فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمراد بالكثير هنا: مشركو أهل مكة وبقية مشركي العرب المنكرين للبعث ومن ماثلهم من الدهريين.
ولم يعبر هنا ب {أكثر الناس} [العنكبوت: 60] لأن المثبتين للبعث كثيرون مثل أهل الكتاب والصابئة والمجوس والقبط.
{أَوَلَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلهمْ}.
عطف على جملة {أوْ لم يَتَفكروا في أنْفُسهم} [الروم: 8] وهو مثل الذي عطف هو عليه متصل بما يتضمنه قوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 6] أن من أسباب عدم علمهم تكذيبهم الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أنبأهم بالبعث، فلما سيق إليهم دليل حكمة البعث والجزاء بالحق أعقب بإنذارهم موعظة لهم بعواقب الأمم الذين كذبوا رسلهم لأن المقصود هو عاقبة تكذيبهم رسل الله وهو قوله: {وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم} الآية.
والأمر بالسير في الأرض تقدم في قوله تعالى: {قُلْ سيروا في الأرْض ثم انظروا كيفَ كَانَ عَاقبَة المكذبين} في سورة الأنعام (11)، وقوله: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} في سورة العنكبوت (20).
والاستفهام في {أوَلَم يسيروا} تقريري.
وجاء التقرير على النفي للوجه الذي ذكرناه في قوله تعالى: {ألم يروا أنه لا يكلمهم} [الأعراف: 148] وقوله: {ألم يأتكم رسل منكم} في الأنعام (130)، وقوله: {أليس في جهنم مثوىً للكافرين} في آخر العنكبوت (68).
والأرض: اسم للكرة التي عليها الناس.
والنظر: هنا نظر العين لأن قريشًا كانوا يمرّون في أسفارهم إلى الشام على ديار ثمود وقوم لوط وفي أسفارهم إلى اليمن على ديار عاد.
وكيفية العاقبة هي حالة آخر أمرهم من خراب بلادهم وانقطاع أعقابهم فعاضد دلالة التفكر التي في قوله: {أولم يتفكروا في أنفسهم} [الروم: 8] الآية بدلالة الحس بقوله: {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}.
{وكيف} استفهام معلّق فعل {ينظروا} عن مفعوله، فكأنه قيل: فينظروا ثم استؤنف فقيل: كيف كان عاقبة الذين من قبلهم.
والعاقبة: آخر الأمر من الخير والشرّ، بخلاف العُقبى فهي للخير خاصة إلا في مقام المشاكلة، وتقدم ذكر العاقبة في قوله: {والعَاقبَةُ للمُتَّقين} في الأعراف (128).
وقد جمع قوله: {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} وعيدًا على تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وتجهيلًا لإحالتهم الممكنَ، حيث أيقنوا بأن الفرس لا يُغلَبون بعد انتصارهم.
فهذه آثار أمم عظيمة كانت سائدة على الأرض فزال ملكهم وخلت بلادهم من سبب تغلب أمم أخرى عليهم.
والمراد بالذين من قبلهم: عاد وثمود وقوم لوط وأمثالهم الذين شاهد العرب آثارهم.
والمعنى: أنهم كانوا من قبلهم في مثل حالتهم من الشرك وتكذيب الرسل المرسلين إليهم، كما دل عليه قوله عقبه {كانوا أشد منهم قوة} الآية.
{من قَبْلهمْ كانوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأرض وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانَ الله ليَظْلمَهُمْ ولكن كانوا}.
كل أولئك كانوا أشد قوة من قريش وأكثر تعميرًا في الأرض، وكلهم جاءتهم رسل، وكلهم كانت عاقبتهم الاستئصال، كل هذه ما تُقرّ به قريش.
وجملة {كانوا أشد منهم قوة} بيان لجملة {كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}.
والشدة: صلابة جسم، وتستعار بكثرة لقوة صفة من الأوصاف في شيء تشبيهًا لكمال الوصف وتمامه بالصلابة في عسر التحول.
وتقدم في قوله: {وأولوا بأس شديد} في سورة النمل (33).
