فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم يقول تعالى: {وَلَيَأْتيَنهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [العنبكوت: 53] يعني: فجأة، وليس حسب رغبتهم {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53] لا يشعرون ساعتها أم لا يشعرون الآن أنها حق، وأنها واقعة لأجل مسمى؟
المراد لا يشعرون الآن أنها آتية، وأن لها أجلًا مُسمى، وسوف تباغتهم بأهوالها، فكان عليهم أن يعلموا هذه من الآن، وأن يؤمنوا بها. إذن: فليس المراد أنهم لا يشعرون بالبغتة؛ لأن شعورهم بالبغتة ساعتها لا ينفعهم بشيء.
ثم يقول الحق سبحانه: {يَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب}.
أي: قُلْ لهم إنْ كنتم تستعجلون العذاب فهو آتٍ لا محالة، وإنْ كنتم في شوق إليه فجهنم في انتظاركم، بل ستمتلئ منكم وتقول: هل من مزيد؟ والعذاب يتناسب وقدرة المعذب قوة وضعفًا، وإحاطة وشمولًا، فإذا كان المعذب هو الله عز وجل فعذابه لا يُعذبه أحد من العالمين.
ومعنى {لَمُحيطَة بالكافرين} [العنكبوت: 54] الإحاطة أن تشمل الشيء من جميع جهاته، فالجهات أربع: شمال وجنوب وشرق وغرب، وبين الجهات الأصلية جهات فرعية، وبين الجهات الفرعية أيضًا جهت فرعية، والإحاطة هي التي تشمل كل هذه الجهات.
ومن ذلك قوله تعالى: {إنا أَعْتَدْنَا للظالمينَ نَارًا أَحَاطَ بهمْ سُرَادقُهَا} [الكهف: 29] يعني: من كل جهاتهم.
ومن عجيب أمر النار في الآخرة أن النار في الدنيا يمكن أنْ تُعذب شخصًا بنار تحوطه لا يستطيع أنْ يُفلت منها، لكن النار بطبيعتها تعلو؛ لأن اللهب يتجه إلى أعلى، أما إنْ كانت تحت قدمك فيمكنك أنْ تدوسها بقدمك، كما تطفئ مثلًا عُقْب السيجارة، فحين تدوسه تمنع عنه الأكسوجين، فتنطفئ النار فيه، أما في نار الآخرة فتأتيهم من كل جهاتهم: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب}.
وفي موضع آخر يقول سبحانه: {لَهُمْ من فَوْقهمْ ظُلَل منَ النار وَمن تَحْتهمْ ظُلَل} [الزمر: 16].
وهاتان الجهتان لا تأتي منهما النار في الدنيا؛ لأن النار تطبيعتها تصعد إلى أعلى، وإنْ كانت تحت القدم تنطفيء. إذن: هذا ترق في العذاب، حيث لا يقتصر على الإحاطة من جميع جهاته، إنما يأتيهم أيضًا من فوقهم ومن تحتهم.
لكن قد يتجلد المعذب للعذاب، ويتماسك حتى لا تشمت فيه، وهذا يأتيه عذاب من نوع آخر، عذاب يُهينه ويُذله، ويُقال له: {ذُقْ إنكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] لذلك وصف العذاب، بأنه: مهين، وأليم، وعظيم، وشديد.
وقوله تعالى: {وَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] لم يقل: ذوقوا النار، إنما ذوقوا ما عملتم، كأن العمل نفسه سيكون هو النار التي تحرقهم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَكَذَلكَ أَنزَلْنَا إلَيْكَ الكتاب} هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة، أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب، وهو: القرآن، وقيل: المعنى: كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن {فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمنُونَ به} يعني: مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه، وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه {وَمنْ هؤلاء مَن يُؤْمنُ به} الإشارة إلى أهل مكة، والمراد: أن منهم، وهو من قد أسلم من يؤمن به، أي بالقرآن، وقيل: الإشارة إلى جميع العرب {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} أي آيات القرآن {إلا الكافرون} المصممون على كفرهم من المشركين، وأهل الكتاب.
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا منْ قَبْله من كتاب} الضمير في قبله راجع إلى القرآن لأنه المراد بقوله: {أنزلنا إليك الكتاب} أي ما كنت يا محمد تقرأ قبل القرآن كتابًا ولا تقدر على ذلك لأنك أمي لا تقرأ ولا تكتب {وَلاَ تَخُطهُ بيَمينكَ} أي ولا تكتبه؛ لأنك لا تقدر على الكتابة.
قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية.
قال النحاس: وذلك دليل على نبوته؛ لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل كتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم {إذًا لارتاب المبطلون} أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا: لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم، فلما كنت أميًا لا تقرأ ولا تكتب لم يكن هناك موضع للريبة ولا محل للشك أبدًا، بل إنكار من أنكر وكفر من كفر مجرد عناد وجحود بلا شبهة، وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته ووضوح معجزاته.
