فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله: {فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ}.
وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان:
أحدهما: لما تضمنتها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود.
الثاني: مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ لَكُم سَبْحَةٌ يَوْمَ القيَامَة» أي صلاة.
وقوله: {حينَ تُمْسُونَ} أي صلاة المغرب والعشاء، قاله ابن عباس وابن جبير والضحاك. {وَحينَ تُصْبحُونَ} صلاة الصبح في قولهم أيضًا.
{وَلَهُ الْحَمْدُ في السَّمَوات وَالأَرْض} فيه قولان:
أحدهما: الحمد لله على نعمه وآلائه.
الثاني: الصلاة لاختصاصها بقراءة الحمد في الفاتحة.
{وَعَشّيًا} يعني صلاة العصر.
{وَحينَ تَظْهرُونَ} يعني صلاة الظهر وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.
والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس، وقد روى سفيان عن عاصم أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس: هل تجد في كتاب الله الصلوات الخمس؟ فقرأ هذه الآية.
قال يحيى ابن سلام: كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال: وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة.
{يُخْرجُ الْحَيَّ منَ الْمَيّت وَيُخْرجُ الْمَيّتَ منَ الْحَيّ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي، قاله ابن مسعود وابن عباس وأبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وابن جبير.
الثاني: يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري، ورواه الأسود بن عبد يغوث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: يخرج الدجاجة من البيضة ويخرج البيضة من الدجاج، قاله عكرمة.
الرابع: يخرج النخلة من النواة ويخرج النواة من النخلة؛ والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة، قاله ابن مالك والسدي.
ويحتمل خامسًا: يخرج الفطن اللبيب من العاجز البليد ويخرج العاجز البليد من الفطن اللبيب.
{وَيُحْيى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا} يعني بالنبات لأنه حياة أهلها فصار حياة لها.
ويحتمل ثانيًا: أنه كثرة أهلها لأنهم يحيون مواتها ويعمرون خرابها.
{وَكَذلكَ تُخْرَجُونَ} أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات وأحيا الموتى كذلك يحييكم بالبعث. وفي هذا دليل على صحة القياس. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {فسبحان الله} خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول إذ هذه الفرق هكذا من النعمة والعذاب فجدوا أيها المؤمنون في طريق الفوز برحمة الله، وقال ابن عباس وقتادة وبعض الفقهاء: في هذه الآية على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر، قالوا والعشاء هي الآخرة في آية أخرى في {زلفًا من الليل} [هود: 114] وفي ذكر أوقات العورة، وقال ابن عباس أيضًا وفرقة من الفقهاء: في هذه الآية تنبيه على الصلوات الخمس لأن قوله تعالى: {حين تمسون} يتضمن الصلاتين، وقوله: {وله الحمد في السماوات والأرض} اعتراض بين الكلامين من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته، وقرأ عكرمة {حينًا تمسون وحينًا تصبحون} والمعنى حين تمسون فيه.
{يُخْرجُ الْحَيَّ منَ الْمَيّت وَيُخْرجُ الْمَيّتَ منَ الْحَيّ}.
{الحي} و{الميت} في هذه الآية يستعمل حقيقة ويستعمل مجازًا، فالحقيقة المني يخرج منه الإنسان والبيضة يخرج منها الطائر وهذه بعينها ميتة تخرج من حي وما جرى هذا المجرى، وبهذا المعنى فسر ابن عباس وابن مسعود وقال الحسن: المعنى المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي هذ المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية عندما كلمته بالإسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، والمجاز إخراج النبات الأخضر من الأرض وإخراج الطعم من النبات وما جرى هذا المجرى، ومثل بعد إحياء الأرض بالمطر بعد موتها بالدثور والعطش، ثم بعد هذا الأمثلة القاضية بتجويز بعث الأجساد عقلًا ساق الخبر بأن كذلك خروجنا من القبور. وقرأت فرقة فرقة {يخرجون} بالياء من تحت، وقرأ عامة القرأ {تُخرجون} بالتاء المضمومة، وقرأ الحسن وابن وثاب والأعمش وطلحة بفتح التاء وضم الراء، و{من} في قوله: {ومن آياته أن خلقكم} للتبعيض، وقال: {خلقكم} من حيث خلق أباهم آدم قاله قتادة، و{تنتشرون} معناه تتصرفون وتتفرقون في الأغراض والأسفار ونحوها. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم ذكر ما تُدْرَك به الجنة ويُتباعَد به من النار فقال: {فسُبحَانَ الله حين تُمْسُونَ} قال المفسرون: المعنى: فصلُّوا لله حين تُمسون، أي: حين تدخُلون في المساء {وحين تُصْبحونَ} أي: تدخُلون في الصباح، و{تُظْهرونَ} تدخُلون في الظهيرة، وهي وقت الزَّوال، {وعشيًّا} أي: وسبّحوه عشيًّا.
