فصل: (سورة الروم: الآيات 30- 32).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الروم: الآيات 30- 32].

{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا فطْرَتَ اللَّه الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لخَلْق اللَّه ذلكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ (30) مُنيبينَ إلَيْه وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ (31) منَ الَّذينَ فَرَّقُوا دينَهُمْ وَكانُوا شيَعًا كُلُّ حزْبٍ بما لَدَيْهمْ فَرحُونَ (32)}.

.اللغة:

{حزْبٍ} الحزب: الجماعة من الناس، السلاح، جند الرجل وأصحابه الذين على رأيه، النصيب، القسم من القرآن أو غيره والجمع أحزاب وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلق بعضهم بعضا.

.الإعراب:

{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا} الفاء الفصيحة وأقم فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ووجهك مفعول به وللدين متعلقان بأقم وحنيفا حال من فاعل أقم أو من مفعوله أو من الدين.
{فطْرَتَ اللَّه الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها} مفعول به لفعل محذوف أي الزموا فطرة اللّه أي خلقته وإنما أضمرناه على خطاب الجماعة لقوله فيما بعد منيبين اليه كما سيأتي وقيل هي مصدر لفعل محذوف أي فطركم فطرة والتي صفة للفطرة وجملة فطر الناس صلة وعليها متعلقان بفطر.
{لا تَبْديلَ لخَلْق اللَّه} الجملة تعليل للأمر بلزوم فطرته ولا نافية للجنس وتبديل اسمها المبني على الفتح ولخلق اللّه خبر.
{ذلكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ} ذلك مبتدأ والدين خبره والقيم صفة والواو حالية أو استئنافية ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها.
{مُنيبينَ إلَيْه وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ} منيبين حال من فاعل الزموا المضمر كما أشرنا اليه آنفا وهو أحسن من جعله حالا من فاعل أقم واتقوا اللّه عطف على الزموا المضمرة وكذلك قوله وأقيموا الصلاة ولا ناهية وتكونوا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا الناهية والواو اسمها ومن المشركين خبرها.
{منَ الَّذينَ فَرَّقُوا دينَهُمْ وَكانُوا شيَعًا} من الذين بدل من قوله من المشركين بإعادة العامل وجملة فرقوا دينهم صلة وكانوا شيعا كان واسمها وخبرها.
{كُلُّ حزْبٍ بما لَدَيْهمْ فَرحُونَ} كل حزب مبتدأ وبما متعلقان بفرحون ولديهم الظرف متعلق بمحذوف صلة للموصول وفرحون خبر كل والجملة مفسرة مقررة لما قبلها.

.[سورة الروم: الآيات 33- 37].

{وَإذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنيبينَ إلَيْه ثُمَّ إذا أَذاقَهُمْ منْهُ رَحْمَةً إذا فَريقٌ منْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ (33) ليَكْفُرُوا بما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهمْ سُلْطانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بما كانُوا به يُشْركُونَ (35) وَإذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرحُوا بها وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ بما قَدَّمَتْ أَيْديهمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لمَنْ يَشاءُ وَيَقْدرُ إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ (37)}.

.اللغة:

{سُلْطانًا} السلطان: الحجة تقول له سلطان مبين أي حجة والملك وعبارة القاموس: والسلطان الحجة وقدرة الملك وتضم لامه، والوالي مؤنث لأنه جمع سليط للدهن كأن يضيء الملك أو لأنه بمعنى الحجة وقد يذكر ذهابا إلى معنى الرجل وفي الأساس: وله عليهم سلطان، {وما كان لي عليكم من سلطان} وله سلطان مبين: حجة وسنابك سلطات: طوال قال الجعدي يصف فرسا:
مدلّا على سلطات النسو ** ر شمّ السنابك لم تقلب

وروّى ذباله بالسليط وهو الزيت الجيد وقال أبو البقاء:
والسلطان يذكر لأنه بمعنى الدليل ويؤنث لأنه بمعنى الحجة وقيل هو جمع سليط كرغيف ورغفان {يَقْنَطُونَ} ييئسون من الرحمة وفي المصباح هو بفتح النون وكسرها سبعيتان وبابه ضرب وتعب وفي القاموس: قنط كنصر وضرب وحسب وكرم قنوطا وكفرح قنطا وقناطة وكمنع وحسب وهاتان على الجمع بين اللغتين يئس فهو قنط كفرح وقنّطه تقنيطا آيسه والقنط المنع وزبيب الصبي.

