فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هو وحده العزيز القادر الحكيم المدبر لهذا الوجود.
{وَتلْكَ الْأَمْثال نَضْربها للناس وَما يَعْقلها إلا الْعالمونَ}.
فلقد اتخذها جماعة من المشركين المغلقي القلوب والعقول مادة للسخرية والتهكم. وقالوا: إن رب محمد يتحدث عن الذباب والعنكبوت. ولم يهز مشاعرهم هذا التصوير العجيب لأنهم لا يعقلون ولا يعلمون: {وَما يَعْقلها إلا الْعالمونَ}.
ثم يربط تلك الحقيقة الضخمة التي قدمها بالحق الكبير في تصميم هذا الكون كله على طريقة القرآن في ربط كل حقيقة بذلك الحق الكبير:
{خَلَقَ الله السماوات وَالْأَرْضَ بالْحَق إن في ذلكَ لَآيَةً للْمؤْمنينَ}.
وهكذا تجيء هذه الآية عقب قصص الأنبياء، وعقب المثل المصور لحقيقة القوى في الوجود، متناسقة معها مرتبطة بها، بتلك الصلة الملحوظة. صلة الحقائق المتناثرة كلها بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض والذي قامت به السماوات والأرض، في ذلك النظام الدقيق الذي لا يتخلف ولا يبطئ ولا يختلف ولا يصدم بعضه بعضا، لأنه حق متناسق لا عوج فيه! {إن في ذلكَ لَآيَةً للْمؤْمنينَ}.
الذين تتفتح قلوبهم لآيات الله الكونية المبثوثة في تضاعيف هذا الكون وحناياه، المشهودة في تنسيقه وتنظيمه، المنثورة في جوانبه حيثما امتدت الأبصار. والمؤمنون هم الذين يدركونها، لأنهم مفتوحو البصائر والمشاعر للتلقي والإدراك.
وفي نهاية الشوط يربط الكتاب الذي أنزل على محمد- صلى الله عليه وسلم- ويربط الصلاة وذكر الله، بالحق الذي في السماوات والأرض، وبسلسلة الدعوة إلى الله من لدن نوح عليه السلام:
{اتْل ما أوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتاب وَأَقم الصلاةَ إن الصلاةَ تَنْهى عَن الْفَحْشاء وَالْمنْكَر وَلَذكْر الله أَكْبَر وَالله يَعْلَم ما تَصْنَعونَ}.
اتل ما أوحي إليك من الكتاب فهو وسيلتك للدعوة، والآية الربانية المصاحبة لها، والحق المرتبط بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض.
وأقم الصلاة إن الصلاة- حين تقام- تنهى عن الفحشاء والمنكر. فهي اتصال بالله يخجل صاحبه ويستحيي أن يصطحب معه كبائر الذنوب وفواحشها ليلقى الله بها، وهي تطهر وتجرد لا يتسق معها دنس الفحشاء والمنكر وثقلتهما. «من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا». وما أقام الصلاة كما هي إنما أداها أداء ولم يقمها. وفرق كبير بينهما. فهي حين تقام ذكر لله. {وَلَذكْر الله أَكْبَر}. أكبر إطلاقا أكبر من كل اندفاع ومن كل نزوع. وأكبر من كل تعبد وخشوع.
{وَالله يَعْلَم ما تَصْنَعونَ}.
فلا يخفى عليه شيء، ولا يلتبس عليه أمر. وأنتم إليه راجعون. فمجازيكم بما تصنعون. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإلَى مَدْيَنَ أَخَاهمْ شعَيْبًا}.
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {فأخذتهم الرجفة} قال: الصيحة. وفي قوله: {وكانوا مستبصرين} قال: في الضلالة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميتين. وفي قوله: {وكانوا مستبصرين} قال: معجبين بضلالتهم. وفي قوله: {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا} قال: هم قوم لوط {ومنهم من أخذته الصيحة} قال: قوم صالح، وقوم شعيب {ومنهم من خسفنا به الأرض} قال: قارون {ومنهم من أغرقنا} قال: قوم نوح، وفرعون وقومه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {أرسلنا عليه حاصبًا} قال: حجارة.
{مَثَل الذينَ اتخَذوا منْ دون الله أَوْليَاءَ كَمَثَل الْعَنْكَبوت اتخَذَتْ بَيْتًا}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت} قال: هذا مثل ضربه الله للمشرك. انه لن يغني عنه إلهه شيئًا من ضعفه وقلة اجزائه، مثل ضعف بيت العنكبوت.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} قال: ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره. إن مثله كمثل بيت العنكبوت.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العنكبوت شيطان مسخها الله، فمن وجدها فليقتلها».
