فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان البقاء مستقبلًا باعتبار أواخره وما بعده نزول هذه الآية أظهرت هنا كلمة {إن} التي هي علم في الاستقبال.
والإمام ذهب إلى أن القيام بمعنى الوقوف وعدم النزول ثم قال على ما لخصه بعضهم: ذكرت {إن} هاهنا دون قوله تعالى: {وَمنْ ءاياته يُريكُمُ البرق} [الروم: 4 2] لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن العلم في الاستقبال وجعل مصدرًا ليدل على الثبوت، وإراءة البرق لما كانت من الأمور المتجددة جيء بلفظ المستقبل ولم يذكر معه ما يدل على المصدر اه {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} {إذْ} الأولى شرطية والثانية فجائية نائبة مناب الفاء في الجزاء لاشتراكهما في التعقيب.
والجملة الشرطية قيل: معطوفة على {أَن تَقُومَ} على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض بأمره ثم خروجكم من قبوركم بسرعة إذا دعاكم، وصاحب الكشف يقول: إنها أقيمت مقام المفرد من حيث المعنى وأما من حيث الصورة فهي جملة معطوفة على قوله تعالى: {وَمنْ ءاياته أَن تَقُومَ} وذلك على أسلوب {مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامنًا} [آل عمران: 7 9] وفائدته ما سمعته قريبًا، وظاهر كلام بعض الأفاضل أن العطف عليه ظاهر في عدم قصد عد ما ذكر آية.
واختار أبو السعود عليه الرحمة كون العطف من عطف الجمل وإن المذكور ليس من الآيات قال: حيث كانت آية قيام السماء والأرض بأمره تعالى متأخرة عن سائر الآيات المعدودة متصلة بالبعث في الوجود أخرت عنهن وجعلت متصلة به في الذكر أيضًا فقيل: {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ} الآية، والكلام مسوق للأخبار بوقوع البعث ووجوده بعد انقضاء أجل قيامهما مترتب على تعدد آياته تعالى الدالة عليه غير منتظم في سلكها كما قيل كأنه قيل: ومن آياته قيام السماء والأرض على هيئتها بأمره عز وجل إلى أجل مسمى قدره الله تعالى لقيامهما ثم إذا دعاكم أي بعد انقضاء الأجل في الأرض وأنتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال سبحانه: أيها الموتى اخرجوا فجأتم الخروج منها، ولعل ما أشار إليه صاحب الكشف أدق وأبعد مغزى فتأمل، {وَمنَ الأرض} متعلق بدعا و{منْ} لابتداء الغاية يكفي في ذلك إذا كان الداعي هو الله تعالى نفسه لا الملك بأمره سبحانه كون المدعو فيها يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلى لا بدعوة فإنه إذا جاء نهر الله جل وعلا بطل نهر معقل.
نعم جوز كون ذلك صفة لها وأن يكون حالًا من الضمير المنصوب ولا بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، وقال ابن عطية: إن {منْ} عندي لانتهاء الغاية وأثبت ذلك سيبويه، وقال أبو حيان: إنه قول مردود عند أصحابنا، وظواهر الأخبار أن الموتى يدعون حقيقة للخروج من القبور، وقيل: المراد تشبيه ترتب حصول الخروج على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابه الداعي المطلع على دعائه، ففي الكلام استعارة تمثيلية أو تخييلية ومكنية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم متهيئين لذلك وإثبات الدعوة لهم قرينتها أو هي تصريحية تبعية في قوله تعالى: {دَعَاكُمْ} إلى آخرها، {وثم} إما للتراخي الزماني أو للتراخي الرتبي، والمراد عظم ما في المعطوف من إحياء الموتى في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله تعالى الآتي: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم: 7 2] وكونه أعظم من قيام السماء والأرض لأنه المقصود من الإيجاد والإنشاء وبه استقرار السعداء والأشقياء في الدرجات والدركات وهو المقصود من خلق الأرض والسموات، فاندفع ما قاله ابن المنير من أن مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا مع إن كون المعطوف في مثله أرفع درجة أكثري لا كلي كما صرح به الطيبي فلا مانع من اعتبار التراخي الرتبي لو لم يكن المعطوف أرفع درجة، ويجوز حمل التراخي على مطلق البعد الشامل للزماني والرتبي.
وقرأ السبعة ما عدا حمزة. والكسائي {تُخْرَجُونَ} بضم التاء وفتح الراء، وهذه الآية ذكر أنها مما تقرأ على المصاب، أخرج ابن أبي حاتم عن الأزهر بن عبد الله الجرازي قال: يقرأ على المصاب إذا أخذ {وَمنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بأَمْره ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} وذكر الإمام، وأبو حيان في وجه ترتيب الآيات وتذييل كل منهما بما ذيل كلامًا طويلًا إن احتجته فارجع إليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمنْ آيَاته مَنَامُكُمْ باللَّيْل وَالنَّهَار}.
هذه آية رابعة وهي كائنة في أعراض من أعراض الناس لا يخلو عنها أحد من أفرادهم، إلا أنها أعراض مفارقة غير ملازمة فكانت دون الأعراض التي أقيمت عليها الآية الثالثة ولذلك ذكرت هذه الآية بعدها.
وحالة النوم حالة عجيبة من أحوال الإنسان والحيوان إذ جعل الله له في نظام أعصاب دماغه قانونًا يستردّ به قوة مجموعه العصَبي بعد أن يعتريه فشل الإعياء من إعمال عقله وجسده فيعتريه شبه موت يخدر إدراكه ولا يعطل حركات أعضائه الرئيسية ولكنه يثبطها حتى يبلغ من الزمن مقدارًا كافيًا لاسترجاع قوته فيفيق من نومته وتعود إليه حياته كاملة، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} في سورة البقرة (255).
والمنَام مصدر ميمي للنوم أو هو اسم مصدر.
وقوله: {بالليل والنهار} متعلق ب {منامكم} والباء للظرفية بمعنى في فالناس ينامون بالليل ومنهم من ينام بالنهار في القائلة وبخاصة أهل الأعمال المضنية إذا استراحوا منها في منتصف النهار خصوصًا في البلاد الحارة أو في فصل الحر.
والابتغاء من فضل الله: طلب الرزق بالعمل لأن فضل الله الرزق، وجعل هذا كناية عن الهبوب إلى العمل لأن الابتغاء يستلزم الهبوب من النوم، وذلك آية أخرى لأنه نشاط القوة بعد أن خارت وفشلت.
ولكون ابتغاء الرزق من خصائص النهار أطلق هنا فلم يقيد بالليل والنهار.
ولك أن تجعل عدم تقييده بمثل ما قيد به {منامكم} للاستغناء بدلالة القيد الذي قبله بتقدير: وابتغاؤكم من فضله فيهما، وقد تكلف صاحب الكشاف فجعل الكلام من قبيل اللف والنشر؛ على أن اللف وقع فيه تفريق، ووجَّهه محشيّه القزويني بأن التقديم للاهتمام بآية الليل والنهار.
وقد جعلت دلالات المنام والابتغاء من فضل الله {لقوم يسمعون} لوجهين: أحدهما: أن هذين حالتان متعاورتان على الناس قد اعتادوهما فقلَّ من يتدبر في دلالتهما على دقيق صنع الله تعالى؛ فمعظم الناس في حاجة إلى من يوقفهم على هذه الدلالة ويرشدهم إليها.
وثانيهما: أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحبُ النوم من أحوال نومه لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له وإلا أنه حين يهُبّ من نومه يعلم أنه كان نائمًا؛ فأما حالة النائم في حين نومه ومقدار تنبهه لمن يوقظه وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظًا في وقت نومه.
فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم فلذلك قيل: {لقوم يسمعون} وأيضًا لأن النوم يحول دون الشعور بالمسموعات بادىء ذي بدء قبل أن يحول دون الشعور بالمبصرات.
وأجريت صفة {يسمعون} على {قوم} للإيماء إلى أن السمع متمكّن منهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى: {لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164).
ووجه جعل ذلك آيات لما ينطوي عليه من تعدد الدلالات بتعدد المستدلين وتولد دقائق تلك الآية بعضها عن بعض كما تقدم آنفًا.
ومعنى اللام في قوله: {لقوم يسمعون} كما تقدم في معناه عند قوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم: 21].
{وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}.
تلك آية خامسة وهي متعلقة بالإنسان وليست متصلة به، فإن البرق آية من آيات صنع الله وهو من خلْق القوى الكهربائية النورانية في الأسحبة وجعلها آثارًا مشاهدة، وكم من قوى أمثالها منبثة في العوالم العلوية لا تُشاهد آثارُها.
ومن الحكم الإلهية في كون البرق مرئيًا أن ذلك يثير في النفوس خوفًا من أن يكون الله سلطه عقابًا وطمعًا في أن يكون أراد به خيرًا للناس فيطمعون في نزول المطر، ولذلك أعقبه بقوله: {وينزّل من السماء ماء} فإن نزول المطر مما يخطر بالبال عند ذكر البرق.
وقوله: {من آياته} جار ومجرور يحتاج إلى تقدير كونٍ إن كان ظرفًا مستقرًا، أو إلى متعلَّق إن كان ظرفًا لغوًا.
وموقع هذا الجار والمجرور في هذه الآية وارد على مثل مواقع أمثاله في الآيات السابقة واللاحقة الشبيهة بها، وذلك مما يدعو إلى اعتبار ما يذكر بعد الجار والمجرور في معنى مبتدأ مخبَر عنه بالجار والمجرور المقدم عليه حملًا على نظائره، فيكون المعنى: ومن ءاياته إراءته إياكم البَرق. إلخ.
فلذلك قال أئمة النحو: يجوز هنا جعل الفعل المضارع بمعنى المصدر من غير وجود أن ولا تقديرها، أي من غير نصب المضارع بتقدير أن محذوفة، وجعلوا منه قول عُروة بن الوَرْد:
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ** إلى الإصباح آثر ذي آثار

وقول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري احضُر الوغى

وجعلوا منه قوله تعالى: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} [الزمر: 64] برفع {أعبد} في مشهور القراءات، وقولهم في المثل: تسمع بالمعيديّ خيرٌ من أن تراه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلَّ يوم تطلُع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تحمل عليها متاعه صدقة» وقوله فيه: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة» رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ومن بديع الاستعمال تفنن هذه الآيات في التعبير عن معاني المصدر بأنواع صيغه الواردة في الاستعمال، من تعبير بصيغة صريح المصدر تارة كقوله: {ومن آياته خلق السماوات والأرض} [الروم: 22] وقوله: {وابتغاؤكم من فضله} [الروم: 23]، وبالمصدر الذي ينسبك من اقتران {أن} المصدرية بالفعل الماضي {أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا} [الروم: 21] واقترانها بالفعل المضارع {ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25]، وباسم المصدر تارة {ومن ءاياته منامكم بالليل والنهار} [الروم: 23] ومرة بالفعل المجرد المؤوّل بالمصدر {ومن آياته يريكم البرق} ولك أن تجعل المجرور متعلقًا ب {يريكم} وتكون {من} ابتدائية في موضع الحال من البرق، وتكون جملة {يريكم البرق} معطوفة على جملة {ومن آياته منامكم بالليل والنهار} [الروم: 23]. إلخ.
فيكون تغيير الأسلوب لأن مناط هذه الآية هو تقرير الناس بها إذ هي غير متصلة بذواتهم فليس حظهم منها سوى مشاهدتها والإقرار بأنها آية بينة.
فهذا التقرير كالذي في قوله تعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} [الرعد: 2]، وليتأتى عطف {وينزل من السماء ماء} عليه لأنه تكملة لهذه الآية.
وقوله: {خوفًا وطمعًا} مفعول لأجله معطوف عليه.
والمراد: خوفًا تخافونه وطمعًا تطمعونه.
فالمصدران مؤولان بمعنى الإرادة، أي إرادة أن تخافوا خوفًا وتطمعوا.
وقد تقدم الكلام على البرق في قوله: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا} في سورة الرعد (12).
وتقدم هنالك أن {خوفًا} مفعول له و{طمعًا} كذلك وتوجيه ذلك.
وجعلت هذه الآية آيات لانطوائها على دقائق عظيمة في خلق القوى التي هي أسباب البرق ونزول المطر وخروج النبات من الأرض بعد جفافها وموتها.
ونيط الانتفاع بهذه الآيات بأصحاب صفة العقل لأن العقل المستقيم غير المشوب بعاهة العناد والمكابرة كاففٍ في فهم ما في تلك المذكورات من الدلائل والحكم على نحو ما قرر في نظائره آنفًا.
وإجراء {يعقلون} على لفظ {قوم} للإيماء إلى ما تقدم ذكره آنفًا في مثله.
ومعنى اللام في قوله: {لقوم يعقلون} مثل معنى أختها في قوله: {لقوم يتفكرون} [الروم: 21].
{وَمنْ آيَاته أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بأَمْره}.
ختمت الآيات بهذه الآية السادسة وهي التي دلت على عظيم القدرة على حفظ نظام المخلوقات العظيمة بعد خلقها؛ فخلقُ السماوات والأرض آيةٌ مستقلة تقدمت، وبقاء نظامهما على ممر القرون آية أخرى.
وموقع العبرة من هاته الآية هو أولها وهو أن تقوم السماء والأرض هذا القيام المتقن بأمر الله دون غيره.
فمعنى القيام هنا: البقاء الكامل الذي يشبه بقاء القائم غير المضطجع وغير القاعد من قولهم: قامت السوق، إذا عظم فيها البيع والشراء.
وهذا هو المعبر عنه في قوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41] وقوله: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} [الحج: 65].
والأمر المضاف إلى الله هو أمره التكويني وهو مجموع ما وضعه الله من نظام العالم العلوي والسفلي، ذلك النظامَ الحارس لهما من تطرق الاختلال بإيجاد ذلك النظام.
و{بأمره} متعلق بفعل {تقوم} والباء للسببية.
و{ثم} عاطفة الجملة على الجملة.
والمقصود من الجملة المعطوفة الاحتراس عما قد يتوهم من قوله: {أن تقوم السماء والأرض بأمره} من أبدية وجود السماوات والأرض، فأفادت الجملة أن هذا النظام الأرضي يعتوره الاختلال إذا أراد الله انقضاء العالم الأرضي وإحضار الخلق إلى الحشر تسجيلًا على المشركين بإثبات البعث.
فمضمون جملة {إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} ليس من تمام هذه الآية السادسة ولكنه تكملة وإدماج موجه إلى منكري البعث.
وفي متعلق المجرور في قوله: {منَ الأرْض} اضطراب؛ فالذي ذهب إليه صاحب الكشاف أنه متعلق ب {دعاكم} لأن {دعاكم} لما اشتمل على فاعل ومفعول فالمتعلق بالفعل يجوز أن يكون من شؤون الفاعل ويجوز أن يكون من شؤون المفعول على حسب القرينة، كما تقول: دعوت فلانًا من أعلى الجبل فنزل إليّ، أي دعوته وهو في أعلى الجبل.
وهذا الاستعمال خلاف الغالب ولكن دلت عليه القرينة مع التفصي من أن يكون المجرور متعلقًا ب {تخرجون} لأن ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها، على أن في هذا المنع نظرًا.
ولا يجوز تعليقه ب {دعوة} لعدم اشتمال المصدر على فاعل ومفعول، وهو وجيه وكفاك بذوق قائله.
وأقول: قريب منه قوله تعالى: {أولئك يُنادَوْن من مكان بعيد} [فصلت: 44].
و{من} لابتداء المكان، والمجرور ظرف لغو.
ويجوز أن يكون المجرور حالًا من ضمير النصب في {دَعَاكم} فهو ظرف مستقر.
ويجوز أن يكون {من الأرض} متعلقًا ب {تخرجون} قدم عليه.
وهذا ذكر في مغني اللبيب أنه حكاه عنهم أبو حاتم في كتاب الوقف، وهذا أحسن وأبعد عن التكلف، وعليه فتقديم المجرور للاهتمام تعريضًا بخطئهم إذ أحالوا أن يكون لهم خروج من الأرض عن بعد صيرورتهم فيها في قولهم المحكي عنهم بقوله تعالى: {وقالوا أإذا ضَلَلْنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10] وقولهم: {أإذا كنّا تُرابًا وءاباؤنا أئنّا لمخرجون} [النمل: 67].
وأما قضية تقديم المعمول على {إذا} الفجائية فإذا سلم عدم جوازه فإن التوسع في المجرور والمظروف من حديث البحر، فمن العجب كيف سدّ باب التوسع فيه صاحب مغني اللبيب في الجهة الثانية من الباب الخامس.
وجيء بحرف المفاجأة في قوله: {إذا أنتم تخرجون} لإفادة سرعة خروجهم إلى الحشر كقوله: {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 13، 14] و{إذا} الفجائية تقتضي أن يكون ما بعدها مبتدأ.
وجيء بخبر المبتدأ جملة فعلية لإفادة التقوّي الحاصل من تحمل الفعل ضمير المبتدأ فكأنه أعيد ذكره كما أشار إليه صاحب المفتاح.
وجيء بالمضارع لاستحضار الصورة العجيبة في ذلك الخروج كقوله: {فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون} [يس: 51]. اهـ.