.الإعراب:

{وَإذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنيبينَ إلَيْه} كلام مستأنف مسوق لتصوير طبائع الناس المتقلبة وترجحهم بين الرجاء والقنوط، وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة مس في محل جر بإضافة الظرف إليها والناس مفعول به مقدم وضر فاعل مؤخر وجملة دعوا ربهم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وربهم مفعول به ومنيبين حال من فاعل دعوا واليه متعلقان بمنيبين.
{ثُمَّ إذا أَذاقَهُمْ منْهُ رَحْمَةً إذا فَريقٌ منْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ} ثم حرف عطف للترتيب والتراخي وإذا شرطية وجملة أذاقهم في محل جر بإضافة الظرف إليها ومنه حال لأنه كان في الأصل صفة لرحمة ورحمة مفعول به ثان وإذا الفجائية، وهي رابطة لجواب إذا الأولى بشرطها فهي تخلف الفاء في الربط وفريق مبتدأ ومنهم صفة وبربهم متعلقان بيشركون وجملة يشركون خبر.
{ليَكْفُرُوا بما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} اللام للتعليل أو العاقبة والصيرورة وقيل هي لام الأمر والمراد بالأمر التهديد والوعيد ويكفروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وبما متعلقان بيكفروا وجملة آتيناهم صلة، فتمتعوا الفاء عاطفة وتمتعوا فعل أمر التفت فيه من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في زجرهم والفاء واقعة في جواب الأمر وسوف حرف استقبال وتعلمون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل.
{أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهمْ سُلْطانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بما كانُوا به يُشْركُونَ} أم حرف عطف منقطعة فهي بمعنى بل وأنزلنا فعل وفاعل وعليهم متعلقان بأنزلنا وسلطانا مفعول به والفاء حرف عطف وهو مبتدأ وجملة يتكلم خبر وبما جار ومجرور متعلقان بيتكلم وجملة كانوا صلة ويجوز أن تكون ما مصدرية وكان واسمها وبه متعلقان بيشركون وجملة يشركون خبر كانوا.
{وَإذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرحُوا بها} عطف على ما تقدم وجملة فرحوا بها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وجملة أذقنا في محل جر بإضافة الظرف إليها.
{وَإنْ تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ بما قَدَّمَتْ أَيْديهمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ} عطف أيضا وتصبهم فعل الشرط وسيئة فاعل والباء سببية وما اسم موصول في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بتصبهم وجملة قدمت لا محل لها وإذا الفجائية وقد نابت عن الفاء في ربط الجواب بالشرط وهم مبتدأ وجملة يقنطون خبر وجملة إذا هم يقنطون في محل جزم جواب الشرط.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لمَنْ يَشاءُ وَيَقْدرُ} الهمزة للاستفهام الانكاري المفيد للتقرير والواو عاطفة على محذوف يقتضيه السياق ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا وان واسمها وجملة يبسط الرزق خبرها ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يبسط.
{إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} تقدم إعراب نظائرها كثيرا.

.البلاغة:

في قوله: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهمْ سُلْطانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} مجاز عقلي كما تقول كتابه ناطق بكذا وهذا مما نطق به القرآن ومعناه الدلالة والشهادة فهو يشهد بشركهم أو بالذي يشركون به.

.[سورة الروم: الآيات 38- 40].

{فَآت ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمسْكينَ وَابْنَ السَّبيل ذلكَ خَيْرٌ للَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه وَأُولئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَا في أَمْوال النَّاس فَلا يَرْبُوا عنْدَ اللَّه وَما آتَيْتُمْ منْ زَكاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُولئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ (39) اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ هَلْ منْ شُرَكائكُمْ مَنْ يَفْعَلُ منْ ذلكُمْ منْ شيء سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْركُونَ (40)}.

.الإعراب:

{فَآت ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمسْكينَ وَابْنَ السَّبيل} الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن مقدر تقديره إن عرفت أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم فآت. وآت فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله مستتر تقديره أنت وذا القربى مفعول به أول وحقه مفعول به ثان، وقد احتج أبو حنيفة بهذه الآية على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين وعاجزين عن الكسب والشافعي قاس القرابات على ابن العم لأنه لا ولادة بينهم. والمسكين عطف على ذا القربى وكذلك ابن السبيل.
{ذلكَ خَيْرٌ للَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه وَأُولئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ} ذلك مبتدأ وخير خبر وللذين متعلقان بخير وجملة يريدون صلة والواو فاعل ووجه اللّه مفعول به أي ثوابه وأولئك مبتدأ وهم مبتدأ ثان والمفلحون خبر هم والجملة خبر أولئك.
{وَما آتَيْتُمْ منْ ربًا ليَرْبُوَا في أَمْوال النَّاس فَلا يَرْبُوا عنْدَ اللَّه} الواو عاطفة وما شرطية في محل نصب مفعول به مقدم لآتيتم وآتيتم فعل وفاعل ومن ربا حال وليربوا اللام للتعليل ويربوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بآتيتم وفي أموال الناس متعلقان بيربوا وسيأتي معنى الظرفية في باب البلاغة والفاء رابطة لجواب الشرط ولا نافية ويربوا فعل مضارع مرفوع والجملة في محل جزم جواب الشرط وعند اللّه متعلق بيربوا.
{وَما آتَيْتُمْ منْ زَكاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُولئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ} عطف على ما تقدم ومعنى قوله فأولئك هم المضعفون ذوو الأضعاف من الثواب وسيأتي سر الالتفات في باب البلاغة.
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ} اللّه مبتدأ والذي خلقكم خبره وجملة خلقكم صلة وما بعده عطف عليه.
{هَلْ منْ شُرَكائكُمْ مَنْ يَفْعَلُ منْ ذلكُمْ منْ شيء سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْركُونَ} هل حرف استفهام ومن شركائكم خبر مقدم ومن للتبعيض، ومن يفعل مبتدأ مؤخر ومن ذلكم متعلق بمحذوف حال من شيء لأنه كان في الأصل صفة له ومن حرف جر زائد وشيء مجرور بمن لفظا مفعول به ليفعل محلا وزيدت له لأن النكرة في حيز الاستفهام المتضمن معنى النفي وسبحانه مفعول مطلق لفعل محذوف وتعالى فعل ماض وعما متعلقان بتعالى وما مصدرية أو موصولية.

.البلاغة:

1- الكناية:
في قوله: {ليربوا في أموال الناس} كناية لأن الزيادة التي يأخذها المرابي من أموال الناس لا يملكها أصلا فالظرفية هي موضع الكناية.
2- الالتفات:
في قوله: {فأولئك هم المضعفون} التفات عن الخطاب إلى الغيبة للتعظيم فهو أمدح من أن يقول لهم فأنتم المضعفون وفيه حذف المفعول به أي ثوابهم.

.[سورة الروم: الآيات 41- 45].

{ظَهَرَ الْفَسادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر بما كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ (41) قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْركينَ (42) فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم منْ قَبْل أَنْ يَأْتيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ منَ اللَّه يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ وَمَنْ عَملَ صالحًا فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ (44) ليَجْزيَ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات منْ فَضْله إنَّهُ لا يُحبُّ الْكافرينَ (45)}.

.الإعراب:

{ظَهَرَ الْفَسادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر بما كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس} كلام مستأنف مسوق لتقرير ما عم في مختلف الأنحاء من البر والبحر من مفسدة وظلم ولهو ولعب وسائر ما يطلق عليه الفساد الذي هو ضد الصلاح. وظهر الفساد فعل وفاعل وفي البر والبحر متعلقان بظهر أو بمحذوف حال ولعله أرجح وبما متعلقان بظهر أي بسبب كسبهم فما مصدرية أو بسبب الذي كسبوه فهي موصولية وأيدي الناس فاعل كسبت.
{ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} اللام لام التعليل ويذيقهم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة والأولى أن يعلق الجار والمجرور بمحذوف أي عاقبهم بذلك وقيل اللام ليست للتعليل بل للصيرورة لأن ذلك هو مآلهم وصيرورتهم وأجاز أبو البقاء تعليقه بظهر، والهاء مفعول به أول ليذيق وبعض الذي عملوا مفعوله الثاني ولعل واسمها وجملة يرجعون خبرها.
{قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلُ} جملة سيروا في الأرض مقول القول فانظروا عطف على سيروا وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وكان واسمها والجملة في محل نصب بانظروا المعلقة بالاستفهام ومن قبل متعلقان بمحذوف صلة الذين.
{كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْركينَ} كلام مستأنف مسوق لبيان أن ما أصابهم كان لفشو الشرك في أكثرهم والفساد والمعاصي في أقلهم.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم} الفاء الفصيحة وأقم فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت يعود على الرسول صلى اللّه عليه وسلم والمراد أمته ووجهك مفعول به وللدين متعلقان بأقم والقيم صفة للدين أي اجعل وجهتك اتباع الدين القيم البليغ الاستقامة وقد تقدم تفسير هذه الكلمة.
{منْ قَبْل أَنْ يَأْتيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ منَ اللَّه يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} من قبل متعلقان بمحذوف حال وان وما بعدها في تأويل مصدر مضاف اليه ويوم فاعل يأتي ولا نافية للجنس ومرد اسمها وله خبرها والجملة صفة ليوم ومن اللّه لك أن تعلقه بيأتي أي يأتي من اللّه يوم لا يرده أحد ولك أن تعلقه بمحذوف يدل على المصدر المنسبك من أن ويرده ولا يجوز تعليقه بمرد لأنه يصبح عندئذ شبيها بالمضاف فيعرب، ويومئذ ظرف أضيف لمثله متعلق بيصدعون والتنوين عوض عن جملة ويصدعون مضارع حذفت إحدى تاءيه أي يتفرقون يوم إذ يأتي هذا اليوم، يقال: تصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه الصداع لأنه يفرق شعب الرأس، وقال الشاعر:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ وَمَنْ عَملَ صالحًا فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ} الجملة مفسرة لا محل لها مسوقة لتفسير قوله يصدعون ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وكفر فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة للجواب وعليه خبر مقدم وكفره مبتدأ مؤخر والجملة في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من، ومن عمل صالحا عطف على ما سبقه مماثل له في إعرابه وقوله صالحا يجوز أن يكون مفعولا به وأن يكون نعتا لمصدر أي عملا صالحا والفاء رابطة ولأنفسهم متعلقان بيمهدون والجملة جواب الشرط أي يمهدون فرشهم الوثيرة ويوطئونها لئلا تنبوبهم فتتجافى مضاجعهم ويتنغص عيشهم.
{ليَجْزيَ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات منْ فَضْله إنَّهُ لا يُحبُّ الْكافرينَ} اللام للتعليل ويجزي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بيمهدون أو بيصدعون أو بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك كائن ليجزي والذين مفعول يجزي وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على يجزي ومن فضله متعلقان بيجزي وان واسمها وجملة لا يحب خبرها والكافرين مفعول به والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها تعليلية.

.البلاغة:

في قوله: {فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم} جناس المناسبة اللفظي لأن للجناس أصلين وهما جناس المزاوجة وجناس المناسبة وقد تقدم ذكر هذا مستوفى.