكم الْمنْكَرَ} أي: ما لا يليق من الأقوال والأفعال: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمه إلا أَنْ قَالوا ائْتنَا بعَذَاب الله إنْ كنْتَ منَ الصادقينَ}.
{قَالَ رَب انْصرْني عَلَى الْقَوْم الْمفْسدينَ} أي: الذين يفسدون كل برهان عقلي ونقلي، وكل حكمة إلهية: {وَلَما جَاءَتْ رسلنَا إبْرَاهيمَ بالْبشْرَى} أي: بالبشارة بالولد والنافلة، وهم الملائكة. بعثوا لنصر لوط وتبشيره بهلاك قومه: {قَالوا} أي: لإبراهيم عليه السلام: {إنا مهْلكو أَهْل هَذه الْقَرْيَة} أي: قرية سدوم: {إن أَهْلَهَا كَانوا ظَالمينَ} أي: بتنزيلهم الرجال منزلة النساء، وقطع السبل، وفعل المنكر وترك المعروف: {قَالَ إن فيهَا لوطًا قَالوا نَحْن أَعْلَم بمَنْ فيهَا لَننَجيَنه وَأَهْلَه إلا امْرَأَتَه كَانَتْ منَ الْغَابرينَ} أي: الباقين في العذاب أو القرية: {وَلَما أَنْ جَاءَتْ رسلنَا} أي: المذكورون بعد مفارقتهم لإبراهيم عليه السلام: {لوطًا سيءَ بهمْ} أي: اعترته المساءة بسببهم مخافة أن يقصدوهم: {وَضَاقَ بهمْ ذَرْعًا} أي: ضاق بشأن ذرعه، أي: طاقته: {وَقَالوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إنا منَجوكَ وَأَهْلَكَ} أي: مما يصيبهم من العذاب: {إلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ منَ الْغَابرينَ}.
{إنا منْزلونَ عَلَى أَهْل هَذه الْقَرْيَة رجْزًا منَ السمَاء} أي: عذابا عظيما من جهتها: {بمَا كَانوا يَفْسقونَ وَلَقَدْ تَرَكْنَا منْهَا آيَةً بَينَةً لقَوْمٍ يَعْقلونَ} يعني قصتها العجيبة، أو آثارها الخربة: {وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْم اعْبدوا اللهَ وَارْجوا الْيَوْمَ الْآخرَ} أي: توقعوه، وما سيقع فيه من فنون الأهوال: {وَلا تَعْثَوْا في الْأَرْض مفْسدينَ} أي: بالبغي على أهلها، كنقص المكيال والميزان، وقطع الطريق على الناس، فإن عاقبة ذلك الدمار: {فَكَذبوه فَأَخَذَتْهم الرجْفَة} أي: الصيحة التي هي منشأ الزلزلة الشديدة: {فَأَصْبَحوا في دَارهمْ} أي: بلدهم أو منازلهم: {جَاثمينَ} أي: هلكى ميتين: {وَعَادًا وَثَمودَ وَقَدْ تَبَينَ لَكمْ منْ مَسَاكنهمْ وَزَينَ لَهم الشيْطَان أَعْمَالَهمْ فَصَدهمْ عَن السبيل وَكَانوا مسْتَبْصرينَ} أي: عقلاء متمكنين من النظر والافتكار بواسطة الرسل عليهم السلام، فإنهم أوضحوا السبل، فلم يكن لهم في ذلك عذر، ولكنهم لم يفعلوا، عنادًا وكبرًا.
{وَقَارونَ وَفرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهمْ موسَى بالْبَينَات فَاسْتَكْبَروا في الْأَرْض وَمَا كَانوا سَابقينَ} أي: فائتين الله سبحانه. بل لحقهم عذابه فدمرهم تدميرًا. ولذا قال: {فَكلا أَخَذْنَا بذَنْبه فَمنْهمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْه حَاصبًا} أي: ريحًا عاصفًا، فيها حصاء، وهم قوم لوط: {وَمنْهمْ مَنْ أَخَذَتْه الصيْحَة} كمدين وثمود: {وَمنْهمْ مَنْ خَسَفْنَا به الْأَرْضَ} كقارون: {وَمنْهمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} كقوم نوح وفرعون وقومه: {وَمَا كَانَ الله ليَظْلمَهمْ وَلَكنْ كَانوا أَنْفسَهمْ يَظْلمونَ} أي: يفعل ما يوجب ذلك، من البغي والفساد.