والقوة: حالة بها يقاوم صاحبها ما يوجب انخرامه، فمن ذلك قوة البدن، وقوة الخشب، وتستعار القوة لما به تُدفع العادية وتستقيم الحالة؛ فهي مجموع صفات يكون بها بقاء الشيء على أكمل أحواله كما في قوله: {نحن أولوا قوة} [النمل: 33] فقوة الأمة مجموع ما به تدفع العوادي عن كيانها وتستبقي صلاح أحوالها من عُدد حربيّة وأموال وأبناء وأزواج.
وحالة مشركي قريش لا تداني أحوال تلك الأمم في القوة، وناهيك بعاد فقد كانوا مضرب الأمثال في القوة في سائر أمورهم، والعرب تصف الشيء العظيم في جنسه بأنه عاديُّ نسبةً إلى عاد.
وعطف {أثاروا} على {كانوا} فهو فعل مشتق من الإثارة بكسر الهمزة، وهي تحريك أجزاء الشيء، فالإثارة: رفع الشيء المستقر وقَلْبُه بعد استقراره، قال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتُثير سحابًا} [الروم: 48] أي: تسوقه وتدفعه من مكان إلى مكان.
وأطلقت الإثارة هنا على قلب تراب الأرض بجعل ما كان باطنًا ظاهرًا وهو الحرث، قال تعالى: {لا ذلول تثير الأرض} [البقرة: 71]، وقال النابغة يصف بقر الوحش إذا حفرت التراب:
يُثرنَ الحصى حتى يباشرن بَرده ** إذا الشمس مجّت ريقها بالكلاكل

ويجوز أن يكون {أثاروا} هنا تمثيلًا لحال شدة تصرفهم في الأرض وتغلبهم على من سواهم بحال من يثير ساكنًا ويهيجه، ومنه أطلقت الثورة على الخروج عن الجماعة.
وهذا الاحتمال أنسب بالمقصود الذي هو وصف الأمم بالقوة والمقدرة من احتمال أن تكون الإثارة بمعنى حرث الأرض لأنه يدخل في العمارة.
وضمير {أثاروا} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {كانوا أشد}.
ومعنى عمارة الأرض: جعلها عامرة غير خلاء وذلك بالبناء والغرس والزرع.
يقال: ضيعة عامرة، أي: معمورة بما تعمر به الضياع، ويقال في ضده: ضيعة غامرة.
ولكون قريش لم تكن لهم إثارة في الأرض بكلا المعنيين إذ كانوا بواد غير ذي زرع لم يقل في هذا الجانب: أكثر مما أثاروها.
وضميرا جمع المذكر في قوله: {وعمروها أكثر مما عمروها} راجع أولهما إلى ما رجع إليه ضمير {أثاروا} وثانيهما إلى ما رجع إليه ضمير يسيروا في الأرض.
ويعرف توزيع الضميرين بالقرينة مثل توزيع الإشارة في قوله تعالى: {هذا من شيعته وهذا من عدوّه} في سورة [القصص: 15] كالضميرين في قول عباس بن مرداس يذكر قتال هوازن يوم حُنين:
عُدنا ولولا نحن أحدقَ جمعُهم ** بالمسلمين وأحرزوا ما جمَّعوا

وتقدم تفصيله عند قوله تعالى: {فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} في سورة يونس (58)، أي عمر الذين من قبلهم الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء، فإن لقريش عمارة في الأرض من غرس قليل وبناء وتفجير ولكنه يتضاءل أمام عمارة الأمم السالفة من عاد وثمود.
وتفريع {فما كان الله ليظلمهم} على قوله: {وجاءتهم رسلهم بالبينات} إيجاز حذف بديع، لأن مجيء الرسل بالبينات يقتضي تصديقًا وتكذيبًا فلما فرع عليه أنهم ظلموا أنفسهم عُلم أنهم كذَّبوا الرسل وأن الله جازاهم على تكذيبهم رسله بأن عاقبهم عقابًا لو كان لغير جرم لشابه الظلم، فجعل من مجموع نفي ظلم الله إياهم ومن إثبات ظلمهم أنفسَهم معرفة أنهم كذَّبوا الرسل وعاندوهم وحلّ بهم ما هو معلوم من مشاهدة ديارهم وتناقل أخبارهم.
والاستدراك ناشىء على ما يقتضيه نفي ظلم الله إياهم من أنهم عوملوا معاملة سيئة لو لم يستحقوها لكانت معاملة ظلم.
