فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإما منصوب بنزع الخافض اتساعًا، أي في غرف الجنة، وهو مأخوذ من المباءة، وهي الإنزال.
قرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: {يا عبادي} بإسكان الياء، وفتحها الباقون.
وقرأ ابن عامر: {إن أرضي} بفتح الياء، وسكنها الباقون.
وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم: {يرجعون} بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية.
وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي: {لنثوينهم} بالثاء المثلثة مكان الباء الموحدة، وقرأ الباقون بالباء الموحدة، ومعنى لنثوينهم بالمثلثة: لنعطينهم غرفًا يثوون فيها من الثوى وهو الإقامة.
قال الزجاج، يقال: ثوى الرجل: إذا أقام، وأثويته: إذا أنزلته منزلًا يقيم فيه.
قال الأخفش: لا تعجبني هذه القراءة، لأنك لا تقول: أثويته الدار، بل تقول: في الدار، وليس في الآية حرف جرّ في المفعول الثاني.
قال أبو علي الفارسي: هو على إرادة حرف الجرّ، ثم حذف كما تقول: أمرتك الخير، أي بالخير.
ثم وصف سبحانه تلك الغرف فقال: {تَجْري من تَحْتهَا الأنهار} أي من تحت الغرف {خالدين فيهَا} أي في الغرف لا يموتون أبدًا، أو في الجنة، والأوّل أولى {نعْمَ أَجْرُ العاملين} المخصوص بالمدح محذوف، أي نعم أجر العاملين أجرهم، والمعنى: العاملين للأعمال الصالحة.
ثم وصف هؤلاء العاملين فقال: {الذين صَبَرُوا} على مشاق التكليف، وعلى أذية المشركين لهم، ويجوز أن يكون منصوبًا على المدح {وعلى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي يفوّضون أمورهم إليه في كل إقدام وإحجام.
ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل، وهو النظر في حال الدوابّ، فقال: {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْملُ رزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ} قد تقدّم الكلام في كأين، وأن أصلها: أي، دخلت عليها كاف التشبيه، وصار فيها معنى: كم كما صرح به الخليل وسيبويه، وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد من دابة.
وقيل: المعنى: وكم من دابة.
ومعنى {لا تحمل رزقها} لا تطيق حمل رزقها لضعفها، ولا تدّخره، وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم؛ فكيف لا يتوكلون على الله مع قوّتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها، وعجزها؟ قال الحسن: تأكل لوقتها، لا تدّخر شيئًا.
قال مجاهد: يعني: الطير والبهائم تأكل بأفواهها، ولا تحمل شيئًا {وَهُوَ السميع} الذي يسمع كل مسموع {العليم} بكل معلوم.
ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم، وعجب السامع من كونهم يقرّون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال: {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله} أي خلقها، لا يقدرون على إنكار ذلك، ولا يتمكنون من جحوده {فأنى يُؤْفَكُونَ} أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرّده بالإلهية؟ وأنه وحده لا شريك له، والاستفهام للإنكار والاستبعاد.
ولما قال المشركون لبعض المؤمنين: لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء دفع سبحانه ذلك بقوله: {الله يَبْسُطُ الرزق لمَن يَشَاء منْ عبَاده وَيَقْدرُ لَهُ} أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بحال عباده من القبض والبسط، ولهذا قال: {إنَّ الله بكُلّ شَيْء عَليم} يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم.
{وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ منَ السماء مَاء فَأَحْيَا به الأرض من بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ الله} أي نزّله، وأحيا به الأرض الله، يعترفون بذلك لا يجدون إلى إنكاره سبيلًا.
ثم لما اعترفوا هذا الاعتراف في هذه الآيات، وهو يقتضي بطلان ما هم عليه من الشرك وعدم إفراد الله سبحانه بالعبادة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على إقرارهم وعدم جحودهم مع تصلبهم في العناد، وتشدّدهم في ردّ كل ما جاء به رسول الله من التوحيد فقال: {قُل الحمد للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقلُونَ} أي احمد الله على أن جعل الحق معك، وأظهر حجتك عليهم، ثم ذمهم فقال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقلُونَ} الأشياء التي يتعقلها العقلاء.
فلذلك لا يعملون بمقتضى ما اعترفوا به مما يستلزم بطلان ماهم عليه عند كل عاقل.
ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وأنها من جنس اللعب واللهو، وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة، فقال: {وَمَا هذه الحياة الدنيا إلاَّ لَهْو وَلَعب} من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به {وَإنَّ الدار الآخرة لَهيَ الحيوان}.
قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة.
قال الواحدي: وهو قول جميع المفسرين ذهبوا إلى أن معنى الحيوان: ههنا: الحياة، وأنه مصدر بمنزلة الحياة، فيكون كالنزوان والغليان ويكون التقدير: وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان، أو ذات الحيوان: أي: دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا ينغصها موت، ولا مرض، ولا همّ ولا غمّ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} شيئًا من العلم لما آثروا عليها الدار الفانية المنغصة.
ثم بين سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلاّ مجرّد تأثير الحياة فقال: {فَإذَا رَكبُوا في الفلك دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} أي إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة، فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين بصدق نياتهم، وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدّة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى البر إذَا هُمْ يُشْركُونَ} أي فاجؤوا المعاودة إلى الشرك، ودعوا غير الله سبحانه.
والركوب هو: الاستعلاء، وهو متعدّ بنفسه، وإنما عدّي بكلمة في للإشعار بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة، واللام في {ليَكْفُرُوا بمَآ ءاتيناهم} وفي قوله: {وَليَتَمَتَّعُوا} للتعليل، أي فاجؤوا الشرك بالله ليكفروا بنعمة الله وليتمتعوا بهما فهما في الفعلين لام كي، وقيل: هما لاما الأمر تهديدًا ووعيدًا، أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة وتمتعوا، ويدلّ على هذه القراءة قراءة أبيّ: {وتمتعوا} وهذا الاحتمال للأمرين إنما هو على قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم وورش بكسر اللام، وأما على قراءة الجمهور بسكونها فلا خلاف أنها لام الأمر، وفي قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديد عظيم لهم، أي فسيعلمون عاقبة ذلك وما فيه من الوبال عليهم.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامنًا} أي ألم ينظروا؟ يعني: كفار قريش أنا جعلنا حرمهم هذا حرمًا آمنًا يأمن فيه ساكنه من الغارة والقتل والسبي والنهب فصاروا في سلامة وعافية مما صار فيه غيره من العرب فإنهم في كل حين تطرقهم الغارات، وتجتاح أموالهم الغزاة، وتسفك دماءهم الجنود، وتستبيح حرمهم وأموالهم شطار العرب وشياطينها، وجملة: {وَيُتَخَطَّفُ الناس منْ حَوْلهمْ} في محل نصب على الحال، أي يختلسون من حولهم بالقتل والسبي والنهب.
والخطف: الأخذ بسرعة، وقد مضى تحقيق معناه في سورة القصص {أفبالباطل يُؤْمنُونَ} وهو الشرك بعد ظهور حجة الله عليهم وإقرارهم بما يوجب التوحيد {وَبنعْمَة الله يَكْفُرُونَ} يجعلون كفرها مكان شكرها، وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره.
{وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افترى عَلَى الله كَذبًا} أي لا أحد أظلم منه، وهو من زعم أن لله شريكًا {أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَاءهُ} أي كذّب بالرسول الذي أرسل إليه والكتاب الذي أنزله على رسوله.
وقال السديّ: كذّب بالتوحيد، والظاهر شموله لما يصدق عليه أنه حق.
ثم هدّد المكذبين وتوعدهم فقال: {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} أي مكان يستقرّون فيه، والاستفهام للتقرير، والمعنى: أليس يستحقون الاستقرار فيها وقد فعلوا ما فعلوا؟ ثم لما ذكر حال المشركين الجاحدين للتوحيد الكافرين بنعم الله أردفه بحال عباده الصالحين، فقال: {والذين جاهدوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا، أي الطريق الموصل إلينا.
قال ابن عطية: هي مكية نزلت قبل فرض الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عامّ في دين الله وطلب مرضاته، وقيل: الآية هذه نزلت في العباد.
وقال إبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} بالنصر والعون، ومن كان معه لم يخذل، ودخلت لام التوكيد على مع بتأويل كونها اسمًا، أو على أنها حرف ودخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار كما تقول: إن زيدًا لفي الدار، والبحث مقرّر في علم النحو.
قد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما نزلت هذه الآية: {إنَّكَ مَيّت وَإنَّهُمْ مَّيّتُونَ} [الزمر: 30] قلت: «يا ربّ أيموت الخلائق كلهم ويبقى الأنبياء؟» فنزلت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ الموت ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وينظر كيف صحة هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يسمع قول الله سبحانه: {إنَّكَ مَيّت وَإنَّهُمْ مَّيّتُونَ} يعلم أنه ميت، وقد علم أن من قبله من الأنبياء قد ماتوا، وأنه خاتم الأنبياء، فكيف ينشأ عن هذه الآية ما سأل عنه عليّ رضي الله عنه من قوله: أيموت الخلائق ويبقى الأنبياء، فلعلّ هذه الرواية لا تصح مرفوعة ولا موقوفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر- قال السيوطي بسند ضعيف- عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط التمر ويأكل، فقال لي: «مالك لا تأكل؟» قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: «لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعامًا ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعف اليقين» قال: فوالله ما برحنا، ولا رمنا حتى نزلت: {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْملُ رزْقَهَا} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات، ألا وإني لا أكنز دينارًا ولا درهمًا، ولا أخبأ رزقًا لغد» وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة.
وفي إسناده أبو العطوف الجوزي وهو ضعيف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَإنَّ الدار الآخرة لَهيَ الحيوان} قال: باقية.
وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عجبًا كل العجب للمصدّق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور» وهو مرسل. اهـ.

.قال القاسمي:

ولما بيّن تعالى طريقة إرشاد المشركين، ونفع من انتفع، وحصول اليأس ممن امتنع، بيّن طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله: {وَلا تُجَادلُوا أَهْلَ الْكتَاب إلَّا بالَّتي هيَ أَحْسَنُ} أي: بالخصلة التي هي أحسن. وهي اللين والأناة: {إلَّا الَّذينَ ظَلَمُوا منْهُمْ} أي: بالاعتداء، بأن أفحشوا في المقال وأقذعوا في الجدال، فلا حرج في مقابلتهم بالعنف، لتنكبهم عن جادة اللطف. وهذا كما قال تعالى: {لا يُحبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بالسُّوء منَ الْقَوْل إلَّا مَنْ ظُلمَ} [النساء: 148] ، وهذه الآية أصل في آداب المناظرة والجدل: {وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذي أُنْزلَ إلَيْنَا وَأُنْزلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلمُونَ} أي: مطيعون له خاصة. وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.
قال ابن كثير: يعني إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا يقدم على تكذيبه، لأنه قد يكون حقًا. ولا على تصديقه، فلعله أن يكون باطلًا. ولكن يؤمن به إيمانًا مجملًا معلقًا على شرط. وهو أن يكون منزلًا، لا مبدلًا مؤوّلًا. وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون». وهذا الحديث تفرد به البخاري.
وروى الإمام أحمد عن أبي نملة الأنصاري مرفوعًا: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله. فإن كان حقًّا لم تكذبوهم، وإن كان باطلًا لم تصدقوهم». ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان. لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل. وما أقل الصدق فيه. ثم ما أقل فائدة كثير منه، لو كان صحيحًا.
روى البخاري عن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث. تقرؤونه محضًا لم يُشَبْ. وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيّروا، وكتبوا بأيدهم الكتاب، وقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا، والله! ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
وقال البخاري: وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري. أخبرني حميد ابن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطًا من قريش بالمدينة. وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب. وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. معناه أنه يقع منه الكذب من غير قصد. لأنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة. لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة. ومع ذلك. وقرب العهد، وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة، لا يعلمها إلا الله عز وجل. ومن منحه الله علمًا علم بذلك كل بحسبه. ولله الحمد والمنة. انتهى.
{وَكَذَلكَ أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكتَابَ} أي: مثل ذلك الإنزال، أنزلنا إليك الكتاب. أي: أنزلناه مصدقًا لسائر الكتب السماوية: {فَالَّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكتَابَ يُؤْمنُونَ به وَمنْ هَؤُلاء} أي: العرب: {مَنْ يُؤْمنُ به وَمَا يَجْحَدُ بآياتنَا إلَّا الْكَافرُونَ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو منْ قَبْله منْ كتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بيَمينكَ} أي: فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لما يكفل سعادة الدارين في شرائعه وقضاياه، على أميّ لم يعرف بالقراءة والتعلم، خارق للعادة. وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي، ونفي للتجوز في الإسناد: {إذًا لارْتَابَ الْمُبْطلُونَ} أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ، لقالوا: لعله تعلمه أو كتبه بيده، من كتبٍ مأثورة عن الأنبياء.
تنبيه:
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب. وفيها ردّ على من زعم أنه كتب. انتهى.