{مَثَل الذينَ اتخَذوا منْ دون الله أَوْليَاءَ كَمَثَل الْعَنْكَبوت اتخَذَتْ بَيْتًا} أي: تعتمد على قوته وتظنه محيطًا بها، دافعًا عنها الحر والبرد: {وَإن أَوْهَنَ الْبيوت} أي: أضعفها: {لَبَيْت الْعَنْكَبوت} أي: لأنه لا يحتمل مس أدنى الحيوانات وأضعف الرياح. ولا يدفع شيئًا من الحر والبرد. وهذا مثلهم: {لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ} أي: شيئًا ما. أو إن أولياءهم أوهى من ذلك ثم الغرض من التشبيه هو تقرير وهن دينهم، وإنه بلغ الغاية فيه، وهو إما تشبيه مركب من الهيئة المنتزعة، فمدار قطب التمثيل على أن أولياءهم بمنزلة نسج العنكبوت في ضعف الحال وعدم الصلاحية للاعتماد. وعلى هذا فقوله: {وَإن أَوْهَنَ الْبيوت} تذييل يعرف الغرض من التشبيه. وقوله: {لَوْ كَانوا يَعْلَمونَ} إيغال في تجهيلهم. لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مسكة. وإما أن يكون من تشبيه المفرد، لأن المقصود بيان حال العابد والمعبود. وفي الآية لطائف بيانية ذكرت في المطولات. وقوله: {إن اللهَ يَعْلَم مَا يَدْعونَ منْ دونه منْ شَيْءٍ} بالياء والتاء في تدعون قراءتان. وما إما استفهامية منصوبة بيدعون ومن الثانية للتبيين. أو نافية ومن مزيدة. وشيء مفعول تدعون أو مصدرية بمعنى الدعوة وشيء مصدر بمعناه أيضًا. أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول يدعون عائده المحذوف. والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل. وعلى الآخرين وعيد لهم. أفاده القاضي: {وَهوَ الْعَزيز الْحَكيم وَتلْكَ الْأَمْثَال} يعني هذا المثل ونظائره في التنزيل: {نَضْربهَا للناس} أي: ليقرب ما بعد من أفهامهم. فإن الأمثال والتشبيهات طرق تبرز فيها المعاني المحتجبة للأفهام: {وَمَا يَعْقلهَا} أي: يدرك حسنها وفوائدها: {إلا الْعَالمونَ} أي: الراسخون في العلم الكاملون فيه. وعن عَمْرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها، إلا أحزنني. لأني سمعت الله تعالى يقول: {وَتلْكَ الْأَمْثَال نَضْربهَا للناس وَمَا يَعْقلهَا إلا الْعَالمونَ} {خَلَقَ الله السمَاوَات وَالْأَرْضَ بالْحَق} أي: محقا مراعيًا للحكم والمصالح، مقدسًا عن أن يقصد به باطلًا. فالباء للملابسة، والجار والمجرور حال. وهذا كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهمَا لاعبينَ} [الدخان: 38] ، {إن في ذَلكَ لَآيَةً للْمؤْمنينَ}.
{اتْل مَا أوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتَاب} أي: تقربًا إلى الله تعالى بقراءته، وتحفظًا لألفاظه، واستكثارًا لما في تضاعيفه من المعاني. فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. وتذكيرًا للناس، وحملًا لهم على العمل بما فيه، من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق: {وَأَقم الصلاةَ إن الصلاةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر} أي: تكون سببًا للانتهاء عن ذلك. ففيه تجوز في الإسناد. فإن قلت: كم من مصل يرتكب ولا تنهاه صلاته! قلت: الصلاة التي هي الصلاة عند الله، المستحق بها الثواب، أن يدخل فيها مقدمًا للتوبة النصوح متقيًا، لقوله تعالى: {إنمَا يَتَقَبل الله منَ الْمتقينَ} ويصليها خاشعًا بالقلب والجوارح. ثم يحوطها بعد أن يصليها، فلا يحبطها، فهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا.
