فصل: فائدة لغوية في لفظة الناس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة لغوية في لفظة الناس:

والناس اسم جمع ليس له مفرد من لفظه، وأل فيه للاستغراق لا محالة وهو هنا للعموم أي البشر كلهم، إذ ليس ثمة فريق معهود ولكنه عموم عرفي مبني على مراعاة الغالب الأغلب وعدم الاعتداد بالنادر لظهور أنه لا يخلو زمن غلب فيه الخير عن أن يكون بعض الناس فيه شريرًا مثل عصر النبوة ولا يخلو زمن غلب فيه الشر من أن يكون بعض الناس فيه خيرًا مثل نوح {وما آمن معه إلاّ قليل} [هود: 4].
والأمة بضمة الهمزة: اسم للجماعة الذين أمرهم واحد، مشتقة من الأم بفتح الهمزة وهو القصد أي يؤمون غاية واحدة، وإنما تكون الجماعة أمة إذا اتفقوا في الموطن أو الدين أو اللغة أو في جميعها.
والوصف بواحدة في الآية لتأكيد الإفراد في قوله أمة لدفع توهم أن يكون المراد من الأمة القبيلة، فيظن أن المراد كان الناس أهل نسب واحد، لأن الأمة قد تطلق على من يجمعهم نسب متحد. اهـ.

.تفسير الآية رقم (214):

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أفهم ما صرح به الكلام السابق من الاختلاف وقوع العداوات وكان في العداوات خطر الأموال والأنفس وكان ذلك أشق ما يكون وكانت العادة قاضية بأن المدعوين إلى ذلك إن لم يصمموا على الآيات كانوا بين مستثقلين لأمر الرسل يرون أنهم يفرقون ما اتفق من الكلمة ورضي به الناس لأنفسهم ويشتتون أمرهم مستثقلين لطول انتظار الانتصار كان حالهم حال من يطلب الراحات في ذرى الجنات بلا مشقات وذلك محال ومحض ضلال، فإن الثبات على الصراط المستقيم لا يكون إلا باحتمال شدائد التكاليف فكان كأنه قيل في جواب ذلك عدولًا عن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم المقول له {سل بني إسرائيل} [البقرة: 212] إلى خطاب الأتباع تشريفًا له عن ذلك ورفعًا لهممهم بالمواجهة بالخطاب والتأسية بمن مضى من أولي الألباب تنشيطًا لهم وتقوية لعزائمهم: أحسبتم أنا لا نرسل الرسل لتمييز الخبيث من الطيب {أم حسبتم} بعد إرسالهم أن الأمر هين بأن تنالوا السعادة بلا اجتهاد في العبادة. قال الحرالي: هو مما منه الحسبان وهو ما تقع غلبته فيما هو من نوع المفطور عليه المستقر عادته، والظن الغلبة فيما هو من المعلوم المأخوذ بالدليل والعلم؛ فكأن ضعف علم العالم ظن وضعف عقل العاقل حسبان- انتهى. وهذا الذي قدرته هو معنى {أن تدخلوا الجنة} أي التي هي نعيم دائم والحال أنه {لما يأتكم مثل} أي وصف {الذين خلوا} ولما كان القرب في الزمان أشد في التأسية أثبت الجار فقال: {من قبلكم} أي يقص عليكم لتعلموا به أو يصيبكم ما أصابهم من الأحوال الغريبة والقضايا العجيبة التي هي في غرابتها كالأمثال. وقال الحرالي: وأم عطف على أمور يفهمها مبدأ الخطاب كأنه يقول: أحسبتم أن تفارق أحوالكم أحوال الأمم الماضية في حكمة الله وسنته ولن تجد لسنة الله تبديلًا إلى ما يستجره معنى الخطاب إجمالًا وتفصيلًا في واقع الدنيا من شدائدها وحرها وبردها وضيق عيشها وأنواع أذاها وحال البرزخ وحال النشر والحشر إلى ما وراء ذلك إلى غاية دخول الجنة فكان عند انتهاء ذلك بادئة خطاب {أم حسبتم} تجاوزًا لما بين أول البعث وغاية دخول الجنة- انتهى. ونبهت لما التي فيها معنى التوقع لأنها في النفي نظيرة قد في الإثبات على أنه كان ينبغي لهم أن يكون دخولهم في الدين على بصيرة من حصول الشدائد لكثرة المخالف والمعاند فيكونوا متوقعين في كل وقت مكابدة القوارع وحلول الصوادع والصوارع ليكون ذلك أجد في أمرهم وأجدر لهم بالثبات والارتقاء إلى أعلى الدرجات. اهـ.

.قال الفخر:

في النظم وجهان الأول: أنه تعالى قال في الآية السالفة: {والله يَهْدِى مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} والمراد أنه يهدي من يشاء إلى الحق وطلب الجنة فبين في هذه الآية أن ذلك الطلب لا يتم ولا يكمل إلا باحتمال الشدائد في التكليف فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} الآية الثاني: أنه في الآية السالفة ما بين أنه هداهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه بين في هذه الآية أنهم بعد تلك الهداية احتملوا الشدائد في إقامة الحق وصبروا على البلوى، فكذا أنتم يا أصحاب محمد لا تستحقون الفضيلة في الدين إلا بتحمل هذه المحن. اهـ.

.قال ابن عاشور:

إن القصد من ذكر الأمم السالفة حيثما وقع في القرآن هو العبرة والموعظة والتحذير من الوقوع فيما وقعوا فيه بسوء عملهم والاقتداءُ في المحامد، فكان في قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} الآية إجمال لذلك وقد ختم بقوله: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، ولما كان هذا الختام منقبة للمسلمين أُوقِظوا أنْ لا يُزْهَوْا بهذا الثناء فيحسبوا أنهم قضَوْا حق شكر النعمة فعقب بأن عليهم أن يصبروا لما عسى أن يعترضهم في طريق إيمانهم من البأساء والضراء اقتداء بصالحي الأمم السالفة، فكما حذرهم الله من الوقوع فيما وقع فيه الضالون من أولئك الأمم حرضهم هنا على الاقتداء بهدي المهتدين منهم على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة وعكس ذلك، فيكون قوله: {أم حسبتم} إضرابًا عن قوله: {فهدى الله الذين آمنوا} وليكون ذلك تصبيرًا لهم على ما نالهم يوم الحديبية من تطاول المشركين عليهم بمنعهم من العُمرة وما اشترطوا عليهم للعام القابل، ويكون أيضًا تمهيدًا لقوله: {كتب عليكم القتال} [البقرة: 216] الآية، وقد روي عن أكثر المفسرين الأولين أن هذه الآية نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجَهد والشدائد فتكون تلك الحادثة زيادة في المناسبة. اهـ.

.سبب النزول:

قال الألوسي:
نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدّة والخوف والبرد وسوء العيش وأنواع الأذى، حتى بلغت القلوب الحناجر، وقيل: في غزوة أحد، وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتدّ الضر عليهم، لأنهم خرجوا بغير مال وتركوا ديارهم وأموالهم بيد المشركين، وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تطييبًا لقلوبهم هذه الآية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