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ميسرة قال العنكبوت شيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: نسجت العنكبوت مرتين. مرة على داود عليه السلام. والثانية على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الخطيب عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت أنا وأبو بكر الغار، فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب، فلا تقتلوهن».
{وَتلْكَ الْأَمْثَال نَضْربهَا للناس وَمَا يَعْقلهَا إلا الْعَالمونَ (43)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني، لأني سمعت الله تعالى يقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.
{اتْل مَا أوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتَاب وَأَقم الصلَاةَ إن الصلَاةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاء وَالْمنْكَر وَلَذكْر الله أَكْبَر وَالله يَعْلَم مَا تَصْنَعونَ (45)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} يقول: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال: الصلاة فيها ثلاث خلال: الاخلاص، والخشية، وذكر الله، فكل صلاة ليس فيها من هذه الخلال فليس بصلاة. فالاخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله القرآن يأمره وينهاه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس رضي الله عنه أنه كان يقرأها {إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر}.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} فقال «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدًا».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الايمان عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. وفي لفظ لم يزدد بها من الله إلا بعدًا».
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم تأمره بالمعروف وتَنْهَه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعدًا».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: إن فلانًا يطيل الصلاة قال: إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها، ثم قرأ: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من لم تأمره الصلاة بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم يزدد من الله إلا بعدًا.
وأخرج أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانًا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق قال: «إنه سينهاه ما تقول».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: يا ابن آدم نما الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإن لم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فإنك لست تصلي.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال: إذا كنت في صلاة فأنت في معروف، وقد حجزتك الصلاة عن الفحشاء والمنكر، والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حماد بن أبي سليمان رضي الله عنه في قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال: ما دمت فيها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال: القرآن الذي يقرأ في المساجد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولذكر الله أكبر} قال: ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله {ولذكر الله أكبر} فقلت: ذكر الله بالتسبيح، والتهليل، والتكبير. قال: لا. ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، ثم قرأ: {اذكروني أذكركم} [البقرة: 152].
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه {ولذكر الله أكبر} قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله.
وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولذكر الله أكبر} قال «ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عطية رضي الله عنه في قوله: {ولذكر الله أكبر} قال: هو قوله: {فاذكروني أذكركم} فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {ولذكر الله أكبر} قال: لذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه، في الصلاة وغيرها.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {ولذكر الله أكبر} يقول: لذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن جابر قال: سألت أبا قرة عن قوله: {ولذكر الله أكبر} قال: ذكر الله أكبر من ذكركم إياه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولذكر الله} عندما حرمه، وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه {ولذكر الله أكبر} قال: ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولذكر الله أكبر} قال: لا شيء أكبر من ذكر الله.
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ما عمل آدمي عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لأن الله تعالى يقول في كتابه {ولذكر الله أكبر}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإيمان عن عنترة قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر، وما قعد قوم في بيت من بيوت الله يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بينهم، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها، وكانوا أضياف الله ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره، وما سلك رجل طريقًا يلتمس فيه العلم إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم، وأنماها في درجاتكم، وخير من أن تلقوا عدوكم، فيضربوا رقابكم، وتضربوا رقابهم، وخير من اعطاء الدنانير والدراهم. قالوا: وما هو يا أبا الدرداء؟ قال: ذكر الله {ولذكر الله أكبر}.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت {ولذكر الله أكبر} وإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله، وأفضل من ذلك تسبيح الله.
وأخرج ابن جرير عن سلمان رضي الله عنه أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال: أما تقرأ القرآن {ولذكر الله أكبر} لا شيء أفضل من ذكر الله. والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَلوطًا} كقوله: {وَإبْرَاهيمَ إذْ قَالَ} [العنكبوت: 16].
قوله: {ما سَبَقكم} يجوز أَنْ تكونَ استئنافيةً جوابًا لمَنْ سأل عن ذلك، وأَنْ تكونَ حاليةً، أي: مبْتَدعين لها.
قوله: {وَلَمآ أَن جَاءَتْ} تقدم نظيرها. إلا أَن هنا زيْدَتْ {أَنْ} وهو مطرد تأكيدًا.
قوله: {إنا منَجوك} في الكاف وما أشبهها مذهبان: مذهب سيبويه: أنها في محل جرٍ. فعلى هذا في نَصْب {وأهلَكَ} وجهان: إضمار فعلٍ، أو العطف على المحل. ومذهب الأخفش وهشام أنها في محل نصبٍ، وحذفَ التنوين والنون لشدة اتصال الضمير.