عن الحسن رحمه الله: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليست صلاته بصلاة، وهي وبال عليه. أفاده الزمخشري. وقوله تعالى: {وَلَذكْر الله أَكْبَر وَالله يَعْلَم مَا تَصْنَعونَ} قال الزمخشري: أي: وَلَلصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وسماها بذكر الله، كما قال: {فَاسَعَوْا إلَى ذكْر الله} [الجمعة: 9] ، وإنما قال: ولذكر الله ليستقل بالتعليل. كأنه قال: وللصَلَاة أكبر، لأنها ذكر الله. أو: ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر، وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما، أكبر. فكان أولى بأن يَنْهَى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ولذكر الله إياكم برحمته، أكبر من ذكركم إياه بطاعته. انتهى. فذكر على الأولين مصدر مضاف للمفعول. وعلى ما بعدهما مضاف للفاعل، والمفعول محذوف. والمفضل عليه في الأولين غيره من الطاعات. وفي الأخير قوله: من ذكركم.
وقال الرازي: لما ذكر تعالى أمرين، وهما تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة، بين ما يوجب أن يكون الإتيان بهما على أبلغ وجوه التعظيم، فقال: {وَلَذكْر الله أَكْبَر} وأنتم إذا ذكرتم آبائكم بما فيهم من الصفات الحسنة، تنبشون لذلك وتذكرونهم بملء أفواهكم وقلوبكم. لكن ذكر الله أكبر، فينبغي أن يكون على أبلغ وجه التعظيم. أما الصلاة فكذلك. لأن الله يعلم ما تصنعون. وهذا أحسن صنعكم. فينبغي أن يكون على وجه التعظيم. وفي قوله: {وَلَذكْر الله أَكْبَر} مع حذف بيان ما هو أكبر منه، لطيفة. وهي أن الله لم يقل: أكبر من ذكر فلان، لأن ما نسب إلى غيره بالكبر فله إليه نسبة. إذ لا يقال الجبل أكبر من خردلة وإنما يقال: هذا الجبل أكبر من هذا الجبل. فأسقط المنسوب كأنه قال: ولذكر الله له الكبر لا لغيره، وهذا كما يقال في الصلاة: الله أكبر أي: له الكبر لا لغيره. انتهى. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نوحًا إلَى قَوْمه فَلَبثَ فيهمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسينَ عَامًا فَأَخَذَهم الطوفَان وَهمْ ظَالمونَ (14)}.
انتهى الشوط الأول بالحديث عن سنة الله في ابتلاء الذين يختارون كلمة الإيمان، وفتنتهم حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين. وقد أشار إلى الفتنة بالأذى، والفتنة بالقرابة، والفتنة بالإغواء والإغراء.
وفي هذا الشوط يعرض نماذج من الفتن التي اعترضت دعوة الإيمان في تاريخ البشرية الطويل من لدن نوح عليه السلام. يعرضها ممثلة فيما لقيه الرسل حملة دعوة الله منذ فجر البشرية. مفصلًا بعض الشيء في قصة إبراهيم ولوط، مجملًا فيما عداها.
وفي هذا القصص تتمثل ألوان من الفتن، ومن الصعاب والعقبات في طريق الدعوة.
ففي قصة نوح عليه السلام تتبدى ضخامة الجهد وضآلة الحصيلة. فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ثم لم يؤمن له إلا القليل {فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}.
وفي قصة إبراهيم مع قومه يتبدى سوء الجزاء وطغيان الضلال. فقد حاول هداهم ما استطاع، وجادلهم بالحجة والمنطق: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه}.
وفي قصة لوط يتبدى تبجح الرذيلة واستعلانها، وسفورها بلا حياء ولا تحرج، وانحدار البشرية إلى الدرك الأسفل من الانحراف والشذوذ؛ مع الاستهتار بالنذير: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين}.
وفي قصة شعيب مع مدين يتبدى الفساد والتمرد على الحق والعدل، والتكذيب: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
وتذكر الإشارة إلى عاد وثمود بالاعتزاز بالقوة والبطر بالنعمة.
كما تذكر الإشارة إلى قارون وفرعون وهامان بطغيان المال، واستبداد الحكم، وتمرد النفاق.