وهذه الآية قد جمعت الصلوات الخمس، فقوله: {حين تُمسون} يعني به صلاة المغرب والعشاء، {وحين تصبحون} يعني به صلاة الفجر، {وعشيًّا} العصر، {وحين تُظْهرونَ} الظُّهر.
قوله تعالى: {وله الحمد في السموات والأرض} قال ابن عباس: يَحْمَده أهل السموات وأهل الأرض ويصلُّون له.
قوله تعالى: {يُخْرجُ الحيَّ من الميّت} فيه أقوال قد ذكرناها في سورة [آل عمران: 27].
قوله تعالى: {ويُحيي الأرض بعد موتها} أي: يجعلها مُنْبتة بعد أن كانت لا تُنْبت، وتلك حياتها {وكذلك تُخْرَجون} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {تُخْرَجون} بضم التاء، وفتحها حمزة والكسائي؛ والمراد: تخرجون يوم القيامة من الأرض، أي: كما أحيا الأرض بالنبات يُحييكم بالبعث.
قوله تعالى: {ومنْ آياته} أي: من دلائل قدرته {أنْ خلقكم من تراب} يعني آدم، لأنه أصل البشر {ثُمَّ إذا أنتم بَشرٌ} من لحم ودم، يعني ذريته {تَنْتَشرون} أي: تنبسطون في الأرض. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ (17)} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الله} الآية.
فيه ثلاثة أقوال: الأوّل: أنه خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات.
قال ابن عباس: الصلوات الخمس في القرآن؛ قيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ الله حينَ تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء {وَحينَ تُصْبحُونَ} صلاة الفجر {وَعَشيًّا} العصر {وَحينَ تُظْهرُونَ} الظهر؛ وقاله الضحاك وسعيد ابن جبير.
وعن ابن عباس أيضًا وقتادة: أن الآية تنبيه على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر؛ قالوا: والعشاء الآخرة هي في آية أخرى في {وَزُلَفًا مّنَ الليل} [هود: 114] وفي ذكر أوقات العورة.
وقال النحاس: أهل التفسير على أن هذه الآية: {فَسُبْحَانَ الله حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ} في الصلوات.
وسمعت علي بن سليمان يقول: حقيقته عندي: فسبحوا الله في الصلوات.
لأن التسبيح يكون في الصلاة؛ وهو القول الثاني.
والقول الثالث: فسبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون؛ ذكره الماورديّ.
وذكر القول الأوّل، ولفظه فيه: فصلوا لله حين تمسون وحين تصبحون.
وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان: أحدهما: لما تضمنها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود.
الثاني: مأخوذ من السبحة والسبحة الصلاة؛ ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تكون لهم سبحة يوم القيامة» أي صلاة.
الثانية: قوله تعالى: {وَلَهُ الحمد في السماوات والأرض} اعتراض بين الكلام بدؤوب الحمد على نعمه وآلائه.
وقيل: معنى {وَلَهُ الْحَمْدُ} أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد.
والأوّل أظهر؛ فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته؛ فيكون نوعًا آخر خلاف الصلاة، والله أعلم.
وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدّم النهار.
وفي سورة سبحان بدأ بصلاة الظهر إذ هي أوّل صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الماورديّ: وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلبًا في أحوالٍ توجب حمد الله تعالى عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها؛ فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.
الثالثة: قرأ عكرمة {حينًا تُمْسُونَ وَحينًا تُصْبحُونَ} والمعنى: حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه؛ فحذف فيه تخفيفًا؛ والقول فيه كالقول في {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 123].
{وَعَشيًّا} قال الجوهريّ: العشيّ والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة؛ تقول: أتيته عشية أمس وعشيّ أمس.
وتصغير العشيّ: عشيان، على غير قياس مُكَبَّره؛ كأنهم صغّروا عَشْيَانًا، والجمع عُشَيَّانات.
وقيل أيضًا في تصغيره: عُشَيْشَيان، والجمع عُشَيْشيَات.
وتصغير العَشيَّة عُشَيْشيّة، والجمع عُشَيْشيات.
والعشاء بالكسر والمد مثل العشيّ.
والعشاءان المغرب والعتمة.
وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا:
غدونا غدوة سحرًا بليلٍ ** عشاء بعد ما انتصف النهار

الماورديّ: والفرق بين المساء والعشاء: أن المساء بُدُوّ الظلام بعد المغيب، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب، وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس.
{يُخْرجُ الْحَيَّ منَ الْمَيّت وَيُخْرجُ الْمَيّتَ منَ الْحَيّ}.
بيَّن كمال قدرته؛ أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات بعد همودها، كذلك يحييكم بالبعث.
وفي هذا دليل على صحة القياس؛ وقد مضى في آل عمران بيان {يُخْرجُ الحي منَ الميت}.
قوله تعالى: {وَمنْ آيَاته أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أي من علامات رُبُوبيَّته ووَحْدانيّته أن خلقكم من تراب؛ أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل، وقد مضى بيان هذا في الأنعام.
و{أنْ} في موضع رفع بالابتداء وكذا {أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21].
{ثُمَّ إذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشرُونَ} ثم أنتم عقلاء ناطقون تتصرفون فيما هو قوام معايشكم، فلم يكن ليخلقكم عَبَثًا؛ ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَسُبْحَانَ الله حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ وَلَهُ الحمد في السموات والأرض وَعَشيًّا وَحينَ تُظْهرُونَ}.
إثرَ ما بُيّن حالُ فريَقْي المؤمنينَ العاملينَ للصالحات والكافرينَ المكذّبينَ بالآيات وما لهُما من الثَّواب والعذاب أُمروا بما يُنجّي من الثَّاني ويُفضي إلى الأول من تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن كلّ مَا لا يليقُ بشأنه سبحانَهُ ومن حمده تعالى على نعمه العظام، وتقديمُ الأول على الثَّاني لما أنَّ التَّخليةَ متقدّمةٌ على التَّحلية. والفاء لترتيب ما بعدَها على ما قبلَها أي إذا علمتُم ذلك فسبّحوا الله تعالى أي نزّهُوه عمَّا ذكر سبحانَهُ أي تسبيحَه اللائقَ به في هذه الأوقات واحمدُوه فإنَّ الإخبارَ بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على المميّزينَ من أهل السَّموات والأرض في معنى الأمر به على أبلغ وجهٍ وآكده، وتوسيطُه بينَ أوقات التَّسبيح للاعتناء بشأنه والإشعار بأنَّ حقَّهما أنْ يُجمعَ بينَهما كما ينبيءُ عنه قولُه تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بحَمْدكَ} وقولُه تعالى: {فَسَبّحْ بحَمْد رَبّكَ} وقولُه صلى الله عليه وسلم: «من قالَ حينَ يُصبحُ وحينَ يُمسي سبحانَ الله وبحمده مائةَ مرَّةٍ حُطَّت خطاياهُ وإنْ كانتْ مثلَ زَبَد البحر». وقولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَنْ قالَ حينَ يُصبحُ وحينَ يُمسي سبُحانَ الله وبحمده مائةَ مرَّةٍ لم يأت أحدٌ يومَ القيامة بأفضلَ ممَّا جاءَ به إلا أحدٌ قالَ مثلَ ما قالَ أو زادَ عليه». وقولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «كلمتان خفيفتان على اللَّسان ثقيلتان في الميزان سبحانَ الله وبحمده سبحانَ الله العظيم» وغيرُ ذلكَ ممَّا لا يُحصى من الآيات والأحاديث، وتخصيصُهما بتلكَ الأوقات للدّلالة على أنَّ ما يحدثُ فيها من آيات قدُرته وأحكام رحمته ونعمته شواهدُ ناطقةٌ بتنزهه تعالى واستحقاقه الحمدَ وموجبةٌ لتسبيحه وتحميده حتمًا. وقولُه تعالى: {وعشيًَّا} عطفٌ على {حينَ تُمسون} وتقديمُه على حينَ تُظهرون لمُراعاة الفواصل وتغييرُ الأسلوب لمَا أنَّه لا يجيءُ منه الفعلُ بمعنى الدُّخول في العشيّ كالماء والصباح والظَّهيرة، ولعلَّ السرَّ في ذلك أنَّه ليس من الأوقات التي تختلفُ فيها أحوالُ النَّاس وتتغيرُ تغيرًا ظاهرًا مصحّحًا لوصفهم بالخروج عمَّا قبلها والدُّخول فيها كالأوقات المذكورة فإنَّ كلًا منها وقتٌ تتغير فيه الأحوالُ تغيرًا ظاهرًا أمَّا في المساء والصَّباح فظاهرٌ وأمَّا في الظَّهيرة فلأنَّها وقتٌ يعتاد فيه التَّجرُّدُ عن الثياب للقيلولة كما مرَّ في سورة النُّور.
وقيل المرادُ بالتَّسبيح والحمد الصَّلاة لاشتمالها عليهما. وقد رُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أن الآية جامعةٌ للصلوات الخمس تُمسون صلاتا المغرب والعشاء وتُصبحون صلاةُ الفجر وعشيًا صلاةُ العصر وتُظهرون صلاةُ الظُّهر. ولذلك ذهبَ الحسنُ إلى أنَّها مدنيةٌ إذ كان يقول إن الواجبَ بمكَّةَ ركعتان، في أي وقتٍ اتفقتا وإنما فرضت الخمسُ بالمدينة والجمهورُ على أنها فُرضت بمكَّةَ وهو الحقُّ لحديث المعراج وفي آخره هنَّ خمسُ صلواتٍ كل يوم وليلة. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سرَّه أنْ يُكالَ له بالقفيز الأَوفى فليقُل: {فسبحانَ الله حينَ تُمسون وحينَ تُصبحون} الآيةَ» وعنه عليه الصَّلاةُ والسلام: «من قال حين يُصبح {فسبحانَ الله حينَ تُمسون وحينَ تُصبحون}. إلى قوله تعالى: {وكذلك تُخرجونَ} أدرك ما فاتَه في يومه ومن قالَها حينَ يُمسي أدركَ ما فاتَه في ليلته» وقُرئ: {حينا تُمسون وحينا تُصبحون} أي تُمسون فيه وتُصبحون فيه.
{يُخْرجُ الحى منَ الميت} كالإنسان من النطفة والطير من البيضة. {وَيُخْرجُ الميت منَ الحى} النُّطفةَ والبيضةَ من الحيوان {ويُحْيى الأرض} بالنباتَ {بَعْدَ مَوْتهَا} يُبسها {وكذلك} ومثلَ ذلك الإخراجُ {تُخْرَجُونَ} من قبوركم. وقُرئ تَخرُجون بفتح التَّاء وضمّ الرَّاء. وهذا نوعُ تفصيلٍ لقوله تعالى: {الله يبدأُُ الخلقَ ثم يُعيده} {وَمنْ ءاياته} الباهرة الدَّالَّة على أنَّكم تُبعثون دلالةً أوضحَ ممَّا سبق فإنَّ دلالةَ بدء خلقهم على إعادتهم أظهرُ من دلالة إخراج الحيّ من الميت وإخراج الميت من الحيّ ومن دلالة إحياء الأرض بعد موتها عليها {أَنْ خَلَقَكُمْ} أي في ضمن خلق آدمَ عليه السَّلامُ لما مرَّ مرارًا من أنَّ خلقَه عليه الصَّلاة والسَّلام منطوٍ على خلق ذرياته انطواءً إجماليًا {مّن تُرَابٍ} لم يشَمَّ رائحةَ الحياة قطّ ولا مناسبة بينه وبين ما أنتُم عليه في ذاتكم وصفاتكم {ثُمَّ إذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشرُونَ} أي فاجأتُم بعد ذلك وقت كونكم بشرًا تنتشرون في الأرض، وهذا مجمل ما فُصّل في قوله تعالى: {يا أيها الناس إن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّنَ البعث فَإنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ ثُمَّ من نُّطْفَةٍ} الآية. اهـ.