فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَأَقم} من أقام العدو ويقال قوم العود أيضًا إذا عدله، والمراد الأمر بالإقبال على دين الإسلام والاستقامة والثبات عليه والاهتمام بترتيب أسبابه على أن الكلام تمثيل لذلك فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد إليه طرفه وسدد إليه نظره وأقبل عليه بوجه غير ملتفت عنه فكأنه قيل: فعدل وجهك للدين وأقبل عليه إقبالًا كاملًا غير ملتفت يمينًا وشمالًا، وقال بعض الأجلة: إن إقامة الوجه للشيء كناية عن كمال الاهتمام به ولعله أراد بالكناية المجاز المتفرع على الكناية فإنه لا يشترط فيه إمكان إرادة المعنى الحقيقي، ونصب {حَنيفًا} على الحال من الضمير في {أَقم} أو من الدين، وجوز أبو حيان كونه حالًا من الوجه، وأصل الحنف الميل من الضلال إلى الاستقامة وضده الجنف بالجيم {عَبْدُ الله} نصب على الإغراء أي الزموا فطرة الله تعالى، ومن أجاز إضمار أسماء الأفعال جوز أن يقدر هنا عليكم اسم فعل، وقال مكي: هو نصب باضمار فعل أي اتبع فطرة الله ودل عليه قوله تعالى: {فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّينَ} لأن معناه اتبع الدين، واختاره الطيبي وقال: إنه أقرب في تأليف النظم لأنه موافق لقوله تعالى: {بَل اتبع الذين ظَلَمُوا أَهْوَاءهُمْ} ولترتب قوله تعالى: {فَأَقمْ وَجْهَكَ} عليك بالفاء.
وجوز أن يكون نصبًا بإضمار أعني وأن يكون مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف دل عليه ما بعد أي فطركم فطرة الله، ولا يصح عمل فطر المذكر بعد فيه لأنه من صفته، وأن يكون منصوبًا بما دل عليه الجملة السابقة على أن مصدر مؤكد لنفسه.
وأن يكون بدلًا من {حَنيفًا} والمتبادر إلى الذهن النصب على الإغراء، وإضمار الفعل على خطاب الجماعة مع أن المتقدم {فَأَقمْ} هو ما اختاره الزمخشري ليطابق قوله تعالى: {مُّنيبينَ إلَيْه} وجعله حالًا من ضمير الجماعة المسند إليه الفعل، وجعل قوله تعالى: {واتقوه وَأَقيمُوا} {وَلاَ تَكُونُوا} [الروم: 1 3] معطوفًا على ذلك الفعل.
وقال الطيبي: بعدما اختار تقدير اتبع ورجحه بما سمعت: وأما قوله تعالى: {مُّنيبينَ} فهو حال من الضمير في {أَقم} وإنما جمع لأنه مردد على المعنى لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو خطاب لأمته فكأنه قيل: أقيموا وجوهكم منيبين.
وقال الفراء: أي أقم وجهك ومن تبعك كقوله تعالى: {فاستقم كَمَا أُمرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} [هود: 2 11] فلذلك قال سبحانه: {مُّنيبينَ} وفي المرشد أن {مُّنيبينَ} متعلق بمضمر أي كونوا منيبين لقوله تعالى بعد: {وَلاَ تَكُونُوا منَ المشركين} [الروم: 1 3]. اهـ.
ولا يخفى على المنصف حسن كلام الزمخشري، وما ذكر من أن خطابه صلى الله عليه وسلم خطاب الأمة يؤكد الدلالة وعلى ذلك المضمر لا أنه يجوز أن يكون {مُّنيبينَ} حالًا من الضمير في {أَقم} وظاهر كلام الفراء يقتضي كون الحال من مذكور ومحذوف وهو قليل في الكلام، وإضمار كونوا مع إضمار فعل ناصب لفطرة الله موجب لكثرة الإضمار، وإضماره دون إضمار فيما قبل موجب لارتكاب خلاف المتبادر هناك، والفطر على ما قال ابن الأثير للحالة كالجلسة والركبة من الفطرة بمعنى الابتداء والاختراع، وفسرها الكثير هنا بقابلية الحق والتهيء لادراكه، وقالوا: معنى لزومها الجريان على موجبها وعدم الإخلال به باتباع الهوى وتسويل شياطين الإنس والجن، ووصفها بقوله تعالى: {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} لتأكيد وجوب امتثال الأمر، وعن عكرمة تفسيرها بدين الإسلام.
وفي الخبر ما يدل عليه، أخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال: سألت قتادة عن قوله تعالى: {فطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} فقال: حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فطرة الله التي فطر الناس عليها دين الله تعالى» والمراد بفطرهم على دين الإسلام خلقهم قابلين له غير نابين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوبًا للعقل مساوقًا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينًا آخر، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء» والمراد بالناس على التفسرين جميعهم.
وزعم بعضهم أن المراد بهم على التفسير الثاني المؤمنون وليس بشيء.
واستشكل الاستغراق بأنه ورد في الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام أنه طبع على الكفر.
وأجيب بأن معنى ذلك أنه قدر أنه لو عاش يصير كافرًا بإضلال غيره له أو بآفة من الآفات البشرية، وهذا على ما قيل هو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: «الشقي شقي في بطن أمه» وذلك لا ينافي الفطر على دين الإسلام بمعنى خلقه متهيأ له مستعدًا لقبوله فتأمل فالمقام محتاج بعد إلى تحقيق، وقيل: فطرة الله العهد المأخوذ على بني آدم، ومعنى فطرهم على ذلك على ما قيل خلقهم مركوزًا فيهم معرفته تعالى كما أشير إليه بقوله سبحانه: {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 5 2] وقوله سبحانه: {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى أو لوجوب الامتثال به فالمراد بخلق الله فطرته المذكورة أولًا ففيه إقامة المظهر مقام المضمر من غير لفظه السابق، والمعنى لا صحة ولا استقامة لتبديل فطرة الله تعالى بالإخلال بموجبها وعدم ترتيب مقتضاها عليها باتباع الهوى وقبول وسوسة الشياطين، وقيل: المعنى لا يقدر أحد على أن يغير خلق الله سبحانه وفطرته عز وجل فلابد من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسًا ووضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق والتمكن من إدراكه ضرورة، فإن التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعًا فالتعليل حينتذ من جهة أن سلامة الفطرة متحققة في كل أحد فلابد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم الإحلال به بما ذكر من اتباع الهوى ووسوسة الشياطين، وقال الإمام: يحتمل أن يقال: إن الله تعالى خلق خلقه للعبادة وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدًا مثل كون المملوك عبدًا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول: العبادة لتحصيل الكمال وإذا كمل للعبد بها لا يبقى عليه تكليف.
وقول المشركين: إن الناقض لا يصلح لعبادة الله تعالى وإنما يعبد نحو الكواكب وهي عبيد الله تعالى، وقول النصارى: إن عيسى عليه السلام كمل بحلول الله تعالى فيه وصار إلها اه وفيه ما فيه، ومما يستغرب ما روي عن ابن عباس من أن معنى {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} النهي عن خصاء الفحول من الحيوان، وقيل: إن الكلام متعلق بالكفرة كأنه قيل: فأقم وجهك للدين حنيفًا والزم فطرة الله التي فطر الناس عليها فإن هؤلاء الكفرة خلق الله تعالى لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي أنهم لا يفلحون.
وأنت تعلم أنه لا ينبغي حمل كلام الله تعالى على نحو هذا {ذلك} إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة الله تعالى المستفاد من الإغراء أو إلى الفطرة والتذكير باعتبار الخبر أو بتأويل المشار إليه بمذكر {الدين القيم} المستوى الذي لا عوج فيه ولا انحراف عن الحق بوجه من الوجوه كما ينبىء عنه صيغة المبالغة، وأصله قيوم على وزن فيعل اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فيها {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك فيصدون عنه صدودًا.
وقيل: أي لا علم لهم أصلًا ولو علموا لعلموا ذلك على أن الفعل منزل منزلة اللازم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا منْ أَنْفُسكُمْ}.
أُتبع ضرب المثل لإمكان إعادة الخلق عَقبَ دليل بدئه بضربب مثل لإبطال الشرك عقب دليليه المتقدمين في قوله تعالى: {يُخرج الحي من الميت} [الروم: 19] وقوله: {ويحيي الأرض بعد موتها} [الروم: 19] لينتظم الدليل على هذين الأصلين المهمين: أصل الوحدانية، وأصل البعث، وينكشف بالتمثيل والتقريب بعد نهوضه بدليل العقل.