وعبر عن ظلمهم أنفسهم بصيغة المضارع للدلالة على استمرار ظلمهم وتكرره وأن الله أمهلهم فلم يقلعوا حتى أخذهم بما دلت عليه تلك العاقبة، والقرينة قوله: {كانوا}.
وتقديم {أنفسهم} وهو مفعول {يظلمون} على فعله للاهتمام بأنفسهم في تسليط ظلمهم عليها لأنه ظلم يتعجب منه، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة.
وليس تقديم المفعول هنا للحصر لأن الحصر حاصل من جملتي النفي والإثبات.
{ثُمَّ كَانَ عَاقبَةَ الَّذينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بآيَات اللَّه وَكَانُوا بهَا يَسْتَهْزئُونَ (10)}.
{ثم} للتراخي الرتبي لأن هذه العاقبة أعظم رتبة في السوء من عذاب الدنيا، فيجوز أن يكون هذا الكلام تذييلًا لحكاية ما حلّ بالأمم السالفة من قوله: {كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} [الروم: 9].
والمعنى: ثم عاقبةُ كل من أساءوا السوأى مثلَهم، فيكون تعريضًا بالتهديد لمشركي العرب كقوله تعالى: {دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} [محمد: 10]، فالمراد ب {الذين أساءوا} كل مسيىء من جنس تلك الإساءة وهي الشرك.
ويجوز أن يكون إنذارًا لمشركي العرب المتحدث عنهم من قوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 6] فيكونوا المراد ب {الذين أساءوا} ويكون إظهارًا في مقام الإضمار على خلاف مقتضى الظاهر لقصد الإيماء بالصلة، أي أن سبب عاقبتهم السوأى هو إساءتهم، وأصل الكلام: ثم كان عاقبتهم السوأى.
وهذا إنذار بعد الموعظة ونص بعد القياس، فإن الله وعظ المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم بعواقب الأمم التي كذبت رسلها ليكونوا على حذر من مثل تلك العاقبة بحكم قياس التمثيل، ثم أعقب تلك الموعظة بالنذارة بأنهم ستكون لهم مثل تلك العاقبة، وأوقع فعل {كان} الماضي في موقع المضارع للتنبيه على تحقيق وقوعه مثل {أتى أمر الله} [النحل: 1] إتمامًا للنذارة.
والعاقبة: الحالة الأخيرة التي تعقب حالة قبلها.
وتقدمت في قوله: {ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} في سورة الأنعام (11)، وقوله: {والعاقبة للتقوى} في سورة طه (132).
{والذين أساءوا} هم كفار قريش، والمراد {بآيات الله} القرآن ومعجزات الرسول.
والسوأى: تأنيث الأسَوإ، أي الحالة الزائدة في الاتصاف بالسوء وهو أشد الشر، كما أن الحسنى مؤنث الأحسن في قوله: {للذين أحسنوا الحسنى} [يونس: 26].
وتعريف {السوأى} تعريف الجنس إذ ليس ثمة عاقبة معهودة.
ويحتمل أن يراد ب {الذين أساءوا} الأمم الذين أثاروا الأرض وعمروها فتكون من وضع الظاهر موضع المضمر توسلًا إلى الحكم عليهم بأنهم أساءوا واستحقوا السوأى وهي جهنم.
وفعل {كان} على ما هو عليه من التنبيه على تحقق الوقوع.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب {عاقبةُ} بالرفع على أصل الترتيب بين اسم كان وخبرها.
وقرأه البقية بالنصب على أنه خبر كان مُقدم على اسمها وهو استعمال كثير.
والفصل بين كان ومرفوعها بالخبر سوغ حذف تاء التأنيث من فعل كان.
و{أن كذبوا} تعليل لكون عاقبتهم السوأى بحذف اللام مع أنْ {وآيات الله} القرآن والمعجزات.
والباء في {بها يستهزئون} للتعدية، وتقديم المجرور للاهتمام بشأن الآيات، وللرعاية على الفاصلة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنْفُسهمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلَّا بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى}.
لما بين جل وعلا أن أكثر الناس وهم الكفار لا يعلمون، ثم ذكر أنهم يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهم غافلون، أنكر عليهم غفلتهم عن الآخرة، مع شدة وضوح أدلتها بقوله: الآية؛ والتفكر التأمل، والنظر العقلي، وأصله إعمال الفكر، والمتأخرون يقولون الفكر في الاصطلاح حركة النفس في المعقولات. وأما حركتها في المحسوسات فهو في الاصطلاح تخييل.