وفي الكلام التفات إلا أنه غير صريح من الغيبة إلى الخطاب لأنّ قوله سبحانه: {كَانَ الناس أُمَّةً واحدة} [البقرة: 213] كلام مشتمل على ذكر الأمم السابقة والقرون الخالية، وعلى ذكر من بعث إليهم من الأنبياء وما لقوا منهم من الشدائد، وإظهار المعجزات تشجيعًا للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر على أذى المشركين، أو للمؤمنين خاصة فكانوا من هذا الوجه مرادين غائبين ويؤيده {فَهَدَى الله الذين آمَنُواْ} [البقرة: 3 21] الخ فإذا قيل: بعد {أَمْ حَسِبْتُمْ} كان نقلًا من الغيبة إلى الخطاب، أو لأنّ الكلام الأوّل تعريض للمؤمنين بعدم التثبت والصبر على أذى المشركين، فكأنه وضع موضع كان من حق المؤمنين التشجيع والصبر تأسيًا بمن قبلهم، كما يدل عليهم ما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والإمام أحمد عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقينا من المشركين فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله تعالى لنا؟ فقال: «إنّ من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فتخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ثم قال: والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلى الله تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» وهذا هو المضرب عنه ببل التي تضمنتها {أَمْ} أي دع ذلك أحسبوا أن يدخلوا الجنة فترك هذا إلى الخطاب وحصل الالتفات معنى، ومما ذُكر يعلم وجه ربط الآية بما قبلها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ودخول الجنة هنا دخولها بدون سبق عناء وبلوى، وهو دخول الذين استوفوا كل ما وجب عليهم ولم يقصروا في شيء منه، وإلا فإن دخول الجنة محسوب لكل مؤمن ولو لم تأته البأساء والضراء أو أتتهُ ولم يصبر عليها، بمعنى أن الصبر على ذلك وعدم الضجر منه موجب لغفران الذنوب، أو المراد من ذلك أن تنالهم البأساء فيصبروا ولا يرتدوا عن الدين، لذلك فيكون دخول الجنة متوقفًا على الصبر على البأساء والضراء بهذا المعنى، وتطرقُ هاته الحالة سنة من سنن الله تعالى في أَتْباع الرسل في أول ظهور الدين وذلك من أسباب مزيد فضائل اتباع الرسل، فلذلك هُيِّءَ المسلمون لتلقيه من قبل وقوعه لطفًا بهم ليكون حصوله أهون عليهم.
وقد لقي المسلمون في صدر الإسلام من أذى المشركين البأساءَ والضراءَ وأخرجوا من ديارهم وتحملوا مضض الغربة، فلما وردوا المدينة لقُوا من أذى اليهود في أنفسهم وأذى المشركين في قرابتهم وأموالهم بمكة ما كدر عليهم صفو حفاوة الأنصار بهم، كما أن الأنصار لقُوا من ذلك شدة المضايقة في ديارهم بل وفي أموالهم فقد كان الأنصار يعرضون على المهاجرين أن يتنازلوا لهم عن حظ من أموالهم. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان كأنه قيل: ما ذلك المثل؟ أجيب بيانًا بقوله: {مستهم البأساء} أي المصائب في الأموال {والضراء} أي في الأنفس- نقله أبو عبيد الهروي عن الأزهري، والأحسن عندي عكسه، لأن البأس كثير الاستعمار في الحرب والضر كثير الاستعمال في الفقر؛ أي جزاء لهم كما قال الحرالي على ما غيروا مما يجلب كلًا منهما ولكل عمل جزاء {وزلزلوا} لأمور باطنة من خفايا القلوب انتهى. والمعنى أنهم أزعجوا بأنواع البلايا والرزايا والأهوال والأفزاع إزعاجًا شديدًا شبيهًا بالزلزلة التي تكاد تهد الأرض وتدك الجبال. اهـ.

.قال الحرالي:

ذكر قول الرسول الواقع في رتبة الذين آمنوا معه لا قوله فيما يخصه في ذاته وحده ومن هو منه أو متبعه، لأن للنبي ترتبًا فيما يظهر من قول وفعل مع رتب أمته، فكان قول الرسول المنبئ عن حالهم {متى نصر الله} فكأنهم في مثل ترقب المتلدد الحائر الذي كأنه وإن وعد بما هو الحق يوقع له التأخير صورة الذي انبهم عليه الأمر لما يرى من اجتثاث أسباب الفرج، ففي إشعاره إعلام بأن الله سبحانه وتعالى إنما يفرج عن أنبيائه ومن معهم بعد انقطاع أسبابهم ممن سواه ليمتحن قلوبهم للتقوى فتتقدس سرائرهم من الركون لشيء من الخلق وتتعلق ضمائرهم بالله تعالى وحده حتى يقول صلى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» إعلامًا بأن الله سبحانه وتعالى ناصره دون حجاب ولا وسيلة شيء من خلقه، كذلك سنته مع رسله {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا} [غافر: 51] وعلى ذلك جرت خوارق العادات للأولياء وأهل الكرامات لا يكاد يقع لهم إلا عن ضرورة قطع الأسباب، وفي قراءة النصب إعراب بأن غاية الزلزال القول، وفي الرفع إعراب عن غاية الزلزال وأنه أمر مبهم، له وقع في البواطن والظواهر، أحد تلك الظواهر وقوع هذا القول، ففي الرفع إنباء باشتداد الأمر بتأثيره في ظاهر القول وما وراءه- انتهى. وهو في النصب واضح فإن حتى مسلطة على الفعل، وأما في الرفع فهي مقطوعة عن الفعل لأنها لم تعمل فيه لمضيه لتذهب النفس في الغاية كل مذهب ثم استؤنف شيء من بيانها بالفعل. اهـ.