فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال في المثل: مليت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة.
{مَنامُكُمْ باللَّيْل وَالنَّهار} (23) وهى من مصادر النوم بمنزلة قام يقوم مقاما، وقال يقول مقالا.
{كُلّ لَهُ قانتُونَ} (26) أي مطيعون و{كلّ} لفظه لفظ الواحد ويقع معناه على الجميع فهو هاهنا جميع وفى الكلام: كل له مطيع أيضا.
{وَهُوَ الَّذي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ} (27) مجازه أنه خلقه ولم يكن من البدء شيئا ثم يحييه بعد موته {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} (27) فجاز مجازه: وذلك هبّن عليه لأن أفعل يوضع في موضع الفاعل قال:
لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل ** على أيّنا تعدو المنيّة أوّل

أي وإنى لواجل أي لوجل، وقال:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي بواحد وفى الأذان: اللّه أكبر أي اللّه كبير. وقال الشاعر:
أصبحت أمنحك الصّدود وإننى ** قسما إليك مع الصدود لأميل

وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتا دعائمه أعزّ وأطول

أي عزيزة طويلة.
فان احتجّ محتجّ فقال إن اللّه لا يوصف بهذا وإنما يوصف به الخلق فزعم أنه وهو أهون على الخلق وإن الحجة عليه قول اللّه: {وَكانَ ذلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا} (33: 19) وفى آية أخرى: {وَلا يَؤُدُهُ حفْظُهُما} أي لا يثقله.
{فطْرَتَ اللَّه الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها} (30) أي صبغة اللّه التي خلق عليها الناس، وفى الحديث: كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهوّدانه وينصرانه أي على الملة والصبغة وهى واحدة وهى العهد الذي كان أخذه اللّه منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال:
إنّ نزارا أصبحت نزارا ** دعوة أبرار دعوا أبرارا

{مُنيبينَ إلَيْه} (31) أي راجعين تائبين.
{كانُوا شيَعًا} (32) أي أحزابا فرقا.
{كُلُّ حزْبٍ بما لَدَيْهمْ فَرحُونَ} (32) أي كل شيعة وفرقة بما عندهم.
{فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (34) مجازه مجاز التوعّد والتهدّد وليس بأمر طاعة ولا فريضة.
{إذا هُمْ يَقْنَطُونَ} (36) أي يئسون قال حميد الأرقط:
قد وجدوا الحجّاج غير قانط

{فَلا يَرْبُوا عنْدَ اللَّه} أي لا يزيد ولا ينمى.
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ هَلْ منْ شُرَكائكُمْ مَنْ يَفْعَلُ منْ ذلكُمْ منْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْركُونَ} (40) مجازه: من يفعل من ذلكم شيئا، {من} من حروف الزوائد وقد أثبتنا تفسيره في غير مكان وجاء {منْ ذلكُمْ} وهو واحد وقبله جميع قال: {خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ} والعرب قد تفعل مثل ذلك قال رؤبة بن العجّاج:
فيها خطوط من سواد وبلق ** كأنه في الجلد توليع البهق

يريد كأن ذاك ولم يرد خطوطا فيؤنثه ولا سوادا أو بلقا فيثنّيه وهذا كله يحاجهم به القرآن وليس باستفهام ب {هل} ومعناه: ما من شركائكم من يفعل ذلك ومجاز {سُبْحانَهُ} مجاز موضع التنزيه والتعظيم والتبرؤ قال الأعشى:
أقول لّما جاءنى فخره ** سبحان من علقمة الفاخر

(44) يتبرؤ من ذلك له وتعالى أي علا عن ذلك.
{يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} (43) أي يتفرقون ويتخاذلون.
{مَنْ عَملَ صالحًا فَلأَنْفُسهمْ يَمْهَدُونَ} (44) من يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث ومجازها هاهنا مجاز الجميع ويمهد أي يكتسب ويعمل ويستعد قال سليمان بن يزيد العدوى:
أمهد لنفسك حان السقم ** والتلف ولا تضيعنّ نفسا ما لها خلف

{فَتُثيرُ سَحابًا} (48) مجازه: تجمع وتستخرج.
{الْوَدْقَ} (48) والقطر واحد قال:
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل أبقالها

{منْ خلاله} (48) أي من بينه.
{فَانْظُرْ إلى آثار رَحْمَت اللَّه كَيْفَ يُحْي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتها إنَّ ذلكَ لَمُحْي الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدير} (50) المحيي الموتى هو اللّه ولم تقع هذه الصفة على رحمة اللّه ولكنها وقعت على أن اللّه هو محيى الموتى وهو على كل شيء قدير. والعرب قد تفعل ذلك فتصف الآخر وتترك الأول يقولون:
رأيت غلام زيد أنه عنه لحليم أي أن زيدا عن غلامه وعن غيره لحليم.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} (51) الهاء هاهنا للأثر كقولك:
فرأوا الأثر مصفرّا ومعناه النبات.
{خَلَقَكُمْ منْ ضَعْفٍ} (54) أي صغارا أطفالا.
{ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ منْ بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (54) أي الكبر بعد القوة.
{كَذلكَ يَطْبَعُ اللَّهُ} (59) يقال للسيف إذا جرب وصدىء: قد طبع السيف وهو أشد الصدأ. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الروم:
في تصوير العلاقة بين الإسلام والنصرانية، نلحظ: أن القرآن الكريم لم يوارب ولم يداهن في تقرير الوحدانية ورفض التعدد. فالله واحد لم يلد ولم يولد، وهو أحد ليس مركبا من عنصرين كما يتركب الماء مثلا من الأوكسوجين والأيدروجين. فالقول بأن الله هو الأب والابن معا مرفوض {إنما الله إله واحد} ومقتضى ذلك أن الثاني لا يكون إلها، وكذلك الثالث بداهة. إن الثاني والثالث مخلوقان لله سبحانه {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}. وهذه الآيات من القرآن النازل بمكة! إن الإسلام من يومه الأول حدد موقفه من قضية التثليث.! ومع ذلك، فقد لاحظنا من الناحية السياسية أن الإسلام كان حسن الصلة بالنصارى، وأن النبي عندما أوذي أصحابه أشار إليهم بالهجرة إلى الحبشة، وهى يومئذ دولة نصرانية، فذهبوا- إليها وهم يرون عيسى وأمه من عباد الله الصالحين!! ثم جاءت هزيمة الروم أمام المجوس، فحزن لها المسلمون وشمت فيهم عبدة الأوثان، وكانت هزيمة النصارى شديدة بعيدة المدى خسروا فيها مصر واليمن والشام، ودفعوا غرامات مهينة من المال والحرمات.! ووثق أهل الأرض أن شمس الروم غربت ومستقبلهم ضاع. والصوت الوحيد الذي كابر هذه النتائج ووقف ضدها هو صوت القرآن الكريم في مكة. فقد أعلن في يقين أن هذه الهزيمة عارضة وسوف تنتهي في سنوات!! {غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
إن هذه الآيات تحدت واقعا عالميا ذل فيه النصارى وعز فيه المجوس، ما شذ فيه أحد. ومع ذلك فإن الوحي ينزل جازما بأن هذا الواقع الصارخ سيزول في سنين تعد على الأصابع!! وصدقت الأيام النبوءة القرآنية. والغريب أن الرومان بدل أن ينوهوا بالإسلام، قالوا: إن محمدا قال ذلك لأنه كان يكره الفرس!! ورفضوا اعتبار هذه النبوءة معجزة تشهد له بالصدق!! ونحن أزهد الناس في شهادتهم. وإنما نحكى ما وقع لنشير إلى الموقف السياسي للمسلمين نحو النصارى على الإجمال. وعلة ذلك فيما نرى أن النصارى أقرب إلى اعتناق التوحيد الإسلامي من غيرهم- وهو ما كشفت عنه الفتوح الإسلامية- فقد انتصرت الفطرة ودخل الناس أفواجا في دين الله. لقد آثرت الجماهير ترك التناقض والانسياق مع بداهة العقل،. فشرحت بالإسلام صدرا واعتنقته طوعا لا قهرا. إن مواثيق الفطرة سبق ذكرها في سورة الأعراف، لكنها شرحت باستفاضة في سورة الروم، فعلم الناس أن الإسلام هو الفطرة السليمة والطبيعة الإنسانية المستقيمة. إنه حركة العقل المتحرر من التقاليد، الباحث عن الحق، المتجرد عن الأهواء {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. والحي الذي تتجه إليه الأحياء في الأرض والسماوات منزه عن الشرك، موصوف بالمجد والحمد تسجد له الإنس والجن والملائكة، ولا يوجد في زوايا العالم وخباياه من ينازعه السلطة {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون}. وكلمة التوحيد تسمى كلمة الإخلاص لأنها خلصت العقيدة من شوائب الشرك، وجعلت ماعدا الله عبدا له يشرف بالخضوع لذاته ويهلك لو فكر في التمرد عليه!! {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون}. وقد شاء تبارك اسمه أن يختبر الأحياء كلهم في هذه الدنيا، ثم بعد آجال كتبها لهم يستعيدهم ليسائلهم عما فعلوا. وحتى لا يضلوا عنه، نصب لهم الآيات الشاهدة عليه، وبثها في آفاق الأرض والسماء، ثم لفتنا إليها نما كتابه العزيز، فذكر ستا متعاقبات وسابعة مفردة قال تعالى:
1- {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}.
2- {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
3- {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}.
4- {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}.
5- {ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.
6- {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون}.
7- {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}. وكل يقظان الشعور في هذا الكون يحس أن القرآن تحدث عن الله أطيب حديث وأصدقه. وجو العلم الذي يخلقه القرآن يبعث على الإيمان ويقتل جراثيم الإلحاد، ولكن هناك قوما {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}. وهؤلاء كثروا في العصر الحاضر كثرة ظاهرة، وعلة انتشارهم غياب الوحي الحق لعجز حملته عن وعيه وتبليغه، وسيادة فلسفات وأديان أرضية لا تشبع نهمة العقل ولا ترضى أشواق الفطرة. النفس السوية تعرف ربها ويشدها إحسانه، وتؤوب إليه إن باعدها الشيطان عنه ولكن الثمرة قد تعطب، والجنين قد يشوهه مرض، والناس قد تستبد بهم الأثرة والشقاق والذهول عن الحق. فهل يتركهم القرآن يهلكون؟ كلا إنه يناشدهم العودة إلى سبيل الفطرة {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}. والتفرق غريزة في الناس أساسها إثبات الذات ومغالبة الغير، وهو موجود بين أهل الدين وأهل الدنيا. ويقترن غالبا بالرضا عن النفس والفرح بما أوتيت!
وهذا شاع بين الأولين والآخرين ولا يزال. وهو لون من الخلاف يغاير كل المغايرة الاجتهاد الإسلامي المعروف والمذاهب الفقهية التي نشأت عنه. إن الخلاف الفقهي ليس انقسام أمة وإيقاد ضغائن. إنه وجهات نظر في فهم قضايا فرعية أو هامشية، وأصحابها مأجورون جميعا مخطئهم ومصيبهم! ومن حاول تحويل الخلاف إلى تحزب وخصام فقد ضل. وعقب آيات الفطرة، جاء حديث طويل عن فتنة السراء والضراء. فالناس قد تدنيهم الأزمات من ربهم، فإذا أرضاهم نسوا ما كانوا فيه وجحدوا النعمة الطارئة {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}. وهذه غفلة منكرة أو غدر خسيس. ومثل ذلك أن يفرح المرء بالنعمة عنده ويألف صحبتها وينسى حقها، فإذا فقد الصحة أو الثروة أو نقص نصيبه منها خامره اليأس وغلبه القنوط. وذلك لأنه يحسب نفسه فقد لازمة من لوازمه ربما لا تعود، وما درى أن العطاء والمنع من تصاريف الأقدار {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}. والواقع أن المرء مكلف بالشكر في السراء، والصبر. في الضراء، والرضا بالقضاء، ومعاملة الآخرين على أساس ما أوتى. ولذلك قال سبحانه: {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون}. وفتنة الغنى والفقر طحنت العالم منذ نشأ، ولا تزال الرأسمالية والاشتراكية تدفعان الجماهير إلى مسالك يشوبها الغلو والكراهية. كلا الفريقين يحسب أن الحياة لا تصفو له إلا على أنقاض الآخر، كأن حرب الطبقات ضريبة على البشر لابد من أدائها!! {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}. إن الأخوة المتعاونة المتراحمة التي يصنعها الإيمان هي التي تمنع ضراوة الغنى وضراعة الفقر.
{فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون}. وخلال الكلام عن فتنة السراء والضراء واليأس والرجاء جاء كلام عن الصراع الأبدي بين الحق والباطل، أو بين الإيمان والكفر. فقيل للرسول وهو يبلغ دعوة الله ويعانى من العوائق التي افتعلها المشركون {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين}. قلت في نفسي إن الأمة التي تنتمي إلى محمد تبلغ خمس سكان الأرض، وتبدو في ثراها جميع الهزائم العسكرية والثقافية والخلقية! فما حطها في هذا الدرك؟ الواقع أن أغلب معالم الفطرة البشرية مستخف فيها فلا يقين ولا وحدة ولا حضارة! وتستطيع أن توازن بين جانب مسلم من جوانب الأرض، وجانب آخر لا يعرف الله الحق، فتجد النشاط هناك والخمول هنا! وعندما كان المسلمون يبادون في البوسنة أو يختطفون من أرضهم في فلسطين، كانت هناك جماهير في وادي النيل والمغرب تضحك ملء الفم وتبحث عن اللهو بغباء! أهناك شعور بأخوة الدين؟ كلا، لأن الدين نفسه غير قائم بالنفوس إلا بقايا مخدرة شائهة. وأمة بهذه المثابة لا يكتب لها نصر. وقد مزق الله شمل المتدينين من بني إسرائيل قديما وسلط عليهم عباد الأوثان، لأن التدين الفاسد ليس جديرا بالنصر! على أن الأيام دول، وعندما يصلح المسلمون شئونهم يقترب منهم النصر البعيد. إن أمتنا تمثل في العالم الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا ينصر الله هذه الخلال. وقد جاءت في هذه السورة آية أحسبها تؤكد أن الإسلام باق إلى آخر الدهر، وأن بقاءه لا محالة بأمة تعتنقه وتفتديه {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون}. إن هذه الآية تومئ إلى أن أمتنا لن تزول، وأن كبوتها إلى حين، ونحن نعلم أننا آخر الرسالات وآخر الأمم، وليس بعدنا إلا قيام الساعة فهل نلم شملنا ونستأنف سيرنا ونستعيد أمجادنا؟ لعل ذلك يكون نهاية المطاف، وهو ما يشير إليه آخر السورة {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}. والصبر هنا على العمل الذي يعقب الثمر، وعلى الجهاد الذي يعقب النصر. اهـ.