فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للمؤمنين الذين كانوا بمكة وآذاهم المشركون «هاجروا إلى المدينة فقالوا: كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا ويسقينا فنزلت» وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئًا وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا» وقال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ليس شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته».
{ولئن} اللام لام قسم {سألتهم} أي: كفار مكة وغيرهم {من خلق السموات والأرض} وسوّاهما على هذا النظام العظيم {وسخر الشمس والقمر} لإصلاح الأقوات ومعرفة الأوقات وغير ذلك من المنافع {ليقولنّ الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال لما تقرّر في نظرهم من ذلك وتلقوه من آبائهم موافقة للحق في نفس الأمر {فأنى} أي: فكيف ومن أيّ وجه {يؤفكون} أي: يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك، فإن قيل: ذكر في السموات والأرض الخلق، وفي الشمس والقمر التسخير؟
أجيب: بأنّ مجرد خلق السموات والأرض آية ظاهرة بخلاف خلق الشمس والقمر فإنهما لو كانا في موضع واحد لا يتحرّكان ما حصل الليل والنهار ولا الصيف ولا الشتاء فإذًا الحكمة الظاهرة في تحريكهما وتسخيرهما، ولما كان قد يشكل على ذلك التفاوت في الرزق عند من لم يتأمّل حق التأمّل فيقول: ما بال الخلق متفاوتين في الرزق قال تعالى: {الله} أي: بما له من الإحاطة بصفات الكمال {يبسط الرزق} بقدرته التامّة امتحانًا {لمنْ يشاء من عباده} على حسب ما يعلم من بواطنهم {ويقدر} أي: يضيق {له} بعد البسط أو لمن يشاء ابتلاء فظهر من ذلك قدرته وحكمته وأنت ترى الملوك وغيرهم من الأقوياء يفاوتون في الرزق بين عمالهم بحسب ما يعلمون من علمهم الناقص بأحوالهم فما ظنك بملك الملوك العالم علمًا لا تدنو من ساحته ظنون ولا شكوك كما قال تعالى: {إن الله} أي: الذي له صفات الكمال {بكل شيء} أي: من المرزوقين ومن الأرزاق وكيف يمنع أو يساق وغير ذلك {عليم} يعلم مقادير الحاجات والأرزاق فهو على ذلك كله قدير يعلم ما يصلح العباد من ذلك وما يفسدهم ويعطيهم بحسب ذلك إن شاء وكم رام بعض الأقوياء إغناء فقير وإفقار غني فكشف الحال عن فساد ما راموا من الانتقال، ولما قال الله تعالى: {الله يبسط الرزق} ذكر اعترافهم بذلك بقوله تعالى: {ولئن} اللام لام قسم {سألتهم من نزل من السماء ماءً} بعد أن كان مضبوطًا في جهة العلو {فأحيا به الأرض} الغبراء وأشار بإثبات الجار إلى قرب الإنبات من زمان الممات فقال: {من بعد موتها} فصارت خضراء تهتز بعد أن لم يكن لها شيء من ذلك {ليقولنّ الله} معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها وفروعها، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك فلما ثبت أنه الخالق بدءً وإعادة كما يشاهد في كل زمان قال منبهًا على عظمة صفاته اللازم من إثباتها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم {قل} يا أفضل الخلق متعجبًا منهم في جمودهم كيف يقرون بما يلزمهم التوحيد ثم لا يوحدون؟ {الحمد لله} الذي لا سميّ له وليس لغيره إحاطة من الأشياء فلزمتهم الحجة بما أقروا به من إحاطته وهم لا يثبتون ذلك بإعراضهم {بل أكثرهم لا يعقلون} فيناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به غيره مما هم معترفون بأنه خلقه فهم لا يعرفون معنى الحمد حيث لم يعملوا به، ومنهم من آمن بعد ذلك فكان في الذروة من كمال العقل في التوحيد الذي يلزمه سائر الفروع، ومنهم من كان دون ذلك فكان نفي العقل عنه مقيدًا بالكمال، ولما تبين بهذه الآيات أنّ الدنيا مبنية على الفناء والزوال والتقلع والارتحال وصح أن السرور بها في غير موضعه فلذلك قال مشيرًا بعد سلب العقل عنهم إلى أنهم فيها كالبهائم يتهارجون:
{وما هذه الحياة الدنيا} فحقرها بالإشارة ولفظ الدناءة مع الإشارة إلى هذا الاعتراف فهذا الاسم كاف في الإلزام بالاعتراف بالأخرى {إلا لهو} وهو الاستمتاع بلذات الدنيا {ولعب} وهو العبث وسميت بهما لأنها فانية، وقيل: اللهو الإعراض عن الحق، واللعب: الإقبال على الباطل، فإن قيل: قد قال تعالى في الأنعام: {وما الحياة الدنيا} (آل عمران: 185) ولم يقل {وما هذه الحياة} وقال ههنا: {وما هذه الحياة} فما فائدته أجيب بأن المذكور من قبل هاهنا أمر الدنيا فأحيا به الأرض من بعد موتها فقال هذه والمذكور قبلها هناك الآخرة حيث قال: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال تعالى: {وما الحياة الدنيا} فإن قيل ما الحكمة في تقديمه هناك اللعب على اللهو وهاهنا أخر اللعب عن اللهو؟
أجيب: بأنه لما كان المذكور من قبل هناك الآخرة وإظهارهم للحسرة ففي ذلك الوعد يبعد الاستغراق في الدنيا بل نفس الاشتغال بها فأخذ الأبعد، وهاهنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق فيها، اللهمّ إلا لمانع يمنع من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق فيها أو لعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلًا وكان الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو، ولما كانوا ينكرون الحياة بعد الموت أخبر على سبيل التأكيد أنه لا حياة غيرها بقوله تعالى: {وإن الدار الآخرة لهي} أي: خاصة {الحيوان} أي: الحياة التامّة الباقية، فإن قيل ما الحكمة في قوله تعالى هناك {ولدار الآخرة خير} وقال ههنا: {وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان}؟
أجيب: بأنه لما كان الحاصل هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى وازع قوي فقال: الآخرة خير، ولما كان الحال هنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع قوي فقال لا حياة إلا حياة الآخرة، والحيوان مصدر حيي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية واوًا وبه سمي ما فيه حياة حيوانًا وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ههنا، ولما كانوا قد غلطوا في الدارين كليهما فنزلوا كل واحدة منهما غير منزلتها فعدوا الدنيا وجودًا دائمًا على هذه الحالة وعدوا الآخرة عدمًا لا وجود لها بوجه قال تعالى: {لو كانوا يعلمون} أي: لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال، فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في الأنعام: {أفلا يعقلون} وقال ههنا: {لو كانوا يعلمون}؟
أجيب: بأن المثبت هناك كون الآخرة خيرًا ولأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت هنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة وهذا دقيق لا يعرف إلا بعلم نافع.
{فإذا} أي: فتسبب عن عدم عقلهم المستلزم لعدم علمهم إنهم إذا {ركبوا} البحر {في الفلك} أي: السفن {دعوا الله} أي: الملك الأعلى {مخلصين} بالتوحيد {له الدين} معرضين عن الشركاء بالقلب واللسان حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو {فلما نجاهم} أي: الله سبحانه وتعالى موصلًا لهم {إلى البرّ إذا هم} أي: حين الوصول إلى البرّ {يشركون} كما كانوا فهذا إخبار عنهم بأنهم عند الشدائد مقرون أن القادر على كشفها هو الله عز وجل وحده فإذا زالت عادوا إلى كفرهم.
قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا في البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدّ عليهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب، وقال الرازي في اللوامع: وهذا دليل على أن معرفة الرب في فطرة كل إنسان وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء انتهى، فعلم أن الاشتغال بالدنيا هو الصادّ عن كل خير وأن الانقطاع عنها معين للفطرة الأولى المستقيمة ولهذا تجد الفقراء أقرب إلى كل خير، وفي اللام في قوله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم} وجهان: أظهرهما أن اللام فيه لام كي أي: يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة فيكون ذلك فعل من لا عقل له أصلًا وهم يتحاشون عن مثل ذلك، والثاني: كونها للأمر {وليتمتعوا} باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادّهم عليها، وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالكسر وهي محتملة للوجهين المتقدّمين، والباقون بالسكون وهي ظاهرة في الأمر فإن كانت اللام الأولى للأمر فقد عطف أمرًا على مثله، فإن قيل كونها للأمر مشكل إذ كيف يأمر الله تعالى بالكفر وهو متوعد عليه؟
أجيب: بأن ذلك على سبيل التهديد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم}.
وإن كانت للعلة فقد عطف كلامًا على كلام فيكون المعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة {فسوف يعلمون} يومئذٍ ما يحلّ بهم من العقاب، ولما كان الإنسان يكون في البحر على أخوف ما يكون وفي بيته يكون على آمن ما يكون لاسيما إذا كان بيته في بلد حصين فلما ذكر الله المشركين عند الخوف الشديد ورأوا أنفسهم في تلك الحالة راجعة إلى الله ذكرهم حالهم عند الأمر العظيم بقوله تعالى: {أولم يروا} أي: أهل مكة بعيون بصائرهم {أنا جعلنا} بعظمتنا لهم {حرمًا} وقال: {آمنًا} لأنه لا خوف على من دخله، فلما أمن كل من دخله كان كأنه هو نفسه الآمن وهو حرم مكة فإنها مدينتهم وبلدهم وفيها سكناهم ومولدهم وهي حصينة بحصن الله وآمنة موجبة للتوحيد والإخلاص لأنكم في أخوف ما أنتم دعوتم الله وفي آمن ما حصلتم عليه كفرتم بالله، وهذا متناقض لأن دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص فما كان إلا لقطعكم بأن النعمة من الله لا غير وهذه النعمة العظيمة التي حصلتم وقد اعترفتم بأنها لا تكون إلا من الله فكيف تكفرون بها؟ والأصنام التي قلتم في حال الخوف أنها لا أمن لها كيف آمنتم بها في حال الأمن {و} الحال أنه {يتخطف الناس من حولهم} أي: من حول من فيه من كل جهة قتلا وسبيًا مع قلة من بمكة وكثرة من حولهم فالذي خرق العادة في فعل ذلك حتى صار على هذا السنن قادر على أن يعكس الحال فيجعل من بالحرم متخطفًا ومن حوله آمنًا أو يجعل الكل في الخوف على منهاج واحد {أفبالباطل} من الشياطين والأديان وغيرهما {يؤمنون} والحال أنه لا يشك عاقل في بطلانه {وبنعمة الله} التي أحدثها لهم من الإنجاء وإرسال محمد صلى الله عليه وسلم {يكفرون} حيث جعلوا موضع شكرهم له على النجاة وغيرها شركهم بعبادة غيره.
{ومن أظلم} أي: أشدّ وضعًا للأشياء في غير مواضعها {ممن افترى} أي: تعمد {على الله كذبًا} أي: أيّ كذب كان من الشرك وغيره كما كانوا يقولون {إذا فعلوا فاحشة وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} {أو كذب بالحق} أي: النبيّ صلى الله عليه وسلم أو القرآن المعجز المبين على لسان هذا الرسول الأمين الذي ما أخبر خبرًا إلا طابقه الواقع {لما} أي: حين {جاءه} من غير إمهال إلى أن ينظر ويتأمل بل سارع إلى التكذيب أوّل ما سمعه وقوله تعالى: {أليس في جهنم مثوىً للكافرين} استفهام تقرير لمثواهم كقوله:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

قال بعضهم: ولو كان استفهامًا ما أعطاه الخليفة مائة من الإبل، وحقيقته أن الهمزة همزة الإنكار دخلت على النفي فرجع إلى معنى التقرير، والمعنى أما لهذا الكافر المكذب مثوى في جهنم حتى اجترأ مثل هذه الجراءة؟.