ويعقب على هذا القصص بمثل يضربه لهوان القوى المرصودة في طريق دعوة الله، وهي مهما علت واستطالت {كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإن أوهن البيتوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}.
وينتهي هذا الشوط بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتلو الكتاب، وأن يقيم الصلاة، وأن يدع الأمر بعد ذلك لله {والله يعلم ما تصنعون}.
{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}.
والراجح أن فترة رسالته التي دعا فيها قومه كانت ألف سنة إلا خمسين عامًا. وقد سبقتها فترة قبل الرسالة غير محددة، وأعقبتها فترة كذلك بعد النجاة من الطوفان غير محددة. وهو عمر طويل مديد، يبدو لنا الآن غير طبيعي ولا مألوف في أعمار الأفراد. ولكننا نتلقاه من أصدق مصدر في هذا الوجود وهذا وحده برهان صدقه فإذا أردنا له تفسيرًا فإننا نستطيع أن نقول: إن عدد البشرية يومذاك كان قليلًا ومحدودًا، فليس ببعيد أن يعوض الله هذه الأجيال عن كثرة العدد طول العمر، لعمارة الأرض وامتداد الحياة.
حتى إذا تكاثر الناس وعمرت الأرض لم يعد هناك داع لطول الأعمار. وهذه الظاهرة ملحوظة في أعمار كثير من الأحياء. فكلما قل العدد وقل النسل طالت الأعمار، كما في النسور وبعض الزواحف كالسلحفاة. حتى ليبلغ عمر بعضها مئات الأعوام. بينما الذباب الذي يتوالد بالملايين لا تعيش الواحدة منه أكثر من أسبوعين. والشاعر يعبر عن هذه الظاهرة بقوله:
بغاث الطير أكثرها فراخًا ** وأم الصقر مقلاة نزور

ومن ثم يطول عمر الصقر. وتقل أعمار بغاث الطير. ولله الحكمة البالغة. وكل شيء عنده بمقدار. ولم تثمر ألف سنة إلا خمسين عامًا غير العدد القليل الذين آمنوا لنوح. وجرف الطوفان الكثرة العظمى وهم ظالمون بكفرهم وجحودهم وإعراضهم عن الدعوة المديدة، ونجا العدد القليل من المؤمنين، وهم أصحاب السفينة. ومضت قصة الطوفان والسفينة {آية للعالمين} تحدثهم عن عاقبة الكفر والظلم على مدار القرون.
وبعد قصة نوح يطوي السياق القرون حتى يصل إلى الرسالة الكبرى. رسالة إبراهيم:
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانًا وتخلقون إفكًا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
لقد دعاهم دعوة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض؛ وهي مرتبة في عرضها ترتيبًا دقيقًا يحسن أن يتملاه أصحاب الدعوات.
لقد بدأ ببيان حقيقة الدعوة التي يدعوهم إليها:
{اعبدوا الله واتقوه}.
ثم ثنى بتحبيب هذه الحقيقة إليهم، وما تتضمنه من الخير لهم، لو كانوا يعلمون أين يكون الخير:
{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.
وفي هذا التعقيب ما يحفزهم إلى نفي الجهل عنهم، واختيار الخير لأنفسهم. وهو في الوقت ذاته حقيقة عميقة لا مجرد تهييج خطابي!.
وفي الخطوة الثالثة بين لهم فساد ما هم عليه من العقيدة من عدة وجوه: أولها أنهم يعبدون من دون الله أوثانًا والوثن: التمثال من الخشب وهي عبادة سخيفة، وبخاصة إذا كانوا يعدلون بها عن عبادة الله. وثانيها: أنهم بهذه العبادة لا يستندون إلى برهان أو دليل، وإنما يخلقون إفكًا وينشئون باطلًا، يخلقونه خلقًا بلا سابقة أو مقدمة، وينشئونه إنشاء من عند أنفسهم بلا أصل ولا قاعدة. وثالثها: أن هذه الأوثان لا تقدم لهم نفعًا، ولا ترزقهم شيئًا:
{إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا}.
وفي الخطوة الرابعة يوجههم إلى الله ليطلبوا منه الرزق. الأمر الذي يهمهم ويمس حاجتهم:
{فابتغوا عند الله الرزق}.