{بَلْ هُوَ ءايات بينات} يعني: القرآن {في صُدُور الذين أُوتُوا العلم} يعني: المؤمنين الذين حفظوا القرآن على عهده صلى الله عليه وسلم، وحفظوه بعده، وقال قتادة ومقاتل: إن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي بل محمد آيات بينات، أي ذو آيات.
وقرأ ابن مسعود: {بل هي آيات بينات} قال الفراء: معنى هذه القراءة: بل آيات القرآن آيات بينات.
واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل، وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميفع: {بل هذا آيات بينات} ولا دليل في هذه القراءة على ذلك؛ لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القرآن كما جاز أن تكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل رجوعها إلى القرآن أظهر لعدم احتياج ذلك إلى التأويل، والتقدير: {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا إلا الظالمون} أي المجاوزون للحد في الظلم {وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزلَ عَلَيْه ءايات من ربه} أي قال المشركون هذا القول، والمعنى: هلا أنزلت عليه آيات كآيات الأنبياء، وذلك كآيات موسى وناقة صالح وإحياء المسيح للموتى، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال: {قُلْ إنمَا الآيات عندَ الله} ينزلها على من يشاء من عباده ولا قدرة لأحد على ذلك {وَإنمَا أَنَا نَذير مبين} أنذركم كما أمرت وأبين لكم كما ينبغي، ليس في قدرتي غير ذلك.
قرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {لولا أنزل عليه آية} بالإفراد.
وقرأ الباقون بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {قل إنما الآيات}.
{أَوَ لَمْ يَكْفهمْ أَنا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهمْ} هذه الجملة مستأنفة للرد على اقتراحهم وبيان بطلانه، أي أو لم يكف المشركين من الآيات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه، فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وآيات غيره من الأنبياء لما آمنوا، كما لم يؤمنوا بالقرآن الذي يتلى عليهم في كل زمان، ومكان {إن في ذَلكَ} الإشارة إلى الكتاب الموصوف بما ذكر {لَرَحْمَةً} عظيمة في الدنيا، والآخرة {وذكرى} في الدنيا يتذكرون بها، وترشدهم إلى الحق {لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله، فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك {قُلْ كفى بالله بَيْنى وَبَيْنَكُمْ شَهيدًا} أي قل للمكذبين كفى الله شهيدًا بما وقع بيني وبينكم {يَعْلَمُ مَا في السموات والأرض} لا تخفى عليه من ذلك خافية، ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله {والذين ءَامَنُوا بالباطل وَكَفَرُوا بالله أولئك هُمُ الخاسرون} أي آمنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه، أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والآخرة.
{وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب} استهزاء وتكذيبًا منهم بذلك كقولهم: {فَأَمْطرْ عَلَيْنَا حجَارَةً منَ السماء أَو ائتنا بعَذَابٍ أَليمٍ} [الأنفال: 32].
{وَلَوْلاَ أَجَل مسَمى} قد جعله الله لعذابهم وعينه، وهو القيامة، وقال الضحاك: الأجل: مدة أعمارهم؛ لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب {لجَاءهُمُ العذاب} أي لولا ذلك الأجل المضروب لجاءهم العذاب الذي يستحقونه بذنوبهم.
وقيل: المراد بالأجل المسمى: النفخة الأولى.
وقيل: الوقت الذي قدره الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر.
والحاصل: أن لكل عذاب أجلًا لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كما في قوله سبحانه: {لكُل نَبَإٍ مسْتَقَر} [الأنعام: 67].
وجملة: {وَلَيَأْتيَنهُمْ بَغْتَةً} مستأنفة مبينة لمجيء العذاب المذكور قبلها.
ومعنى بغتة: فجأة، وجملة: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} في محل نصب على الحال، أي حال كونهم لا يعلمون بإتيانه.
ثم ذكر سبحانه أن موعد عذابهم النار، فقال: {يَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب وَإن جَهَنمَ لَمُحيطَة بالكافرين} أي يطلبون منك تعجيل عذابهم والحال أن مكان العذاب محيط بهم، أي سيحيط بهم عن قرب، فإن ما هو آت قريب، والمراد بالكافرين: جنسهم، فيدخل فيه هؤلاء المستعجلون دخولًا أوليًا، فقوله: {وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب} إخبار عنهم، وقوله ثانيًا: {يَسْتَعْجلُونَكَ بالعذاب} تعجب منهم.
وقيل: التكرير للتأكيد.
ثم ذكر سبحانه كيفية إحاطة العذاب بهم فقال: {يَوْمَ يغشاهم العذاب من فَوْقهمْ وَمن تَحْت أَرْجُلهمْ} أي من جميع جهاتهم، فإذا غشيهم العذاب على هذه الصفة، فقد أحاطت بهم جهنم {وَنَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} القائل هو الله سبحانه، أو بعض ملائكته يأمره، أي ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي.
قرأ أهل المدينة والكوفة: {نقول} بالنون.
وقرأ الباقون بالتحتية، واختار القراءة الأخيرة أبو عبيد لقوله: {قُلْ كفى بالله} وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة: {ويقال ذوقوا}.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا منْ قَبْله من كتاب وَلاَ تَخُطهُ بيَمينكَ} قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ولا يكتب كان أميًا، وفي قوله: {بَلْ هُوَ ءايات بينات في صُدُور الذين أُوتُوا العلم} قال: كان الله أنزل شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعله لهم آية فقال لهم: إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج ولا يعلم كتابًا ولا يخطه بيمينه، وهي الآيات البينات التي قال الله تعالى.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا منْ قَبْله من كتاب} الآية قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ولا يكتب.
وأخرج الفريابي والدارمي، وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال: جاء أناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بقوم حمقًا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم» فنزلت: {أَوَ لَمْ يَكْفهمْ} الآية.
وأخرجه الإسماعيلي في معجمه، وابن مردويه من طريق يحيى بن جعدة عن أبي هريرة، فذكره بمعناه.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، والبيهقي في الشعب عن الزهري؛ أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرؤه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه فقال: «والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا نبيكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم» وأخرج عبد الرزاق، وابن سعد وابن الضريس، والحاكم في الكنى، والبيهقي في الشعب عن عبد الله ابن الحارث الأنصاري قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال: هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرًا شديدًا لم أر مثله قط، فقال عبد الله بن الحارث لعمر: أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا، فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظكم من الأمم» وأخرج نحوه عبد الرزاق والبيهقي من طريق أبي قلابة عن عمر.
وأخرج البيهقي وصححه عن عمر بن الخطاب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعلم التوراة فقال: «لا تتعلمها وآمن بها، وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به» وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَإن جَهَنمَ لَمُحيطَة بالكافرين} قال: جهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكون فيه الشمس والقمر ثم يستوقد فيكون هو جهنم، وفي هذا نكارة شديدة، فإن الأحاديث الكثيرة الصحيحة ناطقة بأن جهنم موجودة مخلوقة على الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلا تُجادلُوا أَهْلَ الْكتاب إلا بالتي هيَ أَحْسَنُ إلا الذينَ ظَلَمُوا منْهُمْ وَقُولُوا آمَنا بالذي أُنْزلَ إلَيْنا وَأُنْزلَ إلَيْكُمْ وَإلهُنا وَإلهُكُمْ واحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها هي أن الآية السابقة عليها، جاءت داعية النبى الكريم أن يتلو ما يوحى إليه من ربه، وأن يقيم الصلاة قياما يحدث في القلب ذكرا لله، وبهذا يكون للصلاة ثمرتها في نهى المصلى عن الفحشاء والمنكر، إذ كان ذكر الله حاضرا في قلبه مستوليا على مشاعره، يملأ كيانه خشية، وخوفا، من العدوان على حدود رب العالمين.
وهذا الأمر الذي حملته الآية: {اتْلُ ما أُوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتاب وَأَقم الصلاةَ إن الصلاةَ تَنْهى عَن الْفَحْشاء وَالْمُنْكَر وَلَذكْرُ الله أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} وإن كان دعوة للنبى الكريم، فهو أمر للمؤمنين بالله، الذين اتبعوا النبي، ودانوا بالشريعة التي جاءهم بها من ربه.
ومن محامل هذه الدعوة تلاوة ما أوحى إلى النبي من آيات الله، على أهل الكتاب، وتبليغهم رسالة الإسلام، إذ ليس المراد من التلاوة، مجرد التلاوة، وإنما المراد هنا، إعلان الناس بها، وإسماعهم آيات الله وكلماته.
وأهل الكتاب حين يسمعون كلمات الله التي يتلوها النبي والمؤمنون، لا يلقونها على وجه واحد. فكثير منهم يلقونها بالبهت والتكذيب، وقليل منهم أولئك الذين يلقونها بالقبول والتسليم.
وإذ كانت الدعوة الإسلامية قائمة على الحجة والإقناع، وبين يديها الحجة القاطعة والبرهان المبين- فإن أي عقل سلم من آفات الهوى، وخلص من أسر الضلال، لا يجد سبيلا إلى المماحكة والمجادلة في آيات الله، بل يستجيب لها، ويسلم زمامه إليها. أما من كان في عقله سقم، وفى قلبه مرض فلن يذعن للحق، ولن يأخذ طريقه أبدا. شأنه في هذا شأن أصحاب العلل والآفات، التي تصيب العيون بالعمى، والآذان بالصمم، والأنوف بالزكام، والأفواه بالبخر.!.