{والذين جاهدوا} أي: أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دلّ عليه بالمفاعلة {فينا} أي: بسبب حقنا ومراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار وغيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول والفعل في الشدّة والرخاء ومخالفة الهوى عند هجوم الفتن وشدائد المحن مستحضرين لعظمتنا {لنهدينهم} مما نجعل لهم من النور الذي لا يضل من صحبه هداية تليق بعظمتنا {سبلنا} أي: طريق السير إلينا وهي الطريق المستقيمة والطريق المستقيمة هي التي توصل إلى رضا الله عز وجل، قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإنّ الله تعالى قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال الحسن: الجهاد مخالفة الهوى، وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به، وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا، وقال أبو سليمان الداراني: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا، وعن بعضهم: من عمل بما يعلم وفق لما لم يعلم، وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لم نعلم إنما هو من تقصيرنا فيما نعلم، وقيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعة، وقرأ أبو عمرو بسكون الباء الموحدة، والباقون بضمها {وإن الله} أي: بعظمته وجلاله وكبريائه {لمع المحسنين} أي: المؤمنين بالنصرة والمعونة في دنياهم والمغفرة والثواب في عقباهم، وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشريّ من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المؤمنين والمنافقين» فهو حديث موضوع، ورواه ابن عادل عن أبي أمامة عن أبي بن كعب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{يَا عبَاديَ الَّذينَ آمَنُوا إنَّ أَرْضي وَاسعَة فَإيَّايَ فَاعْبُدُون (56)}.
لما ذكر سبحانه حال الكفرة من أهل الكتاب ومن المشركين وجمعهم في الإنذار وجعلهم من أهل النار اشتدّ عنادهم، وزاد فسادهم، وسعوا في إيذاء المسلمين بكل وجه فقال الله سبحانه: {ياعبادي الذين آمنوا} أضافهم إليه بعد خطابه لهم تشريفًا وتكريمًا، والذين آمنوا صفة موضحة أو مميزة {إنَّ أَرْضي وَاسعَة} إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، وفي مكايدة للكفار فاخرجوا منها لتتيسر لكم عبادتي وحدي وتتسهل عليكم.
قال الزجاج: أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله، وكذلك يجب على من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له أن يعبد الله حق عبادته.
وقال مطرف بن الشخير: المعنى: إن رحمتي واسعة ورزقي لكم واسع، فابتغوه في الأرض.
وقيل: المعنى: إن أرضي التي هي أرض الجنة واسعة فاعبدون حتى أورثكموها.
وانتصاب {إياي} بفعل مضمر، أي فاعبدوا إياي.
ثم خوّفهم سبحانه بالموت ليهون عليهم أمر الهجرة فقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الموت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت لا محالة، فلا يصعب عليكم ترك الأوطان، ومفارقة الإخوان والخلان، ثم إلى الله المرجع بالموت والبعث لا إلى غيره، فكل حيّ في سفر إلى دار القرار وإن طال لبثه في هذه الدار.
{والذين ءَامَنُوا وَعَملُوا الصالحات لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفًَا} في هذا الترغيب إلى الهجرة، وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة، ومعنى {لنبوّئنهم} لننزلنهم غرف الجنة، وهي علاليها: فانتصاب {غرفًا} على أنه المفعول الثاني على تضمين نبوئتهم معنى: ننزلنهم، أو على الظرفية مع عدم التضمين؛ لأن نبوئتهم لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد.