فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{وَهُوَ الذي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ}.
بمعنى المخلوق أي: ينشئهم في الدنيا ابتداء فإنه أنشأ آدم وحواء وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء ثم يميتهم عند انتهاء آجالهم {ثُمَّ يُعيدُهُ} تذكير الضمير باعتبار لفظ الخلق أي: ثم يعيدهم في الآخرة بنفخ صور إسرافيل فيكونون أحياء كما كانوا {وَهُوَ} أي: الإعادة وتذكير الضمير لأنها في تأويل أن يعيدوا لقوله: {أَهْوَنُ عَلَيْه} أي: أسهل وأيسر عليه تعالى من البدء بالإضافة أي: قدركم أيها الإنسان والقياس إلى أصولكم وإلا فهما عليه تعالى سواء إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون سواء هناك مادة أم لا يعني أن ابتداء الشيء أشد عند الخلق من إعادته وإعادته أهون من ابتدائه فتكون الآية واردة على ما يزعمون فيما بينهم ويعتقدون عندهم وإلا فما شق على الله ابتداء الخلق ليكون إعادتهم أهون عليه.
قال بعضهم: أفعل هاهنا بمعنى فعيل أي: أهون بمعنى هين مثل الله أكبر بمعنى كبير قال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتًا دعائمه أعز وأطول

أي عزيزة طويلة.
وفي التأويلات النجمية: يعني الإعادة أهون عليه من البداءة لأن في البداءة كان بنفسه مباشرًا للخليقة وفي الإعادة كان المباشر إسرافيل بنفخته والمباشرة بنفس الغير في العمل أهون من المباشرة بنفسه عند نظر الخلق وعنده سواء لأن أفعال الأغيار أيضًا مخلوقة.
وفيه إشارة أخرى في غاية الدقة واللطافة وهي أن الخلق أهون على الله عند الإعادة منهم عند البداءة لأن في البداءة لم يكونوا متلوثين بلوث الحدوث ولا متدنسين بدنس الشركة في الوجود بأن يكونوا شركاء في الوجود مع الله فلعزتهم في البداءة باشر بنفسه وخلقهم وفي الإعادة لهوانهم باشر بنفسي غيره انتهى.
قال في القاموس: هان هونًا بالضم وهوانًا ومهانة ذل وهونًا سهل فهو هين بالتشديد والتخفيف وأهون {وَلَهُ} أي: تعالى: {الْمَثَلُ الأعْلَى} المثل بمعنى الصفة كما في قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّة الَّتى} (الرعد: 35) {مَثَلُهُمْ في التَّوْرَاة} (الفتح: 29) أي: الوصف الأعلى العجيب الشان من القدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال التي ليس لغيره ما يدانيها فضلًا عما يساويها، ومن فسره بقوله لا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية يعني له الصفة العليا وهو أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره {فى السَّمَاوَات وَالأرْض} متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى أنه تعالى قد وصف به وعرف فيهما على ألسنة الخلائق أي: نطقًا وألسنة الدلائل أي دلالة {وَهُوَ الْعَزيزُ} أي: القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن وإعادته {الْحَكيمُ} الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة.
يقول الفقير: دلت الآية على أن السموات والأرض مشحونة بشواهد وحدته ودلائل قدرته تعالى.
وذلك لأهل البصيرة فإنهم هم المطالعون جمال أنواره والمكاشفون عن حقيقة أسراره والعجب منك أنك إذا دخلت بيت غني فتراه مزينًا بأنواع الزين فلا ينقطع تعجبك عنه ولا تزال تذكره وتصف حسنه طول عمره وأنت تنظر أبدًا إلى الآفاق والأنفس وهي بيوت الله المزينة بأسمائه وصفاته وآثاره المتجلية بقدرته وعجيب آياته ثم أنت فيما شاهدته أعمى عن حقيقته لعمى باطنك وعدم دخولك في بيت القلب الذي بالتفكر المودع فيه يستخرج الحقائق وبالتذكر الموضوع فيه يرجع الإنسان إلى ما هو بالرجوع لائق وبالشهود الذي فيه يرى الآيات ويدرك البينات ولولا هداية الملك المتعال لبقي الخلق في ظلمات الضلال وسرادقات الجلال.
قال بعض الكبار في سبب توبته: كنت مستلقيًا على ظهري فسمعت طيورًا يسبحن فأعرضت عن الدنيا وأقبلت إلى المولى وخرجت في طلب المرشد فلقيت أبا العباس الخضر عليه السلام فقال لي: اذهب إلى الشيخ عبد القادر قدس سره فإني كنت في مجلسه فقال: إن الله تعالى جذب عبدًا إلى جنابه فأرسله إلي إذا لقيته قال: فلما جئت إليه قال: مرحبًا بمن جذبه الرب إليه بألسنة الطير وجمع له كثيرًا من الخير فجميع ما في العالم حجج واضحة وأدلة ساطعة ترشد إلى المقصود فعليك بتوحيد الله تعالى في الليل والنهار فإنه خير أوراد وأذكار قال تعالى: {وَلَذكْرُ اللَّه أَكْبَرُ} (العنكبوت: 45) وذكر الله سبب الحضور وموصل إلى مشاهدة المذكور ولكن الكل بعناية الله الملك الغفور ومن لم يجعل له نورًا فماله من نور:
يا ذا الذي أنس الفؤاد بذكره ** أنت الذي ما أن سواك أريد

تفنى الليالي والزمان بأسره ** وهواك غض في الفؤاد جديد

قال ذو النون المصري قدس سره: رأيت في جبل لكام فتى حسن الوجه حسن الصوت وقد احترق بالعشق والوله فسلمت عليه فرد عليّ السلام وبقي شاخصًا يقول:
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها ** فأنت والروح شيء غير مفترق

إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق ** من أول الليل حتى مطلع الفلق

وما تطابقت الأحداق عن سنة ** إلا رأيتك بين الجفن والحدق

قلت: أخبرني ما الذي حبب إليك الانفراد وقطعتك عن المؤانسين وهيمك في الأودية والجبال فقال حبي له هيمني وشوقي إليه هيجني ووجدي به أفردني ثم قال: ياذا النون أعجبك كلام المجانين قلت: أي: والله واشجاني ثم غاب عني فلم أدر أين ذهب رضي الله عنه وجعل من حاله نصيبًا لأهل الاعتقاد ومن طريقه سلوكًا لأهل الرشاد إنه العزيز الحكيم الجواد والرؤوف بالعباد الرحيم يوم التناد الموصل في الدارين إلى المراد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَهُ مَنْ في السَّمَاوَات وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قَانتُونَ (26)}.
أتبع ذكر إقامة الله تعالى السماوات والأرض بالتذكير بأن كل العقلاء في السماوات والأرض عبيد لله تعالى فيكون من مكملات ما تضمنته جملة {ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25] فعطفت عليها هذه الجملة زيادة لبيان معنى إقامته السماءَ والأرض.
فاللام في قوله: {وله من في السموات والأرض} لام الملك، واللام في قوله: {كل له قانتون} لام التقوية، أي تقوية تعدية العامل إلى معموله لضعف العامل بكونه فرعًا في العَمل، وبتأخيره عن معموله.
وعليه تكون {مَنْ} صادقة على العقلاء كما هو الغالب في استعمالها.
وظاهر معنى القنوت امتثال الأمر، فيجوز أن يكون المعنى: أنهم منقادون لأمره.
وإذ قد كان في العقلاء عصاة كثيرون تعيَّن تأويل القنوت باستعماله في الامتثال لأمر التكوين، أو في الشهادة لله بالوحدانية بدلالة الحال، وهذا هو المقصود هنا لأن هذا الكلام أورد بعد ذكر الآيات الستّ إيرادَ الفذلكة بإثبات الوحدانية فلا يحمل قنوتهم على امتثالهم لما يأمرهم الله به من أمر التكليف مباشرة أو بواسطة لأن المخلوقات متفاوتون في الامتثال للتكليف؛ فالشيطان أمره الله مباشرة بالسجود لآدم فلم يمتثل، وآدم أمره الله مباشرة أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها؛ إلا أن ذلك قبل ابتداء التكليف.
والمخلوقات السماوية ممتثلون لأمره ساعون في مرضاته قال تعالى: {وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27].
وأما المخلوقات الأرضية العقلاء فهم مخلوقون للطاعة قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]، فزيغ الزائغين عن طاعة الله تعالى انحراف منهم عن الفطرة التي فطروا عليها، وهم في انحرافهم متفاوتون؛ فالضالّون الذين أشركوا بالله فجعلوا له أندادًا، والعصاة الذين لم يخرجوا عن توحيده، ولكنهم ربما خالفوا بعض أوامره قليلًا أو كثيرًا، هم في ذلك آخذون بجانب من الإباق متفاوتون فيه.
فجملة {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} معطوفة على جملة {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25].
ويجوز أن تكون جملة {ولَه مَنْ في السَّمَاوات والأرض كُل لهُ قانتُون} تكملة لجملة {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} [الروم: 25] على معنى: وله يومئذ من في السموات والأرض كل له قانتون، فالقنوت بمعنى الامتثال الواقع في ذلك اليوم وهو امتثال الخضوع لأن امتثال التكليف قد انقضى بانقضاء الدنيا، أي لا يسعهم إلا الخضوع فيها يأمر الله به من شأنهم {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24]، فتكون الجملة معطوفة على جملة {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} [الروم: 25].
والقنوت تقدم في قوله: {قانتًا لله حنيفًا} في سورة النحل (120).
{وَهُوَ الَّذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه}.
تقدم نظير صدر هذه الآية في هذه السورة وأعيد هنا ليبنَى عليه قوله: {وهو أهون عليه} تكملة للدليل إذ لم تذكر هذه التكملة هناك.
فهذا ابتداء بتوجيه الكلام إلى المشركين لرجوعه إلى نظيره المسوق إليهم.
وهذا أشبه بالتسليم الجدلي في المناظرة، ذلك لأنهم لما اعترفوا بأن الله هو بادىءُ خلق الإنسان، وأنكروا إعادته بعد الموت، واستُدل عليهم هنالك بقياس المساواة، ولما كان إنكارهم الإعادة بعد الموت متضمنًا تحديد مفعول القدرة الإلهية جاء التنازل في الاستدلال إلى أن تحديد مفعول القدرة لو سلم لهم لكان يقتضي إمكان البعث بقياس الأحرى فإن إعادة المصنوع مرة ثانية أهون على الصانع من صنعته الأولى وأدخل تحت تأثير قدرته فيما تعارفه الناس في مقدوراتهم.
فقوله: {أهون} اسم تفضيل، وموقعه موقع الكلام الموجَّه، فظاهره أن {أهون} مستعمل في معنى المفاضلة على طريقة إرخاء العنان والتسليم الجدلي، أي الخلق الثاني أسهل من الخلق الأول، وهذا في معنى قوله تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} [ق: 15].
ومراده: أن إعادة الخلق مرة ثانية مُساوية لبدْء الخلق في تعلق القدرة الإلهية، فتحمل صيغة التفضيل على معنى قوة الفعل المصوغة له كقوله: {قال ربّ السجنُ أحبُّ إليَّ مما يَدْعُونَني إليه} [يوسف: 33].
وللإشارة إلى أن قوله: {وهو أهون عليه} مجرد تقريب لأفهامهم عقب بقوله: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض} أي ثبت له واستحق الشأن الأتم الذي لا يقاس بشؤون الناس المتعارفة وإنما لقصد التقريب لأفهامكم.
والأعلى: معناه الأعظم البالغ نهاية حقيقة العظمة والقوة.
قال حجة الإسلام في الإحياء: لا طاقة للبشر أن ينفُذوا غَوْر الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفذوا بأبصارهم ضَوءَ الشمس ولكنهم ينالون منها ما تحيا به أبصارهم وقد تأنق بعضهم في التعبير عن وجه اللطف في إيصال معاني الكلام المجيد إلى فهم الإنسان لعلو درجة الكلام المجيد وقصور رتبة الأفهام البشرية فإن الناس إذا أرادوا أن يفهموا الدواب ما يريدون من تقديمها وتأخيرها ونحوه ورأوها تقصر عن فهم الكلام الصادر عن العقول مع حسنه وترتيبه نَزلوا إلى درجة تمييز البهائم وأوصلوا مقاصدهم إليها بأصواتتٍ يضعونها لائقة بها من الصفير ونحوه من الأصوات القريبة من أصواتها. اهـ.
وقوله: {في السموات والأرض} صفة للمثل أو حال منه، أي كان استحقاقه المثل الأعلى مستقرًا في السماوات والأرض، أي في كائنات السماوات والأرض، فالمراد: أهلها، على حدّ {واسأل القرية} [يوسف: 82]، أي هو موصوف بأشرف الصفات وأعظم الشؤون على ألسنة العقلاء وهي الملائكة والبشر المعتد بعقولهم ولا اعتداد بالمعطّلين منهم لسخافة عقولهم وفي دلائل الأدلة الكائنة في السماوات وفي الأرض، فكل تلك الأدلة شاهدة بأن لله المثل الأعلى.