والخطاب للمشركين.
وضرب المثل: إيقاعه ووضعه، وعليه فانتصاب {مثلًا} على المفعول به، أو يراد بضربه جعله ضربًا، أي مثْلًا ونظيرًا، وعليه فانتصاب {مثلًا} على المفعولية المطلقة لأن {مَثَلًا} حينئذ يرادف ضربًا مصدر ضربَ بهذا المعنى.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما} في سورة البقرة (26).
واللام في {لكم} لام التعليل، أي ضرب مثلًا لأجلكم، أي لأجل إفهامكم.
و{من} في قوله: {من أنفسكم} ابتدائية متعلقة ب {ضرَب} أي جعل لكم مثلًا منتزعًا من أنفسكم.
والأنفس هنا جنس الناس كقوله: {فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] أي مثَلًا من أحوال جماعتكم إذ لا تخلو الجماعة عن ناس لهم عبيد وهم يعرفون أحوال العبيد مع سادتهم سواء منهم من يملك عبيدًا ومن لا عبيد له.
فالخطاب لجميع الأمة باعتبار وجود فريق فيهم ينطبق عليهم هذا المثَل.
والاستفهام مستعمل في الإنكار ومناط الإنكار قوله: {فيما رزقناكم} إلى آخره، أي من شركاء لهم هذا الشأن.
و{من} في قوله: {من ما ملكت أيمانكم} تبعيضية، و{من} في قوله: {من شركاء} زائدة مؤكدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري.
فالجمع بين هذه الحروف في كلام واحد من قبيل الجناس التام.
والشركاء: جمع شريك، وهو المشارك في المال لقوله: {فيما رزقناكم} والفاء للتفريع على الشركة، أي فتكونوا متساوين فيما أنتم فيه شركاء.
وجملة {تخافونهم} في موضع الحال من ضمير الفاعل في {سواء} والخوف: انفعال نفساني ينشأ من توقع إصابة مكروه يبقى، وهو هنا التوقي من التفريط في حظوظهم من الأرزاق وليس هو الرعب بقرينة قوله: {كخيفتكم أنفسكم} أي كما تتوقون أنفسكم من إضاعة حقوقكم عندهم.
والأنفس الثاني بمعنى: أنفس الذين لهم شركاء مما ملكت أيمانهم من المخاطبين لأنهم بعض المخاطبين.
وهذا المثل تشبيه هيئة مركبة بهيئة مركبة؛ شبهت الهيئة المنتزعة من زعم المشركين أن الأصنام شركاء لله في التصرف ودافعون عن أوليائهم ما يريده الله من تسلط عقاب أو نحوه إذ زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وهم مع ذلك يعترفون بأنها مخلوقة لله فإنهم يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك.
هذه الهيئة شبهت بهيئة ناس لهم عبيد صاروا شركاء في أرزاق سادتهم شركة على السواء فصار سادتهم يحذرون إذا أرادوا أن يتصرفوا في تلك الأرزاق أن يكون تصرفهم غير مرضي لعبيدهم، وهذا التشبيه وإن كان منصرفًا لمجموع المركب من الهيئتين قد بلغ غاية كمال نظائره إذ هو قابل للتفريق في أجزاء ذلك المركب بتشبيه مالك الخلق كلهم بالذين يملكون عبيدًا، وتشبيه الأصنام التي هي مخلوقة لله تعالى بمماليك الناس، وتشبيه تشريك الأصنام في التصرف مع الخالق في ملكه بتشريك العبيد في التصرف في أرزاق سادتهم، وتشبيه زعمهم عدول الله عن بعض ما يريده في الخلق لأجل تلك الأصنام، وشفاعتها بحذر أصحاب الأرزاق من التصرف في حظوظ عبيدهم الشركاء تصرفًا يأبَوْنه.
فهذه الهيئة المشبه بها هيئة قبيحة مشوهة في العادة لا وجود لأمثالها في عرفهم فكانت الهيئة المشبهةُ منفيةً منكَرة، ولذلك أدخل عليها استفهام الإنكار والجحود ليُنتج أن الصورة المزعومة للأصنام صورة باطلة بطريق التصوير والتشكيل إبرازًا لذلك المعنى الاعتقادي الباطل في الصورة المحسوسة المشوهة الباطلة.
ولذلك عقب بجملة {كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون} أي نفصل الدلائل على الاعتقاد الصحيح تفصيلًا كهذا التفصيل وضوحًا بينًا، وجملة {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} [الروم: 24] استئناف ابتدائي.
والقوم الذين يعقلون هم المتنزهون عن المكابرة والإعراض، والطالبون للحق والحقائق لوفرة عقولهم، فيزدادَ المؤمنون يقينًا ويؤمنَ الغافلون والذين تروج عليهم ضلالات المشركين ثم تنكشف عنهم بمثل هذه الدلائل البينة.
وفي ذكر لفظ {قوم} وإجراء الصفة عليه إيماء إلى أن هذه الآيات لا ينتفع بها إلا من كان العقل من مقومات قوميته كما تقدم في قوله تعالى: {لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164)، وتقدمت له نظائر كثيرة.
والقول في إيثار وصف العقل هنا دون غيره من أوصاف النظر والفكر كالقول فيما تقدم عند قوله: {ومن آياته يريكم البرق خوفًا وطمعًا} إلى قوله: {يعقلون} [الروم: 24].
وفي هذا تعريض بالمتصلبين في شركهم بأنهم ليسوا من أهل العقول، وليسوا ممن ينتفعون كقوله تعالى: {وما يَعْقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] وقوله: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي يَنْعق بما لا يَسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 171].
وقوله: {كذلك} تقدم نظيره في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} [البقرة: 143].
{بَل اتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بغَيْر علْمٍ فَمَنْ يَهْدي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ منْ نَاصرينَ (29)}.
إضراب إبطالي لما تضمنه التعريض الذي في قوله: {كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون} [الروم: 28] إذ اقتضى أن الشأن أن ينتفع الناس بمثل هذا المثل فيُقلع المشركون منهم عن إشراكهم ويَلجُوا حظيرة الإيمان، ولكنهم اتبعوا أهواءهم وما تسوله لهم نفوسهم ولم يطلبوا الحق ويتفهموا دلائله فهم عن العلم بمنأى.
فالتقدير: فما نفعتهم الآيات المفصلة بل اتبعوا أهواءهم.
و{الذين ظلموا} {المشركون} {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] وتقييد اتباع الهوى بأنه بغير علم تشنيع لهذا الاتباع فإنه اتباع شهوة مع جهالة، فإن العالم إذا اتبع الهوى كان متحرزًا من التوغل في هواه لعلمه بفساده، وليس ما هنا مماثلًا لقوله تعالى: {ومن أضل ممنّ اتبع هواه بغير هدىً من الله} [القصص: 50] في أنه قيد كاشف من حيث إن الهوى لا يكون إلا ملتبسًا بمغايرة هدى الله.
والفاء في {فَمَن يهدي} للتفريع، أي يترتب على اتباعهم أهواءهم بغير علم انتفاء الهدى عنهم أبدًا.
و{مَن} اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي فيفيد عموم نفي الهادي لهم، إذ التقدير: لا أحد يهدي من أضل الله لا غيرُهم ولا أنفسُهم، فإنهم من عموم ما صدق {مَن يَهدي}.
ومعنى: {من أضل الله} مَن قَدَّر له الضلال وطبع على قلبه، فإسناد الإضلال إلى الله إسناد لتكوينه على ذلك لا للأمر به وذلك بيّن.
ومعنى انتفاء هاديهم: أن من يحاوله لا يجد له في نفوسهم مسلكًا.
ثم عطف على جملة نفي هداهم خبرٌ آخر عن حالهم وهو {ما لهم من ناصرين} ردًّا على المشركين الزاعمين أنهم إذا أصابوا خطيئة عند الله أن الأصنام تشفع لهم عند الله.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا فطْرَتَ اللَّه الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.
الفاء فصيحة.
والتقدير: إذا علمت أحوال المعرضين عن دلائل الحق فأقم وجهك للدين.
والأمر مستعمل في طلب الدوام.
والمقصود: أن لا تهتم بإعراضهم، كقوله تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي لله ومن اتبعن} [آل عمران: 20] وقوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} [هود: 112] أي من آمن وقوله: {أدْعوا إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتّبعن} [يوسف: 108].