وقال الزمخشري في الكشاف: في أنفسهم يحتمل أن يكون ظرفًا كأنه قيل: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم: أي في قلوبهم الفارغة من الفكر، والفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه: زيادة لحال المتفكرين كقولك: اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك، وأن يكون صلة للتفكر كقولك: تفكر في الأمر أجال فيه فكره، وما خلق متعلق بالقول المحذوف، معناه: أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول. وقيل معناه: فيعلموا، لأن في الكلام دليلًا عليه إلا بالحق، وأجل مسمى أي ما خلقها باطلًا وعبثًا بغير غرض صحيح، وحكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة، وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمى لابد لها أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة، ووقت الحساب، والثواب، والعقاب.
ألا ترى إلى قوله: {أَفَحَسبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثًا، والباء في قوله: إلا بالحق مثلها في قولك: دخلت عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه، تريد: اشتراه وهو متلبس بالسرج واللجام غير منفك عنهما، وكذلك المعنى: ما خلقها إلا وهي متلبسة بالحق مقترنة به.
فإن قلت: إذا جعلت في أنفسهم صلة للتفكر فما معناه؟
قلت: معناه أو لم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم، وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فتدبروا ما أودعها الله ظاهرًا، وباطنًا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الإهمال، وأنه لابد لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكم الذي دبر أمرها على الإحسان إحسانًا، وعلى الإساءة مثلها، حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير، وأنه لابد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت، والمراد بلقاء ربهم الأجل المسمى. انتهى كلام صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة: من أن خلقه تعالى للسماوات والأرض، وما بينهما لا يصح أن يكون باطلًا، ولا عبثًا بل ما خلقهما إلا بالحق، لأنه لو كان خلقهما عبثًا لكان ذلك العبث باطلًا ولعبًا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، بل ما خلقهما وخلق جميع ما فيهما وما بينهما إلا بالحق، وذلك أنه يخلق فيهما الخلائق، ويكلفهم فيأمرهم وينهاهم ويعدهم ويوعدهم، حتى إذا انتهى الأجل المسمى لذلك بعث الخلائق، وجازاهم فيظهر في المؤمنين صفات رحمته ولطفه وجوده وكرمه وسعة رحمته ومغفرته، وتظهر في الكافرين صفات عظمته، وشدة بطشه، وعظم نكاله، وشدة عدله، وإنصافه، دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعبينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إلاَّ بالحق ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إنَّ يَوْمَ الفصل ميقَاتُهُمْ أَجْمَعينَ} [الدخان: 38- 40] فقوله تعالى: {إنَّ يَوْمَ الفصل} الآية بعد قوله: {مَا خَلَقْنَاهُمَآ إلاَّ بالحق} يبين ما ذكرنا. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إلاَّ بالحق وَإنَّ الساعة لآتيَةٌ} [الحجر: 85] الآية.
فقوله تعالى: {وَإنَّ الساعة لآتيَة} بعد قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إلاَّ بالحق} يوضح ذلك، وقد أوضحه تعالى فيه قوله: {وَللَّه مَا في السماوات وَمَا في الأرض ليَجْزيَ الذين أَسَاءُوا بمَا عَملُوا وَيجْزيَ الذين أَحْسَنُوا بالحسنى} [النجم: 31].
وقد بين جل وعلا أن الذين يظنون أنه خلقهما باطلًا لا لحكمة الكفار وهددهم على ذلك الظن الكاذب بالويل من النار، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطلًا ذَلكَ ظَنُّ الذين كَفَرُوا فَوَيْلٌ لّلَّذينَ كَفَرُوا منَ النار} [ص: 27]، وبين جل وعلا أنه لو لم يبعث الخلائق ويجازهم، لكان خلقه لهم أولًا عبثًا، ونزه نفسه عن ذلك العبث سبحانه وتعالى عن كل ما يليق بكماله وجلاله علوًا كبيرًا، وذلك في قوله تعالى: {أَفَحَسبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى الله الملك الحق لاَ إله إلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم} [المؤمنون: 115- 116].