ومن جملة المثَل الأعلى عزته وحكمته تعالى؛ فخُصّا بالذكر هنا لأنهما الصفتان اللتان تظهر آثارهما في الغرض المتحدث عنه وهو بدء الخلق وإعادته؛ فالعزة تقتضي الغنى المطلق فهي تقتضي تمام القدرة.
والحكمة تقتضي عموم العلم.
ومن آثار القدرة والحكمة أنه يعيد الخلق بقدرته وأن الغاية من ذلك الجزاء وهو من حكمته. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَهُ مَنْ في السَّمَاوَات وَالْأَرْض كُلٌّ لَهُ قَانتُونَ (26)}.
نعرف أن من للعاقل، ولنا أن نسأل: لماذا خصَّ العاقل مع أن لك ما في الكون خاضع لله طائع مُسبّح يدخل في دائرة القنوت لله؟ قالوا: لأن التمرد لا يأتي إلا من ناحية العقل؛ لذلك بدأ الله به، أما الجماد الذي لا عقلَ له، فأمره يسير حيث لا يتأبَّى منه شيء على الله، لا الجماد ولا الحيوان ولا النبات.
تأمل مثلًا الحمار تُحمّله القاذورات فيحمل، فإذا رقَّيْته وجعلته مطية للركوب لا يعترض، لا عصى في الأولى، ولا عصى في الأخرى؛ لأنه مُذلَّل لك بتذليل الله، ما ذلَّلته لك بعقلك ولا بقوتك {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم ممَّا عَملَتْ أَيْدينَآ أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 71-72].
وضربنا لذلك مثلًا بالجمل لما ذلَّله الله لك استطاع الغلام الصغير أنْ يقوده ويُنيخه ويركبه ويحمله، أما الثعبان الصغير فيُخيفك رغم صغَره؛ لأن الله لم يُذلّله لك.
ونقف هنا عند قوله تعالى: {مَن في السماوات والأرض} [الروم: 26] فمن في السماوات نعم هم قانتون لله أي: خاضعون له سبحانه، مطيعون لإرادته لأنهم ملائكة مُكرَّمون {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
{يُسَبّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20].
فما بال أهل الأرض، وفيهم ملاحدة وكفار ليسوا قانتين، فكيف إذن نفهم {كُلٌّ لَّهُ قَانتُونَ} [الروم: 26].
قالوا: لأنهم لما تمرَّدوا على الله وكفروا به، أو تمرَّدوا على حكمه فعصَوْه لم يتمردوا بذواتهم، إنما بما خلق الله فيهم من اختيار، ولو أرادهم سبحانه مقهورين ما شذَّ واحد منهم عن مراد ربه، والله عز وجل لا يريد أنْ يحكم الإنسان بقهر القدرة، إنما يريد لعبده أنْ يأتيه طواعية مختارًا، فإمكانه أن يكفر ومع ذلك آمن، وبإمكانه أن يعصي ومع ذلك أطاع.
فلو أرادهم الله مؤمنين ما وجدوا إلى الكفر سبيلًا، ولعصمهم كما عصم الأنبياء، ربك يريدك مؤمنًا عن محبة وإخلاص لا عن قهر وغلبة؛ لذلك قال إبليس في جداله: {فَبعزَّتكَ لأُغْويَنَّهُمْ أَجْمَعينَ إلاَّ عبَادَكَ منْهُمُ المخلصين} [ص: 82-83].
فلا قدرة له على عباد الله المخلصين، الذين اختارهم الله لنفسه، ولا سلطانَ له عليهم، فإبليس إذن ليس في معركة مع ربه، إنما في معركة مع الإنسان. وفي موضع آخر قال تعالى: {إنَّ عبَادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].
ولما عشق هؤلاء المتمرّدون على الله التمرد، وأحبوه زادهم الله منه وأعانهم عليه؛ لأنه سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، فختم على قلوبهم فلا يدخلها إيمان، ولا يخرج منها كفر، وهو سبحانه الغني عن خَلْقه؛ لذلك لما خلق الجنة خلقها لتتسع للناس جميعًا إنْ آمنوا، ولما خلق النار خلقها لتتسع للناس جميعًا إنْ كفروا، وترك لنا سبحانه الاختيار:
{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].